عربي21:
2025-01-22@23:03:26 GMT

الهجوم الإسرائيلي على رفح محكومٌ بالفشل

تاريخ النشر: 26th, April 2024 GMT

منذ أكثر من ثلاثة أشهر والعدو الإسرائيلي يتوعد باجتياح رفح، في الوقت الذي يُقدِّم فيه رِجلا ويؤخّر أخرى؛ ليس لعدم رغبته بالاجتياح، وإنما لتردّده الكبير، وارتباك حساباته، وخشيته الحقيقية من الفشل، بالإضافة إلى ضغوط الولايات المتحدة وباقي حلفائه التي تُنذره من عواقب كبيرةٍ ومن حصاد مُرٍّ.

لماذا الإصرار على الهجوم؟

أَمَا وقد دخلت الحرب على غزة "وقتها الضائع"، بعد أن استنفدت مبرراتها وجدواها، وفشلت في تحقيق أهدافها، في سحق حماس وتحرير المحتجزين الإسرائيليين، وتوفير الأمن للكيان، فإنه يجري تقديم فكرة اجتياح رفح كوصفة لتحقيق الأهداف والخروج من المأزق، ومحاولة كسب المزيد من الوقت لإقناع المجتمع الصهيوني بجدوى استمرار الحرب.

وهذا يعطي أيضا فرصة لنتنياهو للقفز إلى الأمام، وإطالة عُمر رئاسته للوزراء؛ والتهرّب من الاستحقاقات التي تنتظره في سقوطه وحزبه في الانتخابات القادمة، وفي احتمال سجنه وإنهاء حياته السياسية.

دخلت الحرب على غزة "وقتها الضائع"، بعد أن استنفدت مبرراتها وجدواها، وفشلت في تحقيق أهدافها، في سحق حماس وتحرير المحتجزين الإسرائيليين، وتوفير الأمن للكيان، فإنه يجري تقديم فكرة اجتياح رفح كوصفة لتحقيق الأهداف والخروج من المأزق، ومحاولة كسب المزيد من الوقت لإقناع المجتمع الصهيوني بجدوى استمرار الحرب. وهذا يعطي أيضا فرصة لنتنياهو للقفز إلى الأمام، وإطالة عُمر رئاسته للوزراء؛ والتهرّب من الاستحقاقات التي تنتظره
وبالنسبة لنتنياهو وتحالفه ولقطاع عريض من المجتمع الصهيوني، فإن التوقف عن الحرب قبل محاولة اجتياح رفح، وقبل تحقيق الحد الأدنى من الأهداف (على الأقل تحرير المحتجزين وتوفير الأمن لغلاف غزة) سيعني كارثة إسرائيلية كبيرة. إذ يعني أن حماس خرجت مُنتصرة، وأن المشروع الصهيوني فَقَدَ ملاذه الآمن في فلسطين المحتلة، وفَقَدَ قدرته على الردع، كما فَقَدَ صورته المهيمنة الطاغية في المنطقة؛ وهذا سيعني أيضا مزيدا من الالتفاف الشعبي الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي حول المقاومة وحول قضية فلسطين. ولذلك، فإن الهجوم على رفح ما زال الخيار الأقرب للاحتلال الإسرائيلي.

ثمانية أسباب تدفع للفشل:

في المقابل، يدرك الاحتلال الإسرائيلي أن احتمالات الفشل عالية جدا. فمن ناحية أولى، أثبتت حملات الاجتياح والتدمير الوحشية في شمال قطاع غزة ووسطها عدم جدواها. ولم تخسر المقاومة بعد أكثر من 200 يوم من الحرب إلاّ جزءا محدودا من إمكاناتها، وما زالت قوية وفعالة وقادرة على إلحاق خسائر يومية كبيرة بقوات الاحتلال، وسرعان ما تقوم المقاومة وأجهزتها بملء الفراغ واستعادة السيطرة فوق الأرض، فور أي انسحاب إسرائيلي، وما زالت المقاومة تدير حياة الناس، ولا يرضون عنها بديلا.

ومن ناحية ثانية، فإن شبكة الأنفاق ما تزال تحتفظ بفعاليتها في أرجاء القطاع، بما في ذلك منطقة رفح، وقوات الاحتلال عندما تهاجم رفح فهي لن تجد جيشا نظاميا يقاتلها بأساليب تقليدية، وإنما ستواجه مقاومة عنيفة بديناميات حركية عالية، غير قابلة للحصار والاستئصال، وستتمكن المقاومة من استخدام الأنفاق بفعالية والانتقال إلى مناطق الوسط والشمال، وستكون قادرة على نقل الأسرى الصهاينة من مكان لآخر، كما فعلت من قبل. وبالتالي، تصبح الآمال في القضاء على حماس والمقاومة نوعا من العبث وإضاعة الوقت، ومجرد تأخير لإعلان الفشل.

من ناحية ثالثة، يعاني الجيش الإسرائيلي من حالة من الإنهاك والاستنزاف، بعد أكثر من 200 يوم من الحرب، ويعاني من خسائر مادية وبشرية غير مسبوقة، مما اضطر الحكومة لإعادة النظر في قانون التجنيد الإجباري ليستوعب المزيد من المجنَّدين؛ كما يعاني من مشاعر الإحباط وهبوط المعنويات وتراجع "إرادة القتال"، مع تزايد الإدراك بأن الحملة القادمة على رفح لن تكون أفضل من سابقاتها؛ وأن أي "إنجاز" متوقع لا يتجاوز قتل مزيد من الأطفال والنساء وتدمير المزيد من المدارس والمستشفيات، وأنهم لن يخرجوا بغير الخزي والعار.

من جهة رابعة، يواجه العدوان الإسرائيلي معضلة تكدس نحو مليون و400 ألف فلسطيني في منطقة رفح، والصعوبة البالغة في القيام بأي مهمة عسكرية فعالة في مثل هذه الحالة من الاكتظاظ البشري؛ وهو ما قد يؤدي إلى أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى المدنيين، مع تزايد حالة الغضب والسخط العالمي على الكيان، وزيادة عزلته.

وفي ضوء ذلك نلاحظ، من ناحية خامسة، اعتراضات حلفاء الكيان الغربيين على اجتياح رفح، بمن فيهم الولايات المتحدة، حيث يرون أن ضرر هذه العملية أكبر من نفعها، وأنها ليست ذات جدوى حقيقية، مع ضعف فرصها في النجاح. وحتى الولايات المتحدة حاولت أن تدعم الهجوم على رفح ضمن معايير معينة، ومع ذلك فإن نتنياهو وحكومته يرون أن الضوابط الأمريكية ستُضعف من إمكانية نجاح هجومهم؛ ولذلك فهم يطالبون بغطاء أمريكي كامل.

من ناحية سادسة، فإن الموقف المصري ما زال ضدّ اجتياح رفح، ويرفض أن يفتح الأبواب لتهجير أبناء غزة إلى سيناء. وما زال الطرف الإسرائيلي يحاول الوصول إلى صيغة توافق عليها الحكومة المصرية أو تسكت عنها، وهو ما لم يُنجز حتى الآن، وفق المعطيات المتوفرة.

الهجوم الإسرائيلي على رفح وإن بدا مسارا إسرائيليا إجباريا، فإنه محكومٌ بالفشل، وسوء الخاتمة
من ناحية سابعة، فبالرغم من وحشية العدوان الصهيوني إلا أنه لم يعد قادرا على ممارسة درجة الوحشية ذاتها التي مارسها في بدايات الحرب، بعد أن سُلِّطت الأضواء على جرائمه، وبعد حالة الاستعداء والعزل التي جلبها لنفسه، وبعد دخوله في محكمة العدل الدولية؛ بالإضافة إلى أنه قد ثبت له أن المذابح الوحشية كان أثرها عكسيا، فزادت من التفاف الحاضنة الشعبية حول المقاومة.

وبالرغم من حاجة الاحتلال الإسرائيلي إلى عامل "الوقت" لتنفيذ هجومه، واستكمال تغطية كل قطاع غزة في عدوانه، إلا أن عامل الوقت، من ناحية ثامنة، لا يلعب بالضرورة لصالحه. فالبيئة الداخلية الإسرائيلية ضاقت من طول الحرب، ومن الخسائر الاقتصادية الكبيرة، ومن تعطل السياحة، وفقدان الأمن؛ وأمست بشكل متزايد لا ترى أفقا إيجابيا لاستمرار الحرب؛ كما أن الكيان الإسرائيلي تتراجع فرصه في استئناف التطبيع مع البيئة العربية؛ بينما تزداد صورته سوءا وبربرية في البيئة الدولية؛ وبالتالي، تزداد العوامل الضاغطة لإنهاء الحرب داخليا وخارجيا. وهذا يجعل اجتياح رفح عملية مسكونة بالمخاوف من الغرق أكثر في المستنقع، وحصاد مزيد من الخسائر والنتائج السلبية، ودفع أثمان أكبر بحصيلةٍ أقل.

وفي الخلاصة، فإن الهجوم الإسرائيلي على رفح وإن بدا مسارا إسرائيليا إجباريا، فإنه محكومٌ بالفشل، وسوء الخاتمة.

twitter.com/mohsenmsaleh1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلي رفح غزة المقاومة نتنياهو إسرائيل غزة نتنياهو المقاومة رفح مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة اجتیاح رفح المزید من من ناحیة على رفح

إقرأ أيضاً:

حصاد حرب غزة ومآلها

لا تزال حرب غزة تثير النقاش والجدال حتى بعد توقفها من خلال توقيع الاتفاق الأخير بين إسرائيل وحماس على إيقاف إطلاق النار، وانسحاب الجيش الإسرائيلي خارج الحدود الفلسطينية الكائنة قبل العدوان، وتبادل الأسرى لدى الطرفين؛ على أن يتم ذلك على مراحل زمنية محددة. يدور الجدال حول حصاد هذه الحرب، ويشمل ذلك الخلاف حول الانتصار والهزيمة (أي: مَن المنتصر ومَن المهزوم)، وما آلت إليه الحرب، وما يمكن أن تؤول إليه (أي: نتائجها المتوقعة مستقبليًّا). هذا الجدال يدور يوميًّا بين الخبراء السياسيين والمثقفين في أجهزة الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بل حتى بين الناس العاديين الذين يشغلهم الشأن السياسي: يؤكد البعض أن المقاومة الفلسطينية التي تتزعمها حماس هي التي انتصرت في هذه الحرب، بينما يرى آخرون أن إسرائيل خرجت من الحرب منتصرة بعد أن سحقت غزة وهدمت بنيتها التحتية تمامًا وتركتها مجرد خرائب، كما أنها قتلت وجرحت ما يزيد كثيرًا على المائة ألف. ولكن هذا الجدال لا يمكن حسمه إلا من خلال التأويل الذي يستند إلى الوقائع ونتائجها المتحققة، وهذا ما سأحاول رصده في النقاط التالية:

* من الخطأ النظر إلى مسألة الانتصار والهزيمة من الناحية العسكرية فقط؛ لأن الانتصار العسكري قد يقترن بخسائر عديدة، سوف أشير إليها بعد قليل. وحتى على المستوى العسكري البحت، لا يمكن القول بأن إسرائيل قد حققت انتصارًا بلا خسائر؛ إذ تكبدت خسارة عدد هائل من الدبابات والمعدات الحربية المتطورة، كما تم قتل وجرح المئات العديدة من أفراد جيشها. حقًّا إن السلاح الإسرائيلي/ الأمريكي بالغ التطور قد جعل ميزان القوة العسكرية يميل بوضوح وبشكل فائق إلى جانب إسرائيل في مقابل سلاح حماس والمقاومة عمومًا في فلسطين وغيرها؛ ولكن هذا السلاح لم يحقق نصرًا عسكريًّا لإسرائيل؛ لأن هذا السلاح ذاته لم يحقق الغاية من الحرب على غزة كما حددها نتنياهو وحكومته، وهي القضاء على حماس وتحرير الأسرى الإسرائيليين على مدى سنة وأربعة أشهر: فلا حماس قد انتهت، ولا الأسرى قد عادوا، إلا بعد التوقيع على اتفاقية مع حماس.

* كشفت هذه الحرب عن زيف أسطورة الجيش الإسرائيلي التي تزعم أنه «الجيش الذي لا يُقهر»: تبين ذلك عندما استطاعت المقاومة الفلسطينية بأدوات بدائية تخطي الجدار العازل وأسر الكثير من المجندين والمجندات الإسرائيليين؛ وتبين أيضًا من خلال بسالة رجال المقاومة في تصديهم لآليات الجيش الإسرائيلي وتدميرها، وفي قدرتهم على إصابة أهداف ومنشآت عسكرية وغير عسكرية، وفي القدرة على قنص الجنود الإسرائيليين (وهذا كله على الرغم من التفوق العسكري الإسرائيلي الواضح).

* كشفت هذه الحرب عن زيف الادعاءات التي روجتها إسرائيل عن نفسها، من قبيل: أنها ضحية «معاداة السامية» وضحية للأعمال الإرهابية التي يقوم بها رجال المقاومة الذين تسميهم الإرهابيين والأشرار؛ فضلًا عن ترويجها لمقولة أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. ولكن هذه الصورة الذهنية التي طالما رسمتها إسرائيل لنفسها عبر العالم قد تبدلت الآن: فمشاهد الفيديو التي روجتها عن اغتصاب النساء وحرق الإسرائيليين في أثناء السابع من أكتوبر، قد تبين فيما بعد أنها مزيفة، وراجت بدلًا منها المَشاهد الحقيقية لوحشية العدوان الإسرائيلي في إبادة الشعب الفلسطيني نفسه بأسلحة تحرق البشر وتقطِّع أجسادهم إلى أشلاء، بل يذيب بعضها الجسد نفسه. وهذا نفسه يدحض مقولة «الديمقراطية الإسرائيلية» في الوقت ذاته؛ لأن الديمقراطية لا يمكن اختزالها في مجرد صناديق الانتخاب لحكومة ما، خاصةً إذا كانت هذه الحكومة تعتمد سياسة القتل والإبادة للآخر. وقد أدى كل هذا إلى اندلاع تظاهرات الشعوب عبر العالم ضد إسرائيل بدافع من الضمير الإنساني والتنديد بوحشية العدوان الإسرائيلي والمطالبة بوقف هذا العدوان وعدم دعمه بالمال والسلاح. وكل هذا قد أفضى إلى إدانة نتنياهو بجرائم حرب وإبادة من قِبل محكمة العدل الدولية، بعد أن تقدمت جنوب إفريقيا ودول أخرى بهذه الدعوى القضائية.

* أما بخصوص مآلات هذه الحرب، فأولها أنها ستؤدي إلى تفكيك الكيان الصهيوني من الداخل، وإلى تفكيك الحكومة الإسرائيلية أيضًا، وهو ما بدأت إرهاصاته تلوح في الأفق منذ شهور، وأصبح أكثر احتمالًا بعد توقيع الاتفاقية مع حماس. وأما بخصوص مصير الحرب نفسها بعد توقفها بفعل الاتفاقية، وإمكانية تجدد الحرب بخرق الاتفاقية، فهو أمر لا يمكن توقع أي سيناريو له بشكل مؤكد: حقًّا أن التجربة تشهد بأن بني إسرائيل لا يحفظون عهدًا أو اتفاقًا. ومع ذلك، فإن السيناريو الأكثر احتمالًا في ضوء الوقائع الراهنة هو أن إسرائيل قد تقوم بخرق الهدنة أحيانًا، ولكنها لن تستطيع مواصلة الحرب إلى ما لا نهاية؛ لأنها قد تعلمت درسًا قاسيًا وهو أنه لا يمكن القضاء على حماس أو على روح المقاومة ذاتها لدى شعب فلسطين؛ ولأنها قد أدركت أن الدعم الأمريكي لحربها لا يمكن أن يستمر بنفس القوة والوتيرة، خاصة بعد تزايد اعتراض دافعي الضرائب الأمريكيين.

* كشفت هذه الحرب في النهاية عن تفرد الشعب الفلسطيني في القدرة على المقاومة والصمود، وأنا هنا لا أقصد حماس وغيرها من جماعات المقاومة الفلسطينية، وإنما أقصد فعليًّا الشعب الفلسطيني الذي صمد إلى جانب المقاومة، رغم كل ما عاناه يوميًّا من إبادة ودمار بشكل يفوق الوصف؛ ولقد ضربت نساء فلسطين بوجه خاص أروع الأمثلة في الصمود والصبر والإيمان بشكل مُذهل. وهذا يعني أو يثبت أنه ما ضاع حق وراءه مطالب أو مقاوم.

مقالات مشابهة

  • السعودية تدين الهجوم الإسرائيلي على مدينة جنين بالضفة الغربية
  • ترامب يطالب بإنهاء حرب أوكرانيا ويتوعد روسيا بعقوبات قاسية
  • الكشف عن أدوات تجسس زرعها الجيش الإسرائيلي في غزة
  • وزير الدفاع الإسرائيلي يتعهد بمواصلة الهجوم على جنين
  • معركة غزة وعقيدة كلاوزفيتر
  • حصاد حرب غزة ومآلها
  • هاليفي يستقيل من قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي ويعترف بـالفشل
  • ‏وزارة الصحة الفلسطينية: قتيلان و25 جريحا من جراء الهجوم الإسرائيلي على مخيم جنين
  • حماس: إرهاب المستوطنين بالضفة يتطلب تصعيد المقاومة
  • ناحية سيتك في السليمانية تحذر مواطنيها من تعطل الطرق إثر تساقط الثلوج