الدكتور حسن الترابي .. زوايا وأبعاد
تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT
اطلعت على مقال رائج منسوب للأستاذ مصطفى عبد العزيز البطل قدّم فيه فذلكة سريعة عن الدكتور حسن الترابي في أحد القروبات الفكرية والإعلامية حيث قدّم مرافعة ضد اتهام الدكتور التربي بقلة الإنتاج الفكري في نقاش دار في تلك المجموعة المتميزة حيث دفع عن الدكتور الشيخ العلامة حسن الترابي تهمة قلة الانتاج الفكري والمؤلفات وعكست المقالة المتداولة ملخص لقدرات الترابي التأصيلية والتجديدية وربط كل ذلك بالعمل السياسي والتنظيمي التجريبي والارتقاء بأداء الحركة الإسلامية خلال خمسين عاماً قضاها في زعامته لها وأتفق معه في كل ما ذكر .
وفي تقديري فإنّ إسهامات الترابي المتعددة تضعه في عدة قوالب سوف أستعرضها في هذه العجالة بصورة موضوعية وغير منحازة وأعلم أنّ هذا عبءٌ كبير سيصيبني منه رشاش من رابطة محبّي ومعجبي الدكتور الترابي الذين يحتفلون بكلّ تقريظ له ولا يطيقون فيه نقداً .. ولكن الدكتور الترابي شخصية عامّة نذر حياته للعمل العام ومن حقه علينا تبيان مناقبه ومثالبه فتلك سنة ماضية منذ أن وجدت الشخصيات العامة فكتب سيرها مفتوحة ونقدها مقبول متى ما التزم ذلك النقد الموضوعية المدعمة بالشواهد والأحداث والتحليل المقبول لها وبالله الإعانة بدءاً وختماً فنقول في ذلك :
١/الترابي قدّم نفسه فقيهاً يفتي في قضايا شرعية وبعضها خلافي مثل افتائه باستمرار عقد نكاح الكتابية التي أسلمت من زوجها الكتابي خلافاً لإجماع الفقهاء بالتفريق بينهما …
وكذلك فتواه بعدم صحة بعض الأحاديث مثل حديث الذبابة وإنكار عذاب القبر ودحض قدوم المهدي المنتظر وجواز الموسيقي والمعازف والرقص والفنون وإمامة المرأة للصلاة الخ ..
وهذه كلها من فتواه التي حدث حولها خلاف كبير.
٢/ وهو أيضاً مفسر للقرآن معتمداً على الشواهد العقلية والعلمية وما يعضدها من معاني اللغة العربية ومصطلحاتها وإن خالفت مأثور التفسير ولا يعبأ كثيراً بالتفسير السلفي أو الأثري مما يجعله في أحيان كثيرة معارضاً في تفسيره لمفاهيم إسلامية مجمع عليها لدى كثير من علماء المسلمين ويوقعه في مرمى النيران من تفسيق ووصفه بالزندقة لدى بعض المدارس السلفية المتشددة .. وأتفق مع كاتب المقال بأن منهج الدكتور الترابي أقرب للفكر المعتزلي ومنهج الكشاف في التفسير.
٣/ الترابي فقيه دستوري وقد ورد أنه حرر دستور السودان للعام ١٩٩٨ لوحده إضافة لخبراته كفقيه دستوري ساهم في كتابة دستور دولة الأمارات العربية المتحدة
٤/ الترابي مفكّر وذو قدرات في التنظير والتخطيط المستقبلي والvision (البصيرة النافذة) واستطاع إنزال تنظيراته إلى واقع عملي حين واتته الظروف بعد انقلابه في العام ١٩٨٩ وهذا نادر الحدوث.
٥/ بدأ صعود نجم الترابي عقب ثورة أكتوبر ١٩٦٤ واستطاع السيطرة على زعامة الحركة الإسلامية بعد معركة قصيرة مع التيار السلفي الإخواني داخلها وتوّج تدشينه السياسي بمصاهرة آل المهدي وتحالفه في الستينات مع صهره الطموح الصادق المهدي ضد عمه الإمام الهادي مما أدّي لشق حزب الأمة لجناحين.
٦/ الأداء السياسي للترابي :
شارك الترابي بتنظيمه الذي يطغى عليه المكوّن الطلابيّ النشط في مناهضة نظام مايو ١٩٦٩ في حقبة سبعينيات القرن الماضي وشارك مع حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي في العمل المسلح ضد نظام نميري (١٩٧٥/ ١٩٧٦) ثم انفرد بمشاركته سلطة مايو بعد خروج الحزبين الآخرين عن المصالحة الوطنية (١٩٧٧) وتسبب ذلك في انشقاق حزبه الصغير احتجاجًا من التيار السلفي الإخواني داخل الحركة الإسلامية على المصالحة مع نظام نميري ومن ثمّ أدّى ذلك إلى فصل / خروج الحركة الإسلامية التي يتزعمها الترابي عن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين عام ١٩٧٨
وفي العام ١٩٨٩ انقلب الترابي على حكومة صهره الصادق المهدي وأودعه الاعتقال مما أجبر صهره على الهروب من السودان متخفياً
وعقب تدبير إنقلاب يونيو ١٩٨٩ أنزل الترابي كل تنظيره في الحكم إلى واقع سياسي
وأحكم الدكتور الترابي قبضته على الدولة السودانية وإدارتها من الباطن ..
ثم قام بتشكيل المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي وأصبح زعيماً للإسلاميين في العالم وأعاد علاقته المتوترة مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين مما جلب علي السودان كثيراً من الحنق العربي والغربي والمقاطعة الاقتصادية لاحقاً
خرج الترابي للعمل السياسي العلني عقب حلّ المجلس العسكري للإنقاذ في العام ١٩٩٣ وإجراء انتخابات صورية فاز الترابي في إحدي دوائرها وتولّى رئاسة البرلمان في أواخر التسعينيات
نتج عن خروج الترابي للمارسة السياسية العلنية احتكاكه مع الرئيس عمر البشير في إدارة الشأن اليومي للدولة ومن ثمّ مواجهته داخل البرلمان وتقديم مقترح لتعديل دستوره الذي حرّره بيده لتقييد صلاحية الرئيس في تعيين ولاة الولايات .. مما أدّى للمفاصلة بين الرئيس والشيخ الرئيس وكوّن الأخير حزب المؤتمر الشعبي ..
وقبل هذه المفاصلة أدّى التدخل المستمر للدكتور الترابي في إدارة الدولة إلى اهتزاز صورة الرئيس عمر البشير وساهم ذلك في التعجيل بالمفاصلة بين الرجلين
وقّع المؤتمر الشعبي مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في جنيف في العام ٢٠٠٠ وبدأ المؤتمر الشعبي حليفاً للحركة الشعبية ومغازلاً للتجمع الوطني الديمقراطي المعارض وخصماً لدوداً للمؤتمر الوطني .. مما أدّى لإيداع الشيخ الترابي في الحبس التحفّظي
التحالفات الجديدة والتنافس الانتهازي بين الفصيلين الإسلاميين الحكومي والمعارض الذي يتزعمه الترابي أعادت تسويق الحركة الشعبية والتجمع الوطني وأجبر ذلك الجيش السوداني المنتصر في صيف العبور ومعارك الجنوب والحكومة السودانية التي انتصرت في معارك التنمية وبوادر ظهور الاستقرار الاقتصادي باستخراج البترول السوداني وتصديره في أواخر التسعينيات للدخول في مفاوضات سلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان والتجمع المعارض وتوقيع بروتوكول مشاكوس واتفاقية نيفاشا التي أدت لانفصال الجنوب لاحقاً واتفاقية القاهرة مع التجمع الديمقراطي.
استمر الترابي وحزبه الصغير في التنسيق مع الحركة الشعبية بعد اتفاق نيفاشا وقدّم المؤتمر الشعبي مرشحاً جنوبياً في انتخابات عام ٢٠١٠ (الدكتور عبد الله دينق نيال) وحرّضوا الحركة الشعبية على عدم سحب مرشحها (ياسر عرمان) من الانتخابات وذلك بغرض تشتيت الأصوات وتقليل فرص الرئيس البشير في الفوز ..
وقد سبق للمؤتمر الشعبي أن أعلن ترحيبه بأن يترشح سلفاكير لرئاسة السودان وذكروا أنهم سوف يؤيدونه إن فعل
اتُهم الدكتور الترابي ومؤتمره الشعبي بتأسيس حركة العدل والمساواة المتمردة والتي حاربت الجيش السوداني وساهمت في إضعافه وقامت بغزوة أمدرمان في مايو ٢٠٠٨ مما أدّى لأن يستعين الجيش لاحقاً بمليشيا الجنجويد في حربه ضد حركتي العدل والمساواة وحركة تحرير السودان (التي تدعمها الحركة الشعبية – SPLA)
وكانت هنالك مقولة رددها الدكتور الترابي بأنه يستطيع حلّ قضية تمرد دارفور في بضعة أيام ممّا يعزز فرضية التآمر ضد الجيش السوداني..
تطورت لاحقاً مليشيا الجنجويد إلى قوات حرس الحدود ثمّ قوات الدعم السريع في العام ٢٠١٣ والتي تقود الآن (٢٠٢٣/ ٢٠٢٤) حرباً ضروساً ضد الدولة السودانية وضدّ الإسلاميين الذين جاءوا بهذه القوات.
٧/ لمحات من شخصية الترابي وأثرها في بعض المواقف والأحداث:
أُشيع عن الدكتور الترابي ردوده اللاذعة لمن يخالفونه الرأي داخل الحركة الإسلامية والتعريض بهم مما جعل الكثيرين يتجنبون الإدلاء بآرائهم أو انتقاده.
استطاع الدكتور الترابي تحمّل وتجاوز انتقادات النميري المهينة لحركته ووصفها بأوصاف جارحة (إخوان لشياطين) وتهميشه له في وظيفة المستشار والتكتم على قوانين سبتمبر ١٩٨٣ إلى لحظة إعلانها الخ ..
وكل سعة الصدر هذه مفهومة في إطار دور الترابي كزعيم للإسلاميين ولكن عندما آلت الأمور للدكتور الترابي في انقلاب يونيو ١٩٨٩ تعمد الترابي الظهور بمظهر القائد الفعلي للدولة ممّا أحرج الرئيس عمر البشير مع السفراء والمسئولين والرؤساء ..
كذلك عند حدوث الإنقلاب فضّل الدكتور الترابي الدخول لسجن كوبر تحسباً لأيّ مسئولية قانونية عند فشل الإنقلاب .. وكان الاتفاق المبدئي بقاؤه بالسجن للستة أشهر الأولى واحتج الدكتور الترابي وأنصاره المقربون داخل الحركة على تطاول مدة حبسه الذي امتد لعام كامل بسبب تقديرات القائمين على الأمر وقتها .. وكان لا ينبغي لهم هذا الاحتجاج إذا كان الأمر قراراً تنظيمياً لأن قيادة الحزب والدولة يكون لها السلطة التقديرية في تحديد مدة الحبس الملائمة ولكن يبدو أنّ الغرض الأساسي من الاعتقال كان يتعلّق بحماية أمن وسلامة رئيس الحزب أكثر من كونه تمويها تكتيكياً ..
ولم يتسن لي التأكّد إن كان ترتيب سجن الدكتور الترابي قراراً تنظيمياً أم خياراً شخصياً ..
تطاول فترة حبس الدكتور الترابي في بداية عهد الإنقاذ خلقت جفوة وعدم ثقة بين الترابي ونائبه علي عثمان .. ووطّدت العلاقة الشخصية الوثيقة بين الأستاذ علي عثمان والرئيس عمر البشير تفاقمت هذه الجفوة عندما آلت القيادة بكاملها إلى الأستاذ علي عثمان خلال فترة غيبوبة الدكتور الترابي بعد اعتداء كندا .. وترتب على هذه الأيلولة اطلاع الأستاذ على كلّ ملفات الحركة السرية التي كان يديرها شيخ حسن منفرداً بما فيها ملف أموال الحركة واستثماراتها ..
وكانت هذه ثالثة الأثافي في تأزيم العلاقة بين الرجلين بعد تعافي أمير الحركة من غيبوبته .. وتفاقمت تلك العلاقة وتأزّمت إلى أن وصلت إلى محطة مذكرة العشرة وما تبعها من مفاصلة في ديسمبر ١٩٩٩ علماً بأنّ الأستاذ علي عثمان نفسه ليس من الموقّعين على هذه المذكرة ولكن يتهمه الترابيون بأنه العقل المدبّر لها ..
حديث ركوب الغرّابية: وهو أشبه بحادثة الإفك في السيرة النبوية حيث تطوع الترابي بالترويج لها للنيل الشخصي من الرئيس عمر البشير وكانت الحرب الأهلية في دارفور على أشدّها في ذلك الوقت ولم يكن ذلك الترويج موفّقاً أو مقبولاً صدوره من زعيم إسلامي في قامته ..
وأخيراً اعترافات الترابي لأحمد منصور في برنامج شاهد على العصر ضد نائبه على عثمان وتجريمه بتدبير محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك – وكان أقرب في أقواله لشاهد الملك منه للزعيم الحزبي – وإصراره على بثّ شهادته بعد وفاته .. مع تبرئة نفسه تماماً من العملية ومعلوم أنه كان الزعيم الأوحد في عام ١٩٩٥م حين جرت محاولة الاغتيال وكانت لا تسقط ورقة في عالم السياسة ولا حبة في ظلمات جهاز الأمن إلا ويعلمها .. ولربما يكون قد قرر التعامي عن التدبير بمنهج التقية الكوبري .. فإن نجحت المحاولة تبناها وإن فشلت نأى بنفسه عنها وأوشي بالفعلة وهو ما يسمّي بمنهج الwin – win عند بني الأصفر الخواجاتيين ..
ختاماً فإنّ الدكتور الترابي من أكثر الشخصيات التي انقسم حولها السودانيون فحين يراه أحبابه ومريدوه من الإسلاميين قائداً أوحد فذّاً وقديساً يرفعونه إلى مرتبة أقرب لمرتبة الأنبياء ويصفه خصومه السياسيين بالدهاء والمكر والشيطنة ويرميه أعداؤه من السلفيين بالزندقة والفسق ..
ولكن من المؤكد أنّ الدكتور الترابي انفرد بقدرات فكرية وتنظيمية عالية إضافة إلى نبوغه في القانون الدستوري وكاريزماه العالية وكان يمكن أن يكون أعظم تأثيراً إذا اقتصر دوره على التفكير والتنظير السياسي وقيادة الحركة وأبويتها (God Father) ونأى بنفسه عن الخوض في تفاصيل السياسة اليومية .. ولكان ذلك خيراً للسودان وأحسن تأويلاً ..
رحم الله شيخ حسن.
بابكر إسماعيل
٢٥/ ٤ /٢٠٢٤
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الرئیس عمر البشیر الحرکة الإسلامیة المؤتمر الشعبی الحرکة الشعبیة الترابی فی علی عثمان فی العام مما أد
إقرأ أيضاً:
عن عُهْر المحايدين .. لوبيات الوزارة وروافع الحركة والقبيلة
طالعت مقالا عاهرا بعنوان عاهر كتبه القيادي بالعدل والمساواة والناطق الرسمي بإسم الحركة حسن إبراهيم فضل ونشر في الصفحة الرسمية للحركة ، وقد كان موضوع المقال ردا على حديث القائد كيكل قائد قوات درع السودان عن حقوق مزارعي مشروع الجزيرة والتزامات وزارة المالية تجاه مشروع الجزيرة، وبالطبع لم يكن الهجوم ضد حركة العدل والمساواة كحركة خرجت من رحم الحياد لبراح الخندقة في الولايات الآمنة وتلقف تمويل المجهود الحربي، ولكن كان الانتقاد والهجوم ضد وزارة المالية الاتحادية التي كان وزيرها في يوم ما مأمون بحيري وفي يوم آخر الشريف حسين الهندي، ولم يأت هؤلاء عبر قبائلهم للوزارة وإنما ببرامجهم وأفكارهم ومنظوماتهم الحزبية.
لكن ما دعى الناطق باسم العدل والمساواة للرد هو أن الحدود قد تلاشت تماما بين الوزارة والحركة والقبيلة والأسرة ، فصار من يستهدف الوزارة تستهدفه آليات القبيلة والحركة والأسرة بكل الأسلحة ومنها اللغة الغثة التي نثرها المدعو حسن فضل في مقاله المتشنج والمحشو بباطل الحديث وبُتّابه، ويتناسى الكاتب في نطقه الكذوب بإسم المؤسسة ذات الرؤوس والمستويات الأربع (الوزارة،الحركة، القبيلة، والأسرة)، يتناسى أن مؤسسته هذه هي مليشيا بالأساس لا يغير من ذلك لبس قادتها لربطات العنق ولا حبل علاقتهم الممدود بالإسلاميين ولا مسكهم لقلم (الشقاء) الذي صلوا به الشعب السوداني البائس بالجبايات والأتاوات ولم يبق لهم إلا يفرضوا الجزية على شعبنا الخارج من صغار مليشيا الأسرة المحتلة لصغار مليشيا الحركة الجابية .
جبريل ابراهيم عميد الأسرة ووزير المالية ورئيس الحركة وشقيق مؤسسها يمارس مهامه ويحيط نفسه بأخوته الأشقاء وغير الأشقاء، وحولهم أنسباؤهم وأصهارهم ومعرضيهم الصغار وحاملي الشنط، مع كثير من الصحفيين وحارقي البخور ونافخي الكير، هذه المؤسسة تدار العلاقات فيها وفقا للمصلحة الزبائنية لا غير، فليس هنالك برنامج سياسي ولحسن الحظ ليست ثمة أيديولوجيا غير أيديولوجيا المال.
في أيامي التي قضيتها بمدينة بورتسودان تيقنت أنه لتستطيع العيش في هذه المدينة والتي يصح أن يطلق عليها (بورتو جبريل) لكي تستطيع العيش بسلام واستقرار يلزم أن يكون لديك صديق واحد على الأقل ينتمي ل (القبيلة المجاهدة) والذي بالضرورة سيكون عضوا قياديا بحركة العدل والمساواة وكذلك بالضرورة سيكون مستشارا بشكل ما أو مساعدا لموظف ما بوزارة المالية، وبذلك سيكون عليما بكل الطرق التي يمكنك عبرها إستخراج التصاديق والإعفاءات والاستثناءات وحيازة امتيازات الإستيراد والتصدير والتعدين والتخليص والتمليص والت*&* وغيره، وهذه الأشياء هي غالب إقتصاد الذين تقطعت بهم سبل العيش في بورتو جبريل ..
يتحدث الشعب السوداني كله عن ماذا تفعل الحركات المسلحة خارج إقليم دارفور ؟ ولماذا يهاجمون كيكل؟ كيكل يدافع عن حق مواطنيه ويتحدث بإسم مشاكلهم وقضاياهم، ويتهم مؤسسات الدولة بالتقصير في حقهم، ويأتي الناطق بإسم الحركة ليرد نيابة عن الدولة !! أنا لا أعد الرد الذي نشره محافظ مشروع الجزيرة ردا على حديث كيكل، وإنما هو إملاء من الحركة له للتملص من واجبه في القيام بدوره والمطالبة بحقوق مزارعي المشروع بنفس الطريقة التي نطق بها كيكل، لكن ما ينطق نيابة عن محافظ المشروع ليس ضميره وإنما مخاوفه من اللوبي الذي يتحكم فيه، اللوبي الذي يمتلك المواقع الإلكترونية والصحفيين ومقدمي البرامج ويمتلك حتى قروبات الواتساب، اللوبي الذي يمارس الابتزاز ضد كل من يخرج من الحزية ليعيده صاغرا لحظيرة رباعي (الوزارة/ المليشيا/ القبيلة) ، فالذين يصفون انحياز حركة جبريل بأنه موقف وطني لا يعرفون الفرق بين الوطني والانتهازي، فالخروج عن الحياد كان موقفا انتهازيا ذكيا في توقيته وطبيعته وطريقة تنفيذه ، ولا أعتقد أن الحركات اليوم تريد أكثر من الذي كسبته خلال فترة الحرب هذه ، وهي ليست بحاجة لأكثر من ذلك، وقد تضخمت لديها المكاسب وتضخمت معها الصراعات والاتهامات بالمحاباة والمحسوبية وكل مجموعة تحمل سكينها خلف ظهرها تخشى بأن الأخرى وتتحسب لما (يدفنه) لها الآخرون، وهذا الأمر من عوامل الفناء الحتمية التي تصيب كل الداخلين لإمتحان السلطة .
فالشعب السوداني كله يعرف أن حركة جبريل وأهله أذكى من أن تغامر بتحدي الدولة والوقوف ضدها ، وكذلك أذكى (بحسابات العقل التجاري) من أن تنخرط بكلياتها في مغامرة يمكن خسارتها حتى وإن كانت لصالح الدولة ، فكل الذي تمارسه الحركة والوزارة هو في هامش اللعب المتاح والمباح، والمايسترو يعلم ذلك جيدا ويصرح به مقابل دور كبير في خطة أكبر، فالمعلوم أن المايسترو لا يهتم بالتدافع الطبيعي بين المكونات ولا الصراعات الصغيرة ، فهو متفرغ لتجويد (الكش مات سكولر) وهي عملية مكونة من أربعة (حركات) كما يعلم لعيبة الشطرنج ..
وما يجدر ذكره أن حركة جبريل والتي يصف متحدثها كيكل ب المتمرد المليشي ، هي حركة فشلت في أن تكون متمردة وفشلت في أن تكون حاكمة، فتمردها الأول انتهي نهايتان أولها في فشل غزو أم درمان الذي يحتفلون به سنويا باسم (الذراع الطويل) حيث دحرتهم هيئة العمليات والنهاية الثانية في قوز دنقو حين دحرهم جيش الدولة بمساندة (مليشيا الجنجويد) ، وبعد ١٥ أبريل جربوا الحياد الجبان وعندما أتضحت الصورة أنخرطوا في المعركة ليكسروا شرط الترتيبات الأمنية الذي يمنع التجنيد الجديد فجندوا عشرات الآلاف من المقاتلين واستولوا على العشرات من مناجم التعدين وأسسوا شركات للمضاربة في كل شئ لتمويل تسليحهم وتشوينهم وحوافز مقاولي الأنفار الذين يوظفونهم والصحفيين الذين يتصدون للحملات المناهضة لتجاوزاتهم، وكذلك الذين يصمتون عنها ..
ومتحدث حركة العدل والمساواة الذي يتشدق بإسناد كافة جرائم مليشيا ال دقلو بالجزيرة للقائد كيكل ، لم يغيب عن باله أن حركته بنت نفسها وطورت تنظيمها على التمرد والقابلية للتمرد والارتزاق في ليبيا وتشاد وغيرها، وإلا فما الداعي لحشد المقاتلين والسلاح خارج مناطق القتال وخارج مناطق مسار دارفور؟؟ وقد أتت الحركة ودخلت تسوية الحكم عبر إتفاقية تتضمن تمثيلهم لإقليم دارفور وحكمه ومن باب أولى الدفاع عنه والتضحية في سبيل أمنه وسلامة إنسانه ..
إن قوات درع السودان والقائد أبو عاقلة كيكل يدافع عنه مواطنيه وحاضنته السياسية والمجتمعية في كل السودان، وهؤلاء كلهم مراقبون جيدون للوضع الأمني والعسكري ويعرفون أين يقف الآن القائد كيكل وقواته وماذا أنجز وماذا كسب مما حققه؟ والقائد كيكل لا يمتلك أي آلة إعلامية تجعل باطل فعله حقا، ولا تقولب حق أعدائه باطلا، فالحكم الشعب السوداني الذي يعرف من يتقدم الصفوف َممن يكسر الصناديق، ومن يقدم الشهداء والجرحى ممن يقدم التصاديق والجبايات الظالمة؟ الشعب السوداني يريد من كافة القوات القيام بدورها في معركة الكرامة والتخلي عن مطاردة مكاسب الدنيا وتقريب الموالين ورفعهم فوق رقاب الناس واستغلال سلطات الدولة في تمكين المجموعات السياسية والكيانات المجتمعية .
ومحافظ مشروع الجزيرة المهندس الزراعي الذي يتصدى للدفاع عن حركة العدل والمساواة ووزارة الحركة مثله مثل عبد السلام الشامي الديناصور السياسي الذي أستقطبوه مع آخرين للسيطرة على شركة الأقطان واتحاد مزارعي مشروع الجزيرة والمناقل والنقابات التي تمثل المواطنين والمزارعين، وحديث المحافظ الخائر عن قانون ٢٠١٤ مع ضعفه وتهافته وتفاهته هو حديث ضعيف بسبب أن قانون ٢٠١٤ نفسه ينص على أن تتولى وزارة المالية الإشراف والرقابة على مشروع الجزيرة لضمان استخدام الموارد المالية بكفاءة، كما تشارك الوزارة في التخطيط المالي للمشروع ، بما في ذلك وضع الخطط المالية الميزانيات،. وكذلك توفر الدعم المالي للمشروع لتنفيذ مشاريع التنمية والبنية التحتية، كذلك من واجبات الوزارة تجاه المشروع أن تعمل على حماية حقوق المزارعين ، بما في ذلك حصولهم على الدعم المالي والخدمات اللازمة،. كما تتولى تحصيل الإيرادات الناتجة عن المشروع ، بما في ذلك الضرائب والرسوم، وتعمل على حماية حقوق المستثمرين، بما في ذلك حصولهم على العوائد المالية المتوقعة.
فهل يعقل أن يتغاضى محافظ المشروع عن كل تلك الواجبات المهملة من وزارة المالية ويقفز للدفاع عن الوزارة ويبرئها من التقصير فقط لأن يريد أن يزيل الحرج السياسي عن رئيس حركة العدل والمساواة ؟؟ هل يعقل أن نرتضي بعد اليوم محافظا للمشروع يحول المشروع لمكتب من مكاتب حركة العدل والمساواة هو واللوبي المرافق له من حبرتجية الحركة المحايدة ؟؟
يوسف عمارة أبوسن
٢٦ أبريل ٢٠٢٥