نميرة نجم : الابادة الجماعية و التهجير القسري بغزة حركت ضمير الحركة الطلابية في العالم
تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT
قالت السفيرة د.نميرة نجم المحام و خبير القانون الدولي ومديرة المرصد الافريقي للهجرة(AMO) انها تتخوف على احترام قواعد القانون الدولي في مستقبل مع استمرار خروقات القانون الدولى بدءا من الإبادة الجماعية في غزة التي تسببت في كارثة من النزوح القسرى لاكثر من مليوني شخص على مرأى ومسمع من العالم دون أدني تحرك حقيقي يذكر، ودون احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية لطالبى اللجوء وفقا لاتفاقية ١٩٥١ للاجئين.
والمؤسف اليوم اننا أوجه بشكل متكرر عند لقاءاتى مع الدراسين و طلبة القانون الدولى سؤال واحد " ما جدوى دراسة القانون الدولى في ضوء عدم احترام الدول له؟" فنحن الان بصدد مواجهة عدم الامتثال الي قواعد تعتمدها بعض الدول الغربية و تخرق و تنتهك ليس فقط علي صعيد قواعد القانون الدولى الانسانى ، ولكن قوانين حقوق الانسان أيضا ، و بوادره رفضه أصبحت واضحة وماثلة أمامنا الآن في تحرك جماعي لضمير العالمي للحركة الطلابية في مظاهرات و اعتصامات في جامعات أمريكا و فرنسا و استراليا وغيرها ، وهو ما يستوجب منا وقفة حينما نريد الحديث عن قواعد الهجرة وحماية حقوق المهاجرين وحمايتهم، كما ان تنظيم هجرة المهارات يجب ان يتم بالتوازن مع فقدانها بالكامل في الدول المصدرة للهجرة والتي تحتاجها افريقيا للتنمية .
جاء ذلك أثناء مشاركة السفيرة في الجلسة الحلقة النقاش المكثفة رفيعة المستوي تحت عنوان " أجندة الهجرة بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا: تحقيق شراكة متساوية" المنعقدة لمدة يومين أول أمس في بروكسل ببلجيكا والذي نظمها"المركز الأوروبي لإدارة سياسات التنمية "ECDPM "، و مجموعة مؤسسات الفكر والرأي الأوروبية (ETTG) ،و معهد التنمية الخارجية "ODI " بلندن ، بالتعاون مع معهد شمال افريقيا بالسويد .
وأشارت السفيرة نجم في كلمتها بالحلقة النقاشية الى انه في اطار العلاقات بين الاتحاد الافريقي والاتحاد الأوروبي بشأن ملف الهجرة، فانه بلا شك هناك أمور خلافية وفي مقدمتها حماية وإنقاذ المهاجرين واحترام حقوق الانسان وقواعد اللجوء وعدم الإعادة القسرية و بدون التحقق من طالبي اللجوء لا يستحقون التمتع بهذه الصفة وفقا لقواعد ومعايير القانون الدولي ، الا ان هناك أمور أخرى نتفق عليها وهى ضرورة زيادة المسارات المنظمة للهجرة، إضافة الى أهمية توجيه مزيدا من الموارد للتنمية الاقتصادية في افريقيا لرفع مستوى معيشة المواطن الافريقي، مما سيحد بلا شك من محاولات الشباب الافريقي في خوض اهوال الهجرة غير النظامية.
و ردا على تساءل بالتتغير في المواقف الدولية حول ما يحدث في غزة، علقت السفيرة بان التغير ما هو الا تغيرا شكليا ولا نرى اى تغير على ارض الواقع ، بل على العكس لا يزال الشعب الفلسطيني يواجه الاهوال ضد قوة الاحتلال ولا يزال استهداف المدنيين مستمرا وبالتالي لا نرى ان ما يقال سياسيا يتبعه تغييرًا فعليا وتنفيذا علي الأرض الواقع بل العكس نجده مجرد تهدئة داخلية لكسب وقت من أجل مزيد من استمرار الإرهاب و إستباحة الاعتداء وقتل المدنيين والنساء والأطفال في غزة ، فبخلاف إبادة البشر و الأبنية السكانية تم إبادة أغلب البنية التحتية والمرافق فيها أيضا وبشكل ممنهج ومخطط ومتعمد لطرد أهلها من أراضيهم وشملت الإبادة دور العبادة من الجوامع و الكنائس و المستشفيات و المدارس و الجامعات حتي وصل الأمر الي القتل البطئ والحصار و المجاعة بل وقتل الجوعي وهم يتلقوا المساعدات الإنسانية ؟
وأكدت نجم أن المهاجرين العائدون بعد أن تم انقاذهم من رحلة الموت في قوارب في البحر الأبيض المتوسط سيعودون لخوض ذات التجربة مرة أخرى، مما يعكس درجة اليأس المرتبطة بانعدام الفرص المرتبط بغياب التنمية ، وان موضوع عودة المهاجرين وإعادة ادماجهم يجب ان يتم التعامل معه بشكل متكامل في اطار برامج تنموية شاملة وعدم افتراض ان عودة المهاجرين دون تأهيلهم للتعايش مجددا مع واقعهم الجديد لن يؤتى ثماره بل سيحاولون مرة أخرى الهروب مرة أخري ، لذلك يجب ان تأخذ برامج الإعادة بعين الاعتبار ظروف هؤلاء المهاجرين وحالتهم النفسية وكذلك ضرورة تضمين مجتمعاتهم في تلك البرامج لتقبل عودتهم إليها .
وأشارت السفيرة الي ان قضايا إعادة الإدماج تشكل عقبة لأن بعض أولئك الذين سلكوا المسار غير نظامي للهجرة حصلوا على أموال السفر ودفع تكاليف التهريب عبر الاستدانة من الأقارب والجيران لدفع متطلبات المهرب. وعليه فان عودتهم دون تحقيق أي شيء يعتبر هزيمة وبالضرورة سيحاول الشخص خوض ذات التجربة مرة اخري.
ولفتت نجم الانتباه إلى ما نقوم بتمويله وما ندعو إليه لانه من الواضح أن الجميع منخرطون في المناقشات حول برامج إعادة الإدماج، ولكن السؤال الموضوعي هو كيف يمكننا تحقيق هذه البرامج.
كما شددت السفيرة على أن السرديات المحيطة بالهجرة يجب أن تصل إلى الناس عبر وسائل الإعلام، و ان هناك اختلافات بين السرديات في غرف الاجتماعات بين المسؤولين ، لأن المسؤولين يناقشوا هذه القضايا من منظور سياسي وليس انساني ، و شددت علي ضرورة تغيير السرديات المحيطة بالهجرة والتي تتطلب ضرورة إعادة التفكير في الخطاب السياسي ، حيث أننا نحاول تغيير السرديات ولكن نتبع نفس السياسات وبالضرورة لن يتغير أي شي.
و أوضحت السفيرة على أن الهجرة لا ينبغي أن تؤدي إلى هجرة العقول في الدول الأفريقية ، وان هناك عناصر تقارب بين أفريقيا وأوروبا، بينما تتعامل أفريقيا مع الهجرة باعتبارها فرصة بينما تنظر لها أوروبا باعتبارها مشكلة ، وذلك مرتبط عند الاوربيين بسبب المخاوف من التغيرات الديموغرافية في المجتمعات الأوروبية ، لكن مثل هذا الخوف يتم تسويقها من قبل الحكومات، وأولئك الذين يعملوا لهندسة امتيازاتهم الخاصة والحصول علي مقاعد سياسية.
وذكرت نجم أن أوروبا تواجه العديد من التحديات على صعيد العمالة حيث لا يمكن استبدال الكثير من الوظائف بالآلات ، مع الأخذ في الاعتبار تحديات الشيخوخة التي تجعل أوروبا بحاجة إلى العمالة ، وعليه من الأفضل لجميع الأطراف أن نضع كل المعلومات والبيانات الصحيحة والتحليلات على الطاولة للوصول إلى أفضل سياسات للهجرة والتنمية ، حيث ان هناك فرصة إذا اتفقنا مع وجود إرادة سياسية للاتفاق على مسار وحلول لقضية الهجرة.
وأشارت نجم إلى أننا لا نقوم بما يكفي في الحد من الهجرة الغير نظامية ، وبالتالي فان جهود رفع الوعي بقضايا الهجرة غير النظامية يعتبر أمر حيوي وهام ، وعلينا عكس المخاطر التي يتعرض لها المهاجرين غير الشرعيين والمخاطر التي تعرض حياتهم للخطر.
وطالبت نجم إعادة النظر إلى قضية الهجرة من جوانب مختلفة وذلك من خلال تنفيذ برامج تنموية للحد من عملية الهجرة والتنقل، وهذا لن يتحقق بينما يعيش الناس علي الحد الأدنى في كل شي ، وعليه فان الحد من الهجرة مرتبط بالضرورة بتحقيق التنمية في أفريقيا علي مستوي القاعدة وليس النخب ، و الهجرة الرقمية وتجنب مسارات الهجرة الغير نظامية ومدي تأثيرها علي حياة العقول الافريقية والمهاجرين الافارقة ، و علي أهمية التمييز بين اللاجئين والمهاجرين.
وأكدت السفيرة أن الشراكة الشاملة مع أوروبا تغطي العديد من قضايا التنمية ، وينبغي ان تخضع لتقييم ومراجعة لتحديد الفجوات وحتي نفهم ما إذا كنا نأخذ الناس في الاعتبار أم لا.
ونوهت السفيرة بالتأكيد علي أن الهجرة المناخية تعتبر أولوية بالنسبة للمرصد الافريقي للهجرة وللاتحاد الافريقي بشكل عام ، وفي هذا السياق قام الاتحاد الافريقي بتطوير إعلان كمبالا بشأن تغير المناخ .
واوضحت نجم اننا اذا تحدثنا كسياسيين، سنؤكد على اننا نبذل قصارى جهدنا للتعاون بين الإتحاد الافريقي والاوروبي في ملفات التنمية والهجرة ، الى ان المواطن الافريقي يرى اننا لا نبذل ما يكفي لحمايته وتحقيق طموحاته، لذلك علينا بذل مزيد من الجهد لزيادة الوعى حول ما نقوم به من إنجازات، الى جانب ضرورة زيادة الوعى بأهوال رحلات الهجرة غير النظامية والتعريف بسبل الهجرة النظامية و تتبع و بحث المزيد من إمكانية مكافحة ومواجهة الوسطاء من قراصنة الهجرة الغير نظامية .
ووردا علي سؤال عن اتفاقية الاتحاد الأوروبي مع مصر أشارت نجم انها كانت بهدف الحد من الهجرة فقط، وانها بخبرتها السابقة اثناء مشاركتها في مفاوضات الشراكة وسياسة الجوار مع الاتحاد الأوروبي ان تلك الاتفاقيات اتفاقيات ووثائق قانونية تتناول كل مناحى الحياة ومنها الهجرة، وهو امر يجب التعريف به على نطاق أوسع ليعرف المواطن الأفريقي وكذلك الأوروبي محتوى مثل هذه الاتفاقيات بدل من زوابع إعلامية ليس لها أساس حقيقي.
وفي نهاية حديثها، اوضحت السفيرة الى ضرورة التنويه بان الادعاء بان أوروبا انفقت الكثير عند تمويل برامج التنمية في افريقيا ليس حقيقيا اذا ما نظرنا الى الامر بالتوازن مع استغلال الموارد الطبيعية الافريقية بدون مقابل حقيقي يذكر، وأنه لابد ان ننظر ونعيد التفكير في حجم الأموال التي تم انفاقها علي التنمية في أفريقيا مقارنة بحجم الأموال والموارد التي جففت وتم بيعها من أفريقيا بأسعار زهيدةً ورجوعا الى الهجرة والنزوح القسرى وتغيير سياسات الدول في موضوع هام مثل غزة، فاننا لا يمكن ان ننظر الى التنمية ووقف الحروب بدون النظر الى من يمولها، ، و انه لا يمكن تغيير السرديات المرتبطة بالهجرة دون الخوض في تغيير السياسات والذي يأتي مرتبط بضرورة وقف الحروب والتي لا يمكن ان يقف نزيفها ما لم يتم تجفيف منابع تمويلها، فإذا كان التغيير ما هو الا تصريحات سياسية للتسويف و لا تغير من الامر شيئا علي الأرض الواقع طالما استمر تدفق المال والسلاح لدعم آلية الحرب، وبلا شك عند الجلوس لموائد التفاوض حول الهجرة في افريقيا، يجب علينا معرفة الواقع وتحليله بشكل موضوعى بعيدا عن النفاق السياسي للوصول لحلول ناجعة لهذه المشكلة.
والحلقة النقاشية رفيعة المستوي التي انعقدت في بروكسل هدفت أن تعكس حالة الشراكة بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة، قبل انعقاد المفوضية الأوروبية الجديدة في عام 2024 والقمة الوزارية الثالثة للاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي،وتسعي ان تكتشف ما يمكن القيام به لتقديم شراكة هجرة أكثر توجهاً بقوة نحو المنافع التنموية المتبادلة، و تقييم التحديات والمخاوف في جميع جوانب الشراكة المتعلقة بالهجرة في هذا الوقت الذي يشهد تصاعد التوتراتوالإصلاح والتغيير الانتخابي.
وشارك في الحلقة النقاشية باويل بوسياكيفيتش رئيس وحدة الشئون الدولية، في المديرية العامة للهجرة والشؤون الداخلية DG HOME بالاتحادالأوروبي ، وليندا أوتشو، المديرة التنفيذية للمركز الأفريقي لسياسات الهجرة والتنمية ، وكاثرين وولارد، مديرة المجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين(ECRE) ، وأدار الحلقة النقاشية شدى إسلام، المتخصصة ومعلقة في شؤون الاتحاد الأوروبي ومديرة مشروع نيو هورايزنز .
و تمثل حلقة النقاش الحدث الأول لمشروع شراكة مدته ثلاث سنوات بينETTG ومؤسسات المجتمع المفتوح (OSF) ، بعنوان "تقييم آثار التعدديات على العلاقات بين أفريقيا وأوروبا: نحو مزيد من الاهتمام والشراكةالمتساوية؟ و يهدف المشروع إلى استكشاف كيف يمكن لكلتا القارتين بناء شراكة حقيقية قائمة على المصالح بين متساوين ، و يتناول هذا المشروع أيضا مجموعة من الموضوعات، منها الأمن، والتصنيع الأخضر، وتمويل المناخ، والرقمنة، وإنهاء الاستعمار.
و الجدير بالذكر ان "ECDPM " المركز الأوروبي لإدارة سياسات التنمية هو مركز " فكر وعمل" مستقل رائد له فرعان في ماستريخت بهولندا وبروكسل ببلجيكا و يهدف الي جعل السياسات في أوروبا وأفريقيا تعمل من أجل التنمية الشاملة والمستدامة ، ويقدم خبراء السياسة فيه تحليلاً مستقلاً وبحثًاشاملاً وأفكارًا جديدة ومشورة وتدريبًا حول موضوعات تتعلق بالمناخ والطاقة والغذاء والاقتصاد والتجارة والجغرافيا السياسية والتنمية والحكم والهجرةوالتنقل والسلام والأمن ، و يقدم أكثر من 70 موظفًا لديه من أكثر من 25 دولة حول العالم أبحاثًا مستقلة ومشورة ودعمًا عمليًا لصانعي السياسات والمستشارين والممارسين في أوروبا وأفريقيا وخارجها من أجل جعل السياسات تعمل من أجل التنمية العالمية المستدامة والشاملة.
"ETTG "وهي شبكة من مراكز الفكر الأوروبية المستقلة التي تعمل في مجال التعاون الدولي للاتحاد الأوروبي من أجل التنمية المستدامة العالميةً.
و "ODI "معهد التنمية الخارجية بلندن وهو مركز أبحاث مستقل متخصص في الشؤون العالمية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نميرة نجم فلسطين غزة قضية فلسطين الاتحاد الأوروبی القانون الدولى لا یمکن تغییر ا ان هناک IMG 20240426 من أجل
إقرأ أيضاً:
طال مسيحيا بتهمة أنه إخواني.. كيف أصبح الاختفاء القسري في مصر واقعا مأساويا؟
أثار قرار نيابة أمن الدولة العليا في مصر، الاثنين الماضي، بحبس شاب مسيحي الديانة يُدعى مينا نسيم راغب، بتهمة الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين، بعد تعرضه لجريمة الاختفاء القسري الكثير من الجدل حول هذا الملف.
وانتقد حقوقيون تحدثوا لـ"عربي21"، استمرار ممارسات السلطة الأمنية في خطف المواطنين وإخفائهم منذ منتصف العام 2013، في وقائع طالت حتى المسيحيين بتهم موجهة لتيار الإسلام السياسي.
وأكدوا أنه منذ الانقلاب العسكري الذي ضرب مصر 3 تموز/ يوليو 2013، أصبحت تلك الجريمة أداة سياسية بيد السلطات الأمنية، التي تقوم باحتجاز المصريين بمقرات الأمن الوطني والسجون السرية، وتحرمهم حقوقهم القانونية ومنها الاتصال بمحام أو أسرهم.
ورغم صعوبة رصد أعداد من تعرضوا لعمليات الاختفاء القسري إلا أن هناك محاولات من منظمات حقوقية محلية لتوثيق بعض أعداد من تم إخفاؤهم قسريا من الرجال والنساء والأطفال، ومدد خطفهم، وتوقيت ظهورهم، والمحافظات التي ينتمون إليها، والاتهامات والقضايا التي وجهت إليهم.
كما وثقت منظمات دولية مثل "العفو الدولية"، و"هيومن رايتس ووتش"، مئات الحالات، من الاختفاء القسري الذي صحبه ممارسات تعذيب نفسي وجسدي، لانتزاع اعترافات غير حقيقية تؤدي للسجن بأحكام مغلظة، بحسب حقوقيين.
وفي أحدث جرائم الاختفاء القسري، أبلغت 9 أسر مصرية من أهالي جزيرة الوراق النيابة العامة بإخفاء قوات الأمن المصرية أبناءهم قسريا إثر اعتقالهم عقب اشتباكات بين الأمن والأهالي، مساء الثلاثاء الماضي.
وبمناسبة اليوم العالمي لحقوق الطفل الذي يحل الخميس، طالبت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، السلطات المصرية، بالإفصاح عن أماكن الاختفاء القسري لـ5 أطفال، وهم: أمير حماد (آذار/ مارس 2013)، وأحمد صدومة (أيار/ مايو 2015)، وإبراهيم شاهين (أيلول/ سبتمبر 2018)، وعبد الله بومدين (كانون الثاني/ يناير 2019)، من شمال سيناء، والطفل عبد الرحمن الزهيري (آب/ أغسطس 2019)، من القاهرة.
ويقول مدير الشبكة، الحقوقي أحمد العطار، لـ"عربي21"، إن الأزمة لها أكثر من شق، أولها زيادة أعداد المختفين قسريا دون توقف"، موضحا أن "الخطورة الأكبر تتمثل في اعتماد السلطات منهجية تقوم على منح كل الصلاحيات لقوات الأمن المصرية في ممارسة عمليات الخطف والاعتقال ثم الاختفاء القسري، دون مساءلة".
"قمع أمني وإنكار حكومي"
وهنا يقول الباحث الحقوقي المقيم في هولندا عبد الرحمن حمودة، إن "الاختفاء القسري في مصر أصبح واقعا مأساويا خاصة مع الصمت الدولي"، مؤكدا أنه "لا أحد يجيب على شكاوى أسر المختفين"، مبينا أنه "جريمة تقع بين قمع ترتكبه السلطات الأمنية وإنكار الحكومة المصرية لها".
ويضيف لـ"عربي21"، أن "ذلك الوضع يكشف عن حجم آلام الأسر ممن جرى إخفاء ذويها، ويوضح أيضا حجم تجاهل وتغيب العدالة، وأن الحقوق التي يكفلها الدستور والقانون أصبحت حلما بعيد المنال، خاصة بعدما تحولت الظاهرة لعملية انتهاك ممنهج يفاقم حجم معاناة المصريين".
ويلفت إلى أن "الاختفاء القسري جريمة تنتهك أبسط حقوق الإنسان، حيث تُنتزع الحرية من الأفراد قسرا دون محاكمة أو تبرير قانوني، ويُحرمون من التواصل مع ذويهم أو الكشف عن أماكن احتجازهم".
ويبين أن "هذه الظاهرة أداة قمع تستهدف المعارضين السياسيين والنشطاء الحقوقيين، مما يعكس حالة من غياب العدالة واستباحة الحقوق، حيث تعيش أسر المختفين في معاناة مستمرة بين البحث واليأس، بينما يواجه المجتمع خطر ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب".
"طالت الأطفال"
ويكشف حمودة، عن إحدى أغرب قضايا الاختفاء القسري في مصر، والتي أثارت اهتمام مدير "منظمة العفو الدولية" لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فيليب لوثر، ودفعته لانتقاد تلك الممارسات في مصر.
ويقول الحقوقي البريطاني فيليب لوثر، إن "القبض على أم شابة مع طفلها البالغ من العمر عاما واحدا، وحبسهما في غرفة لمدة 23 شهرا خارج حماية القانون، ودون اتصال بالعالم الخارجي، يُظهر أن حملة السلطة المستمرة للقضاء على المعارضة وزرع الخوف في النفوس، وصلت مستوى جديدا من الوحشية".
ويضيف لوثر في بيان للمنظمة 4 آذار/ مارس 2021، أن "هذه الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها قوات الأمن، توضح الآثار المدمرة للمناخ السائد للإفلات من العقاب في مصر".
ويوضح حمودة، أن "وصف فيليب لوثر، لجريمة الإخفاء القسري بأنه (وحشية)، جاء عقب اعتقال المصرية منار أبوالنجا، مدرسة الرياضيات بجامعة طنطا، والمتزوجة والأم لطفلين، والتي أكملت عامها الخامس بسجون حكومة عبد الفتاح السيسي".
ويبين أنه "تم اعتقالها من منزلها بالإسكندرية وزوجها عمر أبوالنجا، وطفلها البراء، 9 آذار/ مارس 2019، وتعرض ثلاثتهم للاختفاء القسري، لتظهر بعد عامين في 20 شباط/ فبراير 2021، هي ورضيعها، بنيابة أمن الدولة العليا على ذمة القضية (رقم 970 لسنة 2020)".
ويستدرك: "لكن زوجها ما زال رهن الاختفاء القسري حتى الآن"، مبينا أنه "رغم المطالبات الحقوقية ومناشدات أسرتها بإخلاء سبيلها لرعاية طفليها، ما زالت السلطات الأمنية والقضائية تصر على تجديد حبسها تلقائيا".
"حالات موثقة"
ويتحدث حمودة، عن أمثلة لمصريين تعرضوا لجريمة الاختفاء القسري، وجرى توثيق حالاتهم، رغم عدم اعتراف السلطات بوجودهم لديها، مشيرا أولا إلى اختفاء السياسي والبرلماني السابق مصطفى النجار، منذ أيلول/ سبتمبر 2018، بعد توجيه اتهامات له بإهانة القضاء المصري، ملمحا إلى أنه منذ ذلك الحين فشلت مطالبات حقوقية واستغاثات أسرته بالكشف عن مصيره، وسط صمت السلطات الأمنية.
ويلفت حمودة، إلى حالة اختفاء الطالب أحمد حسن مصطفى، منذ أكثر من 2060 يوما، في الوقت الذي طرقت فيه أسرته كل الأبواب للحصول على معلومات، دون استجابة من السلطات أو إعلانها أي رد رسمي عن وضعه.
ويشير حمودة، إلى حالة زوج السيدة منار أبوالنجا، والد الطفل البراء، عمر أبوالنجا، كإحدى الحالات الموثقة، والذي يظل مصيره مجهولا منذ اختطافه من منزله بالإسكندرية، مع زوجته وطفله، منذ 9 آذار/ مارس 2019، ورغم ظهور زوجته بعدها بعامين وتسليم طفله لأسرته في شباط/ فبراير 2021، إلا أن مصيره يظل مجهولا.
ويكشف عن جريمة الاختفاء القسري بحق الطفل المصري عبد الرحمن الزهيري حينما كان عمره (17 عاما) منذ 29 آب/ أغسطس 2019، حيث أفاد شهود عيان من حي الدرب الأحمر بالقاهرة برؤية ضباط يرتدون ملابس مدنية من جهاز الأمن الوطني، يقومون بإيقاف عبد الرحمن وأصدقائه وتفتيش هواتفهم ثم نقلهم لمكان غير معلوم حتى الآن، رغم بلاغات أسرته للنائب العام المصري.
ويلفت إلى إحدى أقدم حالات الاختفاء القسري والتي سبقت الانقلاب العسكري في مصر، والتي جرت بحق خالد عز الدين المختفي قسريا منذ 27 حزيران/ يونيو 2013، بعد خروجه في عربة إسعاف من المستشفى الميداني باعتصام أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي، الشهير في "رابعة العدوية" شرق القاهرة، متأثرا بإصابته في أحداث "المنصة" التي راح ضحيتها 75 من المعتصمين على يد قوات الجيش.
ويوضح أنه "منذ ذلك الحين اختفى عز الدين، وفشلت محاولات زوجته في البحث عنه أو الكشف عن مصيره رغم توارد معلومات عن وجوده في سجن (العازولي) العسكري بالإسماعيلية شرق القاهرة".
كما يبين الباحث الحقوقي المصري، أن أقدم حالة اختفاء قسري في مصر هي للمواطن محمد صديق توفيق عجلان، المختفي قسريا منذ يوم جمعة الغضب 28 كانون الثاني/ يناير 2011، ضمن أحداث ثورة يناير ضد الرئيس الأسبق حسني مبارك، مبينا أنه في 11 شباط/ فبراير 2011، الموافق ليوم تنحي مبارك، اتصل بأسرته وأخبرها أنه محتجز، لتنقطع المكالمة ويظل مختفيا حتى الآن.
ويؤكد أن جريمة الاختفاء القسري تبعها جرائم قتل وقعت بحق من جرى إخفاؤهم، مبينا أن مركز "الشهاب لحقوق الإنسان" وثق 65 حالة من الموت خارج إطار القانون لمختفين قسريا، زعمت السلطات أنهم قُتلوا أثناء اشتباكات، لكن شهود عيان ورصد حقوقي شككوا بمصداقية الرواية الرسمية.
ويلفت حمودة، في حديثه لـ"عربي21"، إلى أسماء بعض المختفين قسريا منذ فض قوات الشرطة والجيش اعتصامي أنصار الرئيس مرسي، ورافضي الانقلاب العسكري، في ميداني "رابعة العدوية"، و"النهضة"، حتى اليوم.
وبينهم: محمد حسين السيد السمان، ومحمد أحمد محمد علي بدوي، وعادل درديري عبدالجواد محمود، ومحمود إبراهيم مصطفى، وعبدالحميد محمد محمد عبدالسلام.
"في آخر عام"
ويؤكد حمودة، أن تلك الجريمة متواصلة بشكل فج وأنها في العام الماضي تفاقمت بشكل مثير.
وفي أحدث تقاريرها رصدت حملة "أوقفوا الاختفاء القسري" أعداد من تم اختفاؤهم منذ آب/ أغسطس 2023، وحتى آب/ أغسطس 2024، مبينة أنه جرى إخفاء 19 سيدة وفتاة مصرية، و419 رجلا وشابا مصريا خلال تلك الفترة.
وحول أعداد المختفين قسريا خلال عام طبقا للفئات العمرية فهناك 10 أطفال مختفين قسريا بين 11 و17 عاما، و41 شابا بين 18 و30 عاما، و31 شخصا بين 31 و40 عاما، و21 فردا بين 41 و50 عاما، و10 بين 51 و60 عاما، و2 أكثر من 60 عاما، وذلك إلى جانب 323 آخرين لم يتم تحديد فئتهم السنية.
ووفقا لذات الإحصاء، هناك 8 مختفين قسريا تم اعتقالهم من مقرات احتجاز رسمية، و7 تم القبض عليهم في مقرات احتجاز غير رسمية، و5 من كمائن شرطية، و53 من الشوارع بالقاهرة والمحافظات، و8 من المطارات المصرية، و140 من منازلهم في القرى والمدن، و6 من مقرات العمل، وواحد من وسائل المواصلات، و207 لم يُعرف مكان توقيفهم.
كما وثقت الحملة وجود 73 مختفيا قسريا جرى إخفاؤهم في أقسام ومراكز الشرطة المصرية، و26 في مقرات الأمن الوطني، و6 في معسكرات الأمن المركزي، و2 في مقرات المخابرات المصرية، و329 مختفيا غير معلوم مكان احتجازهم خلال مدة الاختفاء.
والشهر الجاري، تمر 9 سنوات على اختفاء محمد تاج الدين علي، (مختف منذ 2015)، و8 سنوات على اختفاء بدر سيد أحمد سالم، (منذ 2016)، و6 سنوات على اختفاء جعفر عبده عبدالعزيز (منذ 2018)، و6 سنوات على اختفاء عمر يحيي محمود حسين (عام 2018).
"482 حالة"
وفي آب/ أغسطس الماضي رصدت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" منذ تموز/ يوليو 2013، وقوع 482 حالة اختفاء قسري، وسط تعتيم وتجاهل رسمي.
وأكدت أنه منذ الانقلاب العسكري منتصف 2013، اختفى قسريا كل من: عمرو إبراهيم عبدالمنعم، وخالد محمد حافظ، منذ مجزرتي الحرس الجمهوري والمنصة، 8 و27 تموز/ يوليو 2013.
ومحمد خضر علي، وعادل درديري عبدالجواد، وسيد سعيد رمضان، وعمرو محمد علي، منذ "فض رابعة" 14 آب/ أغسطس 2013.
وفي العام 2014: تم إخفاء رأفت فيصل علي 13 كانون الثاني/ يناير، وأمير افريج 16 آب/ أغسطس، وعبد الرحمن محمود عبد النبي 10 أيلول/ سبتمبر.
وفي العام 2015: سمير محمد الهيتي 9 كانون الثاني/ يناير، وأسعد سليمان محمد 12 نيسان/ أبريل، وحسني عبد الكريم مقيبل منذ 11 آب/ أغسطس.
وفي العام 2016: عصام كمال عبد الجليل 24 آب/ أغسطس، وأحمد جمال الدين طاهر، 21 أيلول/ سبتمبر، وسيد أحمد سالم وأبناؤه الأربعة 7 تشرين الثاني/ نوفمبر.
ومنذ العام 2017: محمد علي غريب 5 تشرين الأول/ أكتوبر، وعبدالله محمد صادق 21 تشرين الثاني/ نوفمبر، وسليمان عبدالشافي محمد، ورضا محمد أحمد، وعبدالرحمن كمال محمود والطفل عبدالله بومدين (12 عاما) 4 و21 و31 كانون الأول/ ديسمبر.
وفي عام 2018: سيد ناصر محمد 4 أيار/ مايو، وسمير أبوحلاوة، وإبراهيم شاهين 25 تموز/ يوليو، ومحمود حسين 11 آب/ أغسطس، وجعفر عبده عبدالعزيز 30 تشرين الأول/ أكتوبر.
وفي عام 2019: عبدالرحمن مختار إبراهيم، وأحمد شريف، يومي 19 و27 نيسان/ أبريل، وأمين عبدالمعطي أمين، وطارق عيسى صيام، والفتاة وصال محمد حمدان، أيام 4 و19 و21 حزيران/ يونيو، ومصطفى يسري محمد، ومحمد سمير عزازي، وحسام صالح سليمان أيام 1 و12 و19 تموز/ يوليو، وعبدالرحمن محسن السيد، 29 آب/ أغسطس، وسيد رمضان مغازي 30 تشرين الثاني/ نوفمبر.
وفي العام 2020: محمد عبداللطيف عمر 7 كانون الثاني/ يناير، وأحمد صلاح عبدالله، ومصطفى محمد عبدالعظيم، يومي 11 و27 حزيران/ يونيو، وأسامة صلاح حامد 17 آب/ أغسطس، ومحمد أمين الجزار 28 أيلول/ سبتمبر، وسعد محمد علي أبوحطب 13 كانون الأول/ ديسمبر.
"بالقائمة السوداء"
ويؤكد حمودة، أن "الاختفاء القسري للمعارضين السياسيين في مصر جعلها بالسنوات الأخيرة، تتصدر قائمة الدول المنتهكة لحقوق الإنسان، خاصة مع استخدامها تلك الممارسة كأداة قمع ضد المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، بهدف إسكات الأصوات المنتقدة وترويع المجتمع المدني".
ويعرف القانون الدولي الاختفاء القسري بأنه احتجاز الأفراد أو اختطافهم من قبل جهات حكومية أو جماعات تعمل باسم الدولة، مع إنكار معرفة مصيرهم أو مكان احتجازهم.
ويوضح حمودة أنه "رغم توقيع مصر على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بما في ذلك الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، فإن هذه الممارسات تستمر في ظل غياب أي رقابة فعالة أو مساءلة قانونية".
ويبين أن "أسر المختفين قسرا تتحمل عبء هذه الجريمة؛ إذ تعيش في حالة من القلق والبحث المستمر عن ذويها، وكثيرا ما تُجبر على الصمت خشية أن تتعرض لمزيد من الانتقام أو القمع".
وطالب الباحث الحقوقي "المجتمع الدولي بالضغط على السلطات المصرية لوقف هذه الانتهاكات، وفرض عقوبات على المسؤولين المتورطين، وإثارة هذه القضايا في المحافل الدولية"، مشيرا إلى أن "الاختفاء القسري جريمة لا تسقط بالتقادم، ولا يمكن التسامح معها تحت أي ذريعة".