في ظل تردي القطاع الصحي في قطاع غزة، وخروج معظم المستشفيات هناك عن الخدمة نتيجة العدوان الإسرائيلي، ولكثرة الجرحى والمرضى، توجهت وفود طبية غربية وعربية إلى هناك للمساهمة في تخفيف الأزمة الإنسانية المتفاقمة.

ولم تقتصر مهمة هذه الوفود على علاج الجرحى والمرضى، بل تعدتها لتصل لصيانة معدات وأجهزة طبية، وكان المهندس الطبي الأردني عثمان الصمادي أحد أعضاء الوفد الطبي الأردني الأخير الذي توجه لقطاع غزة لأجل هذا الغرض.



ولمعرفة طبيعة مهمته التقت "عربي21" مع عثمان الصمادي، أستاذ مشارك في قسم الهندسة الطبية في الجامعة الهاشمية الأردنية، والذي قال إن مهمته الأساسية كانت المساعدة في صيانة وإصلاح الأجهزة الطبية هناك، كما أنه جلب قطع غيار يحتاجها جهاز الصور المقطعية وهو الجهاز الوحيد من نوعه العامل في قطاع غزة حاليا.

وأكد الصمادي في حوار خاص مع "عربي21"، أن المعدات الطبية في قطاع غزة متهالكة نتيجة للاعتداءات الإسرائيلية وعدم توفر قطع غيار بديلة نتيجة الحصار المفروض على القطاع منذ عام 2006.

وتاليا نص الحوار:

صف لنا شعورك حينما وطأت قدميك أرض قطاع غزة؟
بداية أشكركم على استضافتي، أما بالنسبة لشعوري حينما دخلت قطاع غزة، فقد كان شعور لا يوصف، ففيه من الهيبة والجلال والوقار والقدسية ما لا يتسع الحديث عنه.

بالطبع دخنا المعبر في الحافلة، وبمجرد وصولنا ورؤيتنا لمحيا ووجوه أخوتنا الغزيين والفلسطينيين بدأنا بالتكبير والتهليل والتصفيق، وكان الفرح ظاهر على وجوهنا جميعا.


وأصريت أن أجلس في أول مقعد في الحافلة، ولهذا كنت أول من نزل منها، وأول ما فعلته هو معانقة كل من كان ينتظرنا وكأنني أعرفهم منذ مدة طويلة، ثم استنشقت هواء غزة العليل، وسجدت سجدة شكر لله على وصولي لغزة ودعوت الله أن يُزيل الغُمة والهم وأن يفرج على أخوتنا.

كيف وجدت وضع القطاع الصحي بشكل عام ووضع المعدات الطبية بشكل خاص؟
القطاع الصحي في غزة وضعه صعب جدا ومُنهك، خاصة أن قطاع غزة يُعاني من حصار منذ 2006، واشتد هذا الحصار منذ أخر ثلاث سنوات، ولهذا البنية التحتية للمستشفيات بشكل عام تئن دون تجديد أو تحديث.

وبالطبع الحرب فاقمت المعاناة أكثر، حيث نزح الأهالي للمستشفيات، وبالتالي أصبحت عبارة عن مأوى للنازحين إضافة لوظيفتها الأساسية وهي علاج المرضى والمصابين، لهذا تجد الجميع يتكدس داخل الممرات وأمام غرف العمليات وغرف العناية المكثفة.

وفي الحقيقة كل هذه المشاهد مؤلمة جدا، إضافة إلى الإنهاك الذي أصاب العاملين في القطاع الصحي من أطباء وممرضين وفنيين ومهندسين، حيث يعملون كلهم على مدار الساعة، فتخيل هذا الضغط والإنهاك الذي تمر فيه المستشفيات.

أيضا وجدنا أن القطاع الطبي قد تآكل وخرج عدد كبير من الأجهزة الطبية عن الخدمة، مثل أجهزة الرنين المغناطيسي وعدد كبير من أجهزة CT أو XRAY.

كما أن الاحتلال ركز على تدمير البنية التحتية للمستشفيات من خلال تدميرها بشكل كلي أو جزئي، أيضا استشهد عدد كبير من العاملين في القطاع الصحي، إضافة إلى اعتقال بعضهم، ودفع الاحتلال جزء منهم لمغادرة القطاع، هذا كله كان له أثر كبير جدا ومُقلق على عمل هذا القطاع الحيوي.

ما هي طبيعة المهمة التي توجهت لتنفيذها في قطاع غزة؟
مهمتي التي ذهبت من أجلها لم تكن بخصوص جهاز التصوير المقطعي والذي لم أكن من الأساس أعرف به، ولكن ما حدث أنه قبل العيد بثلاثة أيام تواصل معي الدكتور بلال عزام وأخبرني أن أهلنا في قطاع غزة يحتاجون إلى مهندس طبي.

ومن المعلوم أن الهندسة الطبية مثلها مثل كل التخصصات الهندسية فيها تفرعات عديدة، ولهذا سألتهم عن الجهاز الذي فيه مشكلة، فكان الرد بأنه لا يعلم ما هو، ولذلك تواصلت مع المهندس علاء أبو عودة مدير الهندسة والصيانة في جنوب قطاع غزة، وكانت المفاجأة أن هناك حاجة ملحة جدا لإصلاح كثير من الأعطال إضافة إلى الحاجة الملحة لكثير من قطع الغيار.

وكما قلت لم تكن المهمة متعلقة بجهاز التصوير المقطعي، فالمشكلة كانت أكبر من ذلك بكثير، ولهذا تواصلنا مع الأخوة في غزة لفهم ما يجري بالضبط ومساعدتهم خاصة في قطاع الأجهزة الطبية لحل جميع مشاكله.

وتفاجأت بأن هناك كم كبير من المشاكل وأن هناك حاجة ملحة لعدد كبير من قطع الغيار للأجهزة الطبية ومستلزمات طبية للجراحين وغيرها من الاحتياجات.


ولذلك قمنا مباشرة بتشكيل فرقة طوارئ متعلقة بالدعم اللوجستي، وظيفتها توفير دعم مالي وشراء القطع الضرورية سواء من داخل غزة أو من خارجها، إضافة لتشكيل دعم فني يقوم بمساعدة الأخوة في تحديد الأعطال وإصلاحها.

وعلى ذكر جهاز التصوير المقطعي حدثت معنا قصة طريفة، حيث كنا في طريقنا للطائرة وكان زميلي الدكتور عبد الله السفاريني استشاري جراحة عامة وجراحة منظار، حزين بعض الشيء، فسألته ما الذي يُحزنك، فأخبرني أنه تلقى رسالة من أخته لها صديقة في غزة تخبرها فيها أن جهاز الأشعة المقطعية مُعطل منذ فترة وهي تحتاج لصورة، وأنه لا يعرف ماذا يفعل.

فضحكت، فغضب مني وقال-أتضحك من أمر جلل كهذا، بالطبع كانت القطع في حقيبة على ظهري وأخبرتها أن كل ما نحتاجه فيما يخص هذا الجهاز موجود معي، فكانت ردة فعله جميلة وحضنني.

بعد أن عاينت بنفسك الوضع المأساوي في قطاع غزة، وانت قادم من الأردن الذي يشهد مظاهرات شبه يومية عند سفارة الاحتلال لوقف الحرب، فماذا تقول للشعب الأردني وبقية الشعوب العربية، وما المطلوب منها؟
بالحديث عن الهبة الشعبية في الأردن، بالتأكيد أيضا الشعوب العربية الأخرى لا تقل تعاطفا مع غزة، ولكن أردنيا الهبة الشعبية كانت غير مسبوقة من ناحية معنوية حيث أظهرت تعاطفا كبيرا.

.وكل من جلست معهم، واعتقد أني جلست مع عدد كبير من الطيف الغزي، كلهم يشعرون بالفخر والمحبة والانتماء، لدرجة أنهم يقولون أنتم لستم متعاطفون معنا وداعمون لنا، بل أنتم أهلنا وجزء منا، ولذلك أحيانا يغيب ذكر الأردنيين عن لسانهم لأنهم يعتبرون أن هذا الفعل شيء طبيعي، أي أن يقوم الأخ بمساندة أخيه.

من الناحية المادية الهبات الشعبية كان لها أثر خصوصا في دخول الإغاثة مبكرا إلى شمال قطاع غزة من حي الطفايلة في عمان وبعض المؤسسات الأردنية التي استطاعت الوصول إلى أخوتنا في شمال غزة.

ولكن بكل صراحة أقولها الهبة الشعبية لن تكفي، فإذا لم يكن هناك تدخل ودعم مالي ضخم من الحكومات وتدخل في الضغط على حكومة الكيان فيما يخص دخول المساعدات الإنسانية والأدوية والمستلزمات والأجهزة الطبية، فإننا أمام كارثة لن يعذرنا التاريخ عليها، وسيكون هناك خذلان كبير جدا.

ولهذا اعتقد أنه يجب على هذه الدول أن تستيقظ بعيد عن التجاذبات السياسية، ولا يمكن لنا كأردنيين وعرب ومسلمين بعد كل هذا كل هذه الجراح والدماء وكل هذا القصف العشوائي الذي يستهدف كل أنواع الحياة في قطاع غزة، أن ندع أخوتنا بدون علاج وتضميد جراحهم.

وأما المطلوب فهو واضح جدا ولا اعتقد أن هناك عاقل لا يدركه، المطلوب هو وقف الحرب، ولذلك على الدول العربية ثقل كبير في الضغط بكل ما تملكه.

والدول العربية تملك أدوات ضغط كبيرة جدا، واعتقد أنها تستطيع في هذه اللحظة وفي التو أن توقف الحرب، فنحن نملك أسلحة اقتصادية وسياسية وعسكرية نستطيع أن تُجبر الاحتلال على إيقاف هذه الحرب، ولذلك على هذه الدول أن تتحرك بهذا الاتجاه.

وأما الشعوب فعليها أن تكمل دورها بدعم أخوتنا في قطاع غزة ماليا ومعنويا وإعلاميا بما يخص إنهاء الاحتلال واستدامة صمودهم وبقائهم على أرضهم، أيضا يجب على هذه الشعوب أن تضغط على حكوماتها بكل الوسائل السلمية والقانونية المُمكنة.

يُذكر أنه من أصل 36 مشفى عامل في قطاع غزة 10 مستشفيات فقط تعمل بشكل جزئي (- في شمال القطاع، و6 في الجنوب والوسط، وتوقف 76 في المئة من مراكز الرعاية الصحية الأولية، وذلك وفقا لبيان صحفي أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بمناسبة اليوم العالمي في 7 نيسان/أبريل.

كما أدى العدوان إلى استشهاد 489 من الطواقم الطبية وأصحاب الاختصاص وإصابة 600 آخرين، إضافة الى اعتقال أكثر من 310، وتدمير أكثر من 126 سيارة إسعاف وخروجها عن الخدمة وفقا للتقرير الصادر عن وزارة الصحة في قطاع غزة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية مقابلات غزة الاحتلال الفلسطيني الاردن فلسطين غزة الاحتلال المزيد في سياسة مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القطاع الصحی فی قطاع غزة أن هناک کبیر من

إقرأ أيضاً:

بين الدمار والدموع.. مؤذن في خانيونس يرفع الأذان بصوت مؤثر (شاهد)

في أعقاب الغارات الإسرائيلية المكثفة على قطاع غزة، والتي أسفرت عن استشهاد المئات، شهدت مدينة خانيونس فجر اليوم مشهدًا مؤثرًا خلال رفع أذان الفجر.

ودعا المؤذن، المصليين بصوت متهدج يغلبه البكاء، للصلاة، مما عكس حجم الألم والحزن الذي يعيشه سكان القطاع جراء العدوان المستمر.

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي المشهد وانتشر بشكل متسارع، حيث عبّر العديد من المستخدمين عن تأثرهم العميق بهذا الأذان المبكي، معتبرين إياه تجسيدًا لصمود الشعب الفلسطيني في مواجهة المحن.



تأتي هذه اللحظات المؤلمة في ظل استمرار القصف وتفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة، مما يترك أثرًا نفسيًا عميقًا على سكان القطاع، ويبرز التحديات التي يواجهونها في حياتهم اليومية.



واستأنف جيش الاحتلال عدوانه على قطاع غزة فجر الثلاثاء، بعد توقف دام أكثر من شهرين، حيث شنت الطائرات الحربية غارات جوية مكثفة استهدفت عدة مناطق في القطاع، وسط تصاعد القصف المدفعي والضربات الجوية.

ويأتي استئناف العدوان على قطاع غزة، وسط تفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع، في ظل استمرار الحصار وقطع الإمدادات الطبية والإنسانية.

ومنذ السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023، بدأت قوات الاحتلال عدوانا على قطاع غزة، أسفر عن استشهاد عشرات آلاف الفلسطينيين، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، بخلاف الإصابات والمفقودين تحت الأنقاض.

مقالات مشابهة

  • بين الدمار والدموع.. مؤذن في خانيونس يرفع الأذان بصوت مؤثر (شاهد)
  • العراق يدين العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة
  • أكثر من نصف شهداء غزة في عدوان الاحتلال من النساء والأطفال
  • وزير أردني سابق: إسرائيل تغيّر الواقع الجغرافي بالمنطقة بدعم أمريكي
  • الصناعات الغذائية تدين العدوان الإسرائيلي على الأبرياء في قطاع غزة
  • مدير الإغاثة الطبية في غزة: القطاع الصحي على وشك الانهيار
  • ارتفاع حصيلة العدوان على قطاع غزة منذ فجر اليوم إلى 412 شهيدا
  • تقرير للأمم المتحدة: هناك توسع كبير للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية
  • غزة- الكشف عن عدد الأبنية الآيلة للسقوط
  • أستاذ علوم الأرض: زلزال شرم الشيخ أمر طبيعي ولبس هناك خطر كبير