سرايا - منذ الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية التي تجاوزت 200 يوم، ظهر التجويع كإستراتيجية ممنهجة لكسر إرادة الفلسطينيين في قطاع غزة.

بجانب تدمير المنازل وقصف الأحياء السكنية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، استهدفت إسرائيل المخابز ومخازن الطعام وأسواق الدواجن والدواب والخضروات، حتى الأراضي الزراعية لم تسلم من النيران الإسرائيلية.

ومع ذلك، قاوم الفلسطينيون كعادتهم، حاربوا الجوع والنزوح بإعادة اختراع الطعام، وصنع أطباق فلسطينية بمكونات جديدة بما يتماشى مع الحرب.

تختلف الحرب الدائرة اليوم في قطاع غزة عن سابقيها باستخدام سلاح التجويع، كإستراتيجية إسرائيلية غير إنسانية، وصفتها الأمم المتحدة بأنها قد تدخل في نطاق جرائم الحرب.

ومع نزوح أكثر من مليوني فلسطيني من قطاع غزة، والنقص الشديد في الموارد الغذائية بسبب الحرب والقيود التي فرضتها إسرائيل على دخول المساعدات الإنسانية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، اعتبرت مها شهوان، وهي سيدة فلسطينية من قطاع غزة، أن سلاح التجويع في الحرب الأخيرة لم يكن ليختلف أبدا عن سلاح الصواريخ، وربما كان "أشد قسوة".

وفي حديثها قالت مها، التي تعمل كاتبة، إنه منذ اللحظات الأولى للحرب استهدفت إسرائيل المخابز والمطاحن وأسواق الطعام ومخازن الغلال والأطعمة، "وكأنها سياسة ممنهجة لتجويعنا. ورغم أننا شهدنا في السابق كل أشكال التنكيل والخراب، لكن الإبادة الجماعية التي قامت بها إسرائيل في تلك الحرب لم نشهدها في السابق".

مع اشتداد وتيرة الحرب ومطالبات الإخلاء من أجل قصف المنطقة، نزحت مها من بيتها في مدينة غزة بجوار مستشفى الرنتيسي، إلى منطقة الوسطى قرب مدينة الزهرة، واستقرت مع زوجها و7 أسر أخرى في بيت هناك.

كانت "الحمامات الزراعية" أي الصوب الزراعية، هي الناجي الوحيد من التدمير الإسرائيلي في تلك المنطقة. ومع خيارات الطعام المحدودة، ذكرت مها أن الباذنجان كان متوفرا لفترة في تلك الصوب، ومع إقبال الناس عليه بسبب اختفاء باقي الخضروات ونقص الدقيق والخبز، اختفى هو الآخر.

قالت مها "صنعنا من الباذنجان كل شيء تقريبا، وكنا نتناوله طوال اليوم. صنعنا منه (متبل)، وهو باذنجان مشوي مهروس يضاف إليه الطحينة والزبادي والليمون، لكننا تخلينا عن الزبادي والطحينة مع نقصها". لفتت مها أيضا إلى أنهم تناولوا الباذنجان مقليا مع الخل والثوم، وصنعوا منه "المسقعة" لكن دون اللحم.

في بداية كل حرب، يشتري الفلسطينيون المعلبات، وتوزع المؤسسات الخيرية الكوبونات للحصول على حصص معينة من الطعام.

حصلت مها، كغيرها، على قليل من معلبات الحمص والفول واللحم. ورغم رداءة جودتها، اضطرت مها إلى صنع بعض الأطباق منها، "في الوقت الطبيعي، ما كنا نطعمها للقطط والكلاب، لكن اضطررنا مع الجوع إلى إعادة تدوير تلك المعلبات لصنع الأطباق لنا وللأطفال".

كانت مها تقوم بـ"تعصيج" اللحم المعلب، بإضافة التوابل والبهارات ليصبح أقرب للحم المفروم، وتصنع منه المعجنات والفطائر الفلسطينية والمسقعة.

ومع مرور الأشهر واستمرار الحرب الإسرائيلية، اشتهت مها والمقيمين معها تناول طبق "المنسف الفلسطيني"، الذي يصنع من ثريد اللحم الضاني واللبن والأرز والبصل والتوابل. وبأقل الإمكانيات صنعت مها المنسف.

لفتت مها إلى أنها استخدمت اللحم المعلب بديلا عن اللحم الضاني، واستخدمت البصل المجفف بسبب نقص البصل الطازج.

طبق فلسطيني آخر شهير، صنعته مها والنساء المقيمات معها بأقل المتاح "المقلوبة"، وهي أكلة فلسطينية شهيرة، تصنع بالدجاج والباذنجان والبطاطس والبصل، قالت مها "كان البصل شحيح، وعندما توفر وصل لأسعار خرافية. طبخنا المقلوبة دون دجاج وبالبصل المجفف والخضار المتوفر. كان مختلفا طبعا عن الطبق التقليدي لكننا وجدناه أفضل من المعلبات".

"الخبيزة معنا أكثر من أي أحد"، قالت مها ذلك واصفة الوضع بعد اشتداد الحصار عليها. و"الخبيزة" هي نوع من الأعشاب الحولية من عائلة "الملوخية"، ليست طعاما مفضلا لدى الأجيال الشابة والصغيرة، لكن تتناولها الأجيال الأكبر سنا من حين لآخر.

تحكي مها أنه مع اشتداد الحصار ونفاد المعلبات والباذنجان الذي اعتمدت عليه لفترة، كانت بعض النساء المقيمات معها يخرجن للبحث عن أية أعشاب أو أوراق خضراء لطبخها، "في الشمال عندما وجدت أمي الخبيزة زغردت. وكنت أنا في الجنوب مع 7 أسر أخرى، وجدت بعض النساء الخبيزة فقطفنها، وصنعن منها أطباقا مختلفة".

فرمت مها الخبيزة وصنعتها على طريقة الملوخية، كما أعدت منها الفلافل، وحشو الفطائر الفلسطينية بديلا عن السبانخ.

كما صنعت مها طبق "السماقية الغزاوي" وهو يصنع من السماق والبصل والدقيق واللحم وخضرة "السلق"، ذكرت مها أن الطبق صنع دون لحم ومع عدم توافر خضرة "السلق"، استخدمت "الخبيزة" بديلا عنها.

وجدت مها أيضا عشبة "الشوكية"، وهي أوراق خضراء، ومن اسمها فهي مليئة بالأشواك. نظفت مها الأوراق وقامت بحشوها بالأرز والخضروات المتوفرة لتصنع بديل محشي ورق العنب.

اندمجت مها على مدار أشهر مع أناس لم تعرفهم من قبل، لكنهم أصبحوا عائلة واحدة، عاشوا سويا أيام الحرب والجوع والخوف، حتى لحظات الفرح التي تسللت إليهم شاركوها سويا.

ورغم أن مها وزوجها استطاعا الخروج من قطاع غزة والذهاب إلى مصر منذ نحو شهر، فإنها تتذكر كل الأحداث كأنها حفرت في مخيلتها ولن تمحى أبدا.

عاشت مها في غزة وقت النزوح مع ما يقرب من 30 شخصا، معظمهم أطفال، احتفلوا بأعياد ميلادهم وصنعوا الكعك لهم، "حتى كعك أعياد الميلاد صنعناه ببدائل متاحة، بدل البيض استخدمنا الخل، وكتبنا أسماء الأطفال على الكعك بالتمر. وصنعنا الدونات بدقيق الذرة واحتفلنا بهم جميعا".

لم تقض مها العيد في غزة، لكنها قضت معظم شهر رمضان، وكانت شوربة العدس هي الطبق الرئيسي هناك، تحكي مها "في إحدى المرات في شهر رمضان اشتهينا الكنافة النابلسية، لكن عجينة الكنافة غير متوفرة، فقمنا بفرم الخبز إلى فتات وحشيناه بالجبن وسويناه في الفرن وأضفنا عليه القطر. وتشاركنا سويا أحلى صينية كنافة نابلسية".


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: قطاع غزة قالت مها

إقرأ أيضاً:

هكذا أصبح متعة السلطان واحدا من أشهر الأطباق التركية.. إليك طريقة تحضيره

يُعد "هُنكار بِييندي" (Hünkar Beğendi) أو "متعة السلطان" أحد أشهر الأطباق في المطبخ العثماني، حيث يجمع بين النكهات الغنية ليخنة لحم الضأن وصلصة الباذنجان الكريمية.

ويحمل "متعة السلطان" -الذي يعد أحد الأطباق الرمضانية التقليدية على الموائد التركية في رمضان- اسما يعبّر عن إعجاب السلاطين به، ويعود تاريخه إلى القرن الـ19 خلال حكم السلطان عبد العزيز.

أصل تسمية "هُنكار بِييندي"

تتنوع الروايات حول أصل اسم "هُنكار بِييندي" لكنها أكثرها شيوعا يربطه بالإمبراطورة أوجيني زوجة نابليون الثالث وزيارتها للسلطان عبد العزيز في إسطنبول خلال رحلتها إلى افتتاح قناة السويس. حينها طلبت أوجيني من طاهيها الفرنسي تحضير صلصة البشاميل، فقام الطهاة العثمانيون بدمجها مع الباذنجان المشوي، ليُضاف إليها لاحقا لحم الضأن، وكان السلطان معجبا جدا بالطبق حتى أصبح جزءا من المطبخ العثماني.

يجمع طبق "هُنكار بِييندي" التركي بين النكهات الغنية ليخنة لحم الضأن وصلصة الباذنجان الكريمية (شترستوك)

وتربط رواية أخرى الطبق بالسلطان مراد الرابع خلال إحدى رحلات الصيد، حيث قيل إن أحد الطهاة أعد له طبقا من المكونات المتوفرة آنذاك، وبعد أن تذوقه، سأل عن اسمه، فأجاب الطاهي بأنه ليس له اسم، فرد السلطان "إذن، سيُعرف باسم هُنكار بِييندي" أي "أعجب السلطان".

إعلان مكونات "هُنكار بِييندي"

يتميز هذا الطبق بمكوناته البسيطة، لكنه يتطلب مهارة في التحضير. والمكونات الأساسية هي:

يخنة اللحم:

لحم الضأن المقطع مكعبات. البصل والثوم. الطماطم ومعجون الطماطم. زيت الزيتون والتوابل (الفلفل الأسود والملح والفلفل الحلبي). الماء الساخن أو مرق اللحم.

صلصة الباذنجان (بِييندي):

باذنجان مشوي ومهروس. زبدة وطحين. حليب كامل الدسم. جبن شيدر أو "قشقوان" التركي. الملح والفلفل الأسود. يعتبر "هُنكار بِييندي" أو "متعة السلطان" أحد أشهر الأطباق في المطبخ التركي وتعود أصوله إلى العهد العثماني (شترستوك) طريقة تحضير "هُنكار بِييندي"

تحضير يخنة اللحم:

يُسخّن زيت الزيتون في قدر على نار متوسطة، ويُضاف اللحم حتى يكتسب لونا بنيا. يُضاف البصل والثوم ويُقلّب الخليط حتى يصبح طريا. تُضاف الطماطم المفرومة إلى معجون الطماطم والتوابل، ثم يُترك الخليط على نار هادئة حتى ينضج اللحم.

تحضير صلصة "بِييندي":

يُشوى الباذنجان على لهب مكشوف أو في الفرن حتى يكتسب نكهة مدخنة، ثم يُقشّر ويُهرس. وفي قدر منفصل، تُذاب الزبدة، ثم يُضاف الطحين مع التحريك المستمر حتى يصبح الخليط ذهبي اللون. يُضاف الحليب تدريجيا مع التحريك حتى تتشكل صلصة سميكة. يُضاف الباذنجان المهروس والجبن المبشور ويُحرك حتى يذوب الجبن تماما.

التقديم:

تُسكب صلصة الباذنجان في طبق التقديم، ويُوضع فوقها يخنة اللحم، ثم يُزين بالبقدونس المفروم، ويُقدم مع الخبز التركي التقليدي أو خبز الباغيت الفرنسي.

يُعد هذا الطبق غنيا بالبروتينات من لحم الضأن، إلى جانب الدهون الصحية من زيت الزيتون والجبن. ويحتوي كل طبق على حوالي 467 سعرة حرارية، موزعة بين البروتينات والدهون والكربوهيدرات. ويمكن تعديل المكونات لجعل الطبق أخف، مثل استخدام لحم البقر بدلا من الضأن، أو تقليل كمية الجبن في صلصة الباذنجان.

مقالات مشابهة

  • هكذا أصبح متعة السلطان واحدا من أشهر الأطباق التركية.. إليك طريقة تحضيره
  • مناسبات موسمية بغزة.. ذكريات الحزن والفقد تطل عبر أطباق فارغة
  • البتلو البلدي بـ 450 جنيهًا.. أسعار اللحوم اليوم الأحد 9 مارس 2025
  • هآرتس: القانون ضد الأونروا هو جزء من الحرب الإسرائيلية ضد إقامة دولة فلسطينية
  • "الطعمة".. عادة رمضانية تعزز روح التكافل والمحبة بالحدود الشمالية
  • عاجل | حماس: استشهاد أكثر من 12 ألف فلسطينية وجرح واعتقال الآلاف ونزوح مئات الآلاف بالقطاع وصمة عار على جبين البشرية
  • فطارك عندنا.. بامية باللحم مع أرز بالشعرية
  • لسفرة تشرفك.. وصفات أكل لعزومات رمضان
  • في حلايب وشلاتين..العصيدة والغمسة والسلات والجابوري.. أطباق أصيلة بطعم الموروث الغذائي تقاوم الحداثة
  • «المنسف».. سيد المائدة الأردنية