صلاة التسابيح.. مدى صحة حديثها وثوابها عند الله
تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما مدى صحة الحديث الوارد في صلاة التسابيح؟ وما حكمها؟ حيث يدَّعي بعض الناس أنها بدعة وضلالة، وأن حديثها مكذوب وموضوع.
صلاة التسابيح.. مكفرة للذنوب ومفرجة للكروب.. هذه أسهل طريقة لها صلاة التسابيح| 6 معجزات لمن يؤديها في ليلة القدر.. اغتنم نفحاتها حديث صلاة التسابيحوقالت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال، إن أحاديث صلاة التسابيح مروية من طرق كثيرة يقوي بعضها بعضًا، وجماهير العلماء من المحدِّثين والفقهاء سلفًا وخلفًا على ثبوت حديثها، وقليل منهم ضعَّفه، ثم من المُضَعِّفين من أجاز فعلَها ومنهم من كرِهَهُ، ولم يُنقَل عن أحد منهم القول بتحريمها أو بطلانها.
وتابعت: بل كان كثير من السلف يحرص على المداومة على أدائها، ومجرد المخالفة في هيئة الصلاة عن الهيئة المعتادة لا يقدح في مشروعيتها كما هو الحال في كثير من الصلوات؛ كالعيدين والجنازة والكسوف والخسوف والخوف.
وأوضحت دار الإفتاء، أن حديث صلاة التسابيح مرويٌّ من طرق كثيرة مِن حديثِ أكثر مِن عشرةٍ مِن الصحابة، وعن عدة من التابعين، وقد أخرج حديثَها أئمةُ الإسلام وحُفَّاظُه.
كيفية صلاة التسابيحوتابعت: وأمثلُ طرقها حديث عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: « يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّاهُ، أَلَا أُعْطِيكَ، أَلَا أَمْنَحُكَ، أَلَا أَحْبُوكَ، أَلَا أَفْعَلُ لَكَ عَشْرَ خِصَالٍ، إِذَا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ غَفَرَ اللهُ لَكَ ذَنْبَكَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَقَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ، وَخَطَأَهُ وَعَمْدَهُ، وَصَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ، وَسِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ.
عَشْرُ خِصَالٍ: أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ قُلْتَ وَأَنْتَ قَائِمٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُ وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنْ الرُّكُوعِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَهْوِي سَاجِدًا فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنْ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنْ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، تَفْعَلُ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي عُمُرِكَ مَرَّةً» رواه البخاري.
وقال الحافظ البيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 123، ط. مكتبة الرشد): [كان عبد الله بن المبارك يفعلها، وتداولها الصالحون بعضهم من بعض، وفيه تقوية للحديث المرفوع] اهـ.
حكم صلاة التسابيحوذكرت دار الإفتاء، أن القول بمشروعية هذه الصلاة واستحبابها هو ما نصَّ عليه جماهير العلماء سلفًا وخلفًا، وهو ما عليه جماهير فقهاء المذاهب الأربعة المتبوعة.
ونصَّ الإمام ابن قدامة الحنبلي على جواز فعلها حتى مع القول بضعف حديثها؛ فقال في "المغني" (2/ 98، ط. مكتبة القاهرة): [وإن فعلها إنسان فلا بأس؛ فإنَّ النوافل والفضائل لا يُشْتَرَطُ صحة الحديث فيها] اهـ.
ويرى بعضُ العلماء أنَّ حديثها ضعيف؛ ويُروَى هذا عن الإمام أحمد وقد رجع عنه كما سبق، والحافظ العقيلي، والقاضي أبو بكر بن العربي، والمجد الفيروز آبادي، وقال بكراهة فعلها جماعةٌ مِن الحنابلة، ومال الحافظ ابن حجر للتضعيف في "التلخيص الحبير"؛ وكتاب "التلخيص" من أوائل كتبه؛ فإنه فرغ منه تعليقًا سنة 812هـ، وفرغ منه تتبعًا سنة 820هـ -كما وُجِدَ بخطه في آخر "التلخيص" (4/ 404، ط. مؤسسة قرطبة)-، ثم إنه رجع عن ذلك فحسّنها في كتبه التي صنفها بعد ذلك؛ كما في "أمالي الأذكار" التي استمر في تصنيفها حتى توفي؛ كما في "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر" للحافظ السخاوي (2/ 583، ط. دار ابن حزم).
وأضافت أن القول بتضعيفها لا يستلزم بطلان فعلها أو بدعيته؛ فإنَّ السلف اتفقوا على العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، وهذا الإمام ابن قدامة الحنبلي يقول -كما سبق النقل عنه-: [وإن فعلها إنسان فلا بأس؛ فإن النوافل والفضائل لا يُشْتَرَط صحة الحديث فيها] اهـ.
أما القول بأنها موضوعة فهو قول الحافظ ابن الجوزي الحنبلي، ولم يسبقه إلى ذلك أحد، وتبعه على ذلك ابن تيمية
وقد تقرَّر في قواعد الشريعة: أنه "إنما يُنكَر المتفق عليه ولا يُنكَر المختلف فيه"؛ فمَن فعل هذه الصلاة وواظب عليها خصوصًا في المواسم المباركة؛ كليالي الجمعة وليالي العشر الأواخر من رمضان فهو على خير وسُنَّةٍ ومتابعة لسلف الأمة وخلفها، فقهائها ومحدِّثيها، ومن لم يفعلها تقليدًا لمن ضعَّف حديثها وكره فعلها فلا حرج عليه بشرط عدم الإنكار على مَن فعَلها؛ لأنه لا إنكار في مسائل الخلاف.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: صلاة التسابيح كيفية صلاة التسابيح حكم صلاة التسابيح أدعية صلاة التسابيح فضل صلاة التسابيح ف ت ق ول ه ا ع ش ر ا صلاة التسابیح دار الإفتاء
إقرأ أيضاً:
بيان معنى الأمّية في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قالت دار الإفتاء المصرية إن الأمي في كلام العرب هو الذي لا يَقرأ ولا يَكتب، والقراءة والكتابة، وهو حاصلٌ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالوحي الإلهي والعِلم اللَّدُنِّيِّ الرَّبَّانِيِّ الذي لا يضاهيه فيه أحدٌ، ولا يَرْقَى لمثله مَلَكٌ ولا بَشَر، فكانت الحكمةُ مِن وصفه بـ"الأُمِّيِّ" هي إظهار كمالاته الذاتية التي لا واسطة فيها للأسباب المتعارَف عليها بين البشر، ولتكون الأميةُ في حقه صلى الله عليه وآله وسلم آيةً على ما حصل له مِن علومٍ إلهية وفيوضاتٍ ربَّانيةٍ.
وقد نص العلماء على أنَّ مِن جملة معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان أُمِّيًّا؛ لأنَّه لو كان ممن يَكتب ويَقرأ لصار مُتَّهَمًا بأنه ربما طالَعَ كُتُبَ الأَوَّلين فَحَصَّلَ هذه العلوم بتلك المطالعة، لكنه صلى الله عليه وآله وسلم لَمَّا جاء بهذا القرآن العظيم المشتمل على علوم الأَوَّلين والآخِرين مِن غير قراءةٍ ولا مطالعةٍ كان ذلك مِن جُمْلَةِ معجزاته الباهرة.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ على قومه كتاب الله تعالى منظومًا مرةً بعد أخرى مِن غير تبديلِ ألفاظه ولا تغييرِ كلماته، والخطيبُ مِن العرب إذا ارتَجَل خُطبةً ثم أعادها فإنه لا بد وأن يَزيد فيها وأن يَنقص عنها بالقليل والكثير، فكان ذلك معجزًا في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
معنى وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأمي
أوضحت الإفتاء أن الأميةُ وصفٌ خَصَّ الله به سيدَنا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم دون سائر الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله جميعًا، فثبت ذلك في حقه الشريف دون غيره؛ قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾ [الأعراف: 157]، وقال سبحانه: ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: 158]، وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة: 2].
قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "هُوَ مِنْكُمْ، كَانَ أُمِّيًّا لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ وَلَا يُحَاسِبُ"، كما قال الإمام أبو إسحاق الثَّعْلَبِي في "الكشف والبيان عن تفسير القرآن" (4/ 291، ط. دار إحياء التراث العربي).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ.. الحديث» أخرجه الشيخان.
ومِن ثَمَّ فالأميَّة في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تَعني الجهل وقلة المعرفة؛ لأنَّ القراءة والكتابة ليست لها قيمة ذاتية في نَفْسها، وإنما هي وسيلةٌ مُعينةٌ على اكتساب العلوم وتحصيلها، وهذا حاصلٌ في حقه صلى الله عليه وآله وسلم بالوحي الإلهي والعِلم اللَّدُنِّيِّ الرَّبَّانِيِّ؟
قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [النساء: 113]، وقال تعالى: ﴿وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا﴾ [طه: 99]، وقال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ [النمل: 6]، حتى جعله سبحانه وتعالى ملازِمًا له في شأنه صلى الله عليه وآله وسلم ومَقاله، فقال سبحانه: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3-4]، وقال جَلَّ شأنُه: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ﴾ [يونس: 61]، وهما "أمران مخصوصان بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم"، كما قال الإمام فخر الدين الرَّازِي في "مفاتيح الغيب" (17/ 273، ط. دار إحياء التراث العربي).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر، فلما سَلَّمَ قام على المنبر، فذكر الساعة، وذكر أنَّ بين يديها أمورًا عِظَامًا، ثم قال: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ عَنْهُ، فَوَاللهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا»، قال أنس: فأكثَرَ الناسُ البكاءَ، وأكثَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول: «سَلُونِي»، فقال أنس: فقام إليه رجلٌ، فقال: أين مَدخَلي يا رسول الله؟ قال: «النَّارُ»، فقام عبد الله بن حذافة فقال: مَن أبي يا رسول الله؟ قال: «أَبُوكَ حُذَافَةُ»، قال: ثم أكثَرَ أن يقول: «سَلُونِي، سَلُونِي.. الحديث» أخرجه الشيخان.