بوابة الوفد:
2024-08-03@08:21:53 GMT

لست صوفياً... وإنما متصوف

تاريخ النشر: 26th, April 2024 GMT

لماذا الكتابة عن هذا الموضوع الآن وما الذى سيضيفه الكاتب على كل ما كتب حول هذا الموضوع؟!
حاجتنا الآن ملحة للكتابة عن هذا الموضوع لكثرة الفتن والمحن التى نمر بها وكثرة الخرافات والخزعبلات والشعبذة والسحر والدجل بحجة التصوف، والتصوف والمتصوف الحقيقى براء من كل هذه الأمور.
لذا كان لزاما علينا الكتابة عن هذا الموضوع.


فإنه عندما سئل سقراط عن تعريف الفلسفة، قال هى حب الحكمة، وعندما سئل هل أنت حكيم قال لا لأن الحكمة لا تؤتى إلا للآلهة، وإنما أنا محب للحكمة تواقاً بحاثاً عنها. قد نجدها فى قلب طفل، أو قلب رجل أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره يتمتم بكلمات قد تكون غير مفهومة لكن أثرها ووقعها كوقع السحر على قلوب المحبين العارفين، فقلوب العارفين لها عيون، ترى ما لا يراه الناظرون. (يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا) وتلك حكمة الله التى هى سر أعظم من أسرار الله تعالى يودعها فى قلوب من اصطفاهم، وقد تكون فى الطبيعة على هيئة رموز وإشارات ولطائف ربانية، لتنبه الغافلين الذين غرتهم الحياة الدنيا وغرهم بالله الغرور، فتظهر حكمته وتجلياته فى هذه الترسيمة الكونية كأنك ترى ظاهرة من الظواهر قلما تتكرر إلا بعد مئات السنين أو نرى تجليات الحكمة الربانية فى خلقه ما يجعلنا نستفيق من غفلتنا ونعود نحتمى تحت عباءته من أوهام المحدثات وخبث الطبيعة.
لست متصوفاً لماذا؟!، لأنه ليس كل من لبس الصوف والخشن من الثياب وهام على وجهه فى الصحارى والجبال ملتحفاً السماء مفترشاً الأرض صار متصوفاً، فالتصوف ليس زهدا فى ملبس ولا مأكل ولا مشرب فكل هذه أمور مادية قد تتحقق فى أى إنسان، فرب صائم لم ينله من صومه إلا الجوع والعكس، قيسوا على ذلك فليس كل مدع للتصوف لم ينله من تصوفه إلا الشهرة كأن يقال عنه صار متصوفاً، فالتصوف الحقيقى استرقاق للقلوب واستغرق بالكلية فى حضرة المحبوب، فإذا ما حدث ذلك وصار القلب أسيراً فى حبه، انعكس هذا الحب على صاحبه فصار جميلا، يرى كل ما يراه جميلا.
ما أروع رابعة العدوية عندما قالت أحبك حبين حب الهوى وحب لأنك أهل لذاك. فالحب هنا تجرد عن كل نوازع الحس الفانية، وتعلق القلب والفؤاد والروح بالمحبوب الأعظم دونما حاجة، دونما وساطة وإنما هو ومضات وفيوضات ونفحات ربانية تأتى لصاحبها عن طريق التجرد والتخلى وهذا التخلى لا يكون إلا بالمجاهدة (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)، عن طريق الهجرة المعنوية من دار الفناء إلى دار البقاء فى رحلة روحانية نعود منها أو يعود منها المريد محملا بالأنوار الإلهية فينعكس هذا القبس النورانى على كل من حوله فيعمل بجد وإخلاص، فالمتصوف الحقيقى هو الذى يخالط الناس ويمشى فى الأسواق ويعلم الناس العبادة الحقة، المتصوفة الحق هو الذى يعمل بالقرآن والسنة متمثلاً قوله تعالى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، المتصوف الحقيقى هو الذى لا يسقط التكاليف والفروض، فالمتصوف الحقيقى هو الذى ينأى عن الخرافات والخزعبلات والشطحات.
وما أروع تعريف معروف الكرخى للتصوف عندما قال، التصوف هو الأخذ بالحقائق واليأس مما فى أيدى الخلائق.
ونحن نقول التصوف الحقيقى هو تخلى عن كل ما هو فان والتحلى بكل ما هو باق، التخلى عن الأغيار والاتجاه قلبا وقالبا إلى رب الأغيار، التخلى عن الوسطاء فليس ثمة وساطة بين العبد والرب.
المتصوف خزائن علمه فى قلبه ولا يخرجها إلا لمن طلبها ومن هو أهل لحمل أمانة هذه العلوم، فهذه العلوم لا تودع فى بطون الكتب، فالكتب تفنى قراطيسها أما القلوب فخزائن سر الأسرار.
التصوف رقى وترقى فى درجات تليها درجات إلى أن يصل المريد إلى غاية مراده، فبعد أن يكون مريدا يصير مرادا، بعد أن كان محبا يصير محبوبا (لا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه) فما أعظم أن يحبك الله تعالى.
التصوف علم باطن، فلكل باطن ظاهر، أما الظاهر فالعمل بالكتاب والسنة تحقيقا لأصول الدين، أما الباطن فتلك علاقة لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى، ومن ذاقها وذاق لذتها فتحققت له السعادتين، سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.
المتصوف قائد سفينة نفسه إذا كان ملاحاً ماهراً نجا من ظلمات البحر اللجى وروض أمواجه الهائجة مستعصماً مستمسكاً بمعطياته تعالى وهباته التى وهبها له الله تعالى.
انظروا إلى أنفسكم هل أنتم صوفيون أم متصوفة فبون شاسع بين المصطلحين.

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الدجل هذا الموضوع الله تعالى هو الذى

إقرأ أيضاً:

النائب الدكتور يوسف عامر يكتب: فاعفوا واصفحوا

العفوُ والصفحُ وصفانِ جميلانِ، وردا فى كتابِ الله تعالى متلازمينِ فى غيرِ موضع، منها قولُه تعالى: «فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِى اللَّهُ بِأَمْرهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ» [البقرة: 109]، ومنها قولُه سبحانه: «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» [النور: 22]، وقولُه عز وجل: «وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» [التغابن: 14].

ويُلحظُ فى هذه المواضعِ تقدُّم العفو على الصفح، وذلك لأن الصفح عفو وزيادة، فالعفو هو ترك عقوبة المذنب، وهذا يحتاج قدراً كبيراً من التسامح يملأ النفس بحيث تتجاوزُ عن عقوبة مَن آذاها.

أما الصفح فهو مِن صَفْحِ الوجهِ أى جانبِهِ وعرضِه، وهذا -كما قال السادةُ العلماء-: مجازٌ عن عدم مواجهة المذنب بذكرِ ذنبه؛ أى: عدم لومِه عليه وتذكيره به، فهو أبلغ من العفو.

ولهذا تقدَّمَ العفوُ على الصفح تعويداً للنفس على التدرجِ فى الرقى، فهى تعفو عن عقوبة المذنب فى حقِّها أولاً، ثم هى ترتقى فتصفح عنه ولا تُذكره بذنبه، ولا تلومه عليه، فذِكْرُ الجفاءِ وقتَ الصفاءِ جفاءٌ.

ويستطيعُ الإنسان أنْ يحمل نفسه على العفو والصفح بأن يتذكر ما كان من مواقفَ طيبةٍ سابقة لهذا المعتدى، وكما يقولُ الإمامُ الشافعى رضى الله عنه: الحُرُّ مَن يَرْعَى وِدَادَ لَحظَة، ويَنتِمى لمن أفاده لَفْظَة. إنه رضى الله عنه جعل مراعاة الناسِ لِمَا كان بينهم من وُدٍّ استمرَّ لحظاتٍ قليلةً هو حقيقةُ الحرية التى تعنى كرَمَ النفس وخلوصَها من سيئِ الطباع، فضده إذن -وهو عدم مراعاةِ سابقِ الود والصفاء- دليل على أن النفس مُستعبَدَة لسيئ طباعها، فهى ليست كريمة.

ولأن الصفح شديد على النفوس قال الله تعالى: «فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ» وعبارة (حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْره) تشير إلى أن الله تعالى سوف يشفى غليل النفوس التى ظُلمَت، فهى طمأنة لخواطر المأمورين بالعفو والصفح. والله سبحانه وتعالى قدير على كل شىء وهو سبحانه مع قدرته يعفو ويصفح.

والآية الثانية «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» نزلت فى سيدنا أبى بكر الصديق رضى الله عنه حين حلف أَلا يُنفق على مِسطَح ابنِ خالتِه لترديده كلام المنافقين فى السيدة عائشة رضى الله عنها، وكان مسكيناً، ولما قرأها سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم على أبى بكر قال: بلى أُحبُّ أن يغفرَ اللهُ لى. ورَدَّ إلى مسطح نَفقتَه.

والآية الثالثة «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُواً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»، أى قد يجد الإنسان عداوة من أقرب الناس إليه، كالأزواج والأولاد، وهو مأمور بالحذر، والله تعالى ندبَ له أن يعفو عنهم فلا يقابل العدواةَ بمثلها، وأن يصفحَ فلا يوبخهم، وأن يغفر بأن يستر عيوبهم تلك، فإن فعل هذا {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

والعفو والصفح إحسان يحب الله تعالى صاحبه «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» [المائدة: 13]، وقد أمر حبيبه صلى الله عليه وسلم ليس بمجرد الصفح، وإنما أمره بالصفح الجميل مع أولئك المكذبين له! «وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ» [الحجر: 85].

* رئيس لجنة الشئون الدينية والأوقاف بـ«الشيوخ» ورئيس قناة «الناس»

مقالات مشابهة

  • مواقيت الصلاة اليوم السبت 3-8-2024 في محافظة البحيرة
  • النائب الدكتور يوسف عامر يكتب: فاعفوا واصفحوا
  • رئيس بلغاريا يشيد بجهود الإمارات في مجال التغير المناخي
  • هل الغش أصبح منهجًا لحياتنا.؟!
  • خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ.. معنى الختم والغشاوة ولمن تحدث
  • خصائص الخطاب النبوى (3)
  • فى السماء .. فلماذا العناء؟
  • تأملات قرآنية
  • حزب الله ينعي الشهيد القائد فؤاد شكر
  • في بيانٍ رسمي.. حزب الله يعلن مصير شكر وهذا ما قاله!