سواليف:
2025-01-18@05:19:21 GMT

كبسلوا… نحن في عصر الكبسلة!

تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT

كبسلوا… نحن في #عصر_الكبسلة!

د. #فيصل_القاسم

أكثر ما يُضحكني في النظريات الماركسية والشيوعية والاشتراكية عموماً أنها أعطت للشعوب حجماً وقيمة وأهمية أكبر من حجمها الحقيقي بكثير، فالماركسيون مثلاً لطالما تغنوا بالبروليتاريا وقوة البروليتاريا وتأثيرها في حركة التاريخ وصنعه. وقد وصل الأمر بهم إلى القول مثلاً: «لو لم يكن نابليون موجوداً لصنعت الجماهير شخصاً آخر بحجم نابليون ليغير التاريخ كما غيره نابليون».


بعبارة أخرى، فالنظرية الماركسية لا تعطي للأشخاص أهمية كبرى في صنع التاريخ، بل تعتبرهم مجرد أدوات في أيدي الشعوب، وهي برأيهم الصانع والمحرك الحقيقي لعجلة التاريخ. لكن الزمن الذي نعيشه اليوم جعل من نظريات ماركس وغيره من الشعبويين أضحوكة. لماذا وكيف؟
ببساطة لأن هناك أمامنا منذ عقود وعقود ألف دليل وبرهان على أن الشعوب مجرد عتلات تستخدمها الطبقات العليا ومن يسميهم توماس كارلايل بالأبطال الذين يقودون القطعان ويحركونها ويستخدمونها كيفما يشاؤون حسبما تقتضي مصلحتهم. نحن باختصار مجرد عجينة في أيدي صانعي التاريخ والحياة بشكل عام، يصنعون منها شكل الخبز الذي يريدون. نحن بلا حول ولا قوة، نحن مواد أولية لا أكثر ولا أقل في لعبة أكبر منا بكثير. وكي لا نذهب بعيداً، فنحن صنيعة الأنظمة السياسية والدينية والتربوية والتعليمية والثقافية التي وضعتها الحكومات، ومهما حاولنا التحرر من تلك الأنظمة نبقى عبيداً في أيديها، فما بالك إذا كانت بعض الأنظمة كالنظام الأمريكي مثلاِ تملك كل وسائل التطويع والتوجيه والتعبئة بكل أشكالها، كما تملك أيضاً أعظم أنواع التكنولوجيا التي صنعها الآن، بالإضافة طبعاً إلى الرصيد المالي القادر على التحكم بكل الدول والأنظمة دون استثناء وتركيعها وتطويعها في الاتجاه الذي يريده سادة العالم، فما بالك إذاً بالشعوب المغلوبة على أمرها التي لا تستطيع أصلاً الخروج من القوقعة التي وضعتها فيها أنظمتها الدائرة في الفلك الأمريكي خصوصاً والغربي عموماً؟ وكي لا نسهب، فنحن لسنا أكثر من عتلات صغيرة في المجتمعات التي يصنعها الكبار ويطورونها ويغيرونها حسب مصالحهم باستمرار. وإذا كانت الأنظمة الوكيلة قادرة على نقل الشعوب بين الحين والآخر من دين إلى آخر، حسبما تفرضه مصالح مشغليها وموجهيها الكبار، فإن الكبار أنفسهم هم الذين، في واقع الأمر، يتحكمون بكل المجتمعات والبشرية جمعاء ويفرضون عليه أسلوب الحياة والعيش الذي يناسبهم ويخدم توجهاتهم.

تلعب التكنولوجيا الدور الأكبر بجانب الاقتصاد في عملية قولبة الإنسان وتسييره وتوجيهه وتشكيله، فهو مهما تطور يبقى مجرد فأر تجارب في أيدي أصحاب الاقتصاد والتكنولوجيا والمال

وكي لا نغمط ماركس حقه في كل شيء، لا بد أن نستذكر هنا نظريته الصائبة التي تقول إن الواقع الاقتصادي هو الذي يحدد ويصنع الواقع الاجتماعي، أي أن كل شيء مرتبط بالاقتصاد وطرق الإنتاج والاستهلاك، فهي التي تصنع وتقوّلب الإنسان حسب مصلحتها. واليوم تلعب التكنولوجيا الدور الأكبر بجانب الاقتصاد في عملية قولبة الإنسان وتسييره وتوجيهه وتشكيله، فهو مهما تطور يبقى مجرد فأر تجارب في أيدي أصحاب الاقتصاد والتكنولوجيا والمال. اليوم مثلاً نحن نعيش اليوم في عصر ما يُسمى بالكبسلة، كل شيء يحولونه إلى كبسولة صغيرة. كل شيء كبير يجب أن يختصر من حجمه كي يناسب المزاج العام. الموبايل مثلاً اختصر الراديو والتلفزيون والمسجلة والطابعة والكاميرا والميكروفون والتليفون والكثير من الأجهزة في جهاز واحد. تاريخ الإنسان كله وسجلاته ستصبح بحجم حبة الأرز مزروعة في جسده.
واليوم إذا جاءنا فيديو أطول من نصف دقيقة نعتبره طويلاً ومملاً. وكل منشور على مواقع التواصل يزيد عن سطر ونصف نراه طويلاً. وقد جاء موقع «تويتر» (أكس) ليفرض على الكاتب أن يكبسل أفكاره المتشعبة بجملة أو اثنتين. وعندما نكتب مقالاً اليوم يزيد عن خمسمائة كلمة نعتبره طويلاً، ولن يقرأه إلا القلة. من يقرأ اليوم الكتب في عصر المنشورات القزمية؟ من يقرأ حتى المقالات القصيرة؟ وحتى الجرائد التي مازالت تصدر ورقياً فقدت نصف حجمها. من يشاهد اليوم فيلماً وثائقياً أو برنامجاً تلفزيونياً حتى آخره إلا إذا كان غاية في المتعة والتشويق؟
وبما أنه ليس بأيدينا أو مقدورنا أي شيء سوى استهلاك أنماط وأساليب الحياة المتجددة دائماً المفروضة علينا بقوة التكنولوجيا والاقتصاد، وخاصة في العقود القليلة الماضية التي تقدمت خلالها البشرية أكثر مما تقدمت على مدى قرون ماضية، فلا يسعنا إلا أن نطرح الأسئلة وعلامات الاستفهام والتعجب حول هذا التطور الرهيب الذي تخضع له البشرية شاءت أم أبت. أين نحن ذاهبون؟ ومن المستفيد الأكبر من هذه التحولات العلمية والتكنولوجية المدهشة؟ وما هو مستقبل العالم أجمع في ظل طوفان الكبسلة الذي يحاصرنا من كل حدب وصوب؟ هل سنأكل ونستهلك كل شيء في المستقبل على شكل كبسولات؟
أعتذر لكم شديد الاعتذار عن المقال، فهو طويل جداً جداً. أليس كذلك؟ نعم قد يبدو لكم كذلك، لكنه في الواقع أقصر من مقالاتي السابقة بحوالي ثلاثمائة كلمة احتراماً لعنوان وموضوع المقال.

مقالات ذات صلة عبد الله التل بطل معركة القدس رفض مكافأة الفريق كلوب 2024/04/25

كاتب واعلامي سوري
falkasim@gmail.com

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: فيصل القاسم فی أیدی کل شیء

إقرأ أيضاً:

لو كنت مكان صلاح

أعتقد أن المستشار تركى آل الشيخ لم يكن يمازحنا عندما نشر بالأمس على صفحته الرسمية صورة لاعبنا العالمى محمد صلاح بقميص نادى الهلال السعودى الأزرق، نشر الصورة من قبل شخصية سعودية مسئولة ونافذة مثل آل الشيخ معناه أن القرار اتخذ وصلاح وقع على عقود انتقاله رسميًا إلى الهلال بداية من الموسم القادم.

صلاح ليس مجرد لاعب وإنما سفير لمصر بالكامل فى أوروبا يتابعه الجميع وهو يضرب المثل والقدوة بأخلاقه قبل موهبته ومن هنا قد يكون البعض قد إصابته الصدمة وهو يصحو يقلب فى صفحات الفيس بوك فيجد ما لم يتوقعه.

الصدمة هنا ليس لأن صلاح انتقل إلى السعودية فكثير من اللاعبين العالمين مثل رونالدو ذهبوا إلى هناك- وأفل نجمهم- ولكن الصدمة فى أن المصريين كانوا يتمنون أن يبقى صلاح فى أوروبا حتى ولو غادر ليفربول لعدة أسباب منها القناعة لدى الجميع وأولهم صلاح نفسه بأن المجد الكروى فى أوروبا وليس السعودية، وأن التاريخ يكتب هناك.

شخصيًا أتمنى أن يستمر صلاح فى ليفربول ويواصل أرقامه القياسية غير المسبوقة فى الانفيلد ملعب الليفر.

حتى اللحظة لم يصدر تأكيد رسمى لا من صلاح ولا من نادى الهلال والأمر لا يتعدى مجرد صورة على صفحة تركى آل الشيخ فهل يحدث ما نتمناه ويكون الأمر مجرد دعابة..أم أن الموضوع بركته حدث ولن نرى صلاح فى العام القادم يغرد فى أوروبا.

لو كنت مكان صلاح لاخترت البقاء حتى لو كان بعقد أقل فى المدة أو العائد، فالجياد لا تباع بثمن ولكنها تبقى فى السباق بين الأفضل لكى تظل فوق القمة.

[email protected]

 

مقالات مشابهة

  • مكتب نتنياهو يحدد اليوم الذي يمكن فيه إطلاق سراح رهائن حماس إذا وافق مجلس الوزراء على اتفاق غزة
  • عاجل | حماس: تم فجر اليوم حل العقبات التي نشأت بسبب عدم التزام الاحتلال ببنود اتفاق وقف إطلاق النار
  • الإنتهاكات المتكررة وثقافة الإفلات من العقاب
  • هل يتفوق O3 على البشر؟ قفزة جديدة تُعيد تعريف الذكاء الاصطناعي
  • في 212 لجنة..طلاب الصف الأول الثانوي يردوا اليوم امتحان التاريخ في الدقهلية
  • الشهيد القائد.. صوت الحق في وجدان الأمة
  • لو كنت مكان صلاح
  • “التجربة التي وثبت بالعطاء ومهدت لولوج ايقونات فنية تخصصت بالإبداع وحده”
  • الألمان يتسابقون للحصول على دعم مضخات الحرارة قبل الانتخابات
  • "أحدهما الخطيب" سببان لاستمرار أحمد ناجي في عالم التدريب