(منفى للرجـل الماكـر)… رواية ترفـض الهروب وتشتبـك بالواقع
تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT
أبريل 26, 2024آخر تحديث: أبريل 26, 2024
أحــــمَـــد الـمُــــــؤذّن
كاتب وروائي بحريني
من الوهلة الأولى في التوغـل ببداية استهلال صفحات هذه العمل الأدبي، أدركت أنني أمام روايةٍ ترفض الهروب وتشـتبك بالواقع من خلف خندق الأزمات المتلاحقة التي مـرت على العراق الشقيق وفي رأيي حسنـًا فعلت دار الذاكرة للنشر والتوزيع في العراق بأن تمسكت بمداد كاتب من طـراز خاص كمثل ” د.
كل هذه المعلومات مفقودة تمامـًا، ونعزي السبب لخطأ فني كما نتوقع، مع هذا يبقى تركيزنا منصبًا من الناحية الموضوعـية على هيكل الرواية والأرض التي نبتت فيها وتشكلت كأحـداث جُـل تمحورها اتخذ من العراق مسرحـًا مفتوحـًا على تقلبات القدر. والمتابع لتطورات الشرق الأوسط يعرف محورية العراق في لعبـة السياسة الدولية واستقلاله عن الهيمنة البريطانية في 3 أكتوبر 1932 فقد رُسـم مستقبل هذا البلد العربي من قبل الآخـر وتكالبت عـليه النكبات والحروب.
د. صبري على يقين ووعـي ثاقب بتاريخ بلاده وينطلق منقبـًا بمداد قلمـه وقلق خفقات قلبـه وركض أنفاسه عـن كـل ما يتعلق بالبنية الاجتماعـية والسياسية والفكرية في شقها الأيديولوجـي من تاريخ العراق وهذا ما رصدناه كمتابع للساحة الأدبية في مجمل اعـمال ” خاطـر ” في (رواية – اغـتصاب يشبه الآخـر، رواية – زئير في غـابة الجسد، منفى للرجل الماكر).
صلب الحكايـة
أحدهم يمشي مع صديقه ويتجاذبان أطراف الحديث، فجأة يُـقطع حديثهما بطيران الغربان نحو السماء. يصر الأول على هذا الذي حدث لا يبشـر بالخير وأن الخراب سيزحف على أهل القرية.. يضحك الرجل الآخر ويعتبر الأمـر مجرد خزعـبلات ويغرق في الضحك ساخرًا من صديقه، فيقرر الأول أن يفارق صاحبه.
تبدأ الرواية في استذكار رمزية التطير والتشاؤم من الغراب عـند العرب، إن العودة هنا إلى الأسلاف وإعـادة رمزية تلك الأشياء التي يتوقعون منها الشؤم ثم ربطـها بحدث معاصر قريب ” بيئة الريف العراقي الجنوبي ” قد حـدده د. صبري خاطر وحصره ضمن جغرافية المكان لينطـلق في أحـداث روايتـه ذات الطابع البوليسي ويتدرج في محطات الصراع حتى السطر الأخير. صوت الراوي العليم من بداية الأحداث تم تسليم رايته إلى ذلك الشخص المجهول الذي خشي طيران الغربان وتوقع الخراب لأهل قريته وكأنه ” استشرف المستقبل ” حيث لديـه مَلكة تتوقع الخطر الوشيك لكن لا أحـد استمع إليـه فكان ما كان. د. صبري فيما أرى لم يرسم أحداثه ” اعتباطيـًا ” من فيض الخيال وحسب كيما يقدم خلطة روائية عـابرة ليحشد السطور وكفى، بـل أعـمل فكـره وتوغـل فيما وراء عـباءة الأيام وأخبرنا كقراء أنـه جاءت لحظـة مفصلية من تاريخ العراق الحديث جلبت على أهله ما جلبت من ويلات ومصائب وحـروب أوقفت عجلة التقدم والحضارة وأبادت البشر والحجر، في فترة معاناة ربما اعتبرها جذوة نحو طريق جديد.
لذا فإن المشهد الاستهلالي (الخوف من طيران الغربان ونعيبها) ص 7 في بُعده الدلالي التقليدي مرتبط بعادة الخوف والشؤم عند عـرب الجاهلية منه كحدث مكروه وفي بُعده الحاضر مرتبط بقراءة معاصرة تعيد طـرح إشكالية المستقبل العراقي الذي التهمته عـقود من الشؤم والخراب الذي تجلى في سلسلة حروب طاحنة استنزفت من تنميته ورفاهيته وأمنـه وأنفاسـه ووجـوده ثم مكنت أعـدائه منه حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم من تراكـم أزماته على مختلف الأصعدة.
انعزالية الريف
تبرز مسألة مهمة تسيطر على مجمل الحالة السردية في رواية ” منفى للرجل الماكر” وهي إنعزالية الريف التي دخل د. صبري خاطر في إشكاليتها ولم يكن حقيقة التطرق إليها زائـدًا عن النص بل مشتبكـًا معه في فضاءٍ واحد.. لطالما أعترى الخطاب الأدبي ليس العربي فحسب بل والعالمي على حـدٍ سواء، تجاذبات تتمحور حول جو الريف والمدينة، وتلك النظرة الدونية ربما المنطلقة إلى تهميش طبيعـة المكان واعتباره أما متخلفـًا أو فقيرًا بالموارد البشرية المتعلمـة، أو مرتعـًا للخرافات والأساطير.. إلخ وبالمقابل على الضفة الأخرى تقع المدينة التي تجسد التطور العمراني والرقي الحضاري والعلمي والحرية ورفاهية المجتمع، ويتضح ضمن خطابنا الروائي العربي مدى التراكم الكبير من الأعـمال الأدبية التي تعرضت لإشكالية الريف والمدينة. وروايتنا هذه التي نتناولها تدخل في ذات السياق. ثمة علاقـة أستطيع وصفها بالإشكالية الموضوعـية الموجبة لطرح سؤال لا نستطيع وضعه ضمن الحالة الحيادية وهو.. أيهما أفضل الريف أم المدينة؟ هل العلاقة بينهما علاقـة تكامل أم صراع؟
إن أزمات المجتمع العربي المعاصر في اعتقادي لا تتوقف عـند حدود الريف أو المدينة فهي تعبر كل الحدود الإدارية وتهيمن على مختلف المناطـق، ثم أن إيجاد مبررات الصراع ما بين الريف والمدينة غـير مجدية من الناحية الحضارية لكونها من رواسب الخطاب الاستعماري الموروث حيث عـمل في الماضي على تفتيت اللحمة الاجتماعية وضرب وحدة الصف وخلق صراعـات بينية وهمية الطابع تتهم هذا الطرف على حساب الآخر ونمذجته على أنه متخلف. وعـليه أدخلنا د. صبري خاطر في إشكالية عـويصة لم تُحسم منذ عـقود قائمـة على تصور صراع أزلي ما بين الطرفين القرية بمواجهة المدينة، حيث لا توجد منطقـة وســط تبرد من وتيرة هذا الصراع وتسحب البساط من تحت ميدانـه المشتعل بالسجال. لو جئنا لحقيقـة الواقع الحضاري أغـلب الحواضر العربية بدأت كتجمعات سكانية صغيرة في امتدادها الجغرافي ثم تطورت عـمرانيـًا وتضخمت حتى تحولت من حالـة البلدات الصغيرة إلى مـدنية تزدحـم بالعمران والبشر. وهنا تلمح الرواية إلى فكر التأسيس من منظور حضاري مختلف منطلقا من فكرة الباراديم التي تشد القارئ دون أن تفسد عليه المعنى.
البُـعد الشعري
يفاجئـك د. صبري بلغتـه الجزلة وهو يحيك أقمصته السردية على مهل وفن، يمزج كل ذلك بأبعاد شعرية آسرة ليس فيها أيما تكلف وتأتي بعفوية وصدق ضمن سياق الوصف أو حديث ” السارد العليم ” وسط تسلسل الأحداث المتلاحقـة. ولديّ ما أشير إليه من بعض الاضاءات التي أحب الاستئناس بها هنا مثل: (تذكرت أنها تقرأ.. أن عـقلها مثل الأصيص تضع كل يوم فيه وردة جميلة) ص211. (التربة اليابسة التي تستقبل المطر بشغف بعد طول انقطاع) ص207. (تستعير أمي أبشع ما في هذه الحكايات كي ترمي قلبي بأحجار الكلمات) ص205. من دون أدنى شك إن د. صبري خاطر يعرف تمامـًا تداخـل الأنواع الأدبية المختلفة مع عـوالم الرواية الجديدة، فهو عـن سابق وعـي يضخ لغتـه الشعرية في المتن الروائي حيث (لم يعد الشعري سمة مرتبطة بالنوع الأدبي الذي نسميه القصيدة بل غـدا يتحقق في أنواع أدبية أخرى، وخاصة منها الرواية. وتتعدد مظاهر الحضور الشعري في الكتابة الروائية، وبخاصة في الصنف الجديد منها. فقد نسجت الرواية الجديدة ميثاقـًا عـلائقيـًا مع الكتابة الشعرية فاستعارت طرائقها وتقنياتها إلى درجة يمكن النظر إليها وكانها نصوص شعرية. أما المستويات التي تبرز فيها شاعـرية الرواية الجديدة فتهم لغتها وكـذا خطابها، أي تمس المكونات اللفظـية والسردية. إن هذا الأمر هو الذي جعل الرواية ملتقى جميع الأنواع الأدبية أو يجعلها كما عبر عن ذلك ” موريس بلانشو” أسعد الأنواع. يندرج الحضور الشعري في الكتابة الروائية في سياق ما يمتلكـه ” الشعري ” من طاقة على اختراق مختلف العوالم والمجالات الفنية ). مجلة علامات، العدد 12 / *محمد أودادا – / الشعري في الروائي مستويات التجلي وطرائق التحليل. 17 أغـسطس 2020
سلطـة الراوي العليم
أهتم الناقد الفرنسي الشهير جان بويون بتمييز أنواع الرواة في السرد الأدبي، وقد وضع في مقدمتهم من وصفه بـ” الراوي العليم ” ، وهو راوٍ لديه معرفة كاملة بأحداث القصة التي يرويها، ويحظى بإدراك تام للدوافع والأفكار التي تحرك شخصيات روايته، وسواء كانت تلك الدوافع مُعلنة أو سرية، فهي لن تغيب عن فطنته وإلمامه أبدًا. *الراوي العليم – د. ياسر عـبد العزيز / صحيفة الشرق الأوسط ، الأحد 20 نوفمبر 2022
تصاعد الأحداث في رواية ” منفى للرجل الماكـر ” يكمن خلفها راوٍ عليم أحيانـًا يظهر بوجهه الصريح بلا مقدمات كيما يقود تطورات الأحداث لكنه يختار فعل المراوغـة في ملعبه السردي. يُسند الفعل لشخصياته تبطئ اشتعال الحدث أو تثبط منـه في لحظات فارقة. وهذا ” التكنيك ” الفني الجميل نجح في كسـر بعض حالات الغموض طوال مـدة الانتقالات من فصل إلى آخَـر في الرواية. فنحن بمعاينة هذا الفعل الفني ” أقصد حضور وغياب الراوي العليم ” نستشف وضعية السلطـة الفعلية للكاتب ” صبري خاطر ” حيث عـمد إلى تنويع طاقـة الفعل المحرك للحدث والدليل هو المشهد الأول من الرواية الذي أبرز الخشية من نعيب الغربان في هدوء الريف ص 7 كما تقدم، كما لو أنه أنفصل عـن الحدث الأساس الذي شكل بداية الرواية وتبرأ من معرفته لبقية الأحداث وتركها في حالة ” زمكانية ” غـائمة ملتبسة ظاهريـًا إلى حين.
إن دخيلة الشخصية ” البطلة أو غيرها “تعبر عن تعمد سلطة الراوي العليم على مصادرة قرارها تارة وتعطيها بعض الحرية والتمرد تارة أخَـرى. وهنا فهي سلطـة نستطيع القول بأنها غـير ديمقراطية، ومع هكذا وضع حـرر صبري خاطر فعل الكتابة في سرده الروائي وقدم مـرونة لافتـة لمجمل شخصياته. فلم نشعر إطـلاقـًا بأنه كاتب مارس تلك السلطة القاهرة وزج بالبطل ” أحمد السندان / مأمور الشرطـة / قارئة الروايات خديجة … إلخ من شخصيات ” زجا. فهو لم يجبرها تقريبـًا على الحركة والفعل وفـق مشيئتـه في رسم الحكاية وإنما تركها بحد ذاتها تتحرك بكامل إرادتها. وذلك صنعت قدرهـا وتفاعلت مع عـنصر المكان.
تقنيات الكتابة عـند الكاتب
تنعطف تقنيات الكتابة عـند كاتبنا في روايته التي نحن بصددها نحو دخول هيكلية الحدث من الخارج. إذ سبق أن أشرنا بخصوص مراوغـة الراوي العليم في حضوره الصريح مشتبكـًا مع احتدام الأحداث أو شبه منفصل عـنها حيث تنوب الشخصيات عـن الكاتب في التعبير عـن ذاتها هذا من جهـة. ومن جهة أخرى كان التأسيس لتلك التقنيات المؤثـرة في مجمل الرواية يعطينا مؤشرا على مدى استيعاب الكاتب لفن الرواية، فهو يمضي في طـريقه عـارفـًا خارطـته الاستباقية ولا يرسل خطواته عـبثـًا في الظلام. وثمـة تكثيف فنـي يتولد داخـل بؤرة الحدث عـند ” صبري خاطر “. وهذا التكثيف تجلى في الأمر الصادر بنفي الشخصية البطلة المعلم ” أحمد السندان ” إلى الريف. فهو ذلك الرجل الحاد الذكـاء الذي طـردته المدينة لتجنب شـره. وعـليه نحن أمام بؤرة حدث سابـق هو بمثابة الشرارة الأولى لبداية القصة الحقيقية. السؤال هو: ماذا يُـثبت الحدث على هذا الصعيد؟
يُـثبت في رأيي قدرة الكاتب على تكييف عـنصر الزمكان وسرعـة انتقاله ما بين محطاته السردية بدرايـة وتـروي أضفت على الأحداث نضجها السردي دونما الوقوع في ثغـرات فنيـة تؤثر على الجودة في بعدها الموضوعـي. لهذا أشرنا من البداية إلى أهمية التقنيات عـند الكاتب. فهي الرهان الرابح لكتابة مبدعـة. بمعنى آخَـر قد يمتلك أي كاتب فكرة رائعـة لعمله الروائي ولكن تقنياته في الكتابة متواضعة المستوى فيختل الميزان، فتكون النتيجة معطيات باهتـة تحكم على العمل بالإخـفاق وانصراف المتلقي عـن قراءته أو بطء الاقبال عـليه، فالمسألة تكمن في كنه الرواية هـل لها قوانين ثابـته تحدد تقنياتها كيما تُكتب بشكـلها العظيم الفارق؟ للإجابة على هذا السؤال نقول: لا تستقـر الرواية على حالٍ من الأحوال فهي قادرة على استيعاب التحديث بمختلف الأبعاد والتحولات… (إن الشكل الروائي متحول دائمـًا؛ فكيف نستطيع أن نـزعـم أننا قادرون على وضع قانون ثابت يقيـده تـقييدًا، ويكبلـه تكبيـلا؛ فيغتدي ثابـتًا وقـد كُـتب عـليه أن يظـل متحولاً؟) ص 251 / في نظرية الروايـة – بحث في تقنيات السـرد، د. عـبد المـلك مـرتاض/ سلسـلة عـالم المعرفة 240 ديسمبر 1998 الكويت.
في المحصلة الختامية.. نتوخى هنا من خلال هذا العرض لـ..” منفى للرجل الماكـر” لمبدعـها د. صبري حمد خاطـر، لفت النظـر لها كعمـل روائي إبداعـي يحمل نكهة عـراقية مائزة، نتمنى على المتلقي العربي أن يخطفهُ من على رف أقرب مكتبـة أو معرض كتاب كي لا يفوت على نفسه المتعة الأدبية الروائية والتي ستحرضه لا شك في تكرار البحث عـن أعمال الكاتب. ولأن العمل الروائي المختلف لا ينتظر تزكـيةً من صخب الصحافة، إنما يفرض نفسـه على الساحة والمتلقي بهـدوء، تأتي هذه القراءة لا لكي تشرح المضمون ولكن لعلـها تضيف متعـة اكتشاف الأبعاد الإنسانية المختلفـة التي عمدتها نار التجارب الحياتية، تلك المتوزعـة على خارطتها كما أراد لها القدر فهو وحـده ” السارد العليم ” هنا بامتياز. وأما نحن كبشر ما جمعنا وصخبنا وحِراكنا إلا كممثليـن على خشبة مسرح الحياة الكبير، كـلٌ منا يؤدي دوره المنوط به ويمضي بعدها إلى سجل الغياب.
مرتبط
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
إقرأ أيضاً:
“كمين عيترون”: الرواية الكاملة للكمين القاتل على لسان جندي صهيوني مشارك
يمانيون – متابعات
كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية النقاب عن تفاصيل مثيرة حول معركة قرية “عيترون” اللبنانية الجنوبية، التي وقعت قبل ثلاثة أسابيع. كانت هذه المعركة بمثابة تصدٍ شرسٍ من مقاتلي حزب الله ضد محاولة اقتحام قامت بها قوة من “جيش” العدو الإسرائيلي، حيث تحصّنت هذه القوة في مبنى مدمر داخل القرية. وقد أسفرت المعركة عن حصار طويل واشتباكات عنيفة استمرت لما يقارب 14 ساعة.
وقبل الخوض في تفاصيل الكمين وفق شهادة الجندي المصاب، نشير الى أن العدو الإسرائيلي كان قد أعلن في 1 أكتوبر الماضي بدء عملية عسكرية برية ضد لبنان شملت غارات جوية وقصفا مدفعياً واغتيالات، لكن جيش العدو لم يتمكن حتى الآن من التمركز في أي قرية أو بلدة دخل إليها بسبب المقاومة التي يواجهها من قبل مجاهدو حزب الله، وهي الحقيقة التي تناقض ادعاءات العدو وتقزّم كل إنجازاته الميدانية، لا سيما مع حجم الخسائر المهولة التي يتكبّدها في المواجهات، وتكرّس واقع الفشل الكبير الذي يُمنى به العدو يومياً في مواجهاته مع المقاومة الإسلامية في لبنان.
وقد بلغت الحصيلة التراكمية لخسائر جيش العدو منذ بدء ما سماه “المناورة البرية في جنوب لبنان وحتى قبل أسبوع ،وفقاًُ لبيانات المقاومة، ، أكثر من 100 قتيل و1000 جريح من ضباطه وجنوده، كما تم تدمير 43 دبابة ميركافا، و8 جرافات عسكرية، وآليتي هامر، ومُدرعتين، وناقلتي جنود، وتم إسقاط 4 مُسيرات من طراز “هرميس 450″، ومسيرتين من طراز “هرميس 900”
كواليس الكمين المرعب والأكبر:
وفقًا للمراسل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية يوآف زيتون، الذي أجرى لقاءً مع أحد جنود العدو الإسرائيلي الذي شارك في اشتباك عيترون وكمينها الشهير وأصيب خلاله، فإن المعركة تعتبر الأطول والأكثر دموية التي خاضها جيش العدو الإسرائيلي في جنوب لبنان، حيث أدت إلى مقتل 6 جنود صهاينة وإصابة 14 آخرين بجروح متفاوتة. (الحصيلة متوافقة مع العدد المعلن عنه رسمياً من قبل جيش العدو، مع الإشارة إلى فرض العدو سياسة الحظر الإعلامي).
تجسدت اللحظة الدرامية التي ستظل عالقة في أذهان المشاركين، من خلال مشهد إنقاذ أحد جنود العدو المصابين، وهو “إيتاي فوكس”، البالغ من العمر 24 عامًا. حيث حاول المقاومة من خلال رفع قبضته أثناء عملية إنقاذه، في محاولة لتقليل آثار الهزيمة والخسائر التي تكبدها الجيش العدو الإسرائيلي في هذه المعركة المؤلمة.
كمين عيترون
خلال هذه المعركة، لقي 6 جنود صهاينة من لواء “ناحال الشمالي ألون 228” مصرعهم، واستمرت الاشتباكات مع تبادل إطلاق النار وإلقاء القنابل اليدوية، بالإضافة إلى عمليات التفتيش المعقدة لإنقاذ القتلى والجرحى تحت جنح الظلام. دخلت القوة الإسرائيلية إلى المبنى المدمر جراء غارة جوية، حيث كان هناك عنصران من حزب الله قد كمنا لهم، وعند دخول القوة، أطلق مجاهدو حزب الله النار بشكل مفاجئ، مما أسفر عن وقوع إصابات فادحة.
لاحقاً أدى تبادل إطلاق النار إلى اشتعال النيران بشكل كبير في المبنى، كما تعرضت قوة دعم إسرائيلية لإطلاق نار مكثف، مما أوقع العديد من الضحايا في صفوف القوة المساندة.
الفوضى تسود إثر انهيار الصف القيادي:
خلال مجريات المعركة، فقدت قوات العدو الإسرائيلي القدرة على التواصل الفعّال بين “الجنود والضباط،” الأمر الذي دفع “الفرقة 91” إلى الاعتقاد بأن “الجنود” قد وقعوا في الأسر. وصف أحد الجنود الصهاينة المشاركين في المعركة المشهد بأنه كان مليئًا بالفوضى والصراخ، مما زاد من حدة التوتر في تلك اللحظات الصعبة والحرجة.
بعد التعرّض لحدث معقّد وصعب، أصيب جنود الاحتياط من اللواء الصهيوني ذاته تحت قيادة “يانيف مالكا” بجروح خطيرة، وتعرض العديد من جنود العدو للقتل. وظلت القوة الصهيونية محاصرة في المبنى المدمر لساعات، ومع استقدام مزيد من القوات تمكنت “وحدات النخبة” من تحديد موقعهم وإنقاذهم بصعوبة بالغة، وبعيداً عن شهادة “الجندي” الصهيوني الجريح لا يستبعد أنّ هذه القوة النخبوية تعرّضت هي الأخرى لخسائر في صفوفها، وإن تحفظ العدو عن ذكر خسائره هنا في سياق الغموض والملابسات التي تغطي سردية الإنكار كاملة عن خسائره في الكمين.
تعتبر هذه المعركة، بحسب تسلسل الأحداث التي استعرضتها الصحيفة العبرية، آخر نشاط عملياتي لكتيبة الاحتياط في “عيترون” وهذا له دلالته. حيث أصر القادة العسكريون على التسلل إلى القرية لمهاجمة وتدمير البنية التحتية المسلحة لوحدة الرضوان التابعة لحزب الله.
كما أوضح “اللواء” في احتياط العدو “يوفال داغان” في حديثه للصحيفة العبرية: “كنا نعلم بوجود عدد أكبر من المسلحين في القرية، بعد أن عثرنا على آلاف الأسلحة ودمرناها، إضافة إلى اكتشاف مقر تحت الأرض لحزب الله، وشاحنات صغيرة مزودة بقاذفات صواريخ متعددة الفوهات. وقد قمنا بتكثيف العملية عبر الخداع للوصول إلى مبنى البلدية الذي كان يُعتقد أنه المقر المركزي لحزب الله”.
ووفقاً لـ”داغان”، فقد شنت القوات الإسرائيلية “هجومًا استمر ليوم كامل، حيث قام سلاح الجو الإسرائيلي بقصف بعض المباني المشبوهة لتسهيل تقدم القوات”، لكن الواقع كان معقداً، حيث أن المسلحين كانوا يختبئون بين الأنقاض.
كمين عيترون
معركة شرسة ومواجهات ضارية:
قال اللواء في احتياط ” جيش” العدو إنه في” الساعة 14:31 تلقى أول اتصال عبر أجهزة الاتصال اللاسلكي يفيد بوقوع حدث صعب، حيث كان من الصعب الحصول على معلومات دقيقة حول الوضع الميداني بسبب إصابة العديد من الضباط. وتظهر التحقيقات الأولية للجيش الإسرائيلي أن القوة الأولى التي دخلت المبنى “لتطهيره” من المسلحين، والتي كانت تضم 6 جنود، تعرضت لإطلاق نار شديد من مسافة قريبة من قبل مسلحَين إثنين من حزب الله مختبئين بين الركام”.
كما ألقى مجاهدو حزب الله قنابل يدوية، مما أدى إلى اشتعال حريق كبير في المبنى، وأضاف” اعتقد باقي جنود السرية الذين هرعوا إلى موقع الحادث لإنقاذ رفاقهم المصابين، بسبب الدخان الكثيف، أن هناك مسلحًا واحدًا فقط. لكن في الواقع، كان هناك مسلح آخر مختبئ تحت الأنقاض، ينتظر الفرصة المناسبة لإطلاق النار”.
وصف الجندي الصهيوني ” إيتاي فوكس” تجربته بقوله: “كنت ضمن قوة إسناد ورأيت أربعة أو خمسة جنود مصابين في باحة المبنى، بعضهم لم يكن يتحرك ولا يستجيب. كنت أعلم أنه وفقًا للإجراءات، يجب أولاً القضاء على التهديد وقتل المسلحين، ومن ثم إنقاذ الجرحى وتخليص القتلى”.
وأضاف: “أطلقت نيرانًا على نقاط مشبوهة ثم أنزلت بندقيتي الرشاشة لأستطيع إنقاذ جندي جريح آخر وسحبه إلى الخلف. في تلك اللحظة، كانت الأجواء هادئة نسبيًا، لكنني أصبت برصاصة دخلت بجوار الأرداف وخرجت من الفخذ”.
بأس المقاومة يفرض على العدو تغيير خططه:
ومن الواضح أن العدو الإسرائيلي تفاجأ بشدة المقاومة في تصديها أثناء التوغل البري رغم حشده الهائل للفرق العسكرية والنخبوية من قواته، وكذلك رغم اغتياله عدد كبير من القادة العسكريين على المستويين الأول والثاني، لكن جيش العدو وأمام استبسال المقاومين اضطر لدفع خطته إلى تعديل إستراتيجي والتحول إلى تكتيك جديد يعتمد على الدخول إلى المناطق وتفخيخ المباني ثم تفجيرها، والانسحاب السريع لتفادي المزيد من الخسائر البشرية، خاصة بعد نجاح المقاومة في نصب الكمائن.
——————————————–
موقع أنصار الله . تقرير | يحيى الشامي