أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام
تاريخ النشر: 26th, April 2024 GMT
منذ الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية التي تجاوزت 200 يوم، ظهر التجويع كإستراتيجية ممنهجة لكسر إرادة الفلسطينيين في قطاع غزة.
بجانب تدمير المنازل وقصف الأحياء السكنية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، استهدفت إسرائيل المخابز ومخازن الطعام وأسواق الدواجن والدواب والخضروات، حتى الأراضي الزراعية لم تسلم من النيران الإسرائيلية.
تختلف الحرب الدائرة اليوم في قطاع غزة عن سابقيها باستخدام سلاح التجويع، كإستراتيجية إسرائيلية غير إنسانية، وصفتها الأمم المتحدة بأنها قد تدخل في نطاق جرائم الحرب.
ومع نزوح أكثر من مليوني فلسطيني من قطاع غزة، والنقص الشديد في الموارد الغذائية بسبب الحرب والقيود التي فرضتها إسرائيل على دخول المساعدات الإنسانية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، اعتبرت مها شهوان، وهي سيدة فلسطينية من قطاع غزة، أن سلاح التجويع في الحرب الأخيرة لم يكن ليختلف أبدا عن سلاح الصواريخ، وربما كان "أشد قسوة".
مها شهوان كاتبة فلسطينية من قطاع غزة (الجزيرة)وفي حديثها مع "الجزيرة نت" قالت مها، التي تعمل كاتبة، إنه منذ اللحظات الأولى للحرب استهدفت إسرائيل المخابز والمطاحن وأسواق الطعام ومخازن الغلال والأطعمة، "وكأنها سياسة ممنهجة لتجويعنا. ورغم أننا شهدنا في السابق كل أشكال التنكيل والخراب، لكن الإبادة الجماعية التي قامت بها إسرائيل في تلك الحرب لم نشهدها في السابق".
الصوب الزراعيةمع اشتداد وتيرة الحرب ومطالبات الإخلاء من أجل قصف المنطقة، نزحت مها من بيتها في مدينة غزة بجوار مستشفى الرنتيسي، إلى منطقة الوسطى قرب مدينة الزهرة، واستقرت مع زوجها و7 أسر أخرى في بيت هناك.
كانت "الحمامات الزراعية" أي الصوب الزراعية، هي الناجي الوحيد من التدمير الإسرائيلي في تلك المنطقة. ومع خيارات الطعام المحدودة، ذكرت مها أن الباذنجان كان متوفرا لفترة في تلك الصوب، ومع إقبال الناس عليه بسبب اختفاء باقي الخضروات ونقص الدقيق والخبز، اختفى هو الآخر.
إعداد أطباق فلسطينية بعد نقص الموارد لمقاومة الجوع (الجزيرة)قالت مها "صنعنا من الباذنجان كل شيء تقريبا، وكنا نتناوله طوال اليوم. صنعنا منه (متبل)، وهو باذنجان مشوي مهروس يضاف إليه الطحينة والزبادي والليمون، لكننا تخلينا عن الزبادي والطحينة مع نقصها". لفتت مها أيضا إلى أنهم تناولوا الباذنجان مقليا مع الخل والثوم، وصنعوا منه "المسقعة" لكن دون اللحم.
"المنسف" من المعلباتفي بداية كل حرب، يشتري الفلسطينيون المعلبات، وتوزع المؤسسات الخيرية الكوبونات للحصول على حصص معينة من الطعام.
حصلت مها، كغيرها، على قليل من معلبات الحمص والفول واللحم. ورغم رداءة جودتها، اضطرت مها إلى صنع بعض الأطباق منها، "في الوقت الطبيعي، ما كنا نطعمها للقطط والكلاب، لكن اضطررنا مع الجوع إلى إعادة تدوير تلك المعلبات لصنع الأطباق لنا وللأطفال".
كانت مها تقوم بـ"تعصيج" اللحم المعلب، بإضافة التوابل والبهارات ليصبح أقرب للحم المفروم، وتصنع منه المعجنات والفطائر الفلسطينية والمسقعة.
إعداد طبق السماقية الشعبي من الخبيزة بدلا من السلق (الجزيرة)ومع مرور الأشهر واستمرار الحرب الإسرائيلية، اشتهت مها والمقيمين معها تناول طبق "المنسف الفلسطيني"، الذي يصنع من ثريد اللحم الضاني واللبن والأرز والبصل والتوابل. وبأقل الإمكانيات صنعت مها المنسف.
لفتت مها إلى أنها استخدمت اللحم المعلب بديلا عن اللحم الضاني، واستخدمت البصل المجفف بسبب نقص البصل الطازج.
طبق فلسطيني آخر شهير، صنعته مها والنساء المقيمات معها بأقل المتاح "المقلوبة"، وهي أكلة فلسطينية شهيرة، تصنع بالدجاج والباذنجان والبطاطس والبصل، قالت مها "كان البصل شحيح، وعندما توفر وصل لأسعار خرافية. طبخنا المقلوبة دون دجاج وبالبصل المجفف والخضار المتوفر. كان مختلفا طبعا عن الطبق التقليدي لكننا وجدناه أفضل من المعلبات".
"الخبيزة".. رفيقة الحرب"الخبيزة معنا أكثر من أي أحد"، قالت مها ذلك واصفة الوضع بعد اشتداد الحصار عليها. و"الخبيزة" هي نوع من الأعشاب الحولية من عائلة "الملوخية"، ليست طعاما مفضلا لدى الأجيال الشابة والصغيرة، لكن تتناولها الأجيال الأكبر سنا من حين لآخر.
تحكي مها أنه مع اشتداد الحصار ونفاد المعلبات والباذنجان الذي اعتمدت عليه لفترة، كانت بعض النساء المقيمات معها يخرجن للبحث عن أية أعشاب أو أوراق خضراء لطبخها، "في الشمال عندما وجدت أمي الخبيزة زغردت. وكنت أنا في الجنوب مع 7 أسر أخرى، وجدت بعض النساء الخبيزة فقطفنها، وصنعن منها أطباقا مختلفة".
طفل يراقب إعداد وجبة الخبيزة (الجزيرة)فرمت مها الخبيزة وصنعتها على طريقة الملوخية، كما أعدت منها الفلافل، وحشو الفطائر الفلسطينية بديلا عن السبانخ.
كما صنعت مها طبق "السماقية الغزاوي" وهو يصنع من السماق والبصل والدقيق واللحم وخضرة "السلق"، ذكرت مها أن الطبق صنع دون لحم ومع عدم توافر خضرة "السلق"، استخدمت "الخبيزة" بديلا عنها.
وجدت مها أيضا عشبة "الشوكية"، وهي أوراق خضراء، ومن اسمها فهي مليئة بالأشواك. نظفت مها الأوراق وقامت بحشوها بالأرز والخضروات المتوفرة لتصنع بديل محشي ورق العنب.
احتفالات بطعم الحرباندمجت مها على مدار أشهر مع أناس لم تعرفهم من قبل، لكنهم أصبحوا عائلة واحدة، عاشوا سويا أيام الحرب والجوع والخوف، حتى لحظات الفرح التي تسللت إليهم شاركوها سويا.
ورغم أن مها وزوجها استطاعا الخروج من قطاع غزة والذهاب إلى مصر منذ نحو شهر، فإنها تتذكر كل الأحداث كأنها حفرت في مخيلتها ولن تمحى أبدا.
عاشت مها في غزة وقت النزوح مع ما يقرب من 30 شخصا، معظمهم أطفال، احتفلوا بأعياد ميلادهم وصنعوا الكعك لهم، "حتى كعك أعياد الميلاد صنعناه ببدائل متاحة، بدل البيض استخدمنا الخل، وكتبنا أسماء الأطفال على الكعك بالتمر. وصنعنا الدونات بدقيق الذرة واحتفلنا بهم جميعا".
لم تقض مها العيد في غزة، لكنها قضت معظم شهر رمضان، وكانت شوربة العدس هي الطبق الرئيسي هناك، تحكي مها "في إحدى المرات في شهر رمضان اشتهينا الكنافة النابلسية، لكن عجينة الكنافة غير متوفرة، فقمنا بفرم الخبز إلى فتات وحشيناه بالجبن وسويناه في الفرن وأضفنا عليه القطر. وتشاركنا سويا أحلى صينية كنافة نابلسية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات من قطاع غزة قالت مها
إقرأ أيضاً:
الأونروا: الحصول على وجبات الطعام أصبح مهمة مستحيلة في غزة
حذّرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، الأحد، من أن "أكثر من مليوني نازح في قطاع غزة يحاصرهم الجوع والعطش والمرض"، فيما أكّدت أنّ: "الحصول على وجبات الطعام أصبح مهمة مستحيلة بالنسبة للعائلات في القطاع".
وأضافت الوكالة، بحسب منشورات على حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" أن "ما يدخل قطاع غزة من إمدادات الغذاء لا يلبي 6 في المائة من احتياج سكانها".
وأوضحت أن هذا الأمر تسبب بأزمة حادة في قطاع غزة، خاصة في الحصول على الخبز، وأدى إلى إغلاق معظم المخابز جنوب القطاع. مشيرة إلى أن أوضاع النازحين في خيام النزوح ومراكز الإيواء مأساوية، نتيجة الجوع والبرد، وعدم قدرة المنظمات الدولية على تلبية احتياجات النازحين، إثر شح الطعام والغذاء.
At our school-turned-shelter in Gaza City this morning, families queue in the rain for healthcare at an @UNRWA medical point.
Despite the school being damaged from ongoing military operations, many people who have recently fled besieged north #Gaza are forced to shelter here… pic.twitter.com/jutxRxKrVa — UNRWA (@UNRWA) November 24, 2024
وفي السياق نفسه، طالبت الوكالة، بفتح المعابر بالكامل، وإدخال ما يحتاجه السكان من أجل وقف المجاعة التي تسببت بتفاقم حالات سوء التغذية وانتشار الأمراض المختلفة.
ومع دخول فصل الشتاء، بات الفلسطينيون النازحون في قطاع غزة المحاصر، يعيشون على إيقاع أوضاع مأساوية، حيث زادت الأمطار الغزيرة من معاناتهم بعدما اضطرهم الاحتلال للعيش في خيام بدائية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الأساسية، وهو ما يزيد من التحديات الناتجة عن عدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل، للعام الثاني على التوالي.
إثر ذلك، عانت معظم الأسر النازحة في قطاع غزة المحاصر، من نقص حاد في مقومات الحياة الأساسية، حيث تفتقر الخيام إلى الخدمات الضرورية مثل المياه والغذاء، وتنتشر الأمراض نتيجة تدهور الوضع الصحي.
وكان المكتب الإعلامي الحكومي، قد قال: "بلغ عدد النازحين داخل القطاع منذ بدء العدوان الإسرائيلي المتواصل نحو مليوني شخص من أصل 2.3 مليون فلسطيني في القطاع".
من جهتها، تؤكد عدّة تقارير أممية أن قطاع غزة لم يعد يتوفر على أي مكان آمن، في ظل استهداف الاحتلال أنحاء القطاع كافة، حتى المناطق التي ادعى أنها "آمنة أو إنسانية" بما في ذلك في ملاجئ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا".
ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يرتكب الاحتلال الإسرائيلي إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 148 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على الـ10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.