«الفن المفاهيمي».. تناغم الظل والنور
تاريخ النشر: 26th, April 2024 GMT
خولة علي (دبي)
فيصل الريس، مصور فوتوغرافي إماراتي، ينتمي إلى مدرسة «الفن المفاهيمي» في التصوير، التي تسعى لنقل رسائل أو فكرة معينة تتطلب فهماً عميقاً للمشاهد، يعمل على تحفيز التأمل باستخدام تقنيات مبتكرة في التصوير لتحقيق تأثير مفاهيمي أكثر إبداعاً، ويميل الريس إلى تصوير العمارة، مستخدماً الألوان الأحادية بتناغم بين الظل والنور، لتظهر أعماله الفنية بأسلوب ملهم وغير تقليدي، ساعياً إلى تفكيك وإعادة بناء وإبراز جمال أبسط الأشياء من حوله.
بيئة محفزة
بدافع الإلهام من البيئة المحيطة به، والتي كان لها الأثر القوي في تشكيل توجهه، بدأ الريس تجربته بالتصوير الفوتوغرافي في عمر صغير، ثم واصل مسيرته، حتى دخل معترك التصوير مع محترفي الفن البصري، وأثبت فيه جدارته وتميزه في استعراض المشاهد من حوله بلغة يطغى عليها الطابع الفني، ليكسر قواعد وتوجهات الفن التقليدي، ويتجاوز حدود التعبير ويحفز المتلقي على التفاعل النقدي والتفكير بعمق أكبر.
ويعرّف فيصل الريس الصورة بأنها خليط من المشاعر والأحاسيس التي تجتمع وتتوحد ويتم اختزالها في صورة، قد تكون جامدة للبعض، لكن لها تأثيراً عميقاً في نفس الفنان، فهي نتاج تمازج أحاسيس المصور مع رؤيته للمشهد، لاقتناص لحظة ضوئية ملهمة داخل صورة، ومن هنا تأتي محاولاته كمصور لتكون الصورة غير جامدة، لتتفاعل مع المتلقي وتحقق أهدافها.
شغف
على الرغم من شغفه بالتصوير في طفولته وتشبثه بهذا العالم الذي رسمه له والداه، إلا أن بدايته الفعالية في عالم التصوير بدأت عند بلوغه العشرين من عمره، قائلاً: «عزز نهمي للقراءة تطور مسيرتي، فكنت دوماً أمتلك أقراص «دي في دي»، وكتباً من داخل وخارج الدولة حول التصوير، لاكتشاف خباياه وأسراره».
ويتابع: «أميل إلى الانعزال بطبيعتي، فكانت الكاميرا هي شغفي، وعندما تعرفت إلى المصور الفوتوغرافي جاسم العوضي رئيس عاكس للتصوير، ومجموعة أخرى من المصورين أكبر مني سناً، كانت فرصة ثمينة لصقل موهبتي ونضجي المهني، لأصل إلى ما وصلت إليه اليوم من خبرة وتميز في هذا المجال.
تصوير معماري
ويؤكد الريس أن التصوير المعماري بدأ تقريباً في ستينيات القرن التاسع عشر، حيث كان المعماريون يوثقون منجزاتهم من القصور والكنائس والمعابد، عن طريق الرسم أو استخدام الكاميرا، وكانوا يصورونها بشكل أقرب للمثالية من دون أي محاولة للتلاعب بالزوايا، أما حالياً فالتصوير المعماري له أهداف كثيرة منها التوثيق أو لغرض إعلاني أو فني، وغالباً ما يكون ذلك عن طريق المطورين والمستثمرين الذين وضعوا جوائز للمصورين لتصوير المباني الخاصة بهم، اعترافاً بقوة تأثير الصورة.
ويلفت إلى أن التصوير المعماري له جماليات فنية، لكن لكل مصور نظرة ورؤية خاصة به، ومن ناحيته فهو يعتمد على التكوينات والتقسيمات والتباين من خلال تسخير الضوء والظل مع اعتماد استخدام اللون الأحادي، وهو «الأبيض والأسود»، لإضفاء بعد آخر غير مرئي على الصورة، مع استخدام زوايا مغايرة للتعبير عن المكان.
العدسة المناسبة
ودائماً ما يؤكد الريس ضرورة تطوير المهارات قائلاً: «أي مهارة يمكن تطويرها من خلال الشغف وكثرة المطالعة، فأنا كفنان شغوف بالتعلم والقراءة والاطلاع على كل جديد في مجالات التصوير والفنون، والأفلام الوثائقية، وغيرها، حيث إن التغذية البصرية ضرورية لكل فنان».
وعن أسس نجاح الصورة في التصوير المعماري، يرى الريس أنه يجب معرفة المكان وحركة الشمس بشكل جيد، ومدى توفر الإضاءات المساعدة حول المبنى لتضفي جمالية على الصورة، ثم يتم العمل على اختيار العدسة المناسبة، فهناك عدسات خاصة بتصحيح الصور «Tilt and Shift»، إضافة إلى قدرة الفنان في السيطرة على العدسة والمؤثرات المحيطة، لتفهم طبيعة المعلم أو المبنى بشكل عام، حتى تحقق العدسة وظيفتها على أكمل وجه.
مشاركات وجوائز
شارك الريس في العديد من المعارض داخل وخارج دولة الإمارات، منها «سكة الفني، بينالي الشارقة، مهرجان كان السينمائي، وبينالي البندقية»، وغيرها، وحاز العديد من الجوائز، منها جائزة وزارة الثقافة وتنمية المعرفة للتصوير الفوتوغرافي ليوم العلم، ومسابقة دبي سكاي دايف للتصوير الفوتوغرافي لجائزة الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم للتصوير الفوتوغرافي، وجوائز النوى من قبل جامعة الإمارات، وجائزة حبيب الرضا للإبداع الإعلامي في التصوير الفوتوغرافي والأفلام القصيرة.
ويسعى فيصل الريس، إلى تعزيز ونشر ثقافة الصورة في المجتمع المحلي، باعتبارها قوة ناعمة مهمة، يمكن تسخيرها لتحقيق أهداف مجتمعية، موضحاً أن الفن لا يرتبط بنمط أو شكل واحد ولا يحدده قانون أو حدود، فهو خليط من ثقافات ومفاهيم مختلفة.
نسج الفكرة
يرى فيصل الريس أن أهم التحديات لدى أي فنان، تتمثل في عدم وجود فكرة واضحة لديه، فالأدوات لن تعمل وحدها لخلق أو تكوين صورة، الفنان يقع عليه الدور الأكبر في نسج الفكرة من خلال نظرته الفنية ورسائله التي يسعى لتوجيهها، حيث إن التقاط الصورة لمجرد التصوير قد ينتج عنه مخرجات قد تكون جميلة، لكنها فقيرة المفاهيم.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: التصوير التصوير المعماري التصوير الفوتوغرافي فن التصوير فی التصویر
إقرأ أيضاً:
زوجة الضيف تكشف للجزيرة نت خبايا رجل "الظل" لأول مرة
غزة- أزاحت زوجة القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، محمد الضيف، الستار عن معلومات تكشف لأول مرة، بعد الإعلان رسميا عن استشهاده.
وكشفت غدير صيام "أم خالد" زوجة الضيف، في حوار خاص مع الجزيرة نت، تفاصيل نجاته من محاولات اغتيال عدة، وتمكنه من التخفي والإفلات من قوات الاحتلال على مدار 30 عاما بعدما كان الهدف الأول لإسرائيل.
زفاف سري
تعود غدير صيام بذاكرتها لعام 1998 حيث بداية العلاقة التي نشأت بين محمد الضيف ووالدتها المناضلة الفلسطينية فاطمة الحلبي بعدما حصل منها على قطعة سلاح أخفاها شقيقها الشهيد عندها.
في صيف عام 2001 تزوج الضيف غدير التي دخلت مرحلة جديدة من الحياة تصفها بالمعقدة أمنيا، بسبب ملاحقة الاحتلال لزوجها.
استبدلت غدير اسمها بمنى، وباتت تعرف بـ"أم فوزي" في إطار الإجراءات الأمنية التي اتخذها "منصور" وهو الاسم المستعار الذي أطلقه الضيف على نفسه بعدما تزوج بسرية تامة.
تقول غدير "لم يكن زفافا عاديا، كان الضيف يمتلك ألف دولار فقط من قيمة المهر، وغابت جميع الأجواء الاحتفالية، واقتصرت المراسم على ذبح خروف للمقربين، ومنذ ذلك الحين لم يكن لنا بيت، ونتنقل من مكان إلى آخر من دون استقرار".
تشير الزوجة إلى زهد زوجها في حياته، إذ لم يكن بمنزلها سوى 4 فرشات فقط ومفرش من الحصير، وخزانة بلاستيكية لثيابهما. وعندما أهداه الشيخ أحمد ياسين مبلغا ماليا بمناسبة زفافه تبرع به لكتائب القسام، وأهدى غرفة نوم قدمه له الشهيد صلاح شحادة لشاب آخر كي يستطيع إتمام زواجه.
كانت غدير تدّعي أمام الناس أن زوجها مغترب، وذلك لتبرير وجودها وحدها، وأضافت "معظم اللقاءات مع زوجي تكون خارج المنزل الذي أقيم فيه، وكثيرا ما يغيب أسابيع من دون تواصل لا سيما إذا طرأ تدهور على الأوضاع الأمنية مع الاحتلال".
مرت زوجة الضيف في كثير من الأحيان بإجراءات أمنية معقدة وتعصيب عينيها، ونقلها من سيارة إلى أخرى، ومن منطقة إلى ثانية، كي تتمكن من رؤية زوجها.
تزوج الضيف بثانية في عام 2007 بإلحاح من والدة زوجته الأولى بعدما لم يكتب له الإنجاب من ابنتها حتى ذلك الحين ورزق بـ4 أطفال، ومن ثم جاءت اللحظات التي فرح فيها القائد العام لكتائب القسام بحمل زوجته الأولى بـ3 توائم.
محاولات اغتيال
تكشف أم خالد عن محاولات عدة لاغتيال زوجها أصيب في اثنتين منها؛ الأولى عندما استهدفت قوات الاحتلال سيارته في شارع الجلاء وسط مدينة غزة في سبتمبر/أيلول 2002 وفقد على إثرها عينه اليسرى، والثانية باستهداف منزل في عام 2006 أسفر عن إصابته بحروق شديدة وكسور في الظهر تسببت في صعوبة مشيه.
تعلمت أم خالد أساسيات التمريض بعد إصابة زوجها وتحولت إلى ممرضته الخاصة التي تعالجه وتقدم دواءه وحقنه في أوقاتها.
فقد القائد العام لكتائب القسام زوجته الثانية واثنين من أطفاله عقب تعرض المنزل الذي وجدوا فيه لغارة جوية خلال عدوان عام 2014.
تؤكد أم خالد أن الضيف الذي أنهى دراسة البكالوريوس في تخصص الأحياء بالجامعة الإسلامية حثها على استكمال دراستها، وعندما وجدت صعوبة في مراجعة مادة اللغة الإنجليزية في اختبارات الثانوية العامة، أشرف على وضع ما وصفته "خطة نجاح" لتجاوزها الامتحان، وقدم لها دليلا للأسئلة والإجابات.
كان الضيف بعيدا عن المناسبات العائلية، فلم يشارك في دفن زوجته الثانية وطفليه، ولم يشهد عزاء والده ووالدته اللذين توفيا قبل سنوات، وغاب عن شهود ولادة أطفاله جميعا على خلاف المعتاد لدى الآباء.
تقول أم خالد "يقتنص الضيف الفرصة لإدخال الفرحة على أطفاله، وتعويضهم جزءا من غيابه عنهم، واعتمد الاحتفال بعيد ميلادهم جميعا بيوم واحد، عندما يتيح وقته فرصة للالتقاء بهم".
ولفتت إلى أنه في بعض الأوقات كان يصل غياب زوجها عنها إلى أكثر من 50 يوما، وذلك عندما كانت التهديدات الأمنية عالية، لكنها أكدت "لم يتنكر أبو خالد كما كان يشيع الاحتلال، ولم يغير في هيئته".
أوصى الضيف أبناءه بحفظ القرآن، وأشرف على مشروع مماثل لعناصر كتائب القسام، وحفزهم على التنافس فيما بينهم لإتمام حفظ كتاب الله وفهم معانيه والعمل بها.
لحظات فارقة
تستذكر أم خالد لحظات فارقة في حياة الضيف، وتسرد أكثر اللحظات حزنا التي مرت به عندما سحلت قوات الاحتلال المرابطات المقدسيات في باحات المسجد الأقصى، وكثيرا ما شعر أنه أمام حمل ثقيل جدا عندما هتفت الجماهير له "حط السيف قبال السيف، احنا رجال محمد ضيف".
لحظات أخرى أصابت الضيف بالحزن عندما استشهد القيادي في كتائب القسام ياسر طه في صيف عام 2003.
على النقيض، لم تر أم خالد القائد العام لكتائب القسام سعيدا كما كان لحظة خروج الأسرى في صفقة وفاء الأحرار عام 2011، حينها قال "اليوم أحيينا أناسا ميتين".
ورغم كل ذلك، ترى أن أبو خالد عاش بسيطا بعيدا عن الرفاهية، يحب الأكلات المتداولة من الملوخية والفاصولياء والبامية والرمانية، ويبرع في طهو "المجدرة".
وكشفت أم خالد "كان الضيف لاعبا جيدا لكرة القدم متابعا لكأس العالم، مشجعا برشلونيا وأهلاويا، ويتابع المحقق كونان".
حمل الضيف على عاتقه خدمة الفقراء، وذات مرة تابع بنفسه علاج سيدة فقيرة مريضة بالسرطان رغم انشغالاته، حتى أتمّت علاجها في الخارج، وكان يخصص الجزء الأكبر من راتبه الشهري للمحتاجين وأشرف في عام واحد على ترميم 270 منزلا للفقراء من عامة الناس بدعم من كتائب القسام، ومع ذلك غادر أبو خالد دنياه لا يملك منزلا، بحسب زوجته.
توثيق المسيرة
تعيش أسرة القائد العام لكتائب القسام في مركز إيواء، كآلاف العائلات التي نزحت وفقدت منازلها، وكان آخر عهدها بأبو خالد يوم السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2023 قبل انطلاق معركة طوفان الأقصى بساعات، عندما قال "يجب أن نؤدي الواجب تجاه الأسرى والمسرى".
كان الضيف يتمنى أن يشهد تحرير المسجد الأقصى ويتخذ بيتا له في المدينة المقدسة، واجتمع عليه كل ما عاناه الشعب الفلسطيني من أسر وإصابة وفقدان الزوجة والأبناء، ومن ثم الشهادة، كما تقول أم خالد.
عكفت زوجة الضيف خلال سنواتها التي قضتها معه على توثيق مسيرته الجهادية، وكانت تحاوره في قضايا "الظل" التي لم تكن ظاهرة للعيان، وقريبا ستكشف عنها في كتاب يروي تفاصيل 30 عاما من المقاومة.