أكدت جمعية الناشرين الإماراتيين أن الذكاء الاصطناعي يشكل ثورة توصَف على أنها نقلة نوعية للتحسين في شتّى المجالات حيث بدأ الكثيرون بالفعل في جني ثمارها وتُعَدُّ صناعة النشر من المجالات التي دخلت في خضمّ هذه الثورة التكنولوجية إذ أصبحت تستفيد من برامج متقدّمة عديدة على مستوى إعداد الكتب وتصميمها وإخراجها وإنشاء أوصاف فعّالة لمحتواها وإنتاج الكتب الإلكترونية والمسموعة والتسويق والإعلان وغير ذلك من مراحل عملية الإنتاج الإبداعي وككلّ تغيير ثوري البعض يتقبّله ويواكبه والبعض الآخر يخشاه وينظر إليه بتوجّس.

وأشارت الجمعية ــ تزامنا مع مشاركتها الفاعلة في النسخة المقبلة من معرض أبوظبي الدولي للكتاب ومهرجان الشارقة القرائي للطفل ــ إلى وجود رؤى متعددة ونظرات تتباين حيناً وتتوافق حيناً آخر إلا أن جميعها يتفق في مسألة واحدة وهي أن دمج حلول الذكاء الاصطناعي أصبح ضرورة في مشهد النشر المعاصر وتعكس الاهتمام الذي يوليه الناشر الإماراتي للابتكار وتوظيف التقنيات الحديثة من أجل الارتقاء بتجربة القراء ونشر المعرفة والمساهمة في تطوير صناعة النشر المحلية والمُضي بها قُدماً نحو المستقبل المُستدام المنشود.

ويرى عبدالله الكعبي رئيس جمعية الناشرين الإماراتيين مؤسس «دار الرمسة لخدمات نشر الكتب والمطبوعات» الذكاء الاصطناعي بأنه يمثّل أداة يستطيع من خلالها الناشر تسهيل الكثير من العمليات خاصة التي تتعلّق بالتسويق ونشر المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي كما تيسِّر بشكل كبير الوصول للمعلومات المهمة عن توجُّهات السوق ناهيك عن المساهمة في توليد الأفكار بخصوص التصاميم والعناوين وتسهيل كتابة نبذة عن الكتاب وغيرها الكثير، مشيراً إلى أن أهم التحديات في هذا الإطار يكمن في توافر المعرفة اللازمة لاستخدام هذه الأدوات وتثقيف فريق العمل على الابتكار والتميز.

ويرى الكعبي أن أدوات الذكاء الاصطناعي لم تغير الكثير على صعيد مشهد النشر في الوقت الحالي متوقِّعاً أن يكون لها تأثير إيجابي أكبر في المستقبل القريب حيث ستسهل هذه الأدوات الكثير من العمليات لمن يتقن كيفية استخدامها، موضحاً أن الناشر يمكنه الاستفادة بشكل أكبر عبر الفهم الواسع لهذه التقنيات وتدريب الكوادر لاستثمارها بالشكل الأمثل وتشجيع الموظفين على تجربتها.

وحول الملكية الفكرية قال الكعبي: “إنه موضوع متشعب خاصة مع تقنيات الذكاء الاصطناعي لكن من وجهة نظري أن القارئ صاحب الذائقة لن يتأثر بالإنتاج الإلكتروني كما ينبغي على دار النشر أن تكون أكثر ذكاء في اختيار النصوص التي تنشرها وقد نرى في القريب بعض الكتب الممهورة بعبارة (الكتاب بمساعدة الذكاء الاصطناعي) ولا يتوقع الكعبي أن تؤثر تلك التقنيات على جودة المحتوى أو أن يأتي يوم تُعهد فيه مهمة الكتابة إلى الذكاء الاصطناعي بشكل مستقل إذ لكل كاتب مبدع وناجح طريقة خاصة للكتابة، فقد يساهم الذكاء الاصطناعي في تسهيل مهمة الكاتب ولكن لن يلغي دوره الإبداعي”.

وقال أشرف شاهين صاحب دار «البرج ميديا للنشر والتوزيع» إن ثمةَ مزايا لدخول تقنيات الذكاء الاصطناعي في صناعة النشر مثل استخدام التكنولوجيا بشكل متطور في إنتاج محتوى يواكب العصر ويناسب فئة من المستخدمين ملمحاً في الوقت نفسه إلى أن ذلك يوازيه تحديات كبيرة تتعلق بالنوايا القانونية لحقوق النشر والتأليف ما يشكّل مصدر قلق لشريحة كبيرة خاصة أصحاب الحقوق والعاملين في الصناعة.

وعن المستقبل يرى شاهين أن التحسين يتطلّب وضع خطط من المعنيين بالكتاب والثقافة لدعم الفكر والمحتوى والنشر في ظل العصر الرقمي وتطوراته.

وقال الناشر المؤلف فهد الفلاسي مؤسس «دار فهد الفلاسي لنشر الكتب» في حين تسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تسهيل عملية التدقيق وكشف عمليات السرقة الأدبية وتوقُّع اتجاهات وتفضيلات القرّاء فإنها لا تخلو أيضاً من بعض السلبيات أبرزها خطر أتمتة الإبداع لكن دخول هذه التقنيات في مجال النشر لا يشكّل مصدر قلق له بل يشجّع على استغلال فوائدها ومواكبتها إذ يرى أن التطوّرات التكنولوجية من الطبيعي أن تصاحبها تحديات وإيجابيات وسلبيات وفي هذا الإطار من وجهة نظره أن أكبر تحدٍ يمكن أن يخلقه استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل “تشات جي بي تي” هو الانتحال الأدبي ويُعَدُّ تطوير التشريعات الملائمة والتوعية بها وحسن تطبيقها من أفضل الطرق للتعامل مع مثل هذه التحدّيات.

وأوضح الفلاسي أن التطورات التكنولوجية غيّرت طريقة عمل الناشر وساهمت في انتشار الكتاب الإلكتروني على حساب الورقي وما صاحب ذلك من تغيرات كبرى في صناعة النشر ويمكن للناشر الاستفادة من تلك التقنيات بشكل أكبر في توفير الوقت والجهد والموارد البشرية عبر التعرف بجدّية على ماهيتها ودراسة جدواها في الارتقاء بصناعة النشر وفي نظرة مستقبلية يتوقّع أن تتغير خريطة النشر بشكل جذري في ظل التطوّر المتسارع للتطبيقات الذكية وسيكون استيعابها والتواؤم السريع معها من أسس النجاح في المستقبل.

وترى نيروز الطنبولي مؤسِّسة دار «سيدة الحكايات» استخدام التطبيقات الذكية لتخطي خطوات معينة في تصميم الكتاب وضبط النصّ من مزايا دخول الذكاء الاصطناعي إلى حقل النشر، أما استخدامها في كتابة النصوص فهو برأيها من التحدّيات الكبيرة التي تفرضها إذ أصبح من الصعب تحديد إن كان النص إبداعاً خالصاً للكاتب أم مستقى من تطبيق فضلاً عن إمكانية حدوث تكرار رتيب بناء على هذا الخلط، لافتة إلى أن عدم الاستفادة من التطورات التكنولوجية من شأنه أن يُلحق ضرراً بالناشر وبالصناعة بأكملها.

أما الكاتبة الدكتورة سهيلة العوضي مديرة دار «أشجار للنشر» فترى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تقدم مزايا كبيرة لصناعة النشر ويمكن أن يشكّل وجودها فرصة للناشرين لزيادة الكفاءة وتقديم أفكار جديدة حيث يمكن الاستفادة منها في تحسين عمليات التحرير والكتابة والترجمة باستخدام تقنيات التوليف اللغوي والترجمة الآلية، لكنها مع ذلك لا تخفي أنها قد تخلق تحدّيات مثل عدم القدرة على التحكم في جودة المحتوى وفقدان الروح الإبداعية في الأعمال الأدبية.

وأضافت أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي قد يثير تحديات حول حماية حقوق الملكية الفكرية والأدبية وذلك عند استخدام التكنولوجيا في توليف المحتوى بشكل غير قانوني ويمكن التعامل مع هذه التحديات حاليًا بالاعتماد على قدرات المحررين وخبراتهم في كشف النصوص المكتوبة عبر الذكاء الاصطناعي إضافة إلى بعض البرامج والمواقع التي يمكن أن تساعد في إظهار حجم السرقات الأدبية”.

ووفقاً للمؤلف أحمد حسن الشاطري الهاشمي من دار «حروف للنشر والتوزيع- أبوظبي» توفّر تقنيات الذكاء الاصطناعي الكثير من الأدوات السهلة والرخيصة والسريعة في صناعة النشر مثل أدوات التحرير والتدقيق والبحث وغيرها إلا أن التحدّي يكمن في أنه بإمكان أي شخص استخدام هذه الأدوات ما سيولد تنافساً كبيراً وصعباً قد يؤدي إلى خروج بعض أصحاب المهنة من المجال.

ويرى الهاشمي أن هذه التقنيات قد أحدثت الكثير من التغييرات في مجال النشر من ناحية الاتصالات والتواصل والبحث والتسويق والإخراج كما أنها تدعم عملية التسويق إذ تسهّل الوصول إلى الفئة المناسبة والمستهدفة بسرعة وعلى نطاق واسع وبأقل تكلفة وهي برأيه لن تشكّل مصدر قلق للناشرين إن استطاعوا مواكبتها وتسخيرها لمصلحة المهنة، مؤكداً أنه على الناشر أن يقبل التغيير وأن يكون جاهزاً للمرحلة المقبلة.

في المقابل هناك من يرى أن الثورة التقنية والتطبيقات الذكية لا تؤثر سلبياً على حقل النشر بأي شكل من الأشكال إذ يؤكد الناشر أحمد غنيم صاحب دار «المتحدة للنشر والتوزيع» أن الذكاء الاصطناعي يسهّل عمل الناشرين كثيراً ولا يشكّل مصدر قلق إطلاقا ويعتقد أن وجود تلك التقنيات يسهم في التطوير نحو الأفضل نظراً لتوفيرها السرعة في البحث وإيجاد المعلومة فضلاً عن كونها عاملاً مساعداً في التسويق للناشرين كما ينظر إلى المستقبل بتفاؤل حيث يعتقد أنه سيكون أفضل في ظل العصر الرقمي وتقنياته

 


المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: تقنیات الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی صناعة النشر ل مصدر قلق الکثیر من

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي والدخول إلى خصوصيات البشر

#الذكاء_الاصطناعي والدخول إلى #خصوصيات_البشر

أ.د رشيد عبّاس

منذُ أكثر من عامين كنتُ قد كبتُ أكثر من مقال حول الذكاء الاصطناعي من حيث تقنيته وخوارزمياته, ومن حيث أقسامه وادواته وآليات عمله, وصولاً إلى تطبيقاته  المتنامية في جميع جوانب الحياة البشرية, وتوقفتُ عند خطورة الجانب الأخلاقي له ببعديه المادي والمعنوي على حياة البشر.  

تبدو خطورة الذكاء الاصطناعي من عدم وجود تشريعات وقوانين ضابطة له, الأمر الذي جعل مبدأ المسائلة معطّل تماماً, وجعل أيضاُ انضباط الجانب الأخلاقي والجانب الإنساني في هذا الذكاء منعدم إلى حد ما, فضلاً عن  خصوصية حياة البشر باتت متاحة وتحت رحمة التحول الرقمي لخوارزميات ولوغرتمات الذكاء الاصطناعي وأقتراناته الاسية.

مقالات ذات صلة نجاح اداره البنك المركزي في حمايه الائتمان المالي ودعم بيئهً الاستثمار في الاردن 2025/03/15

 لقد تجاوز الذكاء الاصطناعي كونه قادراً على التحكم في جميع شؤون مجالات حياة البشر, وقادراً على احتلال آلاف الوظائف التي كان وما زال يقوم بها البشر والتي تُنذر بالاستغناء عن هؤلاء البشر, لنصل بعد ذلك ومن خلال الجيل الخامس من هذا الذكاء إلى نقطة مُقلقة تتمثل بضرب البشر بعضهم ببعض اجتماعياً, واختراق خصوصياتهم دون أية مراعاة  للجانب الأخلاقي والإنساني سواء بسواء.

رواد الذكاء الاصطناعي (إيلون ماسك, سام إلتمان, جفري هينتون,..) وصولوا إلى نقطة خطيرة للغاية تتمثل في إمكانية أن تعطي الروبوتات أوامر معينة لبعضها البعض دون تدخل البشر فيها, وأبعد من ذلك وصولوا إلى مرحلة متقدمة في توجيه طائرات الدراون تعليمات معينة لبعضها البعض في غياب تحكم البشر فيها.. وفي نفس الوقت أبقوا على الجانب الأخلاقي والجانب الإنساني دون تشريعات وقوانين ناظمة تحترم وتراعي خصوصيات البشر, بالذات في الجانب الشعوري للإنسان, الأمر الذي فتح الباب على مصرعيه أمام الكثيرين للدخول إلى خصوصيات البشر وأسرارهم والتلاعب فيها كإضافة أو حذف محتوى معين, أو تشوية الصوت والصورة, وذلك من خلال التلاعب في تركيب الاصوات والصور معاً.

اليوم ومن خلال خوارزميات ولوغرتمات الذكاء الاصطناعي وأقتراناته الأسية قد تشاهد فيديو لزوجتك في سرير رجل غريب, وقد يُنقل عنك عبر فيديو حديث غير لائق لم تقله عن شخص ما, وقد تشاهد فيديو لمشاجرة أب لك مع جار له, وأكثر من ذلك قد تشاهد حادث اصطدام سيارة ابنك في عمود كهرباء, لا بل هناك امكانية خوارزميات ولوغرتمات الذكاء الاصطناعي وأقتراناته الاسية أن تشاهد بنتك تغني بلباس فاضح على مسرح كبير يعج بالحضور من الرجال في احد المناسبات.

الأمر قد يبدو هنا مضحكاً, فقد يأتوا بمذيع اخبار معروف ويجعلوه يعلن خبر مزعج ويترتب عليه مشاكل اجتماعية عديدة, وقد يجعلوك تقود سيارة نفايات في احدى المدن وتتوقف عند الحاويات فيها, ثم هناك امكانية عالية لدى الذكاء الاصطناعي بجعلك جزاراً تقوم بتقطيع اللحوم وبيعها على الزبون, وقد يأتوا بصاحب عمامة كبيرة  ليفتي بقضية عليها خلاف ديني معين.. نعم قد يجعلوا منك رجلاً متسولاً في احدى الزقاق. 

والحال هكذا سيجد العالم نفسه أمام ذكاء الاصطناعي لديه القدرة على إيقاع الفتن بين أفراد البشر حاكمين ومحكومين وضربهم ببعضهم البعض دون أية ضوابط تُذكر, والعمل على اختراق خصوصياتهم دون أية مراعاة للجانب الأخلاقي والإنساني في ذلك, في الوقت الذي فيه ما هو عيب/ مُحرّم في مكان ما, قد يكون ليس عيباً/ ومُحلّل في مكان ما آخر.

ولعدم وجود تشريعات وقوانين ناظمة للذكاء الاصطناعي ستكون المجتمعات أمام  مشكلات وخلافات اجتماعية وأيدولوجية عديدة, يصعب إيجاد حلول لها, وللخروج من هذه التحديات, لا بد من تفعيل مبدأ المساءلة, في ظل وجود تشريعات وقوانين ناظمة, تحترم خصوصيات البشر, وتراعي الجانب الأخلاقي والجانب الإنساني لهم.. كيف لا والذكاء الاصطناعي سيكون عابر لجميع المجتمعات, في الوقت الذي فيه خصوصية اجتماعية وأيدولوجية لكل مجتمع من هذه المجتمعات.   

مقالات مشابهة

  • مشاركون في مسيرة “ثابتون مع غزة.. ونواجه التصعيد الأمريكي بالتصعيد” لـ”الثورة “: الحشود اليمانية تؤكد الثبات في مواجهة الأمريكي نصرة لغزة
  • «الذكاء الاصطناعي للمعلمين» يُمكِّن معلمي أبوظبي من تبنّي تقنيات المستقبل
  • مشروع “إعادة تأهيل طريق يربط محافظة تعز بعدة محافظات” يشكّل أهميةً بالغةً في حياة 5 ملايين يمني عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن
  • الصدر يعلق على استخدام الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يفك لغزاً علمياً استعصى على العلماء لعقد كامل
  • إطلاقُ المشروع الوطني لفحص اعتلال شبكية العين لمرضى السكري باستخدام تقنيات الذّكاء الاصطناعي
  • رئيس الجمهورية يخالف الحقيقة التي تؤكد “إن إيران من قصفت حلبجة بالكيمياوي وليس العراق”
  • مصر تؤكد أهمية الحلول السياسية للأزمات الدولية
  • الذكاء الاصطناعي والدخول إلى خصوصيات البشر
  • “حماس” تؤكد مرونتها في المفاوضات وتدعو إسرائيل إلى تحمل مسؤولياتها لإنهاء الحرب