جزماتي نقادة: قضيت نصف قرن أصلح الأحذية ولن أرضى لأبنائي بالعيش في جلبابي
تاريخ النشر: 26th, April 2024 GMT
بابتسامة رضا يرحب بكل المارين أمام دكانه الصغير بأحد الحواري القديمة بمدينة نقادة جنوب قنا ، متعاملاً مع تراجع الإقبال على حرفته العتيقة بنوع من الرضا والاستسلام الحقيقى، للتطور الذى فرض نفسه على الكثير من المهن والمجالات، وأجبر الكثير من العاملين على تركها لصالح الآلات الحديثة التى تنافس البشر فى السرعة والإنجاز، دون أن تجاريهم الدقة والإتقان.
الفترة الزمنية التى قضاها داخل الدكان الصغير والتى تجاوزت نصف قرن من الزمان، هى من تدفع العم سعيد أمين، صاحب الثمانين عاماً، أن يظل وفياً لحرفته فى تصليح الأحذية، التى لم تعد كما كانت بنفس الإقبال، فهو لا يجيد غيرها، ولم يعد فى العمر أكثر مما كان حتى يتعلم حرفة أخرى تعينه على تحمل أعباء المعيشة، لكن قرر ألا يعيش أبنائه فى جلباب هذه الحرفة التى يرى أنها عفى عليها الزمان.
"جزمجى، منقل، اسكافى، جزماتى، صانع أحذية" كلها وغيرها من الألقاب حصل عليها خلال فترة عمله فى حرفة تصليح الأحذية، والتى لا يهتم أو يعبأ بها كثيراً، طالماً أنها مهنة حلل تغنيه عن سؤال الآخرين، لكنه يشير إلى أن كل مصطلح منها له دلالة خاصة، فالجزمجى يتواجد فى مكان محدد ويتخصص فى تصليح ما تلف فى الأحذية أو يضع لها الخيوط التى تحافظ عليها لفترة زمنية أطول، أما "المنقل" فيقوم بنفس المهام مع تنقله بين القرى والنجوع، فيما يتميز صانع الأحذية بأنه كان النعال والجلود ويتولى تصنيعها وحياكتها بالكامل داخل المحل، لكنها لم تعد موجودة حالياً.
جزمجى بدون صحة معادلة صعبةالصبر والصحة البدنية، متطلبات ضرورية لمن يعمل فى هذه الحرفة المتواضعة، فبدون الصبر، لن يتمكن من إصلاح الثقوب والعيوب الصغيرة، وحياكتها بطريقة تعالج الخلل دون أن يظهر، وبدون الصحة وخاصة النظر، لن يتمكن من وضع الإبر والخيوط متنوعة الألوان والخامات، فى المكان المناسب بالأحذية، ولن يتحمل الجلوس لساعات طويلة لإنهاء حذاء واحد، خاصة الجلد الطبيعى.
قال سعيد أمين، بلغت من العمر ثمانين عاماً، قضيت أكثر من نصف قرن فى تصليح الأحذية، تطورت فيها الحرفة من حرفة ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها، لعدم انتشار بيع الأحذية وعدم ظهور الماكينات الحديثة التى تصلح الأحذية فى دقائق معدودة، كما أنها كانت لفترة معينة حرفة لها قيمتها كون الكثير من البشوات وكبار العائلات يقصدون العاملين بها لحياكة أحذية خاصة بهم، وكان عددنا فى المنطقة التى أعيش بها أكثر من 20 صانع أحذية، أما الآن فعدد من يعملون بها على مستوى مركز نقادة لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.
لن يعيش أبنائى فى جلباب مهنتىوتابع أمين، تعلمت الحرفة على يد أعمامى منذ أن كان عمرى 15 عاماً، أتقنت خلالها صناعة الأحذية وشد الحذاء على القالب ودق المسامير الصغيرة، لكن المحل أو الدكان الذى أعمل به حالياً بشكل خاص، بدأت العمل به قبل 50 عاماً من الآن، وكما تعلمتها علمتها للكثير من الراغبين فى العمل بها، لكننى لم ولن اعلمها لأبنائي، لأننى لا أريدهم أن يعيشوا فى جلباب هذه الحرفة الشاقة، والتى لم تعد كما كانت من قبل ولا يمكن أن تفتح بيتاً.
وأضاف جزماتى نقادة، بأن المبالغ التى كنا نحصل عليها قديماً مقابل تصليح الأحذية كانت مليم ولا يتجاوز 25 قرشاً، وحالياً تصل لـ 50 جنيها فى بعض الأحذية، لكن الملاليم القديمة كانت أفضل بكثير من جنيها الوقت الحالى، فقد كان العمل مستمر والمكان مفتوح بشكل دائم لاستقبال الزبائن، وتراجعت قيمة الحرفة، لعدم احتياج الناس لها، ما يجعل الكثير ينظر إليها بشكل سيء.
كل منطقة تسمى حرفتنا باسم مختلفوأشار سعيد، إلى أن كل شخص أو منطقة تنادينى باسم مختلف لحرفتى، لكننى لا أهتم كثيراً بمسمى الحرفة بقدر اهتمامى بأن تظل موجودة تعيننى على مواجهة أعباء المعيشة وتلبي احتياجاتى اليومية، وأتمنى أن تعيننى صحتى على إنهاء وإصلاح ما يأتى من أحذية، لأنها تحتاج إلى نظر قوى، وقوة بدنية للتعامل مع شد الخيوط وحياكتها بشكل جيد.
سعيد الجزماتى
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الاحذية قنا جلباب أعباء المعيشة سعید أمین نصف قرن
إقرأ أيضاً:
وعدت يا "عيد"
ها هو عيد الفطر المبارك وقد هلت أيامه علينا، بعد أن أعاننا الله على صيام وقيام شهر رمضان المبارك، تقبل الله منا جميعا صالح الأعمال والطاعات، وأعاده علينا بالخير والبركة والأمان.
فى الأسبوع الأخير والأيام القليلة قبل العيد لاحظنا حركة كبيرة فى الأسواق سواء فى محال الملابس الجاهزة وذلك لشراء ملابس العيد، وفى محال الحلويات لشراء لوازم الاحتفال بالعيد من كعك وبسكويت وخلافه.
حالة الاستغلال والجشع التى أصابت التجار خلال هذه الايام لا تجد من يضع لها حدا، والحجة أن السوق عرض وطلب، ومن يرد البضاعة فليتحمل ثمنها أو يتركها لمشتر آخر، وهو ما أدى إلى مزيد من "الابتزاز" لجيوب المواطنين، الذين أصبح الكثيرون منهم غير قادرين على الوفاء باحتياجاتهم، الأمر الذى يضطرهم للبحث عن البدائل الأوفر والأرخص..
ويرتبط عيد الفطر المبارك، الذى نعيش أيامه، فى التقاليد المصرية بعمل الكعك بكل أنواعه، بالإضافة إلى شراء ملابس للأطفال الصغار، وشراء مستلزمات الاحتفال بالعيد، وهى عادات توارثتها الأجيال عاما بعد عام، وبدونها يفقد الناس إحساسهم ببهجة العيد وفرحة قدومه.
هذه العادات والتقاليد أصبحت مكلفة للغاية، خاصة أن الشهر الفضيل أيضا تتزايد فيه المصروفات بشكل مضاعف، فهو شهر التزاور والتواصل مع الأهل والأصدقاء، وبالتالي فإن هناك إجراءات تقشفية فرضت نفسها هذا العام، على معظم الأسر، ومنها الاستغناء عن بعض الأنواع من الأطعمة مرتفعة الثمن، وتقليل العزومات، أو تقليل أعداد المدعوين..
الأسعار التى قفزت قفزات سريعة خلال أيام الشهر الفضيل، فى معظم السلع الأساسية وخاصة اللحوم والدواجن، كان لها أثر بالغ فى التخطيط لاستقبال العيد، وعلى سبيل المثال كعك العيد الذى تضاعف سعره هذا العام وحتى الأصناف العادية منه، لم تقدم كثير من الأسر على شراء كميات كبيرة منه، كما كان يحدث فى السابق، ولكن تم تقليل الكميات بقدر المستطاع، حتى أن البعض اكتفى بكميات بسيطة للغاية حتى لا يحرم أطفاله منها، والبعض لجأ إلى تصنيعه فى المنزل توفيرا للنفقات، أما بالنسبة للملابس فتلك مشكلة أخرى، حيث بلغت أسعارها حتى فى المناطق الشعبية أرقاما مبالغا فيها.
الملاحظ هذا العام هو تزايد الحركة على بائعي ملابس "البالة" المنتشرة فى بعض الشوارع وخاصة فى منطقة وكالة البلح والشوارع المحيطة فى شارع الجلاء ومنطقة الإسعاف، وكذا فى كثير من شوارع المناطق الشعبية، وذلك نظرا لوجود فرق واضح فى الأسعار مقارنة بمحلات الملابس الجاهزة، والتى تعرض قطعا من الملابس يتجاوز متوسط سعرها الالف جنيه، وهو رقم كبير بالنسبة لمعظم الأسر.
أما بالنسبة لأماكن المتنزهات التى يمكن أن ترتادها الأسر بسيطة الحال والشباب، فأصبحت قليلة ولا تكفي تلك الأعداد التى تتدفق من الأحياء الشعبية باتجاه منطقة وسط البلد مثلا، وبالتالي تكتظ الشوارع بشكل كبير، ويقضي الشباب كل وقته فى التنقل من شارع لآخر، مع تفريغ طاقة اللعب واللهو فى الشارع، وهو ما ينتج عنه أحيانا سلوكيات غير حضارية.
حتى الكباري الممتدة بطول نهر النيل استغلها أصحاب الكافيهات فى وضع الكراسي واستقبال الزبائن، غير عابئين بحق الناس الطبيعي فى التجول دون تضييق عليهم، الأمر الذى يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، والتوسع لعمل متنزهات وحدائق عامة بأسعار رمزية فى كل الأحياء السكنية أو قريبا منها، وكل عام وأنتم بخير.