كيف أدَّى حديث عالم أزهري إلى انهيار الإعلامية ميار الببلاوي؟.. القصة كاملة
تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT
دومًا ما نسمع أنَّ حياة الفنَّان ليست ملكًا له فقط، فالشخصيَّة العامَّة التي حاوطتها أضواء الشُهرة، تظلُّ سيرتها ملكًا للجمهور، وحقًا للبيان، مع مراعاة الاحترام الحياة الخاصَّة ودون الخوض في التفاصيل الحسَّاسة، ما دام هذا ما اقتضته النجومية وأضواء السنيما أو الشاشة الساحرة. وفي الحالة المعروضة تستجد أزمة على الساحة الإعلامية، صاحبتُها إعلامية مشهورة وفنَّانة معتزلة، لمعت في أدوارها؛ حتَّى اتخذت قرارا الاعتزال؛ لتهود بعد فترة نجمة بوجه جديد في تقديم برامج التليفزيون "ميار الببلاوي".
وُلدت منال محمد توفيق واعر الببلاوي أو المعروفة باسم الشهرة "ميار الببلاوي" في 24 ديسمبر 1972، في محافظة أسيوط، درست بكلية الآداب قسم الدراسات اليونانية، بدأت بالعمل في الإعلانات ثم انتقلت إلى السينما والتلفزيون والمسرح عملت بشكل مكثف في التليفزيون خاصة المسلسلات العربية، كما أنَّ لها عددًا من الافلام المصرية والأعمال السعودية.
الاعتزالكانت آخر أعمال ميار الببلاوي التليفزيونية، قبل اختفاءها عن أضواء الفن، مسلسل "اه من حوا" عام 2016، والذي بمشاركة عدد من فنَّاني الوسط سارة سلامة، ورحاب الجمل، ومادلين طبر، وآخرين، حتَّى عادت بتقديم البرامج التليفزيونية آخرها برنامج أحلى عبر قناة الشمس، حاملة شهادة الدكتوراه فى الاعلام والثقافة الإسلامية وسفيرة النوايا الحسنة، حسب صفحتها الشخصية عبر موقع التواصل الاجتماعي انستجرام.
View this post on InstagramA post shared by Dr.mayar elbeblawy (@_mayar_elbeblawy)
بداية القصة
ظهر على صفحة ميار الببلاوي منشور يحمل هذه الفقرة قالت فيه: "أهم لايف في حياتي كله يجمع".
لم يمرّ كثير من الوقت حتى خرجت عبر تصوير مسجَّل بخاصية البث المباشر، منهارة من البكاء قائلة: "«النهارده حصل حاجة عمري ما تخيلتها، أول ما خلصت الهواء صاحبتي كان عندها حاجة في قناة معينة، ومرضتش أسيبها لوحدها، وقلت هروح معاها وأسلم عليها، وأنا داخلة، أنا ورئيسة التحرير بتاعتي لقيت الشيخ الفاضل، وبحتسبه من الشيوخ الأجلاء، ولكن سبحان الله يمكن نزغ شيطان أو فتنة أو حديث نفس، ربنا بيقول (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)، فما بالكم إن اللي قال عني كده شيخ جليل ويخوض في عرضي وشرفي رغم أن كلنا بنحبه وبنسمع كلامه".
استكملت حديثها بانهيار: "أنا زوجة راجل وعمامي بيصرخوا"، مشيرة نحو أنَّ ما تمَّ تداوله سبَّبَ لها الكثير من اللغط والمشكلات في حياتها الأسرية، وهذا ما استدعى أقاربها أن يسألوا عن حقيق ما تمت إثارته من معلومات.
وأضافت الإعلامية: "أول ما شيخنا الجليل شافني وأنا كنت بحبه جدا وبتابعه وأقول نفسي يكون معايا في حلقة، وسلمت عليه، وقال لي إنتِ جيالي علشان حطيتك على المرجيحة امبارح، فقلت له مش فاهمة، فقال لي أصل امبارح كنت جاي عليكِي جامد، فرديت قلت له (شرف ليا، وأنت عمرك ما هتظلمني ونحسبك على خير)، لقيته بيقول لي (اللي أنتي قولتيه مع بسمة)، لكن ما حدش فكر أنه معمول مونتاج علشان يطلع ترند ونص الكلام مقصوص من الفيديو".
خاض في عرضيوتابعت "الببلاوي": "لما شفت الفيديو، لقيته متكلم عليا وحش وخاض في عرضي، حسبي الله ونعم الوكيل فيك، أنا سبت التمثيل وكل حاجة وبشتغل في برنامجي وبين صلاتي وبيتي وتربية ابني ومش عايشة ومش بخرج من بيتي إلا لو شغلي يعني ادفن نفسي مع أمي!".
ولكن ماذا قالت ميار عبر وسائل الإعلام؟
كانت أعلنت الفنانة ميار الببلاوي، عودتها إلى طليقها الأول عبد الله بعد أن تم الانفصال بينهما في عام 2010، وفشلها في العديد من الزيجات على مدار السنوات الأخيرة، معقبة: كان قرار صعب جدا ولكني رجعت للرجل الوحيد اللي حبني في العالم".
وأضافت ميار الببلاوي خلال مشاركتها في برنامج "هي وهما" الذي تقدمه الإعلامية أميرة عبيد على قناة الحدث اليوم، أن أسباب طلاقي المتكرر والذي تجاوز 8 مرات يعود إلى بعض أعمال السحر، فأنا كل يوم 24 ديسمبر لو متزوجة يحدث انفصال.
وحول طريقة وعدد طلاقها من زوجها الحالي، كانت ميار الببلاوي لا تجيب صراحة على بسمة وهبة مقدمة برنامج العرافة، في حلقة الأول من الشهر الجاري، ما أثار الأخيرة حول تهرُّبها من الإجابة المباشرة.
تعليق عالم أزهري على حديث ميار الببلاويوكان أحد علماء الأزهر الشريف، علَّق على حديث سابق للفنانة ميار الببلاوي، التي قالت خلاله: "اتطلقت من زوجي الأول 11 مرة بسبب رغبتي في الإنجاب".
وقال العالم الأزهري، في تصريحات له: الخطب والبرامج الدينية ممكن تشتغل ساعات طويلة، لكن ساعة واحدة من فيلم ممكن تهدم قيم أمة لـ30 سنة قدام، مضيفًا: "مكنتش حابب أتك\لم، لكن بعد أن تكلمت الأخت ميار الببلاوي عن أنها اتطلقت من زوجها 11 مرة وكانت بترجع بمكالمة ولجأوا للمحلل، فهي أعادت للذاكرة فيلم عادل إمام اللي كان فيه دا، وبدأ الناس تتكلم، والبعض بدأ يحتال على الشرع ويلجأ لهذه الطريقة".
هذا احتيالوواصل: "إبراء لذمتي، الإسلام بريء مما قالته ميار الببلاوي شكلا وموضوعا، كلامها لا يمت للدين بصلة، موضحًا: ربنا جعل الطلاق 3 مرات مش 11 مرة، وجعل المرة الثالثة حاسمة وفاصلة"، مردفًا: وأردف العالم الأزهري: هل ينفع لما يتطلقوا 3 مرات يرجعوا ويتفقوا مع واحد ويكتبوا على ورق؟ لا يمكن ذلك وهذا احتيال ولا يصلح، ولو اتجوزت وبيتت النية إنها تزهق الراجل دا علشان يطلقها فلا يصلح"
بين دوافع الغيرة على الدين وحُكم اللعنوأكمل العالم الأزهري: الغيرة عندنا مبدأ إسلامي، والله يغار والنبي يغار، موكدًا: لو الزوجة تزوجت بعد طلاقها 3 مرات وعاشت مع زوجها ما شاء الله لها أن تعيش، فالله قال لو طلقها هذا الزوج فلها أن ترجع لزوجها الأول، مشيرًا: "النبي قال: لعن الله المحلل والمحلل له، يعني مطرودين من رحمة ربنا، يعني اللي اتجوزها باتفاق ملعون، واللي قاعد مستنيها ملعون من رحمة الله، وهناك لفظ معروف التيس".
ولفت العالم الأزهري، الذي وجَّه حديثه للإعلامية بكلمات مثل "الأخت"، و"الست": "الزوج باطل يا ست ميار والرجوع باطل يا ست ميار، ومعندناش طلاق في الإسلام اسمه 11 مرة ومعندناش حاجة اسمها تحليل، لكن عندنا زواج شرعي، إن عاش معها بالمعروف وألا يفارقها بالإحسان، ومعندناش حاجة اسمها ترجع بمكالمة تليفون".
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: العالم الأزهری میار الببلاوی
إقرأ أيضاً:
نحو عالم ما بعد الغرب: الترامبية وإعادة توزيع مناطق النفوذ في العالم
أثناء زيارتي للبرازيل للمشاركة في بعض الأنشطة العلمية، تعرفت على بعض جوانب الفكر السائد هنا والذي يعبر عن تيار معادٍ للمقاربات الكولونيالية الغربية، وذلك من أجل إعادة تشكيل عالم ما بعد الغرب. إنها صيحة من أجل صعود الجنوب العالمي والتي تعبر عنها بعض المؤشرات الجديدة مثل صعود الصين وتوسع مجموعة بريكس وانضمام الاتحاد الأفريقي لمجموعة العشرين وهلم جرا. وفي هذا السياق، جاءت رئاسة دونالد ترامب الثانية للولايات المتحدة، والتي بدأت في عام 2025، لتمثل أحد أعراض التحولات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية العميقة. وربما يمثل هذا العصر الجديد ترسيخاً لإجماع واسع النطاق بين القوى الكبرى والقوى الصاعدة، حيث يعترف الجميع ضمناً أو صراحةً بأن عصر الأحادية القطبية الذي تشكل في أعقاب انهيار الإتحاد السوفيتي قد ولى وراح أوانه.
بيد أن المقلق حقاً أن بعض ملامح الفوضى في النظام الدولي ارتبطت بتراجع نفوذ الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب الثانية، وبدعم من كبار رجال الأعمال في شركات التكنولوجيا الكبرى والنظام المالي المهيمن. ينعكس ذلك في شعار “ماجا” أو “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” استناداً إلى الأسس الإمبريالية في القرن التاسع عشر التي طبقها عدد من رؤساء الولايات المتحدة آنذاك. وعليه، من أجل فهم سياسات إدارة ترامب الثانية ينبغي العودة إلى الوراء عند بداية تشكيل السياسات التوسعية الأمريكية.
استلهام العصر الذهبي للتعددية القطبية
من الواضح أن دونالد ترامب استلهم سياسات أربعة رؤساء أمريكيين من القرنين التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حيث دمج إرثهم في استراتيجيته السياسية. كان الأول هو جيمس مونرو (1817–1825)، الذي عُرف بـ”مبدأ مونرو” الرافض للتدخل الأوروبي في الأمريكتين، ولعل تأثيره واضح على سياسة ترامب الخارجية “أمريكا أولاً”، التي ركزت على السيادة الوطنية ومقاومة العولمة (الانعزالية الجديدة). أما الرئيس الثاني فهو أندرو جاكسون (1829–1837)، الزعيم الشعبوي المدافع عن “الرجل العادي”، والذي روّج لواحدة من أكبر عمليات الإبادة الجماعية للشعوب الأصلية بإصداره قانون إبعاد الهنود عام 1830. لقد ألهم جاكسون خطاب ترامب المناهض للنخبة بحسبانه شخصية من خارج المؤسسة، وبسبب جاذبيته للناخبين من الطبقة العاملة.
ومن جهة ثالثة أصبح ويليام ماكينلي (1897–1901)، المُلقب بـ”رجل التعريفات” بسبب سياساته التجارية الحمائية نموذجاً لاستخدام ترامب العدواني للتعريفات الجمركية لحماية الصناعات الأمريكية. لقد صعد كل من ويليام ماكينلي ودونالد ترامب إلى الصدارة من خلال الدعوة إلى سياسات تجارية حمائية، حيث اشتهر ماكينلي بقوله أنه “رجل التعريفة الجمركية”. رأى كلا الرئيسين أن التعريفات الجمركية أداة لحماية الصناعات والوظائف الأمريكية من المنافسة الأجنبية. لقد فضل ماكينلي، مثل ترامب، في البداية تعريفات عالية على السلع، كما يتضح من قانون تعريفة ماكينلي في 1 أكتوبر 1890، الذي رفع متوسط الرسوم على الواردات إلى 49.5٪. ومع ذلك، تطور نهج ماكينلي عندما أدرك إمكانية المعاملة بالمثل التجارية وحاجة أمريكا إلى أن تصبح دولة تجارية. بحلول الوقت الذي أصبح فيه رئيساً في 1897، دافع ماكينلي عن خفض الحواجز التجارية من خلال اتفاقيات متبادلة، وفي خطابه الأخير في 5 سبتمبر 1901، أكد أن “الحروب التجارية غير مربحة”. من ناحية أخرى، تبنى ترامب موقفاً أكثر صدامية، عندما قرر في وقت سابق من هذا العام تطوير التعريفات الجمركية المتبادلة على الواردات إلى الولايات المتحدة، وذلك في إطار الوفاء بوعده الانتخابي “العين بالعين” بشأن مسائل التجارة العالمية. في حين أن كلا الرئيسين قد اشتركا في تركيز أوّلي على الحمائية، فإن تحول ماكينلي في النهاية نحو المعاملة بالمثل التجارية يقدم درساً مفيداً لترامب، لا سيما في مسالة المرونة والقدرة على التكيف في العلاقات المعقدة مع القوى الاقتصادية مثل الصين. ويقترح روبرت ميري، كاتب سيرة ماكينلي، أن ترامب يجب أن يفكر في تطور سياسات ماكينلي، مع الاعتراف بأنه في حين أن التعريفات يمكن أن تحمي العمال الأمريكيين في البداية، فإن اتباع مقاربة أكثر دقة في التجارة أمر ضروري لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام والتعاون الدولي.
أخيراً، أثر الرئيس ثيودور روزفلت (1901–1909)، الذي ركز على القوة الوطنية والقيادة العالمية الحازمة، على خطاب ترامب حول استعادة الهيمنة الأمريكية، وإن كان ترامب قد ابتعد عن الإصلاحات التقدمية لروزفلت. ولاشك أن هذه الشخصيات التاريخية أسهمت في تشكيل التركيبة الشخصية المعقدة للرئيس ترامب والتي تجمع بين الشعبوية والحماية الاقتصادية والنزعة الوطنية، وذلك بما يتناسب مع التحديات السياسية والاقتصادية الحديثة.
نحو تعددية قطبية مغايرة
لقد برزت الولايات المتحدة كقوة عظمى صاعدة خلال القرن التاسع عشر، حيث عززت هيمنتها الإقليمية في الأمريكتين عبر سردية “مبدأ مونرو”، بينما شرعت في الانغماس المتزايد بالشئون العالمية، متحديةً بذلك التقسيمات التقليدية لمناطق النفوذ في الصين التي رسمتها القوى الأوروبية. وفي هذا السياق، أعلنت واشنطن عن ضرورة منح جميع الدول حقوقاً متساوية في التجارة مع الصين، وهو الموقف الذي عُرف لاحقاً باسم سياسة “الباب المفتوح” أواخر القرن ذاته، بهدف إعادة توزيع مناطق النفوذ القائمة والحفاظ على امتيازات متكافئة للقوى الاستعمارية الغربية. وعلى الصعيد الأمريكي، ارتكز “مبدأ مونرو” على فكرة “مناطق النفوذ”، بالادعاء بأحقية الولايات المتحدة في اعتبار القارة الأمريكية بأكملها بمثابة “حديقة خلفية” لها، مع إصرارها على إبعاد القوى الأوروبية وغيرها خارج النصف الغربي من الكرة الأرضية، حيث مثلت أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي النطاق الجغرافي الطبيعي لهذه الهيمنة الصاعدة في إطار التشكيل الاجتماعي الرأسمالي الأمريكي.
ومن جهة ثانية، شكلت حقبة الحرب الباردة النموذج الأكثر وضوحاً لتقسيم العالم إلى مناطق نفوذ بين الكتلة الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة والكتلة الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفييتي، حيث تجسد هذا التقسيم عبر تحالفات عسكرية مثل حلف الناتو وحلف وارسو، مع تهديد دائم بالرعب النووي والدمار المتبادل. وقد خلّف هذا النظام الثنائي القطبية إرثاً من “الحروب بالوكالة” في العالم الثالث، التي تحولت إلى ساحات لتصفية حسابات القوى العظمى، فيما قاومت دول الجنوب هذا الترسيم عبر مبادرات مثل مؤتمر باندونج الأفروآسيوي (1955) وحركة عدم الانحياز، بالإضافة إلى مؤتمر بانكوك لحقوق الإنسان (1993) الذي دافع عن رؤية ثقافية نسبية لحقوق الإنسان مع التركيز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية كشرط أساسي لها، مؤكداً على مبادئ السيادة الوطنية وعدم التدخل.
أما في الوقت الراهن وفي مرحلة ما بعد الحرب الباردة، يواجه دونالد ترامب في ولايته الثانية- سيناريو تعددية قطبية مختلفة جذرياً عن نموذج القرن التاسع عشر الإمبريالي، حيث تُعبّر التعددية الحالية عن “تعددية بعيدة عن المركزية الأوروبية” تبرز فيها مراكز قوى جديدة، خاصة في آسيا بقيادة الصين، كواقع تاريخي في ظل الفوضى النظامية العالمية. ولا يخفى أن الغرب يعيش في هذا الإطار أزمات اجتماعية وسياسية متصاعدة، بينما تتصاعد قوة الصين كتحدٍّ للنظام الرأسمالي الاستقطابي، في مشهد يعيد ترتيب التوقعات الجيوسياسية ويسلط الضوء على استحالة استعادة الهيمنة الأمريكية عبر النيوليبرالية. وعلى الرغم من أن إدارة ترامب تسعى إلى إحياء نموذج القرن التاسع عشر في تحديد مناطق النفوذ عبر اتفاقيات صريحة وضمنية مع القوى الكبرى، يظل التساؤل المركزي حول استعداد قوى مثل الصين وروسيا لتقاسم هذه الرؤية القائمة على التقسيم الإمبريالي الجديد.
مرحلة الفوضى أو النظام الذي لم يولد بعد؟
غالباً ما يتم تحليل مشهد النظام الدولي المتحول من خلال أطر مختلفة، مع وجود نموذجين بارزين هما النظام العالمي “جي -صفر” أو (G- 0) ومجلس القوى الجديد. ويتميز النظام العالمي “جي-صفر” الذي اقترحه ايان بريمر بغياب القيادة العالمية، مما يؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار وتوفير مزايا لجهات فاعلة معينة. ولاشك أن هذه البيئة تدعم صعود القوى الإقليمية وتشكل تحديات للتعاون الدولي، كما يتضح في الحالات التي تسعى فيها دول أو تكتلات منفردة إلى مصالحها دون وجود استراتيجية عالمية متماسكة. على سبيل المثال، توضح الاختلافات في مقاربات التخفيف من تغير المناخ بين الدول الكبرى هذا النقص في القيادة الموحدة. في المقابل، يتصور مجلس القوى الجديد مجموعة توجيهية تتكون من ستة فاعلين عالميين: ربما يمكن الحديث عن الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا واليابان والاتحاد الأوروبي. وتهدف هذه المجموعة إلى التخفيف من حدة التنافس بين القوى الكبرى ومعالجة التهديدات العابرة للحدود الوطنية مع الحفاظ على القيم الأساسية مثل السيادة والسلامة الإقليمية. مثال على ذلك يمكن أن تكون الجهود المشتركة التي تبذلها هذه القوى لمكافحة الأوبئة العالمية أو لوضع معايير للأمن السيبراني، مما يعكس اتباع مقاربة موحدة بشان التنسيق لمواجهة التحديات المشتركة. وربما يعكس هذا النموذج مفهوم مجلس أوروبا في القرن التاسع عشر.
ختاماً، فإن صعود الجنوب العالمي في عصر الترامبية يعكس تحولاً جوهرياً في النظام العالمي، حيث تسعى الدول النامية إلى تعزيز استقلالها السياسي والاقتصادي وسط تراجع الهيمنة الغربية التقليدية. ولعل قيام البرازيل بإعادة فرض التأشيرات على مواطني الولايات المتحدة وكندا وأستراليا يقدم في دلالته الرمزية تعبيراً عن القدرة على الرد. وفي مواجهة السياسات الإمبريالية متعددة الأقطاب التي تتبناها إدارة ترامب، يقدم الجنوب العالمي نموذجاً بديلاً للتعاون الدولي يرتكز على مبادئ باندونج وعدم التدخل واحترام السيادة. وعليه، يصبح الجنوب العالمي مع تصاعد المنافسة بين القوى الكبرى محوراً أساسياً في تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب، حيث تلعب مبادرات مثل مجموعة بريكس ومبادرة الحزام والطريق دوراً محورياً في تعزيز التعاون بين دول الجنوب. ومع ذلك، فإن هذا التحول لا يخلو من التحديات، إذ يتطلب ذلك تحقيق توازن دقيق بين القوى العالمية المتنافسة وتعزيز التعاون الإقليمي لضمان التنمية المستدامة والحوكمة العادلة.
أ. د. حمدي عبد الرحمن حسن – بوابة الأهرام اليوم
أستاذ العلوم السياسية في جامعتي زايد والقاهرة