لماذا الكتابة عن هذا الموضوع الآن وما الذى سيضيفه الكاتب على كل ما كتب حول هذا الموضوع؟!
حاجتنا الآن ملحة للكتابة عن هذا الموضوع لكثرة الفتن والمحن التى نمر بها وكثرة الخرافات والخزعبلات والشعبذة والسحر والدجل بحجة التصوف، والتصوف والمتصوف الحقيقى براء من كل هذه الأمور.
لذا كان لزاما علينا الكتابة عن هذا الموضوع.
فإنه عندما سئل سقراط عن تعريف الفلسفة، قال هى حب الحكمة، وعندما سئل هل أنت حكيم قال لا لأن الحكمة لا تؤتى إلا للآلهة، وإنما أنا محب للحكمة تواقاً بحاثاً عنها. قد نجدها فى قلب طفل، أو قلب رجل أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره يتمتم بكلمات قد تكون غير مفهومة لكن أثرها ووقعها كوقع السحر على قلوب المحبين العارفين، فقلوب العارفين لها عيون، ترى ما لا يراه الناظرون. (يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا) وتلك حكمة الله التى هى سر أعظم من أسرار الله تعالى يودعها فى قلوب من اصطفاهم، وقد تكون فى الطبيعة على هيئة رموز وإشارات ولطائف ربانية، لتنبه الغافلين الذين غرتهم الحياة الدنيا وغرهم بالله الغرور، فتظهر حكمته وتجلياته فى هذه الترسيمة الكونية كأنك ترى ظاهرة من الظواهر قلما تتكرر إلا بعد مئات السنين أو نرى تجليات الحكمة الربانية فى خلقه ما يجعلنا نستفيق من غفلتنا ونعود نحتمى تحت عباءته من أوهام المحدثات وخبث الطبيعة.
لست متصوفاً لماذا؟!، لأنه ليس كل من لبس الصوف والخشن من الثياب وهام على وجهه فى الصحارى والجبال ملتحفاً السماء مفترشاً الأرض صار متصوفاً، فالتصوف ليس زهدا فى ملبس ولا مأكل ولا مشرب فكل هذه أمور مادية قد تتحقق فى أى إنسان، فرب صائم لم ينله من صومه إلا الجوع والعكس، قيسوا على ذلك فليس كل مدع للتصوف لم ينله من تصوفه إلا الشهرة كأن يقال عنه صار متصوفاً، فالتصوف الحقيقى استرقاق للقلوب واستغرق بالكلية فى حضرة المحبوب، فإذا ما حدث ذلك وصار القلب أسيراً فى حبه، انعكس هذا الحب على صاحبه فصار جميلا، يرى كل ما يراه جميلا.
ما أروع رابعة العدوية عندما قالت أحبك حبين حب الهوى وحب لأنك أهل لذاك. فالحب هنا تجرد عن كل نوازع الحس الفانية، وتعلق القلب والفؤاد والروح بالمحبوب الأعظم دونما حاجة، دونما وساطة وإنما هو ومضات وفيوضات ونفحات ربانية تأتى لصاحبها عن طريق التجرد والتخلى وهذا التخلى لا يكون إلا بالمجاهدة (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)، عن طريق الهجرة المعنوية من دار الفناء إلى دار البقاء فى رحلة روحانية نعود منها أو يعود منها المريد محملا بالأنوار الإلهية فينعكس هذا القبس النورانى على كل من حوله فيعمل بجد وإخلاص، فالمتصوف الحقيقى هو الذى يخالط الناس ويمشى فى الأسواق ويعلم الناس العبادة الحقة، المتصوفة الحق هو الذى يعمل بالقرآن والسنة متمثلاً قوله تعالى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، المتصوف الحقيقى هو الذى لا يسقط التكاليف والفروض، فالمتصوف الحقيقى هو الذى ينأى عن الخرافات والخزعبلات والشطحات.
وما أروع تعريف معروف الكرخى للتصوف عندما قال، التصوف هو الأخذ بالحقائق واليأس مما فى أيدى الخلائق.
ونحن نقول التصوف الحقيقى هو تخلى عن كل ما هو فان والتحلى بكل ما هو باق، التخلى عن الأغيار والاتجاه قلبا وقالبا إلى رب الأغيار، التخلى عن الوسطاء فليس ثمة وساطة بين العبد والرب.
المتصوف خزائن علمه فى قلبه ولا يخرجها إلا لمن طلبها ومن هو أهل لحمل أمانة هذه العلوم، فهذه العلوم لا تودع فى بطون الكتب، فالكتب تفنى قراطيسها أما القلوب فخزائن سر الأسرار.
التصوف رقى وترقى فى درجات تليها درجات إلى أن يصل المريد إلى غاية مراده، فبعد أن يكون مريدا يصير مرادا، بعد أن كان محبا يصير محبوبا (لا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه) فما أعظم أن يحبك الله تعالى.
التصوف علم باطن، فلكل باطن ظاهر، أما الظاهر فالعمل بالكتاب والسنة تحقيقا لأصول الدين، أما الباطن فتلك علاقة لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى، ومن ذاقها وذاق لذتها فتحققت له السعادتين، سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.
المتصوف قائد سفينة نفسه إذا كان ملاحاً ماهراً نجا من ظلمات البحر اللجى وروض أمواجه الهائجة مستعصماً مستمسكاً بمعطياته تعالى وهباته التى وهبها له الله تعالى.
انظروا إلى أنفسكم هل أنتم صوفيون أم متصوفة فبون شاسع بين المصطلحين.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدجل هذا الموضوع الله تعالى هو الذى
إقرأ أيضاً:
خطيب الجامع الأزهر: الأمانة قيمة عظيمة يجب الحفاظ عليها وعدم التفريط فيها
ألقى خطبة الجمعة اليوم في الجامع الأزهر فضيلة الدكتور حسن الصغير، المشرف العام على لجان الفتوى بالجامع الأزهر، والأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية للشئون العلمية والبحوث، والتى دار موضوعها حول حفظ الأمانة.
وقال د. حسن الصغير: إن للأمانة قيمة عظيمة في الإسلام، وفي كتاب الله عزّ وجلَّ وسنة النبي محمد ﷺ وسلم ما يدل على أن الأمانة هى حجر الزاوية في صلاح الدين والدنيا يقول تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾، وقال ﷺ: (أدِّ الأمانةَ إلى من ائتمنَك، ولا تَخُنْ من خانَك).
وأوضح خطيب الجامع الأزهر، أن الشرع الحكيم جعل الأمانة حجر الزاوية في كل ما كلفنا به الشرع من تكاليف وتعاليم وأخلاق، فهى كلها أمانة، والحفاظ عليها أمانة، وتضييعها خيانة وحسرة وندامة وخسران، فعبادة الفرد أمانة، وإذا ما ضُيعت العقيدة وتم الإخلال بها، أو أُنكر ثابت من ثوابتها فَثمَّة الخيانة، وثم الضياع، فصلاة المرء وزكاته وصومه وحجه أمانة، حتى نفسه التي بين جنبيه أمانة يقول تعالى: ﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
غدا.. انطلاق مؤتمر كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر حول "بناء الإنسان"
شيخ الأزهر يعزي المستشار ناصر معلا نائب رئيس مجلس الدولة في وفاة والده
مرصد الأزهر يشارك في جولة المشاورات المصرية الصينية لمكافحة الإرهاب ببكين
خالد الجندي: لازم نلتزم برأي الأزهر في الفتوى العامة التي تمس المجتمع
وتابع فضيلته بقوله: ما يعول الإنسان من زوجة وأولاد، هو أمانة، يجب الحفاظ عليها وعدم التفريط فيها، لأن في عدم الاهتمام بهم، وعدم القيام على شؤونهم وتربيتهم خيانة يقول تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾، فالله جل وعلا سوف يسأل كل راعٍ عما استرعاه، وكما يُسأل الرجل عن أهل بيته، فسوف يُسأل أيضاً عن عمره وشبابه وماله وعلمه، فهذا من الأمانات، يقول ﷺ: لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟)، فالتكليف برمته مجالٌ واسعٌ، والشريعة والدين أمانة في عنق كل مؤمن ومؤمنة، ولذا فليس بمستغرب أن يصور الحق سبحانه وتعالى كل ذلك في صورة في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ﴾.
وخلال كلمته نَّوَه خطيب الجامع الأزهر، إلى أن عيد تحرير سيناء يذكرنا بنصر الله عزّ وجلَّ، ومن الأمانة أن نواكب هذا العيد، بأن ننصر الله عزّ وجلَّ، وأن ننصر دينه وشريعته، لكن نرى بين الحين والآخر من يخوضون في شريعة الله ويشككون في الثوابت ويوَلون وجوه الناس عن المهمات الحياتية التي تعيش فيها الأمة إلى وجهات أخرى مكررة منذ سنوات بنصها وتفصيلها، فكان من الواجب على من أثار الثائرة، أن يتقِي الله عزّ وجلَّ في إثارة الناس، فلا يعكر عليهم دينهم، ولا يعكر على الوطن، استقراره وأمنه والفكر والاجتماعي، ويخوض في ثوابت الدين ليشتت أفكار الناس وأذهانهم واهتماماتهم، ويجرهم إلى هذا الكلام الذي تستغربه عقولهم ولا تعيه أفئدتهم، وهذا ما نبه عليه النبي ﷺ بأن كتاب الله وسنة نبيه ﷺ ليست مضماراً لأغراض دنيوية، وفي القرآن الكريم ما يشير إلى ذلك، فعلينا الاستيقاظ حتى لا نؤخذ بجرتهم.
وختم د. الصغير حديثه بقوله: عند الاحتفال بعيد تحرير سيناء لابد أن نذكر بأسباب النصر، ولابد أن يندحر وينزوي أولئك المغدورون الذين يلحدون في آيات الله ويحرفون الكلم عن مواضعه، فكلامهم مردود عليه بنص الكتاب والسنة، وهذا الكلام يفتح بابا ومجالا كبيرا لتحكيم الناس بشرع الله، فالإدعاء بالمساواة بين البنين والبنات، والأخوات والأخوة، والأب والأم، والزوج والزوجة، ادعاء باطل، والزعم بأن الآيات تقرر حقاً وليس واجباً أمر مرفوض ولا يعقل، فهذه أنصبة مفروضة، وهي حدود الله عزّ وجلَّ، لا ينبغي علينا أن نتجاوزها أو نعتدي عليها، يقول تعالى: ﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾. ففكرة وضع قانون يخالف شريعة القرآن المحكمة وطرحه للاستفتاء أكبر كذبة، ويرد عليها بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾.
ودعى خطيب الجامع الأزهر، الذين أسرفوا على أنفسهم بوجوب الرجوع ووجوب الاعتذار لجموع الناس وللوطن، فنحن في وقت أحوج ما نكون فيه بأن نذكر بأن نكون على قلب رجل واحد، وأن نثبت الناس على الحق، وأن ننبذ الفرقة بدل أن ننشرها يقول تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾، مذكراً إياهم بالتوبة والاستغفار، وتقدير الأمر بقدره، وبالعلم الذي سوف يسألون عنه يوم القيامة ماذا عملوا فيه؟