يحب كثير من الناس -كنوع من تعزية النفس- ترديد مقولة: «العمر مجرد رقم» وبما أن العمر مجرد رقم؛ حسب المقولة أعلاه؛ فإنه يتاح للإنسان أن يواصل ممارساته الحياتية؛ بخيرها وشرها؛ كما كان معتادا من قبل، لا مراجعة للأخطاء، ولا توقف عن اللهاث المبالغ فيه لاستحلاب كل ما هو متاح أمامه، لأن العمر مجرد رقم، وبالتالي؛ فلا يجب لهذا الرقم أن يكون عائقا، أو منظما، أو محددا، أو قاطعا لطريق لا تزال مشرعة لصاحب هذا العمر، ولذلك تتراكم الأخطاء نفسها، وتتعاظم الأحمال والأثقال نفسها، التي من المفترض أن يتخفف منها صاحب العمر، فما هو متاح في الثلاثينيات من العمر لن يكون متاحا في الخمسينيات، وما هو متاح في الأربعينيات لن يكون متاحا في السبعينيات، وكل فرد يستطيع أن يعي هذه الفروقات عبر مستويات العمر المتتابعة، والمتسارعة في آن واحد.
فالضعف والشيبة؛ ليسا مبالغة في تحديد ثقل العمر المنجز عند كل فرد، فهما نتيجة طبيعية لهذا التراكم العمري الذي يتعاظم كل يوم يكسب فيه الإنسان يوما جديدا (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة؛ يخلق ما يشاء وهو العليم القدير) - (54)؛ الروم - ومعنى هذا أن لا يستكثر الإنسان على نفسه هذا الضعف والشيبة عند الوصول إليهما، أو تحققهما عنده، لأن ذلك مفرزة طبيعية لهذا المشوار الزمني الممتد منذ لحظة الميلاد، وحتى مبلغ العتي من العمر، فهذه ليست نقيصة كما يعتقد البعض، ولذلك فمثل هؤلاء يتوارون خلف مجموعة من الستائر التي تفصل الآخرين عن معرفة حقيقة «شيبتهم» ومن ذلك ممارسة الأفعال الصبيانية «النزقة» فهم في تقدير أنفسهم لا يزالون «شبابا» فلِمَ يميتون أنفسهم بـ «الشيبة»؟ ومن ذلك المكوث على هيئات هي أقرب إلى صغار السن؛ منها إلى كبار السن، كالأصباغ، والألوان الصارخة، أو الاهتمام بالجسد إلى الحد الذي يظهرهم أمام الآخرين في صورة تفضي إلى التندر، والإشارة إليهم بأنهم مبالغون في تجاوز هيبة العمر، واستحقاقاته من الوقار، والاحترام، والتقدير.
(مُثْقَلٌ بالسنين) هي حالة إنسانية بامتياز، فلا تثير الدهشة، ولا تضع صاحبها في محل النقد، أو النبذ عن تفاعلات أفراد المجتمع من حوله، بل على العكس توسع الأمكنة المادية والمعنوية لاحتضانه وتقديره، وتثمين الدور الذي قام به طوال سنوات العمر التي قضاها بينهم، ولأنه بهذا المستوى من التقدير، فلا يسمح له أن يضيع هذه الهيبة بممارسات يرى فيها أنها أمر معتاد «شايب وفارط»؛ «ألا يحترم هذا الرجل سنه؟»؛ «كيف يسمح هذا الرجل أن يأتي بهذا الفعل وهو في هذا العمر؟» هذه جمل من كثير مما يشار إلى أي فرد أصبح في مرحلة «المشيب» ويأتي بأفعال وممارسات لا تتوافق مع عمره، حتى وإن أبدى للآخرين أنه «رجل عصره» حيث يبقى للعمر استحقاقاته التي لا يمكن تجاوزها بمزاج أو «عفرتة» مصطنعة.
صحيح أن مرحلة الشباب مرحلة «مفتوحة» يعيشها الفرد بكثير من التهور، ومن المتعة، ومن اللا مبالاة، ومن المجازفة، والمغامرة، ولذلك يتحسر عليها من يفتقدها مع تراكم العمر «فيا ليت الشباب يعود يوما؛ فأخبره بما فعل المشيب» - لأبي العتاهية - ونتيجة لهذا التحسر، يظل الفرد يتجاوز في تقديره لاستحقاقات العمر الذي قطعه في الحياة حيث ينسى فضل الله عليه بأن بارك في عمره حتى وصل إلى هذه المرحلة المتقدمة من العمر، وهذا النسيان هو الذي يجعله يعيش مرحلة صبا مستمرة، فلا يردع نفسه عن حرام، ولا يلجمها عن الآثام.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
قطر: نواصل التنسيق مع مصر نحو مرحلة ثانية لوقف إطلاق نار بـ غزة
ذكر رئيس الوزراء وزير خارجية قطر محمد بن عبدالرحمن :" نرحب بالجهود التي تقوم بها سلطنة عمان في الوساطة بين إيران والولايات المتحدة"، وفق ما ذكرت وسائل إعلام عدة.
وقال رئيس الوزراء، إننا نواصل التنسيق مع مصر والشركاء للتقدم نحو المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار بغزة.
وتابع وزير خارجية قطر، أن المفاوضات لم تتوقف بشأن وقف إطلاق النار بغزة وجهودنا متواصلة مع الشقيقة مصر والهدف من المفاوضات الحالية بشأن غزة هو الإفراج عن الأسرى وإنهاء الحرب، ونبذل جهودنا من أجل إعادة الأطراف إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وحركة حماس أكدت مرارا وعلنا استعدادها لإعادة كل الرهائن.
بينما قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان: “شراكتنا الاستراتيجية مع قطر تسهم في دعم الاستقرار في المنطقة وإسرائيل تنفذ تطهيرا عرقيا في غزة وتمنع وصول الغذاء وتتسبب بوضع مأساوي في وقت أبدى فيه الجانب الفلسطيني موافقة على وقف إطلاق النار في غزة لكن إسرائيل تتعنت وترفض و أولويتنا هي إحياء وقف إطلاق النار ورؤية المساعدات الغذائية تصل إلى قطاع غزة ذلك لـأن مفتاح السلام العادل في المنطقة هو حل الدولتين وسنواصل جهودنا من أجل ضمان أن يعيش الشعبان الفسطيني والإسرائيلي بأمن وأمان على أساس حل الدولتين”.
وحول سوريا قال هاكان فيدان:" العقوبات الحالية على سوريا تعيق تحقيق الاستقرار في سوريا ونبذل جهودا مع شركائنا لرفع العقوبات وننسق مع الجانب القطري لتحقيق الاستقرار في سوريا وتطهيرها من الإرهاب".
قال الديوان القطري إن أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بحث اليوم الأحد مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان التطورات في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة وفي سوريا.
وتابع الديوان، أن اللقاء استعرض العلاقات الإستراتيجية بين البلدين الشقيقين، إلى جانب أبرز المستجدات الإقليمية والدولية، وذلك خلال استقبال أمير قطر بمكتبه في قصر لوسيل وزير الخارجية التركي الذي يزرو الدوحة حاليا.
وحمّل أمير قطر، إسرائيل مسؤولية انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بغزة، مجددا التأكيد على موقف بلاده الثابت بشأن القضية الفلسطينية.