الجزيرة:
2024-07-03@12:10:13 GMT

معضلات لا تستطيع القبة الحديدة حلّها

تاريخ النشر: 26th, April 2024 GMT

معضلات لا تستطيع القبة الحديدة حلّها

على كلّ المستويات لا يبدو مشروع الدولة الإسرائيليّة حدثًا طبيعيًا. هذه ليست دعوة لمحو إسرائيل من الوجود، بل ملاحظات حول تناقضات المشروع العصيّة على الحل. منذ مائة عام والمجتمع الإسرائيلي يطلق النار في كل اتجاه، ويومًا ما سيدركه الإعياء وسيضع السلاح أو سيترك البلاد. ما من دولة- أمّة – قاتلت مائة عام، ثم استقرّت.

بعد مائة عام من الحروب تكون الدولة- المشروع- قد نجحت في جعل التحديات الوجودية مستدامة، وراكمت من السرديات المعادية ما لا يمكن القفز عليه من خلال علاقات شكلية مع أنظمة الحكم ونخبه.

القانون الأساسي الإسرائيلي لسنة 1992 يحدد طبيعة الدولة على نحو غير قابل للحياة: إسرائيل دولة يهودية ديمقراطية. تسْخر دوريت بينيش، الرئيس رقْم 9 للمحكمة العليا في إسرائيل، من هذا التعريف قائلة: إنه ما من أحد داخل المجتمعَين؛ العلماني والديني، يفهم ما المقصود، لا أين يقف الدين، ولا من أين تبدأ العلمانية.

يشكل العلمانيون 40% من بنية المجتمع الإسرائيلي، ويعيش حوالي 20% من غير اليهود كمواطنين داخل الدولة (بيو سنتر، 2016). هذه الحقيقة تجعل إسرائيل تراوح في مكانها بين الدين والعلمانية، تقاتل الأعداء بوصفها مشروعًا ديمقراطيًا، يتعرض للعدوان، كما تسيطر على الأراضي الفلسطينية انطلاقًا من دعاوى توراتيّة غير متساوقة مع الادعاء الديمقراطي- الليبرالي.

منذ مائة عام والمجتمع الإسرائيلي يطلق النار في كل اتجاه، ويوماً ما سيدركه الإعياء وسيضع السلاح أو سيترك البلاد. ما من دولة- أمّة قاتلت مائة عام ثم استقرت

تعرّف إسرائيل "الأمة" على أساس إثني محض لا علاقة له بالمدونة الليبرالية للحقوق، كما يجادل يوري رام أستاذ السوسيولوجي في جامعة بن غوريون. على الصعيد الشعبي يبدو الأمر أكثر اختلاطًا في الذهن الإسرائيلي. في الاستطلاع الذي أجراه (بيو سنتر، 2016)، قال 76% من يهود إسرائيل: إنهم يرون تناغمًا بين يهودية الدولة والديمقراطية. في الوقت نفسه رأى 79% منهم أن على الدولة "الديمقراطية" أن تمنح امتيازات تفضيلية للمواطنين اليهود دون غيرهم.

لاحظ شبلي تيلهامي، أستاذ الحوكمة والسياسة في جامعة "ماري لاند"، في مقالة في "فورن بوليسي، 2020″، أن قانون "الدولة- الأمة" الذي أصدرته السلطات الإسرائيلية في العام 2018، يؤكد، على نحو قاطع، أن "اليهودي فقط هو من يملك الحق في أن يحدد مصير هذه الدولة". الدولة التي تصدر مثل هذا القانون لا يمكنها أن تكون ديمقراطية، فهي لا تقسّم مواطنيها على حسب الديانة وحسب، بل تستبعد غير اليهودي من النقاش المتعلق بمستقبل الدولة وماهيتها.

مهمّة المواطن الإسرائيلي غير اليهودي تنحصر في دفع الضرائب والإدلاء بصوته في الانتخابات. طبيعة الدولة في ذهن قادتها وشعبها غير واضحة، ولا يبدو الغرب مستعدًا لقول شيء في هذا الشأن. بدلًا عن ذلك، تستمر صالونات النقاش؛ السياسي والأكاديمي، في الحديث عن المشروع الليبرالي الوحيد جنوب البوسفور؛ عن "أولئك الذين يشبهوننا".

محددات عصية على النضج

المحددات التاريخية لمشروع الدولة الإسرائيلية عصية على النضج: لا تعريف الأمة، ولا من هو اليهودي، لا طبيعتها السياسية، ولا معنى المواطَنة. لا يوجد شيء اعتيادي في المشروع. داخل مبادرة السلام التي قدمها ترامب، الممتدة على 181 صفحة، تقول فقرة مثيرة للجدل: إن إسرائيل تنوي التخلي عن عشر قرى في شمال تل أبيب، أو ما يعرف بالمثلّث، بكل سكانها وإعادتها إلى السلطة الفلسطينية. يسكن في المثلث ما يزيد على 350 ألف مواطن عربي من حملة الجنسية الإسرائيلية. ما يعني أن الدولة "الديمقراطية" ستجردهم من جنسيتهم دون نقاش معهم، وستلقي بهم إلى حوزة سلطة أجنبية، بحسب تقرير لـ "واشنطن بوست" في فبراير/شباط 2020.

كان ديفيد فريدمان، سفير ترامب لدى إسرائيل، أحد أبرز صاغة مشروع السلام، ويعرف عنه ترديده للادعاءات التوراتية حين يتعلق الأمر بمسألة السلام في الشرق الأوسط. لا يمكن فهم ما ورد في مبادرة ترامب للسلام سوى داخل هذين المحددين: الأول: توراتيّة الدولة التي لا تحتمل تحت سقفها مواطنًا من خارج ديانتها. الثاني: نوايا مستمرّة للتطهير العرقي، هذه المرّة في سياق مشروع للسلام في حقيبة دولة ليبرالية عظمى. عرب إسرائيل، الذين سيلقَى بهم إلى الخارج، هم في نهاية الأمر "العدو النهائي للدولة اليهودية"، كما يراهم المفكّر اليهودي- الأميركي دانيال بايبس، أحد أبرز الخبراء في شؤون الشرق الأوسط في الصحافة الأميركية.

لم يتغيّر الشيء الكثير في وضعية الدولة الإسرائيلية منذ وعد بلفور، إذ لا تزال في الشرنقة. قاتلت جيرانها في العام 1967 على ثماني جبهات حول المسألة نفسها: تطهير فلسطين من العرب. هي الآن، 2024، تقاتل على سبع جبهات، وَفقًا لقادة جيشها، حول نفس النار. ترفض إسرائيل أن تعيش كدولة طبيعية، حتى وهي تتنفس في محيط معادٍ يمتد من أذربيجان إلى موريتانيا. تحت مظلة من سفن الغرب وصواريخه تبحث إسرائيل عن استقرار طويل المدى. يغيّر التاريخ موازين القوى، فقد أطاح بالإمبراطورية التي حرست فلسطين خمسة قرون من الزمن، ثم تركتها على قارعة الطريق.

المحددات التاريخية لمشروع الدولة الإسرائيلية عصية على النضج، لا تعريف الأمة، ولا من هو اليهودي، لا طبيعتها السياسية، ولا معنى المواطَنة. لا يوجد شيء اعتيادي في المشروع

بمقدور إسرائيل حماية نفسها من خلال عملية سلام عادلة تتيح لها النمو إلى جوار شعوب وأنظمة المنطقة. منذ ثلثي قرن وهي ترفض الاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة. الخيارات المتاحة أمامها تبدو مستحيلة أو تدميرية. تحت سقف إسرائيل الكبرى، أو فلسطين التاريخية، تساوى عدد اليهود والعرب لأول مرّة في التاريخ: سبعة ملايين لكلا الطرفين. من المتوقع أن يتجاوز العرب جيرانهم اليهود من حيث العدد في العقد القادم. فبحسب تقرير لليونيسيف، يناير/كانون الثاني الماضي، فإن حوالي 20 ألف طفل فلسطيني وُلدوا في غزة في الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب. استطاع المفكر السياسي الأميركي ميرشايمر أن يلخص الورطة الوجودية لإسرائيل على هذا النحو: إما أن تقبل بالوضعية الديمقراطية، ما سيعني وصول العرب إلى مقاليد الحكم، أو دولة يهودية لاهوتية، ولن يتحقق لها ذلك إلا من خلال الفصل العنصري "الأبارتهايد". مع الأيام ستبدو عاجزة عن التعامل مع العنصر السكاني العربي النامي، وستنهار الجدران كما حدث مع غزة التي انفجرت سكانيًا من 1.3 مليون في العام 2005 إلى 2.3 مليون في العام 2023.

الخيار الثالث، وهو أيضًا غير ممكن؛ أن تبادر إلى تهجير عرب فلسطين إلى خارج الحدود. لا تملك إسرائيل، ولا داعموها الغربيون، إجابة لهذه المعضلة. كل معضلة إسرائيلية هي مسألة غير قابلة للحل، ذلك ما جعلها تقف خلف البندقية منذ مطلع عشرينيات القرن الماضي.

أفقيًا تبدو الدولة عصية التضاريس، ففي فبراير/شباط الماضي احتفل اليمين اليهودي في مدينة القدس بما أسموه "يوم النصر". في الاحتفالية ردّدت الجماهير بصوتٍ عال: "ترانسفير، ترانسفير"، وهو تعبير يقصد به تهجير عرب فلسطين إلى دول أخرى. برّر نتنياهو ما جرى بالقول: إن ديمقراطية بلاده تتسع لكل الآراء بما فيها تلك التي لا يتفق معها. غير أن هآرتس رأت، تحت عنوان "ديمقراطية لليمين فقط"، أن سلطات البلاد فضّت كل التجمعات المنادية بإيقاف إطلاق النار، وأن الديمقراطية رفضت الاستماع لحشود صغيرة من اليسار الإسرائيلي.

لنذهب بعيدًا حتى الأول من مارس/آذار 1920. آنذاك هبط مسلحون شيعة من جنوب لبنان إلى الجليل الأعلى واقتحموا "تل حي"، وكان مستوطنة يهودية صغيرة. حدثت مواجهة دامية بين الطرفين انتهت بأن أحرق المقاتلون الشيعة القرية اليهودية بما فيها. تعيش إسرائيل في ماضيها، ولا يزال المقاتلون الشيعة يطلقون المقذوفات النارية من جنوب لبنان كما فعلوا قبل مائة عام، وكنتيجة لذلك يفر اليهود من قراهم إلى المدن الآمنة.

لم يتغيّر الشيء الكثير، عدا أن العشرات كانوا يفرون من قبل، وهم الآن عشرات الآلاف. كما لو أن أحداث اليوم ليست سوى توسعة لما كان يجري قبل مائة عام. فثورة البراق، أغسطس/آب 1929، هي نفسها معركة "سيف القدس" 2021. في المعركتين قُدحت الشرارة بالقرب من المسجد الأقصى، أو بداخله.

المعضلة الجغرافية

إلقاء نظرة على فلسطين التاريخية يكشف عن معضلة أخرى غير قابلة للحل. لا يعلم الكثيرون، بمن فيهم من يجلسون في صالونات التحليل، أن مساحة الضفة الغربية تعادل مساحة إسرائيل إذا استبعدنا النقب. لتخيّل المعضلة الجغرافية التي تواجهها إسرائيل علينا أن ندرك التالي: تبلغ مساحة فلسطين التاريخية 26 ألف كيلو متر مربع، منها 6 آلاف هي مساحة الضفة وغزة. مدن إسرائيل تمتد على 6 آلاف كيلو متر مربع، بما يتساوى تمامًا مع مساحة الضفة الغربية. يشكل النقب 55% من مساحة البلاد، ويسكن فيه أقل من 10 %من السكّان.

بحسب اتفاقية أوسلو، فالضفة الغربية جرى تقسيمها إلى ثلاث مناطق: أ، الواقعة إداريًا وأمنيًا تحت السلطة الفلسطينية. ب، تقع إداريًا تحت السلطة الفلسطينية وأمنيًا تحت سيطرة فلسطينية- إسرائيلية مشتركة. ج، وهي منطقة واسعة تقع تحت السيطرة الإدارية والأمنية الإسرائيلية.

ثمة أهمية قصوى بالنسبة للمنطقة ج، فهي تشكّل حوالي 61% من مساحة الضفة الغربية، وتحتوي على معظم الموارد الطبيعية. في المنطقة ج تخوض إسرائيل حربًا مسيحانية خاسرة، بحسب تقرير مثير لهآرتس في مارس/ آذار الماضي ترجمته القدس العربي. تأخذ الحرب سباقًا سكانيًا بين الإثنيتين: العربية واليهودية.

بحسب هآرتس فإن عدد الإسرائيليين في المنطقة ج قفز من 311 ألف نسمة، عام 2010، إلى 490 ألفًا في العام 2023 بزيادة قدرها 58%. بينما قفز عدد الفلسطينيين من 77 ألفًا في العام 2010 إلى 354 ألفًا في العام 2023، بزيادة قدرها 504%. ترى هآرتس أن سبب التفوق الفلسطيني في تلك المعركة يعود إلى عزوف الإسرائيليين عن الهجرة إلى المنطقة ج، مقابل هجرة فلسطينية واسعة من المنطقتين: "أ" و"ب" إليها. عوضًا عن ذلك فإن عدد الإسرائيليين الذين يتركون المنطقة ج يفوق عدد الإسرائيليين الذين ينتقلون إليها. يرحل الفلسطينيون إلى المنطقة ج لخوض ذلك النوع النادر من الصراع برغم الحقيقة التي تقول؛ إن إسرائيل هدمت 8 آلاف منزل من منازلهم في الفترة بين 2010-2023.

تخلص هآرتس إلى استنتاج مؤلم يقول؛ "بدلًا من إدارة حرب مسيحانية خاسرة على قطعة أرض مأهولة بالفلسطينيين، وبدلًا من إهدار موارد الدولة في المشروع العقاري الأكثر فشلًا في تاريخها، علينا أن نغيّر الاتجاه".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الدولة الإسرائیلی الضفة الغربیة مساحة الضفة ا فی العام المنطقة ج مائة عام ة الدولة مشروع ا

إقرأ أيضاً:

أجندة التوسع الإسرائيلي.. حرب غزة والطاقة واحتياطات الغاز

شكّل عام 1999 بداية الاهتمام العملي للشركات الإسرائيلية بحقول الغاز في المياه الإقليمية الفلسطينية، حيث أطلقت العمل في التنقيب والاستثمار، مما أدى لاحقا إلى تحول إسرائيل من جهة مستوردة للغاز إلى جهة مُصدرة.

وأضافت اكتشافات النفط والغاز في مياه شرق البحر الأبيض المتوسط عنصرا جديدا للصراع مع إسرائيل، وأعاقت طموحات إسرائيل التوسعية مسار النفط والغاز في حوض شرق المتوسط وعائداته.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كتاب "مخيم تل الزعتر.. وقائع المجزرة المنسية".. عودة إلى ذاكرة فلسطينية موشومةlist 2 of 2أبو علي مصطفىend of list

واستطاعت سلطات الطاقة الإسرائيلية تأمين الاكتفاء الذاتي للسوق المحلي، وتشغيل 70% من الطاقة الكهربائية بالغاز المستخرج، وبدأت حكومة الاحتلال بإطلاق مشاريع الربط وتصدير الغاز مع دول الجوار العربي، ووضعت نصب عينيها الوصول إلى السوق الأوروبي، وغير ذلك من المشاريع الاستثمارية ذات البعد الجيوسياسي.

وتزامن كل هذا مع اكتشاف احتياطي من الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية الفلسطينية قرابة شواطئ غزة، موزعا على حقلين، يدعى أكبرهما غزة مارين، والآخر الحقل الحدودي البحري الشمالي لقطاع غزة.

وعلى خلفية المعطيات الرقمية للطاقة، وظهور الجدوى الاقتصادية والجيوسياسية، أنجزت إسرائيل مد شبكة بنى تحتية عملاقة على امتداد الأرض وكافة المياه الإقليمية على امتداد ساحل فلسطين التاريخية.

خارطة الطاقة

تشمل خارطة الطاقة الإسرائيلية حقول الغاز في لفيتان وتمار ومنصات الإنتاج قبالة شواطئ عسقلان وحيفا في البحر المتوسط، وكذلك محطات ضخ وتوزيع الغاز بغرض التسييل إلى شركة الغاز المصرية "مدكو" في سيناء، ومحطات المعالجة وتخفيض ضغط الغاز التي تهتم بالضخ عبر شبكة خطوط للسوق المحلي.

كما تتباحث سلطات الطاقة الإسرائيلية مع شركة شيفرون الأميركية لإنشاء محطات تسييل عائمة على الشاطئ الفلسطيني قبالة المدن الكبرى.

فقد قدّرت شركة بريتيش غاز -التي كشفت حقلين على شواطئ غزة- كمية الاحتياط بنحو 1.5 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وتتراوح القيمة السوقية الكلية للغاز في الحقلين ما بين 6 مليارات و8 مليارات دولار، بحسب التقديرات.

كما تقدر اكتشافات النفط والغاز الطبيعي في حوض البحر الشامي في شرق البحر الأبيض المتوسط والبالغة 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي بقيمة صافية تبلغ 453 مليار دولار (أسعار 2017)، و1.7 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج بقيمة صافية تبلغ نحو 71 مليار دولار.

وفي عام 2021، قدّر تقرير المؤسسة الأميركية للمسح الجيولوجي احتياطات الغاز المتوقعة في شرق البحر الأبيض المتوسط بنحو 286.2 تريليون قدم مكعب من الغاز.

أما إجمالي إنتاج حقل الغاز لفيتان فيقدر بنحو 12 مليار متر مكعب سنويا، وسيرتفع ذلك تدريجيا إلى حوالي 21 مليار متر مكعب سنويا.

كما تقدر احتياطيات حقل تمار بنحو 280 مليار متر مكعب، وبدأ الإنتاج فيه عام 2013، وتنتج منصة غاز تمار ما يتراوح بين 7.1 و8.5 ملايين متر مكعب يوميا من الغاز الطبيعي.

وتحجب الجهات الإسرائيلية المختصة الفائدة المتحققة من وضع اليد على الغاز الفلسطيني، وكذلك المترتبة على مشاريع الاستثمار وفي خطوط التعاون مع دول الجوار.

مشروع استعماري

تسعى إسرائيل إلى استغلال الموارد الفلسطينية، وتحقيق أهدافها الاستعمارية والاقتصادية من خلال تصدير "الغاز المسروق" وإبرام صفقات مع الدول المجاورة بمشاركة الاتحاد الأوروبي.

وتفيد تقارير أممية بأن الاحتلال منع الفلسطينيين من الاستفادة من ثرواتهم الطبيعية المقدر قيمتها بمليارات الدولارات، ويسعى من خلال حربه التدميرية الحالية إلى تهجير أهالي قطاع غزة.

وتمارس حكومة الاحتلال سياسة مزدوجة في التعامل مع مصادر الطاقة الفلسطينية، فهي من جهة تمنع السلطة من الوصول إلى آبار الطاقة سواء التي على حدود الضفة مع نهر الأردن أو التي في المياه الإقليمية قبالة شاطئ غزة، فالضفة تحت الاحتلال المباشر وسكان غزة لم يكن مسموحا لهم بالوصول إلى أكثر من 7 كيلومترات في البحر.

وبحسب تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) صدر في 2019، أكد علماء جيولوجيون واقتصاديون في مجال الموارد الطبيعية أن الأراضي الفلسطينية المحتلة تقع فوق خزانات كبيرة من النفط والغاز، في المنطقة (ج) من الضفة الغربية المحتلة وساحل البحر الأبيض المتوسط قبالة قطاع غزة.

ومع ذلك، لا يزال الاحتلال يمنع الفلسطينيين من تطوير حقول الطاقة لديهم لاستغلالها والاستفادة منها، وعلى هذا النحو، فقد حُرم الشعب الفلسطيني من فوائد استخدام هذا المورد الطبيعي لتمويل التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتلبية احتياجاته من الطاقة.

وتقدر الخسائر المتراكمة بمليارات الدولارات، وكلما طال أمد منع إسرائيل للفلسطينيين من استغلال احتياطاتهم من النفط والغاز الطبيعي، زادت تكاليف الفرصة البديلة وتزايدت تكاليف الاحتلال الإجمالية التي يتحملها الفلسطينيون.

وفي الوقت نفسه تجاهلت حكومة الاحتلال اتفاق السلطة مع شركة "شل" للتنقيب والاستكشاف في المنطقة البحرية أمام ساحل غزة، وعرقلت على مدى عقدين أي فرص لتنمية حقل غزة "مارين" من خلال عمليات حفر الآبار وإنتاج الغاز، مما أدى إلى خروج شركة "شل" من الحقل.

كما فرض الاحتلال تضيقا أو منعا لاستجرار الغاز الفلسطيني عبر الأراضي المحتلة عام 1948 أو المناطق التي تقع ضمن أراضي المستوطنات، كما أنها تضع قيودا على العوائد المالية التي يفترض أنها من نصيب الجانب الفلسطيني.

الطاقة والحرب على غزة

يسيطر الاحتلال الإسرائيلي على موارد الطاقة والمياه في غزة، مما يعيق جهود إنشاء بنية تحتية طاقوية مستقلة في القطاع، ويستفيد الاحتلال من "الغاز المسروق" والمياه، في حين يعاني الفلسطينيون في غزة من أزمة طاقة حادة.

وفي الربط بين موارد الطاقة قبالة سواحل غزة والحرب الإسرائيلية على القطاع، نشر موقع "موندويس" الأميركي مقالا للكاتبة تارا علامي قالت فيه إنه لا يمكن النظر إلى العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة بمعزل عن الموارد الغنية المتمثلة بالغاز الطبيعي الذي تزخر به شواطئها.

وأضافت أن تعمد الهجوم الإسرائيلي تدمير المباني والبنى التحتية وقتل وجرح عشرات آلاف الفلسطينيين ما هو إلا لدفع السكان إلى الهجرة لتخلو غزة للاحتلال، لاستكمال المشروع الذي يهدف إلى بناء دولة استعمارية عرقية.

وتحت عنوان "محو غزة من الخريطة.. أجندة الأموال الطائلة ومصادرة احتياطيات فلسطين البحرية من الغاز الطبيعي" نشر "مركز أبحاث العولمة" ومقره مدينة مونتريال الكندية ملفا موسعا تضمن عدة تقارير ومقالات ولقاءات مع خبراء تتحدث عما وصفها "الأهداف الخفية" للعدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة.

وتحدث الملف عن تهجير الفلسطينيين من وطنهم، للتمكن من مصادرة احتياطيات الغاز الطبيعي البحرية في غزة.

وتلفت التقارير في الملف إلى أن الحرب المدمرة على قطاع غزة جاءت بعد 10 سنوات من تقرير للصحفية البريطانية "فيليسيتي أربوثنوت" قالت فيه إن إسرائيل تسعى إلى أن تكون مُصدّرا رئيسيا للغاز الطبيعي وبعض النفط.

وكانت أربوثنوت قد شددت في تحليلها على أن حكومات ووسائل إعلام اعتبرت أن حقل الغاز الطبيعي العملاق لفيتان، في شرق البحر الأبيض المتوسط، الذي اكتشف في 2010، يقع "قبالة سواحل إسرائيل"، في اعتراف ضمني بأنه ملك للاحتلال، مع أن جزءا منه يقع في مياه قطاع غزة.

لكن في المقابل، لا بد من التأكيد على أن أهداف إسرائيل المعلنة في حربها على غزة لم تتطرق من قريب ولا بعيد إلى ملف الغاز، وإنما انحصرت في تحقيق أهداف أمنية وعسكرية ضد المقاومة الفلسطينية وحاضنتها الشعبية في قطاع غزة، وهذا لا ينفي وجود أطماع لإسرائيل تتعلق في هذا الملف، لكنها لم تكن في على أجندة صناع القرار في إسرائيل التي تعرضت لهجوم مباغت أفقدها توازنها من قبل المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).

اشتراطات أمنية

وتدعي سلطات الاحتلال أن احتياطيات الغاز قبالة قطاع غزة "كنز خاص بها"، واعتبر الاقتصادي الكندي ميشيل تشوسودوفسكي، مؤسس ورئيس مركز أبحاث العولمة، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن إعلان رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الحرب على قطاع غزة هو استمرار لغزو غزة الذي بدأ في 2008 في إطار "عملية الرصاص المصبوب".

ويضيف تشوسودوفسكي أن الهدف الأساسي من العملية هو الاحتلال العسكري الصريح لغزة وطرد الفلسطينيين من وطنهم، ومصادرة احتياطيات الغاز الطبيعي البحرية في غزة، وتحديدا تلك التي اكتشفتها شركة "بريتش غاز" في 1999 قبالة القطاع، وكذلك اكتشافات حوض الشام عام 2013.

وكانت صحيفة المونيتور قد كشفت قبل نحو عامين، عن وجود محادثات سرية بين إسرائيل ودول إقليمية حول التنقيب على الغاز الطبيعي قبالة سواحل قطاع غزة.

ونقلت الصحيفة أن إسرائيل أجلت عمليات التنقيب عن الغاز قبالة سواحل غزة لدواع أمنية، وأنها اشترطت "تنفيذ إجراءات عملية تضمن لها أمنها" قبل البدء بعمليات استخراج الغاز من حقول غزة التي كانت مقررة بداية عام 2024.

التطبيع الأخضر

ومع علم سلطات الاحتلال أن الزمن الافتراضي للطاقة، بالجدوى البيئية والاقتصادية وبروز مشاريع الطاقة البديلة، سينتهي بمدى زمني لا يتجاوز 30 عاما اعتبارا من 2021، فقد بدأت إسرائيل العمل بمشروع التطبيع الأخضر (الطاقة البديلة) مع الجوار العربي في وتيرة متسارعة منذ مطلع القرن الحالي.

وهذا المعطى يقف خلف مشروع التطبيع الأخضر بحيث يمنح أفقا زمنيا أطول لإسرائيل لاستثمارات ونفوذ في الإقليم بعد انتهاء عمر استخدام طاقة الغاز الطبيعي بحلول عام 2050.
وفي كتاب "تحدّي الرأسمالية الخضراء: العدالة المناخية والانتقال الطاقي في المنطقة العربية" لمؤلفيه الجزائري حمزة حموشان والبريطانية كايتي ساندويل يشير الكاتبان إلى الاتفاقيات الإسرائيلية التطبيعية مع دول الجوار العربي، ويؤكدان أن إسرائيل تركز في جزء كبير منها على الطاقة والغاز والحفاظ على ثرواتها في هذا الإطار.

فعلى سبيل المثال -يشير فصل من الكتاب نقلته الكاتبة الفلسطينية منال شقير في مقال- إلى أن الأردن سيبيع إسرائيل كل الكهرباء المُولَّدَة من مزرعة الطاقة الشمسية التي سيتم بناؤها على أرضه مقابل 180 مليون دولار سنويا.

ويقول إن الأساس المنطقي هو أن إسرائيل لن تحتاج إلى استخدام طاقتها لتشغيل محطة تحلية المياه التي ستزوّد الأردن بـ200 مليون متر مكعب من المياه سنويا.

وهذا جزء من الهدف الإسرائيلي المتمثّل في تعزيز قطاعيْ الطاقة وتحلية المياه سويّة.

وتُعَدُّ تحلية المياه، التي تسعى إسرائيل إلى الاعتماد عليها كمصدر رئيسي للمياه بحلول عام 2030، كثيفة الاستهلاك للطاقة، إذ تشكل ما نسبته 3.4% من استهلاكها الإجمالي للطاقة، بالتالي تسعى حكومة الاحتلال إلى زيادة وصولها إلى مصادر بديلة للطاقة، وسيوفّر "التطبيع الأخضر" أحد هذه المصادر.

الأردن محروم من طاقته

ولا تسمح الصفقة للأردن -الذي تشكّل وارداته من الغاز الطبيعي نسبة 75% من مصادر الطاقة فيه، بالحصول على الطاقة من المشروع والاستفادة من قطاع الطاقة الخاص به- بل سيواصل استيراد الغاز من إسرائيل، وفق اتفاقية الغاز سيئة الصيت بين الجانبين.

فوفقا لصفقة الـ10 مليارات دولار، سيزوّد حقل لفيتان، وهو حقل غاز طبيعي في البحر الأبيض المتوسط تسيطر عليه إسرائيل، الأردن بـ60 مليار متر مكعب من الغاز على مدى 15 سنة.

وسيظلّ الأردن رهينة لواردات الغاز الطبيعي وتحديدا من إسرائيل -وفق ما ورد في الكتاب- بينما يُصدّر طاقته الخضراء من أجل الحصول على المياه المُحلّاة منها.

ويسمح التطبيع البيئي لإسرائيل بإعادة تشكيل موقعها في قطاعيْ الطاقة والمياه على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وبالتالي تعزيز قوتها السياسية والدبلوماسية في المنطقة والعالم.

مقالات مشابهة

  • معضلة إسرائيل القادمة.. من يدير قطاع ​​غزة بعد الحرب؟
  • نعوم تشومسكي (2)
  • المشاريع المرورية تهدد المعالم الأثرية في بغداد وشكوى من قلة التخصيصات
  • المشاريع المرورية تهدد المعالم الأثرية في بغداد وشكوى من قلة التخصيصات- عاجل
  • انقسام بالداخل الإسرائيلي بشأن خطة اليوم التالي للحرب في غزة
  • نتنياهو ضد الجنرالات.. المعركة على مستقبل إسرائيل.. قراءة في كتاب
  • كيف يؤثر امتلاك إسرائيل لطائرات F35 في المنطقة؟
  • مسلح حوثي يقتل طليقته ووالديها في الحديدة
  • أجندة التوسع الإسرائيلي.. حرب غزة والطاقة واحتياطات الغاز
  • كاتب إسرائيلي: نتنياهو ودرعي يوقعان شهادة وفاة إسرائيل