صحيفة الاتحاد:
2025-04-25@00:29:33 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: نزف الكلمات

تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT

رغم قوة المتنبي وصلابته لكنه يذوب عذوبةً ورشاقة لفظية حتى لتبدو بعض كلماته وكأنها تنزف تشوقاً وتلهفاً، مثلاً يقول: 
  وَكَثيرٌ مِنَ السُؤالِ اِشتِياقٌ  وَكَثيرٌ مِن رَدِّهِ تَعليلُ
وهذه كلمات تنزف بالمعاني من حيث هي تجري مجرى تعشق القول، فالسؤال هو الصيغة الأشد في اللغة، ولا أشد منه إلا لغة الزجر والنهي، غير أن الزجر إغلاق للقول، بينما السؤال فتح لفضاءات القول، ولكن ماذا لو تنازل السؤال عن وظيفته وتجرد عن استنزافيته، وأصبح سبباً لذاته، وليس مفتاحاً للأجوبة، فهو هنا تشوق واشتياق، وترداده تعليلٌ له، أي تكرار وإعادات متصلة، ويظل يسأل لا ليجيب، ولا يطلب من غيره جواباً، ولكنه يسأل وكفى.

وقد قال المتنبي هذه القصيدة وهو مفعم بالأمل والتطلع والتشوق، وهي حال جعلته يخاطب الرياض التي يمر بها بقوله: (حلبٌ قصدنا وأنت السبيل)، وهو أيضاً لا يقصد حلب بوصفها أرضاً، ولكنه يطلب شخصية كانت حينذاك شخصية متخيلة ومرسومة في ذهن المتنبي الذي تصور شخصية سيف الدولة الحمداني بوصفها الشخصية المطلوبة والمتمناة لهذا الشاعر القلق الذي طغى طموحه فوق طاقته المكانية والزمانية، وراح يطلب زمناً يختاره برغبته اختياراً ويرتحل إليه، ومن أجله يدخل في حوار مع المكان فيقول:
نَحنُ أَدرى وَقَد سَأَلنا بِنَجدٍ   أَقَصيرٌ طَريقُنا أَم يَطولُ
  وَكَثيرٌ مِنَ السُؤالِ اِشتِياقٌ   وَكَثيرٌ مِن رَدِّهِ تَعليلُ
لا أَقَمنا عَلى مَكانٍ وَإِن طابَ   وَلا يُمكِنُ المَكانَ الرَحيلُ
  كُلَّما رَحَّبَت بِنا الرَوضُ قُلنا   حَلَبٌ قَصدُنا وَأَنتِ السَبيلُ
وهنا هو يخاطب المكان بأنه ليس مقصوداً بوصفه طريقاً يطول أو يقصر، ولكنه فقط يستمتع بلعبة التمدد والقصر، وكلما قصر طال، وهو يدرك الجواب ويعرفه إلا أنه يحتاج إلى أن يتكلم، فقط يتكلم، ويمدد في القول، والمتنبي بوصفه شاعراً، فإن الكلام هو معناه ووجوده، ولا يريد للكلام أن ينتهي، ولا للشوق أن ينتهي، وكل شوق هو مزيد تشوق، وكل سؤال هو تعليل (ترديد) للقول، وفي قصيدة أخرى يقول: 
طَرِبَتْ مَراكِبُنا فَخِلنا أَنَّها
‏  لولا حَياءٌ عاقَها رَقَصَتْ بِنا 
وكل هذا يقوي سردية ترداد القول والطرب للرحلة، وكلما طالت زاد الشوق وتطلعت القصيدة للولادة والانبثاق، وتطرب المراكب معه لأنها تنتظر القصيدة.
على أن تجربة المتنبي تشير دوماً إلى مغادرته المألوف، مع تطلعه لغير المألوف، فقد ترك العراق من أجل حلب، وترك حلب من رغبة بمصر، وترك مصر متطلعاً لخراسان، ثم أخيراً ترك خراسان لكي يموت في طريق العودة، ربما مات، لأن مراكبه تلك المرة لم تطرب، لأنها لم تكن تحلم بوصولٍ، أي وصول، بعد أن تسددت في وجهها الدروب تبعاً لضياع المتنبي بين الأماكن، لدرجة أنه لم يعد يبحث عن أي مكان، وهنا كادت له منيته لتنهي ترحاله وتضعه في كتاب التاريخ والذاكرة.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: التعددية والهوية د. عبدالله الغذامي يكتب: الهوية أو المصطلح المشكلة

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي المتنبي عبدالله الغذامي

إقرأ أيضاً:

السيسي: الكلمات وحدها لا تكفي لإحداث تأثير في المجتمع بل يجب ترجمتها لأفعال إيجابية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد الرئيس السيسي في حفل تخرج الدورة الثانية لتأهيل أئمة وزارة الأوقاف من الأكاديمية العسكرية المصرية أن الكلمات وحدها لا تكفي لإحداث تأثير في المجتمع، بل يجب أن تُترجم إلى أفعال إيجابية وفعالة تُشكل مسارًا يُتبع ويُنفذ. وضرب مثالًا على ذلك باستخدام مقار المساجد، إلى جانب كونها أماكن للعبادة، لتقديم خدمات تعليمية للطلاب.  

حفل تخرج الدورة الثانية لتأهيل أئمة وزارة الأوقاف

وشارك الرئيس عبد الفتاح السيسي، صباح اليوم، في حفل تخرج الدورة الثانية لتأهيل أئمة وزارة الأوقاف من الأكاديمية العسكرية المصرية، وذلك بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية. 


وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أن تخريج وتأهيل هذه الدفعة الجديدة من الأئمة، التي ضمت ٥٥٠ امام واستمرت لمدة ٢٤ أسبوعاً، يأتي في إطار تنفيذ توجيهات الرئيس لوزارة الأوقاف، بالتنسيق مع مؤسسات الدولة المعنية، بما فيها الأكاديمية العسكرية المصرية، لوضع برنامج تدريبي متكامل يهدف إلى تعزيز قدرات الأئمة على مختلف المستويات، بما يسهم في الإرتقاء بالخطاب الديني وتطوير آليات التواصل، خاصة لمكافحة ودحض الفكر المتطرف، فضلاً عن ترسيخ الوعي والمعرفة والإدراك لمختلف القضايا الفكرية والتحديات الراهنة.
 

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: قرأت لك
  • حكم تلقين المتوفى بعد دفنه.. دار الإفتاء تحدد الطريقة الشرعية
  • د.حماد عبدالله يكتب: من أهم أسباب تخلفنا !!
  • بعد وفاته اليوم.. نجوم الفن ينعون الإعلامي صبحي عطري بهذه الكلمات
  • رأي.. عبدالخالق عبدالله يكتب عن ترتيب الإمارات في تقرير السعادة العالمي 2025: ما المطلوب لتكون ضمن قائمة العشرة الأوائل؟
  • د.حماد عبدالله يكتب: مشكلة "كتاب الرأى" !!
  • هل النبي محمد ولد في 22 أبريل؟.. اعرف القول الراجح عند العلماء
  • السيسي: الكلمات وحدها لا تكفي لإحداث تأثير في المجتمع بل يجب ترجمتها لأفعال إيجابية
  • إذاعة الاحتلال تعلن استهداف عضو بارز في حماس بعملية اغتيال في لبنان
  • السعيد يطلب 35 مليونًا للتجديد مع الزمالك.. ما الحقيقة؟