متوقعا ان الثورة الطُّلّابيّة الأمريكيّة قد تغير العالم بأسْرِه وتُفَكِّك علاقة التبعيّة مع الكيان العُنصري و فُرص امتِدادها إلى الشّرق الأوسط وأوروبا؟
وقال عطوان ..ما يُقلِق الحركة الصّهيونيّة بزعامة نتنياهو وأمثاله من انفِجار هذه الثّورة الطُّلّابيّة واتّساع دائرتها بحيث تشمل مُعظم الجامعات الأمريكيّة وقد تمتدّ إلى أوروبا والشّرق الأوسط وتُغيّر الأنظمة عدّة أُمور:
الأوّل: أن تبدأ هذه الثورة في جامعات النّخبة الأمريكيّة مِثل كولومبيا في نيويورك (قلعة اللّوبي الصّهيوني)، وهارفارد في بوسطن، فهذا يعني أنّ الجيل الأمريكي القادم لن يكون مِثل آبائه وأجداده خاضعًا للأكاذيب الصّهيونيّة، فهؤلاء الطُّلّاب الذين تعرّضوا للقمْع والاعتِقال ليسوا من الطّبقة العاملة وإنّما هُم أبناء أعضاء مجلسيّ النوّاب والشيوخ ورجال الأعمال، والطّبقة السياسيّة الحاكمة في أمريكا، هؤلاء الطُّلّاب هُم قادة أمريكا الجُدُد.


الثاني: أن يأتي التّحريض بالقمع الشّرس لهذه الثّورة الطُّلّابيّة التي تتصدّى للنّازيّة الجديدة في قطاع غزة من “الدّولة” التي قدّمت نفسها دائمًا ضحيّة للنّازيّة ومحارقها أي “إسرائيل”، وهذه “خيانة” لن ينساها قادة هذه الثّورة.
الثالث: وجود أعداد كبيرة من الطُّلّاب اليهود الأمريكيين في أوساط الثوّار الطّلبة ورفعهم الإعلام الفِلسطينيّة، وارتدائهم للكُوفيّة وهذه صفعة قويّة لنتنياهو، وأمثاله، وتكذيبًا لكُلّ اتّهاماته بمُعاداة الطُّلّاب للسّاميّة، والعداء لليهود.
الرابع: سُقوط السّيطرة الصّهيونيّة على وسائل الإعلام التّقليديّة ودورها في تشكيل الرّأي العام العالمي وفق معاييرها الإسرائيليّة، والفَضْلُ في ذلك يعود لوسائل التواصل الاجتماعي، صحيح أن هذه السّيطرة امتدّت لبعض هذه الوسائل، مِثل “الفيسبوك” و”اليوتيوب” و”غوغل” وغيرها، ولكنّ الخِيارات تتعدّد، وهذه السّيطرة بدأت تتآكل، بل وشهدت، وتشهد، بعض هذه الوسائل ثورات احتجاج داخليّة من قِبَل بعض مُوظّفيها ومُساهِميها بسبب انحِيازها للرّواية الإسرائيليّة، وقمع الرّواية الفِلسطينيّة الحقيقيّة عن المقابر الجماعيّة وحرب الإبادة والتّطهير العِرقيّ، وسفْكِ دماء الأطفال والنّساء والعُزّل في قطاع غزة.
الخامس: اتّساع دائرة القناعة، والصّحوة، والاعتقاد الرّاسخ في أوساط مُعظم الأمريكيين ومن بينهم يهود، بأنّ الدّعم الرسمي لبلدهم للمجازر الإسرائيليّة في القِطاع بالمال والسّلاح يُعرّض أمريكا ومصالحها في العالم للخطر من حيث جرّها إلى الحُروب بضَغطٍ من اللّوبيّات الإسرائيليّة وأنصارها، ونهب مال دافع الضّرائب الأمريكي.
السادس: هذه الثّورة الطُّلابيّة والقمع التي تعرّضت وتتعرّض له، رُغم طابعها السّلميّ البحت، هو مُحاولة ديكتاتوريّة فاشيّة إسرائيليّة لقمْعِ حُريّة التّعبير، وأين؟ في أحد أهم حُصونها، أي الجامعات التي من المُفترض أن تكون الحصن الحامِي المُفرّخ والصّائن لهذه القيم التي تُعتبر دُرّة الحضارة الغربيّة، وأنظمتها السياسيّة.
واضاف ..الوقاحة وإهانة الولايات المتحدة وثورتها الطُّلّابيّة السِّلميّة بلغت ذروتها عندما خرج علينا إيتمار بن غفير وزير الأمن الإسرائيلي بتصريحاتٍ يُطالب فيها بتأسيس ميليشيات مُسلّحة في الولايات المتحدة والدّول الغربيّة الأُخرى، لحماية الجاليات والمُؤسّسات اليهوديّة، أي أنّه يُشَكِّك في المُؤسّسات الأمنيّة الدستوريّة في هذه الدّول التي لعبت الدّور الأكبر في قيام واستِمرار دولته، ويُريد إقامة دُول يهوديّة صهيونيّة داخِل هذه الدّول مُكافأةً لها على دعمها للدّولة الصّهيونيّة على مدى 75 عامًا.
خِتامًا أقول إنّني على ثقةٍ كُبرى بأنّ النازيّة الصّهيونيّة انفضحت، وأُزيل القناع عن وجهها الإرهابي البَشِع على أيدي الطُّلّاب الأمريكيين، وإنّ العدّ التنازليّ لانهِيارها قد بدأ بشَكلٍ مُتسارع تمامًا مثلما حدث للنازيّة الأُم في ألمانيا، ووليدتها في جنوب إفريقيا، وقبل هذا وذاك نظيرتها في فيتنام الجنوبيّة والحرب الأمريكيّة لإدامتها.
أشْعُرُ بالفخر وأنا أُتابع هذه الثّورة وإنجازاتها وصُمودها، انطِلاقًا من تجربةٍ ذاتيّة، حيث التقيت بهؤلاء الطُّلّاب مُحاضِرًا في العديد من جامعاتها مثل هارفارد وجورج تاون وشيكاغو، وأذكر أنني فوجئت في إحداها في مدرسة الحوكمة في الجامعة الأولى (هارفارد) وكان خصمي فيها ريتشارد بيرل نائب وزير الدّفاع الأمريكي السّابق، (وأحد مُهندسي حرب العِراق) فُوجئت بتصدّي الطُّلّاب، في القاعةِ الكُبرى، يُهاجمون وزيرهم الأمريكي (بيرل) ويُطالبون بطرده ومُحاكمته باعتِباره مُجرم حرب مُلطّخة يداه بدماءِ الشّعب العِراقيّ (فيديو المُحاضرة موجود في أرشيف قناة الجزيرة التي بثّته على الهواء مُباشرة).
هذه الثّورة الطُّلابيّة قد تُغيّر أمريكا والعالم، وتُؤَسِّس لأمريكا جديدة تُشارك في حفظ الأمن والسّلام ووقف الحُروب والانتِصار للمظلومين في العالمِ بأسْرِه، وستُفَرِّخ ثورات مُماثلة في أوروبا، والشّرق الأوسط، بل والعالم الثّالث، انتصارًا للعدالة والمُساواة وخاصَّةً في فِلسطين المُحتلّة.. والأيّام بيننا.

حراك طلابي في الجامعات الأمريكية يسقط قناع الديمقراطية عن وجه إدارة بايدن.. انتفاضات تجتاح الجامعات الأمريكية تنديدا بموقف البلاد تجاه الحرب على غزة والدعم منقطع النظير الذي تقدمه أمريكا "لطفلها المدلل" إسرائيل pic.twitter.com/fWVlaS6Gtl

— RT Arabic (@RTarabic) April 25, 2024

طلاب جامعة تكساس يتضامنون مع طلاب جامعة كولومبيا و يعتصمون مطالبين بوقف الحرب على غزة والشرطة الأمريكية تقتحم الجامعة و تعتقل العشرات هذه المشاهد لم تحدث في الولايات المتحدة منذ تظاهرات طلبة الجامعات الأمريكية ضد حرب فيتنام نهاية ستينيات القرن الماضي pic.twitter.com/sgfE1nJ4iJ

— A Mansour أحمد منصور (@amansouraja) April 24, 2024

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: الجامعات الأمریکی الإسرائیلی ة ة الص هیونی ة ة الأمریکی الأمریکی ة ل ابی ة

إقرأ أيضاً:

الفوضى غير الخلاقة في الشرق الأوسط

لست متخصصًا في العلوم السياسية، ولكني باعتباري متخصصًا في الفلسفة يمكن أن يكون لي شأن بفلسفة السياسة، وباعتباري مثقفًا عامًّا لا بد أن يكون لي شأن بالأوضاع السياسية العامة التي تجري من حولنا؛ تمامًا مثلما أن المثقف العام لا بد أن يكون له شأن بوضع الدين في عالمنا بما هو دين، وإن لم يكن متخصصًا في علوم الدين التي تتعلق بتفاصيل الشرائع والأديان وما تنطوي عليه من دراسات مقارنة. الأوضاع السياسية التي تجري في الشرق الأوسط التي بلغت ذروة اشتعالها في عصرنا الراهن، تفرض علينا تأملها ومحاولة فهمها حتى نكون -على الأقل- على وعي بها، ومن ثم نكون قادرين على تحديد مواقفنا منها.

لعلنا نذكر جميعًا المقولة الشهيرة لكوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية حتى الفترة السابقة مباشرةً على ثورات الربيع العربي؛ إذ كانت تصف المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط بأنه يهدف إلى إحداث «الفوضى الخلاقة» في هذه المنطقة من العالم، وكانت تقصد بذلك ضرورة إحداث اضطرابات وخلخلة في النظم السياسية القائمة على نحو يسهم في خلق نظم جديدة. ولكن الهدف الحقيقي غير المعلن صراحةً يكمن في بقية العبارة، وهو: خلق نظم جديدة تابعة للسياسات أو المخططات الأمريكية وتخدم مصالحها في المنطقة، وعلى رأسها مصالح إسرائيل ومخططاتها، التي هي ذراع أمريكا والغرب في الشرق الأوسط. نجح المخطط في إحداث الفوضى في العراق وفي ليبيا وفي اليمن وفي السودان، نجح في إحداث الفوضى، ولكنه لم ينجح بأي حال في أن يجعلها خلاقة، سواء بالنسبة للشعوب العربية (على المستوى الظاهري المعلن) أو على مستوى المصالح الأمريكية والإسرائيلية نفسها (على المستوى الحقيقي غير المعلن)؛ إذ تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن: فقد نشأت حركات مقاومة تعادي المخططات الأمريكية في اليمن (الحوثي) وفي لبنان (حزب الله) وفي فلسطين (حماس والحركات الجهادية).

الآن نأتي إلى الوضع الراهن في سوريا، وهو وضع جديد مربك ومحير، وينفتح على سيناريوهات عديدة تستدعي تأملات محايدة للمشهد، أوجزها فيما يلي:

السرعة التي انهار بها نظام بشار الأسد، واستولى بها الثوار على المدن السورية واحدة تلو الأخرى في غضون أسبوع تقريبًا، هو أمر أثار دهشة الناس العاديين والمحللين السياسيين على السواء. وهو ما يدل دلالة قاطعة -كما تبيّن ذلك- على أن هذه الثورة كان مخططًا لها منذ وقت طويل، وكانت مدعومة بقوى خارجية أهمها: تركيا في العلن، وأمريكا وإسرائيل في الخفاء أو على الأقل من خلال الصمت على ما يجري، طالما أنه يجري على النحو المرسوم. ولا شك في أنه لولا هذا الدعم ما أمكن للثوار أن ينتصروا أو يقهروا النظام القائم إلا من خلال حروب دموية طويلة. وليس بخافٍ على أحد أن الدعم الخفي أو الرضا الضمني من جانب أمريكا وإسرائيل يهدف إلى تقليص النفوذ الروسي والقضاء على النفوذ الإيراني في سوريا. ولهذا رأينا روسيا تتخلى عن دعمها لبشار بعد أن أدركت أنها سوف تتكبد خسائر في مواجهة الثورة، بينما هي لديها مواجهات أكثر أهمية بكثير في أوكرانيا. كما أننا رأينا حزب الله يلملم كتائبه ويرحل أفراده مع عوائلهم فارين من سوريا؛ فقد أدركت إيران -مثل روسيا- أن بشار أصبح ورقة خاسرة لا تستحق المراهنة عليها.

كشفت الثورة السورية عن أهوال وفظاعة ووحشية ارتكبها نظام بشار بحق شعبه، من خلال الكشف عما كان يجري في السجون من تعذيب وحشي يفوق الخيال البشري، وإعدامات بالآلاف للأبرياء من المعارضين المدنيين. ولهذا كانت فرحة السوريين عارمة بإطلاق سراح السجناء، وتنفسهم لهواء الحرية لأول مرة منذ عقود عديدة ترجع إلى فترة الأب حافظ الأسد الذي لم يتورع عن إبادة المعارضين من شعبه، فقتل ما يقارب خمسين ألفا من المواطنين في مدينة حماة سنة 1982. ولذلك يحق للشعب السوري أن يفرح ويهنأ بثورته وأن يتطلع إلى مستقبل جديد ينعم فيه بالحرية والديمقراطية.

ومما يستدعي التأمل في مشهد الثورة السورية أن الثوار من حيث مظهرهم ولغة خطابهم يبدون ممثلين لفصيل ديني أو مجموعة من الفصائل الدينية، فلا نجد من بينهم تقريبًا من يمثل المجتمع المدني بسائر أطيافه، وهذا يتبدى حتى في تشكيل الحكومة المؤقتة. حقًا إن زعيم الثوار وقياداتهم يبدون معتدلين ومدافعين عن حقوق الشعب السوري، بل يبدون متحلين بالحصافة السياسية والقدرة على الإدارة. ومع ذلك فإن الحصافة السياسية لا بد أن تُلزِم هذه القيادات الاستعانة بأهل الخبرة من المجتمع المدني في إدارة شؤون البلاد في كل مجال في المرحلة القادمة، وإلا سيكون مصيرهم هو مصير الإخوان الذين أرادوا الانفراد بالسلطة مما عجل بإقصائهم من المشهد. نأمل أن تكتمل الثورة السورية في المسار الصحيح بتحقيق دولة مدنية ديمقراطية، لا دولة دينية؛ لأن النوايا الطيبة -حتى إن كانت خالصة لوجه الله تعالى- لا تكفي وحدها لتأسيس دولة من جديد. ولذلك فإن الثورة لا يزال أمامها طريق شاق وملغوم.

مقالات مشابهة

  • صحيفة الثورة الخميس 18 جمادى الآخرة 1446 – 19 ديسمبر 2024
  • راشد عبد الرحيم: الثورة المسروقة
  • أحاديث الثورة السورية وتغيير المنطقة
  • على ضوء إفادات المقدم عبدالله سليمان!!
  • صحيفة الثورة الأربعاء 17 جمادى الآخرة 1446 – الموافق 18 ديسمبر 2024
  • الفوضى غير الخلاقة في الشرق الأوسط
  • المكوعون.. حالة سورية
  • صحيفة الثورة الثلاثاء 16 جمادى الاخرة 1446 – 17 ديسمبر 2024
  • الدرقاش: الثورة ستبني سوريا وتعيد الاستقرار
  • مرغم: أنا متفائل كثيراً بمستقبل سوريا الثورة