ما كنت أعلم أنها المرة الأخيرة والمحادثة الأخيرة والإشعار الأخير..
فلا شىء أقسى على النفس من فقد عزيز غال، وإن كان الرحيل مفاجئا صار الفقد أقسى. ففى صمت النبلاء رحل، دون مقدمات رحل، وكأنه يأبى أن يعذب أحباءه بمرض أو معاناة.. هكذا قبل أن يجف مداد قلمه الحر فاضت روحه إلى بارئها، تاركا لنا آخر ما خط من كلمات، لتكون شاهدا على رحلة عطاء فكرية خاضها محاربا على مدار أكثر من ٣٠ عاما، بين جنبات صاحبة الجلالة، مؤكدا أن الصحفى الحق هو ذلك الذى يتخذ جانب المهمشين، مدافعا ومطالبا بحقوقهم، وهو ما اضطلع به قلمه من خلال عموده الصحفى الأسبوعى بجريدة الوفد، إنه الأستاذ عاطف دعبس، الذى غادرنا مساء الأربعاء الماضى.
فما بين طرح لرؤى متوازنة ومطالبات بحقوق الآخرين تتبدى رسالة الصحافة ووعيها فى مواجهة عوار المجتمع وسلبياته، مختتما كل مقال له بعبارته الأشهر «ويا مسهل»، فى بساطة وتلقائية، دافعا بها أملا وتفاؤلا فى تحقق ما يصبو إليه..
فى هدوء ودعة كان يرسل مقالة قبل موعد نشره بيومين، يسبقه بعبارة بسيطة دونما استطراد أو إسهاب، وكأنه يخشى أن يخدش صمتا أو انشغالا قد أبدو عليه.
وكعادته أرسل مقاله لى بصفتى مشرفا على مقالات الجريدة، ولحظى العثر لم أستطع الرد عليه فى حينها، حتى إذا حل مساء اليوم التالى هالنى خبر رحيله، فشاء القدر أن يرحل قبل نشر مقاله بيوم، ليخلف فى النفس غصة لا أظنها ستزول بسهولة.
عرفته باسما هادئا، فى المرات التى كتب لى مقابلته فيها كان يحادثنى بود الأب، مذيلا كلماته بعبارة «يا ابنتى»، ولم أشهده يوما رغم أنه بحكم الأقدمية يعد أستاذ جيلى فى الجريدة، لم أشهده يخاطبنى باسمى مجردا، بل كان دائما ما يسبقه بلقب «أستاذة»، ليضرب لنا مثلا فى الاحترام والأستاذية الحقة.
وأمس الجمعة كان موعد نشر مقاله الأخير ورسالته الأخيرة، الذى حث فيه الشعب على مجابهة جشع التجار بسلاح المقاطعة، ليؤكد لنا أن مداد الكاتب الحق لا يجف رغم الغياب، فحضور القلم أقوى من حضور الجسد، وحضور الروح أمضى من الحضور المادى، هكذا لا يخفت صوت من يحمل على كاهله عبء الرسالة وهموم المواطن، ولا يخفت صوت رسالاته، مهما نأى وبعد بجسده، فستظل كلماته نورا يهتدى بها فى ظلمات الدنيا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نبضات سمية عبدالمنعم هموم المواطن جشع التجار
إقرأ أيضاً:
مغنون بلا أغنية .. أصوات تصنعها المصادفة والميديا
أصوات كثيرة ولدت أو على أقل وصف اشتهرت خلال الأشهر الماضية، إما بفعل برنامج تليفزيونى، أو بمشاركة أحد النجوم أغنية هنا أو هناك، لكن السؤال الذى يفرض نفسه، هذه الأصوات فرضت نفسها فعرفتها الجماهير، لكن هل يمكنها أن تؤرخ لنفسها بأغان جديدة ذات قيمة فنية، إننا حقاً أمام مشكلة غنائية كبرى تولدت عبر السنوات الماضية، وهى أنك تعرف مغنياً بلا أغنية، وذلك أن شهرته على «السوشيال ميديا» بسبب مقطع ما أو حفلة غنى فيها أغنية لأحد المشاهير من رواد الغناء، أو شارك مطرباً شهيراً معاصراً «كليب» ما أو حفلة ما، نماذج ذلك كثيرة لكن من بينها المطربة أسماء لمنور التى عرفتها منذ وصولها القاهرة قادمة من المغرب وألتقينا معاً بنقيب الموسيقيين حلمى أمين، وكان ذلك أيام شغله لهذا المنصب، وسهل لها الغناء فى القاهرة، وبعدها شاركت المطرب «كاظم الساهر» قصيدة «المحكمة» وكذلك الأمر مؤخراً مع المطربة، سهيلة بهجت التى شاركت أيضاً كاظم فى حفله الأخير بمصر، وقد التقيت أيضاً بسهيلة وكان حاضراً بيننا الموسيقار هانى شنودة وغنت لنا رائعة عبدالوهاب وأم كلثوم «دارت الأيام» وأعجبنا بأدائها، وما بين أسماء لمنور وسهيلة بهجت، ظهر صوت المطربة «بلقيس» صاحبة الأداء المبهر، لكن الخليج أخذها، وهى ابنة الملحن الفنان وعازف العود الكبير أحمد فتحي، وقد ظهرت عبر التاريخ الغنائى القريب والبعيد نماذج كثيرة لأصوات ظهرت واشتهرت بأغنية أو بفعل برنامج أو لقاء أو تصريح صحفى، ثم لا نسمع إبداعاً لهم، لتتردد أسماؤهم فترة وجيزة من الزمان لتأتى أسماء لمطربين جدد يفعلون نفس الفعل، يشتهرون بموقف أو ربما بأغنية، وتتواصل ساقية الغناء والشهرة بهذا الشكل.
ومن بين نماذج تلك الأصوات التى اشتهرت بأغنية واحدة تقريباً عاشت أصواتهم بفعل شهرة لا بفعل غناء، صوت المطربة هدى زايد أو هدى السنباطى أو حتى الفنان سعد عبدالوهاب الذى لم نسمع له ألحاناً أو غناء بعد ما قدمه عمه عبدالوهاب بألحان ولحن هو لنفسه بعض الألحان، ثم ظل أكثر من نصف قرن لا نسممع له غناء جديداً، رغم أنه قال لى قبل رحيله إنه يمتلك العديد من الألحان الجديدة لحنها لنفسه لم تظهر للنور ولم يسجعلها، وكما كان الأمر مع المطرب كمال حسنى الذى غنى «غالى عليه» من ألحان الموجى وكان منافساً للفنان عبدالحليم حافظ، وما بين الماضى والحاضر ظهرت أسماء لمطربين ومغنين اشتهروا أكثر ما اشهرت له أعمالهم، ولعلنا هنا نجيب على سؤال من هو المغنى؟!.. هو لا شك الذى يغني، فإن لم يغنى المغنى أعمالاً يسجلها فى قائمة الشرف والجمال الغنائى فلا يكون مغنياً، إنما هو صوت خارج نطاق الخدمة، وفى انتظار تفعيله ليعرفه الناس بأعماله أكثر مما يعرفونه باسمه أو بشكله أو بمجرد أغنية أو مشاركة.