من عبادة الأصنام إلى عبادة الأعلام
ملاحظات تحمل ألما أظهره باستحياء من أمه الزومبي، لمحة من سلبيات تحتاج حل لنحيا:
1- إن الناس يقدسون الأشخاص وينزهونهم لمجرد أنهم مشهورون أو أن هنالك ارتباطا مصلحيا معهم، بل يعظمونهم لدرجة الاستعداد لكسر أية طاقة واعدة قد تكون هي وسيلة إنقاذهم. هذه العبادة الخفية والجاهلية في العقلية والنفسية لكي يبقى هذا الشخص أو الجماعة في مرتبة المعصوم رغم أن غير عبدته يرون أخطاءه أو سوء أدائه في الليلة الظلماء.
2- ومعروف أن الناس باتوا يسمعون بألسنتهم ويتجهون مع الدعايات التي من الطبيعي أن تصاغ بشكل منطقي إن أريد تشويه سمعة البعض مجموعة أو أفراد حزب أم عشيرة، فنرى الحكم العام بالسقوط أو الارتفاع والنزاهة، فهو يبدو بالعقل الجمعي ما بين الكفر ببعض وعبادة آخر.
3- شعوب العالم تحتج على إبادة أهل غزة ونحن لا حس ولا حراك بل هجوم داعم للكيان من الإعلام، وشعب لا مظاهرة ولا احتجاج وحكام ذيول وعبيد. والعبد المتسلط أقسى من سيده في قمع أي محاولة لحرية إخوانه من المستعبدين، نفاخر بمظاهرات من اجل غزة في بلاد تحاربها، وتسير حياتنا كالزومبي، نعيب على الغريق أن يبحث عن شهقة.
لأننا تقليديون نرفض الإبداع والتغيير، نحمل أوزار الماضي فخرا وجاهلية أو جهلا ولا نرميه لنرتقي جبال الحياة الوعرة، ونمنع من يعيننا في شفاء العميان كيلا يرى أحد بدوائه فلا نصل القمة وحتى إن وصلنا فما لدينا إلا التقليد!
4- الناس لا يراجعون ما ورثوا من اعتقاد أو اتخذوا من انطباعات، رغم أن هؤلاء من درجة علمية عالية فلا يسعفهم منهجهم البحثي لتصويب أنفسهم نتيجة الانغلاق الفكري عندهم.
5- الحقيقة وامتلاكها شعور سائد على انطباعات بأدلة منطقية أو غير منطقية بحيث يعتبر العالم من غير فكره عالما آخر، رغم انه لايري لفكره تطبيقا أو ملامسة تؤكد انه حقيقة.
6- ملايين من الناس يمارسون طقوس العبادات وينسون أهمها، عندما يرون أن هذه الأموال التي يصرفونها في الطقوس هنالك أناس أكثر حاجة لها لكي يصمدوا ويواصلوا صبرهم على الرباط، فقد رأينا ملايين في عمرة وهنالك مليونا محاصر جائع ويشارك في حصارهم أبناء جلدتهم. هؤلاء الناس بلغت بها غريزة التدين درجة الخدر، الحقيقة الواضحة أن تغلب الغريزة سواء كانت تدينا أو نوعا من حب البقاء والتملك، كلها سواء في أنها تغيّب العقل الباحث عن الحقيقة وتستعمره لإشباعها، الحيوانات تفعل ذلك حتى أنها تبدو عاقلة مثل الإنسان، والحقيقة أن هذا صواب عندما يجنب العقل الغرائز عن الإنسان، ولأن رقي الإنسان في الإبداع في التفكير والبحث عن الصواب، وعمارة الأرض وتنظيم السلوك، وبناء الأولويات وما إلى ذلك، لكنه أبشع من الحيوان إن تملكته الغريزة لأنها غرائز مستدامه يخطط لها وليس دوافع نزوية.
7- إننا نفعل ذات الفعل الذي نحكم عليه بقسوة عند الآخرين ونتعايش معه في أنفسنا.
لأننا تقليديون نرفض الإبداع والتغيير، نحمل أوزار الماضي فخرا وجاهلية أو جهلا ولا نرميه لنرتقي جبال الحياة الوعرة، ونمنع من يعيننا في شفاء العميان كيلا يرى أحد بدوائه فلا نصل القمة وحتى إن وصلنا فما لدينا إلا التقليد!
مجموعة يظن كل منها أنه يملك الحقيقة تعني مجموعة من الزنابير في خلية واحدة، كل يهدم ما يبنيه الآخر ليبني ما يريد فيهدمه الآخرون. وهكذا فالخراب الفكري والتمزق الاجتماعي حاصل بانفصال حقيقي لا يحله أن يستقل كل بجزء من أرض، لأنه واقع أمة فقدت البوصلة عندما أوقفت ميزتها الآدمية في التفكير وانحرفت لتقودها الغرائز كل حسبما تغلب فيه.
جدلية الظلم والتخلف
هذا الظلم للنفس، وظلم الحاكم إن حكم أو المتسلط بسلطته، لا يأتيه الفلاح، فلم تبنَ سنن الكون على الظلم، لهذا عندما تعظم الأمم الجيل العامل البنّاء ويأتي جيل الرفاهية تبدأ مرحلة الهبوط فتنحدر الأمم ليحل محلها آخرون، ما لم تمتلك عنصر التجديد الواعي. وأمتنا اليوم بعيدة عن الارتقاء لأنها جامدة في تفكير أفرادها، تكرر ذاتها ولا تملك أدوات المراجعة، تفهم المراجعة أن تعود بنفس الطريق لتصل نفس النتائج فهي على صواب إذن، والآخرون يمنعونها من التقدم فهي لا تحتاج للتغيير، ويستمر عنصر الغلبة عندها، والتمكين هو قهر المختلفين داخلها لبعضهم فيستمر التخريب والتخلف.
إغاثتنا من غيرنا
دائما ننظر إلى القوة ونتصور أن إغاثتنا من غيرنا وقد فشلنا في أن نكوّن أمة ودولة، بينما يمكن أن نتفاهم إن ثبطنا غرائز طغت عندنا.. إغاثة الغير المنتظرة، واستجداء حكمه الإيجابي ورضاه، لكن لا شرعية تأتي من عبودية الغير واستعباد الأهل ظلما لتمكن التوافه من الصدارة وهذا يقود للتخلف.
الفهم وليس الحفظ
كل بلاد المسلمين لا بد أن تراجع وتتصالح مع سبب حياتها وتفهم ما عندها وليس أن تتحدث به وترميه في الممارسات والسلوك بعيدا
عندما أتحدث عن المسلمين فأنا أتحدث عن الأمة بتنوعها وليس عن دين وإنما ثقافة، آدم أبونا جميعا كان يعلم الأسماء كلها، لكنه لم يدورها بالفهم، كذلك نحن الكل يتحدث عن الأمانة زمن الغدر، والنزاهة زمن الفساد، والعفة، فإن افتضح أحدهم تبرأ الآخرون.
نعرف أن الله قال كفوا أيديكم، والناس يمدون اليد بالأذى ويكفونها عن الخير ويعملون للفانية ويتغافلون عن الباقية، ويخونون الأمانة وهي معيار سلوكي، فالأمانة في كل حركة، وأبشع الخيانة مراوغة الحقائق ونكث العهود من عالم أو قدوة كنخب فاعلة بما يسبب الكراهية والظلم، إننا حقا أمة أوتيت جدلا فنمخر بالوهم عمق بحر الفشل.
الأمانة والعهد
كل بلاد المسلمين لا بد أن تراجع وتتصالح مع سبب حياتها وتفهم ما عندها وليس أن تتحدث به وترميه في الممارسات والسلوك بعيدا؛ نحن متخلفون عن الإسلام بل لو نجا الإسلام من سوء صورة نقدمها لما دعونا أن ينقذ الإسلام من المسلمين.
قيم الإسلام المطلقة والتي تشمل مناحي الحياة يتكلم فيها الجميع ويبدو أنها ليست مفهومة من الجميع، لأن "القرية كلها في المسجد فمن سرق حذائي؟".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات المسلمين قيم مسلمين شخصيات الأخلاق قيم مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
«مفاتيح الحقيقة».. ورحلة تطور المنهج العلمي عبر العصور
عند الحديث عن المناهج فقد يتبادر للذهن تلك الكتب التي ندرسها في المدارس أو الجامعات أو حتى كما يسميه التربويون مجموعة الخبرات والمهارات التي يحصل عليها المتعلم من خلال عملية محددة ومنظمة. والحقيقة أننا هنا نريد تسليط الضوء على شيء مختلف ألا وهو كيف تتكون المعرفة وما هي الطريقة العلمية -المرتبطة بقواعد علمية صارمة وقابلة للتحقق- التي يجب سلوكها مما يجعل نتاجاتها تعطي معرفة علمية جديدة مقبولة بين جمهور العلماء. فمثلاً إذا أردت تفسير لماذا يتم رؤية السراب في يوم شديد الحرارة وفي وضح النهار؟ فإنك قد تقول بسبب زاوية الرؤية أو بسبب حرارة الجو أو بسبب موقع الشمس من الموقع المنظور كلها تخمينات أو فرضيات تحتاج لفحص، وعملية الفحص هذه تحتاج لمنهج، لإن في سلامة المنهج سلامة النتائج وموضوعيتها لذلك لابد أن يكون المنهج المتبع متفق عليه من العلماء أو ما أصبح يعرف بالتقاليد العلمية.
وهنا يتضح أن المناهج العلمية هي وسيلة مهمة للوصول للمعرفة الموثوقة، وتتعدد المناهج بتنوع المجالات المدروسة فكما يقال المنهج يتبع المجال التداولي، عزيزي القارئ إن عملية استخدام المناهج قديمة قدم المعرفة نفسها، ولكن الوصول إلى المناهج الحديثة سبقة العديد من الاتجاهات الفكرية والفلسفية.
لذلك سنحاول في هذا المقال تتبع بعض هذه المناهج تتبعًا انتقائيًّا يظهر أهم التحولات المفصلية في تاريخ تطور المنهج العلمي، وقبل البدء عزيزي القارئ لابد من الإشارة إلى أن حديثنا هنا عن مفهوم العلم من منظورة الغربي (المادي) وليس مفهوما آخر لأن العلم نفسه كمصطلح هو مبحث كبير من حيث المفهوم والخلفيات التي أنشأته، لنبدأ الحديث عن العصر الفرعوني فهو شهير بالمنتجات المادية الماثلة للعيان كالأهرامات والمعابد وغيرها من التقدم الكبير في علوم الرياضيات (التحليل الرياضي) والكيمياء (التحنيط والبرديات) والهندسة (التصميم والسبك وطرق نقل المواد. الخ).، والفراعنة يعتمدون على إبقاء المعرفة في نخبة متعلمة لا يسمح لها بالبوح بأسرار الحكمة لذلك يعد خروج علوم المعبد المصري القديم أو ما يسمى بالسر الإلهي أمرا يؤدي إلى الإعدام، ومع هذا التكتم والحرص تميز المصريون في جوانب الهندسة وعلم المواد ويذكر المؤرخ الإغريقي ديودور الصقلي أن العالم الرياضي الإغريقي الشهير فيثاغورث ذهب إلى مصر وتعلم لدى كهنة المصريين وخاصة علوم الهندسة والرياضيات وعلم الفلك وهذا ما يؤكده المؤرخ إيراتوستينس أن فيثاغورث قضى 22 عامًا في مصر قبل أن يأسره الفرس وينتقل إلى بلاد ما بين النهرين. ويؤكد المؤرخ الشهير هيرودوتس أن الإغريق استفادوا كثيرا من العلم والمعرفة المصرية.
لعل أكبر ما يشير إليه المختصون في تتبع المناهج العلمية هو القفزة النوعية التي تحققت في الفلسفة الإغريقية أو اليونانية، والتي ألهمت المهتمين بأهمية السؤال الصحيح ولنقل المنطقي حول ما يهم الإنسان أو ما يحيط به، فكما اهتمت مجالات الفلسفة الأولى بالماورائيات اهتمت بمادة الكون المنظور حيث استخدمت التحليل المنطقي والرياضي، وكما تعلم عزيزي القارئ فإن فلاسفة الإغريق ليسوا ملتزمين بنفس النسق الفكري أو المجالات المدروسة ولكن الذي يجمعها هو أهمية وجود السؤال وطريقة التحليل المنطقي وبعدها النقد العلمي المستمر أو الفرشة النظرية الموثقة.
ويعد أرسطو (Aristotle) هو الفيلسوف الذي أسس المنهج الاستنباطي في الفلسفة والعلوم، وهذا المنهج يعتمد على الانتقال من المقدمات العامة إلى الاستنتاجات الخاصة، حيث ناقش في كتابة «التحليلات الأولى» هو جزء من المجموعة الأكبر التي تعرف بـ«الأورغانون» (Organon)، وهي مجموعة كتب أرسطو التي تتناول المنطق وأدوات التفكير العقلاني. في هذا الكتاب، يقدم أرسطو النظرية الأساسية للاستدلال الاستنباطي أو القياس المنطقي [4] والذي ساد قرون عديدة وهذا المنهج يقول بأن النتيجة العامة ممكن إسقاطها على الأجزاء وهذا يعني أن الوصول الى نتيجة مثل أن سكان دولة ما قصار القامة وبالتالي كل من ينتمي لهذا الحيز الجغرافي هو قصير القامة بالتبعية (تتبعه الاستنتاجات الخاصة)، وفي كتابه الثاني ينتقل أرسطو إلى مناقشة الاستنباط البرهاني، حيث يشرح كيف يمكن الوصول إلى المعرفة اليقينية من خلال القياس والاستنباط، حيث يركز على الفرق بين المعرفة البرهانية والمعرفة الظنية. فعند أرسطو المعرفة اليقينية تأتي من مقدمات صحيحة وضرورية، وهذا النوع من الاستدلال يعرف بـ«البرهان». فمثلاً يقول أرسطو إننا نعرف شيئًا على نحو يقيني عندما نكون قادرين على تقديم برهان مستند إلى مقدمات أولية يقينية. هذا المنهج العتيق في البحث عن المعرفة شكل ثورة في العصر اليوناني وما بعده كالعصر الإسلامي، ولعل هذا المنهج الأرسطي ناسب كثير من المجالات و النظريات المعرفية التي حاولت تفسير الوجود المادي أو الفيزيائي وكذلك ما وراء هذا الوجود الأنطولوجي أو ما يسمى الميتافيزيقي. وللتبسيط لنقل أنه منهج ينظر من أعلى إلى أسفل، حيث يتجه من الكل إلى الجزء ومن العام إلى الخاص.
عزيزي القارئ يجب ألا ننسى أن مجموع المعرفة المتحصلة كعلم الرياضيات والطب والفلك كانت تحت غطاء الفلسفة وبالتالي كل من يتقن فن من فنون العلم إذاً هو متفلسف -آن ذاك- لأن هذه العلوم ليست بذلك التجريد الذي نعلمه الآن بل مرتبطة بمعاني إنسانية ومآليه مختلفة. ولكن عندما بدأت مرحلة ما بعد افتتاح مكتبة الإسكندرية، وتطور الطب خصوصًا مع علم الكيمياء وهنا بدأت هذه العلوم بالخروج من عباءة الفلسفة لتبدأ بالتشكل كوحدات متشابه من حيث طرق التحصيل والاستدلال الفكري والتجريبي، بالفعل التجربة بدأت في توفير بيئة فاحصة لبعض النظريات أو حتى كثير من المسلمات التي اكتشف لاحقاً أنها تتعارض مع الواقع التجريبي.
«العصر الذهبي للعلم عند المسلمين وبداية المنهج الاستقرائي»
ويعتبر المسلمون خلال القرون الثلاثة الأولى قادة التغيير الحقيقي ليس فقط في تمكين التجربة كطريقة للحصول على المعرفة بل و تكوين منطلق نظري ينقد النظرية الأرسطية، ويضيف كثير من العلوم التي أدت شيئًا فشيئًا إلى تكون ما نسميه المنهج الاستقرائي وهو الذي يتجه من الخاص إلى العام ومن فحص الأجزاء للوصول إلى التعميم الذي تفرضه نتيجة فحص الأجزاء. جابر بن حيان وابن الهيثم والزهراوي وابن البيطار والرازي والبيروني وغيرهم الكثير أثبتوا أنه لا علم مادي كعلوم الآلة والكيمياء والطب والفلك وأمثالها متحقق أو مسلم به دون تجربة. ففي كتاب المناظر لابن الهيثم نجد الأسلوب العلمي الرصين والذي يحدد الوصف بناء على التجريب، ويحدد الأبعاد الهندسية بناء على قوانين مضبوطة رياضيًا، وهذا يتكرر عند الأطباء المسلمون فالرازي قام بتوزيع لحم نيئ (يماثل حالة الجرح المفتوح) على أجزاء متفرقة في بغداد وذلك لكي يستطيع اختيار المكان الأقل تلوثاً لإقامة الباريمستان أو المستشفى، وهناك أمثلة كثيرة للاهتمام بأهمية الملاحظة وتتبع الأنساق ومن ثم التجريب وبعدها التعميم.
كما كان المسلمون في عصور ازدهارهم مغرمون بالفلك بل ويحسبون الوقت بدقة جيدة وذلك بوسائل بسيطة فمثلًا يستخدمون الشبر والباع والذراع للمسافات بين بعض الكواكب والنجوم والتجمعات النجمية، كما أن بعضهم كالبيروني مثلًا استطاع تحديد نصف قطر الأرض من خلال طريقة مبتكرة تجمع بين علم المثلثات والملاحظة العملية، وذلك باستخدام قياسات دقيقة من على قمة جبل. حيث اتبع الخطوات التالية:
1. اختيار الموقع المناسب: اختار البيروني قمة جبل عالية بالقرب من سطح الأرض المستوي، ليتمكن من قياس زاوية انخفاض الأفق بشكل واضح.
2. قياس زاوية انخفاض الأفق: وقف على قمة الجبل وقام بقياس الزاوية بين الأفق المستوي وخط الرؤية من عينيه إلى الأفق. وقد استخدم في ذلك أدوات قياس بدائية لكنه أتقن حساب الزوايا بشكل دقيق. زاوية الانخفاض تعبر عن انحناء سطح الأرض، وهذا يساعد في حساب المسافة من قمة الجبل إلى الأفق.
3. حساب ارتفاع الجبل: قام البيروني بقياس ارتفاع الجبل باستخدام تقنية الظل وقانون المثلثات، بحيث قاس طول ظل الجبل وزاوية سقوط الشمس على هذا الظل. من هذه القياسات تمكن من حساب الارتفاع بدقة.
وهنا ينبغي أن نؤكد أن هذا الانقلاب المنهجي كان له دور في تطور العلوم ومدى دقتها ويمكن توضيح هذا المنهج بمثالين، المثال الأول كيف تتم عملية رؤية الأشياء أي إذا أردنا أن نتأكد هل ضوء الرؤية يخرج من العين ثم يسقط على الأشياء ليعود إليها أم أن السبب هو ضوء الشمس المنعكس عن الأشياء، هذه التجربة قام بها العالم ابن الهيثم وأثبت كما تعلمون أن العين تستقبل الأشعة المنعكسة عن الأشياء وهذا عكس ما كان يعتقد سابقًا، حيث ظل الإغريق والرومان ومن بعدهم يعتقدون بهذا الاعتقاد. والمثال الثاني ما قام به علماء الأدوية والأعشاب في الأندلس كابن البيطار وغيرهم في فحص ما ينفع من الأعشاب لمختلف الأمراض وأنشأوا ما يسمى بالمستشفيات البحثية، وليس فقط للتمريض والتطبيب بل وكجامعات. واستطاع المسلمون معرفة تحديد مواعيد وأشكال القمر ومواعيد الصلوات واتجاهات الملاحة البحرية بدقة كبيرة ومع تطوير الاسطرلاب وأدوات القياس الفلكي كان لهم السبق في فهم أعمق للفضاء الخارجي بأجرامه المختلفة.
التبادل المعرفي وتطور المنهج العلمي
واستمر الأثر الإسلامي طيلة اثنا عشر قرنًا، ومن ثم بدأت حركة الترجمة والتبادل المعرفي مع شمال البحر الأبيض المتوسط منه الى القارة العجوز، والنهضة الأوربية، كما تسمى هي نهضة منهجية بالأساس لأن أوروبا كانت بحاجة لنفض السيطرة الكنسية والتي منعت قراءة الكتب فضلًا عن امتلاكها وخاصةً الكتب العلمية والتي تراها الكنيسة تناقض ما لديها كتب مقدسة ولذلك في أوروبا صار العلم و البحث عن شيء جديد قد يصادم أمرا ترفضه الكنيسة ولذلك هذا التعارض بين الطرفين أنتج حاجة ضرورية لإنهاء سيطرة الكنيسة وهذا حدث تدريجيًا مع كثير من التضحيات فأحد أشهر العلماء وهو الإيطالي جالليو والذي أبلغ العامة والنبلاء أن الأرض بالفعل تدور حول الشمس ويؤكد بالتجربة ما قالة كوبرنيكوس فرض علية الإقامة الجبرية ولعل التغيرات التي حدثت في القرن السادس عشر والسابع عشر الميلاديين يسبقهما فرشة منهجية أصلها الإمام الغزالي وابن رشد وكذلك قبلهم كما ذكرنا العلماء التجريبين.
النهضة الأوروبية
بشكل عام يمكن القول إنه خلال النهضة الأوروبية، لعبت الترجمة والتبادل الثقافي دورًا محوريًا في تطور المنهج العلمي. بدأ الأوروبيون بترجمة الأعمال العلمية والفلسفية من الحضارات الإسلامية، التي كانت قد جمعت وطورت أعمال الإغريق وأضافت إليها تجاربها العلمية الخاصة. فتح هذا التبادل الثقافي الباب أمام الأوروبيين للتعرف على أساليب جديدة، خصوصًا المنهج الاستقرائي الذي اعتمده العلماء المسلمون، مثل: ابن الهيثم في البصريات، وابن سينا في الطب. أسهمت هذه الترجمات في تحرير الفكر الأوروبي من القيود الكنسية، وشجعت على اعتماد أسلوب علمي مبني على الملاحظة والتجربة، مما شكل أساسًا لتقدم العلوم وأسهم في تأسيس النهضة العلمية.
ولكن يعد البريطاني فرانسيس بيكون والذي عاش في نهاية القرن الرابع عشر الميلادي مؤسس المنهج الاستقرائي التجريبي وإليه ينسب الأوروبيون ما يسمى بالأرجانون الجديد أو القانون المنهجي الجديد (المنهج الاستقرائي)، والذي كما ذكرنا بدأ به العلماء المسلمون قبل عقود من الزمن، ولكن إضافات بيكون كانت منظمة ومؤصلة لكيفية الوصول للمعرفة من خلال منهج منظم الخطوات يبدأ بالملاحظة، ويعتمد على التجربة الحسية وينتهي بالقانون العام، كمثال للمنهج الاستقرائي لنقل أننا نريد فحص توصيلية سلك من النحاس فعلينا أخذ عينات كثيرة من أسلاك النحاس المختلفة ثم فحص كل سلك على حده في نفس الظروف الفيزيائية من الطول والكتلة والكثافة والحرارة والضغط ومساحة المقطع.. إلخ، وبعدها نصدر تعميمًا أن النحاس بهذه المواصفات في أي مكان كان وتحت الظروف نفسها سيكون موصلًا للتيار الكهربائية وان موصليته تساوي قيمة محددة. ومهما تحدثنا في هذا المقال عن تطور المنهج العلمي التجريبي فإننا بعجالة يمكن القول بانه طريقة منظمة لاستقصاء الظواهر، واكتساب المعرفة، وتصحيح الأخطاء وتطوير النظريات، ويتكون من الخطوات التالية:
الملاحظة: تبدأ العملية بملاحظة الظواهر المحيطة بهدف فهمها أو إيجاد مشكلة محددة تحتاج إلى تفسير.
صياغة الفرضيات: بعد الملاحظة، يُوضع تفسير أولي أو فرضية تكون قابلة للاختبار.
التجربة: تُصمم التجارب وتُجرى للتحقق من صحة الفرضية وجمع البيانات.
تحليل البيانات: بعد التجربة، تُحلل البيانات باستخدام الأساليب الإحصائية المناسبة لتحديد ما إذا كانت تدعم الفرضية.
الوصول إلى الاستنتاجات: بناءً على التحليل، يُتخذ قرار بشأن الفرضية ويُحدد ما إذا كانت النتائج تدعمها أو تتطلب تعديلها.
التكرار والنشر: تُعاد التجارب للتحقق من صحة النتائج، وتُنشر في مجلات علمية للاطلاع عليها وتقييمها من قبل المجتمع العلمي.
ولعلنا هنا نشير إلى شيء في غاية الأهمية حدث قبيل تأثير الأرجانون الجديد ألا وهو اختراع الطباعة عام 1440 على يد الألماني جوتنبرج، حيث انفجرت المعرفة وألغيت الحواجز، وتوفرت المصادر، ولا تزال الطباعة ثورة علمية في حد ذاتها. تطور المنهج في عصور النهضة الأوروبية بين مفهومه الشكي والمنطقي العقلي وبين التجريبي الذي أكده ديفيد هيوم وغيره بعد ذلك خلال القرون الثلاثة الممهدة للثورة الصناعية التي مع تطورها قد تكون أغفلت بعض الجوانب الإنسانية والاجتماعية مع نمو جدل كبير في المدارس السلوكية والنفسية.
وختاما، يمكننا القول إن المعرفة بدون منهج علمي تصبح عرضة للعشوائية والأخطاء، وأن المنهج لابد أن يتبع طبيعة المجال التداولي للموضوع المدروس أي السياق الذي تنتج وتستخدم فيه المعرفة فمثلا في العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء يستخدم المنهج التجريبي في حين يستخدم منهج التحليل النوعي أو الكمي في علم الاجتماع وهكذا، بهذا تتحقق المعايير الموضوعية مع التقليل من تأثير العامل البشري قدر الإمكان.
د. ماجد الرقيشي أستاذ الفيزياء المساعد ورئيس شعبة الفيزياء بجامعة نزوى