الجزيرة:
2024-12-22@20:07:53 GMT

الوعد الصادق بداية أم نهاية؟

تاريخ النشر: 26th, April 2024 GMT

الوعد الصادق بداية أم نهاية؟

من اللافت للنظر الطريقة التي تناول بها المتحدّث باسم كتائب القسام "أبو عبيدة" عمليةَ "الوعد الصادق" الإيرانية في خطابه الأخير؛ بمناسبة مرور مائتي يوم على معركة "طوفان الأقصى"، سواء طريقة الحديث عن هذه العملية، أو موقعها والمساحة التي خصّصها لها في خطاب العشرين دقيقة الذي حمل كمية كبيرة من الرسائل في اتجاهات متعددة.

لقد وضع "أبو عبيدة" تلك العملية في موقعها المناسب جدًا في نهاية خطابه، وخصص لها المساحة التي تستحقّها دون زيادة أو نقصان؛ باعتبارها جزءًا من معركة واسعة تدور في المنطقة مع الاحتلال الإسرائيلي، وينبغي أن تمتدّ وتتصاعد بشكل أكبر.

ولنركّز هنا على هذا النصّ الذي تلاه "أبو عبيدة": "لقد شاهد العالم كيف أصيب الكيان الصهيوني بالذعر قبل وبعد وأثناء عملية الوعد الصادق التي ردت فيها الجمهورية الإسلامية في إيران على العدوان الصهيوني عليها.

رد بحجمه ورسالته وطبيعته وضع قواعد جديدة ورسّخ معادلات مهمة وأربك حسابات العدو ومَن وراءه، وإذا بالكيان يستدعي حلفاءه من بُعد آلاف الأميال ليدافعوا عنه باستماتة، ثم يخرج منتشيًا بقدرات الدفاع بعد أن كان يتبجّح بالهجوم، ويحاول إخفاء آثار ونتائج هذه العملية. إلا أننا راقبنا وندرك جيدًا مدى تأثير هذا الرد وهذه الضربات، إذ تؤكد أنه مضى الزمن الذي يعربد فيه هذا العدو دون حسيب، أو يعتدي دون رد أو عقاب".

قواعد جديدة

ولعلّ أهم جملة في هذا النص أن الرد الإيراني "وضع قواعد جديدة ورسخ معادلات مهمة وأربك حسابات العدو ومَن وراءه". فهل هناك أوضح من هذه العبارة للتعليق على هجوم المسيرات والصواريخ على الكيان في تلك الليلة الليلاء التي لم ينَم فيه الاحتلال ولا خمس دول أخرى على الأقل، بينها أميركا وبريطانيا هبّت لنجدته واعتراض المسيرات والصواريخ الموجهة إليه، في مشهد سريالي كشف عن هشاشة هذا الاحتلال، وعن سخافة وسذاجة وتملّق من هبوا للدفاع عنه؟

ولا نحتاج لخبرة عسكرية كبيرة لكي نقول بثقة؛ إن كل تلك المسيرات وحتى صواريخ الجيل الأول التي قطعت ساعات من الطيران من قواعد انطلاقها في إيران، لم تكن ذات أهداف عسكرية محددة، بل كانت جزءًا من إعلان إيراني رسمي على شكل عرض عسكري جوي، بأن إيران خرجت من مربع الصبر الإستراتيجي، وانتقلت إلى مثلث الرد المباشر، وهو ما قالته إيران صراحة بعد ذلك كما قاله "أبو عبيدة" أيضًا.

إذن لم تكن العملية عسكرية ذات أهداف تدميرية، ولم يكن هناك حاجة لكل هذه الدول لاعتراض هذه القذائف، ولا ينبغي افتراض أن أعدادًا كبيرة من القتلى والجرحى قد سقطوا نتيجة إطلاق مئات المسيرات والصواريخ. فلقد كانت رسالة سياسية وإعلامية بأنّ إيران ولأول مرة تهاجم الكيان الإسرائيلي بشكل مباشر من الأراضي الإيرانية ودون وسطاء.

ولعلّ هذا هو ما دفع الاحتلال الصهيوني ومن خلفه الإدارة الأميركية إلى ابتلاع السمّ، واستيعاب هذه العملية والمسارعة إلى احتواء الموقف، وعدم الاندفاع نحو ردود جديدة؛ لأنهم أصبحوا على يقين بأن ذلك سيفتح جبهة جديدة لن تكون قطعًا كخمس جبهات سبقتها، لا من حيث نوعية النيران التي ستستخدم فيها، ولا من حيث تأثيرها على المنطقة بأكملها، وما يمكن أن تسببه من أضرار على الاقتصاد العالمي؛ نتيجة فقدان الأمن والاستقرار لفترة غير قليلة، فضلًا عن احتمالات المزيد من التوسع، إذا ما دخلت أطراف أخرى كروسيا والصين لسبب أو لآخر، حيث إنّ مصالح أطراف كثيرة، سوف تتضرّر في حال الصدام المباشر بين إيران وإسرائيل.

هل كانت مسرحيّة؟

هذا الرأي يتبنّاه جزء غير بسيط من الجماهير العربية، ومنهم أصحاب مواقف ثابتة تجاه إيران وسياساتها الخارجية؛ لأسباب متنوعة طائفية أو سياسية كما هو الحال في سوريا واليمن والعراق ولبنان، ولكن منهم أيضًا من ينظر بموضوعية أكثر، ويقرأ النتائج ويقارنها بما فعله الاحتلال ضد القنصلية الإيرانية في دمشق، وما أسفر عنه ذلك من قتل سبعة من كبار رجال فيلق القدس التابعين للحرس الثوري، وهم من ذوي التأثير في جبهات المواجهة مع الاحتلال؛ التي لإيران اليد الطولى فيها، وتلك تشمل بين ما تشمل الجبهة اللبنانية الساخنة جدًا منذ انطلاق "طوفان الأقصى"، وهذه خسائر بشرية فادحة، إذا ما قورنت بنتائج الضربة الإيرانية والتي لم يثبت أن إسرائيليًا واحدًا قد قُتل فيها، رغم العدد الهائل من القذائف والمسيرات . لذا فإن من اليسير القول؛ إن ما فعلته إيران كان مجرد مسرحية، أو عملية فاشلة وغير مجدية، وقد خرج كثيرٌ من التعليقات بهذه المعاني، التي قللت من شأن الضربة.

بعض الأصوات كانت أكثر موضوعية، ونظرت للرد الإيراني باعتباره ذا أهداف أخرى غير عسكرية، وأنه تم التفاهم مع الإدارة الأميركية بشكل أو بآخر على هذه الضربة وحجمها للسيطرة على جموح نتنياهو وحكومته المتطرّفة التي تتفلت من سيطرة وتوجيه إدارة بايدن، وتسعى لتوسيع مساحة التوتر في المنطقة؛ لأسباب شخصية أو حزبية، وهؤلاء يقرّون بأن الضربة قد حقّقت هذا الهدف، ولكنّهم يتفقون مع سابقيهم في أن إيران تستخدم أدواتها الخارجية لتحقيق مصالحها، وتحاول أن تبقى هي بعيدة عن صدام مفتوح مع الاحتلال ومن يقفون خلفه، وعلى رأسهم أميركا، وذلك على الرغم من كل الخطابات النارية والتصريحات الهادرة من أعلى الهرم الإيراني: المرشد الأعلى أو رئيس الجمهورية.

ولكن ثمة ما يلفت النظر في خطاب "أبو عبيدة" وهو "أننا راقبنا وندرك جيدًا مدى تأثير هذا الرد وهذه الضربات، إذ تؤكد أنه مضى الزمن الذي يعربد فيه هذا العدو دون حسيب أو يعتدي دون رد أو عقاب".

فهذه العبارة ليست محايدة تمامًا بالنظر لعلاقة التحالف العسكري بين كتائب القسام والحرس الثوري الإيراني، ومع ذلك تتّسم بتوصيف ما حدث ونتائجه دون كيل المدائح لإيران، أو المبالغة في تصوير حجم الرد الإيراني المسمى عملية الوعد الصادق.

ولهذا النص دلالة لا ينبغي تجاهلها بأن كتائب القسام لا ترفع سقف توقعاتها تجاه إيران، وتعرف جيدًا أن حسابات الدول غير حسابات الجماعات والأحزاب والمنظمات المسلحة، وهي مسألة تترك سؤالًا كبيرًا تصعب الإجابة عنه: هل تريد إيران فعلًا تصعيد المواجهة المباشرة مع الاحتلال؟، وهل يتوفر لديها ما يكفي من المبررات، التي تجعل مثل هذا التصعيد مقبولًا من المجتمع الدولي -وليس بالضرورة حلفاء الاحتلال – بحيث لا يترتب على ذلك مصاعب حقيقية جديدة تعطل برامج إيران الكبرى كدولة ذات نفوذ هائل في الشرق الأوسط وذات مشروع نووي يوشك أن يرى النور؟

القاعدة الجوية

رغم كل ما سبق فإن هناك زاوية أخرى تتطلب التوثيق في الرد الإيراني وتحمل رسائل من نوع آخر، وقد تناولها الخبراء العسكريون كما تحدث عنها الإسرائيليون والإيرانيون، فقد ثبت أن عددًا قليلًا من الصواريخ الإيرانية في تلك الليلة قد اخترقَ كل منظومات الدفاع الجوي، سواء الإسرائيلية أو تلك التي ساندتها من الدول الكبرى، وقد وصل ثلاثة صواريخ فرط صوتية على الأقل إلى قاعدة نيفاتيم الجوية جنوب إسرائيل.

وأظهرت صور الأقمار الصناعية منخفضة الدقة ما يبدو أنها منطقة تأثير واحدة من ضربة صاروخية إيرانية على تلك القاعدة التي تحتوي على الطائرات المقاتلة من طراز "إف -35″، وهي الطائرات التي هاجمت مقر القنصلية الإيرانية، حسب ما تردد من معلومات والتي لم تتأكد من مصادر موثوقة، ولم تقر بها إسرائيل التي اعترفت بأن عدة صواريخ ضربت القاعدة، أما المصادر الإيرانية فقالت؛ إن 5-7 صواريخ ضربت القاعدة، فيما أظهرت صور أخرى أن مدارج الطائرات قد أصيبت.

وقد قلل الإسرائيليون من أهمية ما حدث في هذه القاعدة- وذاك أمر منطقي ومتوقع- لكن ما يجب الالتفات إليه أن مجرد سقوط صاروخ واحد داخل القاعدة هو اختراق رهيب لأحدث أنواع التكنولوجيا الدفاعية التي تتمتع بها القاعدة ويمتلكها الاحتلال وداعموه.

ويعتقد بعض الخبراء العسكريين أنّه لم تكن لدى إيران الرغبة بإحداث تدمير كبير لهذا الهدف الإستراتيجي وإلا لكانت أطلقت ثلاثين صاروخًا باتجاهها، لكنها كانت تريد أن تختبر قدراتها الصاروخية المتجددة، وقدرات الأنظمة الدفاعية على إسقاطها.

وإذا كان كل هذا دقيقًا فإن هدفًا إيرانيًا إستراتيجيًا وكبيرًا جدًا قد تحقق في تلك الليلة، فلن يكون من المعقول أن يقوم الاحتلال باستخدام طائراته للإغارة على أهداف إيرانية جديدة، لأنه بات على يقين بأن تفوقه الجوي الذي حسم من خلاله كل حروبه السابقة بات هدفًا سائغًا لنوع جديد ودقيق وسريع الوصول من الصواريخ الإيرانية التي تم تجربتها فعليًا، ونجحت في الوصول خلال الوعد الصادق.

تبدأ الصراعات الكبرى بين الدول القوية بالتراشق بالكلمات وتشكيل الرأي العام واستخدام القوة الناعمة، ثم تتطور إلى معارك متنوعة ذات طبيعة خاصة من أجل اختبار القوة ومعرفة حدود قدرات الأطراف. وفي لحظات معينة يحدث الانفجار وتلتهب كل جبهات القتال حتى يتمكن أحد الطرفين من حسم المعركة، وإن لم ينجح أحدهما في ذلك، فقد يمتد الصراع لفترات طويلة ما لم يصل الطرفان إلى صيغة تكفل لهما نوعًا من التعايش والمراهنة على الزمن وتغير موازين القوى، أو توفر ظروف أفضل. ويبدو أن إيران وإسرائيل تفضلان هذه الحالة في الوقت الراهن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الوعد الصادق مع الاحتلال أبو عبیدة

إقرأ أيضاً:

انعقاد لقاء الجمعة للأطفال بمسجد الهياتم ضمن مبادرة بداية جديدة

نظمت وزارة الأوقاف، عبر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، لقاء الجمعة للأطفال بمسجد الهياتم في القاهرة، لتعزيز بناء الإنسان، وترسيخ قيم المبادرة الرئاسية «بداية جديدة».

أقيم اللقاء برعاية الدكتور أسامة الأزهري وإشراف الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس، وشهد مشاركة واسعة من الأطفال وأولياء الأمور، تأكيدًا على اهتمام الوزارة بتنشئة الأجيال على القيم الوطنية والدينية.

تضمن اللقاء برامج تثقيفية لتعزيز الوعي بالقيم الأخلاقية والسلوكيات الإيجابية، بمشاركة متخصصين من مجالات التعليم والإعلام والفن، ما أضاف تنوعًا وثراءً للفعاليات وحقق تفاعلًا مثمرًا مع الأطفال.

أكدت الدكتورة هدى حميد مسؤول ملف الطفل بوزارة الأوقاف، في كلمتها، أهمية هذه اللقاءات في بناء شخصية الطفل المصري.

وأشارت إلى أن الوزارة والمجلس يعملان على تقديم برامج شاملة تعزز الانتماء للوطن، وتحصن الأطفال من الأفكار الهدامة.

وناقشت خلال اللقاء موضوع خطبة الجمعة «الطفولة أمل وبناء»، إذ ربطت الحديث بحقوق الطفل، وكيف كان الإسلام سباقًا إلى الاهتمام بها مقارنة بالمواثيق الدولية.  

قدمت الواعظة عائشة النمكي حديثًا مؤثرًا عن رحمة النبي ﷺ بالأطفال، بينما أبدعت الفنانة رحمة محجوب في فقرة تربوية جمعت بين الترفيه والتعليم، مما جذب انتباه الأطفال وأسهم في غرس القيم النبيلة بأسلوب ممتع.

اختتم اللقاء بتوزيع هدايا رمزية، منها مجلة الفردوس الصادرة عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، لتحفيز الأطفال على الأنشطة الثقافية والدينية.

وأكد المنظمون استمرار الوزارة والمجلس في تنظيم فعاليات مماثلة لدعم النشء في مختلف أنحاء الجمهورية.

أشاد أولياء الأمور بالدور الكبير الذي تقوم به وزارة الأوقاف، من خلال المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في تقديم أنشطة مبتكرة للأطفال، معبرين عن امتنانهم لتحويل المساجد إلى بيئات تعليمية وثقافية شاملة، مؤكدين أن هذه الجهود تعزز ثقتهم في مؤسسات الدولة، وتدعم مسيرة بناء الإنسان المصري.

مقالات مشابهة

  • دعاء نهاية العام وبداية سنة جديدة.. ردده الآن يفتح لك أبواب الخيرات
  • هل يُصبح “نيولوك” الجولاني مذهب مُجاهديه للحُكم؟ .. لماذا أعلنت إيران “نهاية” الجيش السوري ولماذا تنصّلت من دعمه؟
  • انعقاد لقاء الجمعة للأطفال بمسجد الهياتم ضمن مبادرة بداية جديدة
  • تفاصيل جديدة بشأن الجروح التي ظهرت على وجه غوارديولا
  • إيران تحضر لهجوم جديد على غرار 7 من أكتوبر.. من هذه الجبهات
  • إنزال العلم الإسرائيلي في أيرلندا.. نهاية فصل دبلوماسي حافل بالتوتر (شاهد)
  • مديرية العمل في القليوبية توفر 390 وظيفة جديدة ضمن مبادرة «بداية»
  • الخارجية الإيرانية: مزاعم بريطانيا وأستراليا حول إيران لا أساس لها من الصحة
  • نائب محافظ سوهاج يشارك في فعاليات مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"
  • أسماء قيادات حوثية وشركات صرافة شملتها عقوبات الخزانة الأمريكية الأخيرة.. من هو المسئول الأول عن الأموال التي تصل الحوثيين من إيران