شد الحزام.. الصين تفرض التقشف على الموظفين العموميين
تاريخ النشر: 26th, April 2024 GMT
عندما أخطر الحزب الشيوعي الصيني المسؤولين بضرورة "الاعتياد على تشديد القيود المالية في السنوات المقبلة"، جاءت استجابة 21 حكومة محلية على الأقل على مستوى المقاطعات، سريعة، إذ عمدت إلى خفض ميزانياتها الخاصة بالمركبات الرسمية خلال العام الجاري.
إعداد نموذج التذكرة الموحد لقسم الاستقبال بمستشفيات أسيوط اعتماد جميع معاهد منطقة سوهاج الأزهرية المرشحة للجودة والاعتمادكما تعهد حاكم مقاطعة قويتشو بـ"خفض النفقات التشغيلية" الخاصة بإدارته بنسبة 15%، وحض مسؤول في مقاطعة هونان زملاءه على أن يصبحوا "مدبري منازل حُمر" يقدسون الجذور الثورية للحزب عن طريق التأكيد على "الحوكمة الفعالة من حيث التكلفة".
وطلب أحد مكاتب الإحصاء في مقاطعة يونان الجنوبية من موظفيه عدم ضبط أجهزة تنظيم الحرارة على أقل من 26 درجة مئوية (79 درجة فهرنهايت) في الصيف، فيما أكدت السلطات في منغوليا الداخلية، أن الوكالات الحكومية يتعين عليها "تقليل شراء المعدات الجديدة عن طريق إصلاح وإعادة استخدام القديم" مثل المكاتب والكراسي وأجهزة الكمبيوتر.
كما طلبت مدينة يبين الجنوبية الغربية من موظفيها طباعة الملفات الروتينية على "ورق منخفض الجودة"، وفق ما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال".
وأشارت الصحيفة إلى أن الموارد المالية الخاصة بالحكومات المحلية في الصين "ترزح تحت وطأة الديون الطائلة منذ سنوات"، ولكن 3 سنوات من إجراءات احتواء وباء كوفيدـ19، استنزفت خزائن الدولة في مناطق عديدة.
وأضافت الصحيفة، أن الآثار الاقتصادية في مرحلة ما بعد وباء فيروس كورونا والسوق العقارية المتعثرة، أدت إلى تفاقم المشكلة من خلال تراجع عائدات بيع الأراضي الذي تعتمد عليه العديد من المقاطعات.
وفي الأشهر الأخيرة، خفضت شركتان رئيسيتان للتصنيف الائتماني، توقعاتهما بشأن التصنيف الائتماني للصين من "مستقر" إلى "سلبي".
ويعكس نطاق التقشف، الواقع الاقتصادي الجديد في جميع أنحاء الصين، حيث أثرت معدلات النمو الضعيفة وسوق العمل الواهية على قطاع كبير من السكان، بدءًا من الأشخاص العاديين ووصولاً إلى الموظفين الحكوميين، وأجبرت كثيرين على التكيف مع "إنجاز المزيد بمقابل أقل".
سياسة "شد الحزام"
وأطلق الزعيم الصيني شي جين بينج حملة التوفير لأول مرة في عام 2019 كجزء من حملته للحد من الهدر الحكومي. وكثفت بكين جهودها في ديسمبر الماضي، حيث طالبت من مسؤوليها بتبني سياسة "شد الحزام" على المدى الطويل.
وورد في محضر الاجتماع السنوي الذي يعقده الحزب بشأن السياسة الاقتصادية أنه "يتعين على الحزب والهيئات الحكومية التعود على العيش المقتصد"، وفق ما أوردته "وول ستريت جورنال".
وسرعان ما انتشرت هذه المطالب في رسائل الحزب الشيوعي الحاكم ووسائل الإعلام التابعة للدولة، والتي دعت الكوادر إلى الانتباه إلى استخدام القيادة لمصطلح "التعود" (xiguan).
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وول ستريت جورنال شد الحزام
إقرأ أيضاً:
الإيحاء الاستهلاكي وتقويض التقشف!
سطت معاييرُ السوق على أدق التفاصيل الصغيرة فـي شهر رمضان، فلم تعد صنوف الأطعمة ميدان التنافس الوحيد، فقد أصبغ التسليع سمّة التبضع غير المحدود على الشهر الذي ينأى بأيامه -فـي الأصل- ناحية التقشف والتفكر بمعاناة المحرومين. إذ تمظهر التسليع فـي أشكال لا حصر لها، ابتداء من الزينة التي تُعلق على الأبواب وإضاءة الفوانيس والأطباق والأباريق والمفارش والوسائد، وليس انتهاء إلى الثياب والجلابيب!
فـي هذا الشهر الذي يتوقف الناس فـيه عن تناول الطعام من طلوع الشمس حتى مغيبها، ينفقون أكثر مما يفعلون فـي الشهور العادية، وذلك لأنّ لغة السوق باتت تطول جميع أنواع الخبرة الإنسانية، لتصب فـي نهم الشراء والبيع. وكما يتبدى فهو نهمٌ - فـي بعض صوره- يتعارض مع الفكرة الأسمى للصيام، إذ يقبعُ المستهلك اليوم أمام توحش العروض التي تمتص أوردة جيوبه شبه الخاوية!
فهيمنة السوق تنتجُ صلات جديدة بين الدين ونمط الاستهلاك، الأمر الذي يجعلنا مُثقلين برغبة الاقتناء، لا سيما وأنّ المروّج يستخدمُ كافة الوسائل لتحفـيز عواطفنا والتلاعب بها. فهنالك العديد من التكتيكات والأساليب التي لا ننتبه لها لكنها توقعنا فـي فخ شراء ما لا حاجة لنا به، ناهيك عما قد تصنعه عروض التخفـيضات من ضغوط مطردة، جوار ضغوط المقارنات التي تُحرضها سلطة المجتمعات، وتلك النزعة المتوهجة لملء مساحات وسائل التواصل الاجتماعي بما نتمتع به من رفاهية التفاصيل لنبدو مرئيين على نحو مُلفت.
إذ بقدر ما يُشيع توثيق اللحظات من قبل الأفراد والإعلانات بالصور والفـيديوهات، الدفء، فهو يُشعلُ هوس الاقتناء والتقليد أيضا. فعندما تُنقل قصّة الفطور والسحور والمائدة والشموع، يتجلى الطُعم الخفـي، الذي يجعلنا نُصدق أنّ لمّة العائلة لا يمكن أن تثير الابتهاج إلا بهذا القدر من توحش الشراء. وهكذا ينجحُ المعلن عبر رتم هادئ وبالغ اللطف فـي غرس الفكرة «التبضع» فـيما هو «حميمي»، كتلك المائدة الفخمة التي تتحلقُ حولها العائلة من الأجداد وحتى الأطفال، والتي سرعان ما ستقذف بنا إلى حضن التسوق الملتهب!
ها هي أيضا مناسبة «قرنقشوه» تدخل حيز المنافسة، فبينما يشتبكُ الناس فـي قصّة تحليلها وتحريمها كل عام، فإنّ السوق يقذفُ بحمولته من المنتجات هائلة التنوع، إذ تغادرُ هذه المناسبة -ككل شيء- المعنى المتواضع الذي تكونت فـيه، لتغدو لحظة تفجر تجاري تطال الثياب والأكياس والحلوى وديكورات المنازل وزينتها، ضمن تحولات متسارعة تُغذيها حُمى السوق. وبقدر ما تغدو هذه الأشياء مُبهجة وجميلة -لنا جميعا- بقدر ما تنزع المعنى الأعمق من سياقه وطقوسه!
نحنُ عُرضة فـي كل لحظة للإيحاء الاستهلاكي المستمر من خلال تكرار الأفكار أو الوسائل التي تجعلنا نضعف، فالمروّجون لا يجلسون فـي السوق وحسب، إنّهم يقفزون من التلفاز ومن الهاتف، يخلقون طوال الوقت بيئة عاطفـية جذابة. يخترقون جوهر اهتماماتنا عبر التلصص على صفحاتنا والطريقة التي «نغوغول» بها المعلومات، يُشهرون أدواتهم الحادة لاقتناص نقاط ضعفنا وملذاتنا السرية. هكذا نتحول لأهداف صيد سهلة من قبل المترصدين!
لكن السؤال الأهم: كيف نتحكم بأذرع الأخطبوط المتطاولة؟ كيف ننفصلُ عن الضغط الرأسمالي الذي يقوض ويسحق أي فرصة للتقشف، فـي سبيل خلق ثراء روحي متين لا سيما مع مناسباتنا الدينية؟ ومتى سنتمكن من تحديد رغباتنا بمعزل عن عدوى المحرضات الخارجية؟
لغة السوق بالتأكيد ليست اعتباطية، إنّها تدرس الفرد وتراقبه ولا تكتفـي بتلبية احتياجاته، إنّها تخلقُ له هذه الاحتياجات من العدم، وهنالك من يُكرسُ حياته لدراسة إمكانية إحداث هذا التأثير فـي الأفراد والمجتمعات، وكأنّهم يستمدون فلسفتهم من جملة بينيامين فرانكلين: «إذا أردت الإقناع عليك أن تخاطب الاهتمام وليس العقل».
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى