تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
الكل يشكو من ارتفاع الأسعار سواء كان ميسورا أو مستورا أو معدما، موجات متلاحقة من الغلاء نجحت بجدارة في القضاء على ما كنا نعرفهم بإسم الطبقة الوسطى، ومع انهيار تلك الطبقة ودخولها إلى منطقة الشرائح العليا من الطبقة الدنيا، يصبح المجتمع في خطر حقيقي وذلك لأن الطبقة الوسطى على مدار التاريخ هي صمام أمان المجتمعات، هي الحالمة بالستر والصعود إلى أعلى وأن تحقيق هذا الحلم لن يكون إلا باستقرار المجتمع، فتدافع الطبقة الوسطى على الاستقرار بكل ما أوتيت من قوة، وهذا الدفاع ينعكس بالإيجاب على الدولة والنظام لتتفرغ إلى تنفيذ مشروعاتها الكبرى وهي مطمئنة.
جاءت مؤخرا موجات الأسعار المتلاحقة وارتبكت الخريطة الاجتماعية وصار من الصعب التوازن بين الدخل الشهري والنفقات المطلوبة، الدولة المصرية رسمت عدة خرائط للحماية الاجتماعية وعلى رأسها معاش تكافل وكرامة وكذلك الحفاظ على دعم رغيف الخبز وغيرها من البرامج ورصدت لذلك ميزانيات كبيرة، ولكن هل أوقفت تلك البرامج مسلسل إنهيار الطبقة الوسطى، في تقديري الإجابة لا.
قلت أن الطبقة الوسطى تحاول دائما أن تبدع كي تحافظ على مكانتها مثل رمانة الميزان وجاءت الفرصة مع حرب غزة عندما أعلن المصريون مقاطعة السلع الداعمة لإسرائيل ونجحت التجربة وكانت مقاطعة موجعة حتى أن بعض الكيانات الإقتصادية ضاعفت نفقات دعايتها واعلاناتها لتتجاوز ذلك المطب، وهنا تناثرت الأفكار حول إمكانية استخدام نفس الأداة وهي المقاطعة لمواجهة مافيا الاحتكار وجشع التجار في مصر الذين تلاعبوا في السكر والأرز والزيت وغيرها من السلع، جاء اختيار المصريين للأسماك الذي التهبت أسعاره ليكون التجربة الأولى في المقاطعة خاصة وأن السمك سلعة يمكن الاستغناء عنها لفترة من الزمن وكذلك لكونها سلعة تحتاج إلى البيع الفوري كطازج، الرصد الواسع على صفحات التواصل يقول أن فكرة مقاطعة الأسماك انطلقت من بورسعيد ولحقتها دمياط ثم الإسكندرية وهناك محاولات في الإسماعيلية، حتى الآن لا نعرف على وجه الدقة هل نجحت الحملة أم لا .. ولكننا نعرف أنها تمضي في طريقها إلى الأمام خاصة وانها لم تجد معارضة من الحكومة ربما التزاما بما سبق وصرح به رئيس الجمهورية في رده على الغلاء بقوله "السلعة اللي يرتفع سعرها ما تشتريهاش "
هنا نحن أمام فكرة مكتملة لحصار الاحتكار وحيتان التجار الذين قدموا صورة سيئة للسوق المصري، وفي ظني أن المقاطعة الشعبية المنظمة والمنتظمة هي القادرة على إصلاح الخلل الواضح في الأسعار شرط أن يرافقها نشاط مكثف من الأجهزة الرقابية وتفعيل القوانين التي ترفض الاحتكار.
اختيار الأسماك في تجربة المقاطعة هو إختيار موفق لأن مصر وحسب ما كتبه الخبير الاقتصادي دكتور أحمد حسني ياقوت "تمتلك واجهة بحرية على المتوسط بطول 909 كيلو متر وواجهة بحرية على البحر الأحمر بطول 1379 كيلو متر، هذا إلى 14 بحيرة ما بين عذبة ومالحة تقدر مساحتها 13 مليون فدان وكذلك نهر هو الأكبر على مستوى العالم هو نهر النيل بخلاف المزارع السمكية التي يمتلكها أفراد مع شركات ملك الدولة" ويتعجب ياقوت أننا نستورد اسماكا مجمدة مع أنه من المفترض أن تكتفى مصر ذاتيا وتصدر اسماك للعالم وأن تكون الأسماك فيها ارخص طعام للمصريين"
هذه المعادلة الصعبة بين الشواطئ والأسماك وصيدها والتجارة بها ووصولها إلى المستهلك بسعر مناسب تحتاج بالفعل إلى الانتباه، وسوف يساعدنا في ترتيب هذه المعادلة أن مصر مازالت تمتلك شبكة واسعة من سلاسل المنافذ التجارية الحكومية كان يراها الدكتور احمد جويلي وزير التموين الأسبق منافذ للأمن القومي وليس الأمن الغذائي فقط، يضاف إليهم سلاسل الداخلية والقوات المسلحة وبذلك نحن قادرون بالفعل على وصول السلعة إلى المستهلك بالسعر العادل.
هنا قد تعود الطبقة الوسطى لمكانها وللقيام بدورها كصمام أمان للمجتمع مانع للصدمات، وهاهي فكرة مقاطعة الأسماك قد نزلت إلى الشارع هل يتلقفها عقل رشيد في الحكومة لتطويرها؟
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: ارتفاع الأسعار التجار الطبقة الوسطى
إقرأ أيضاً:
المقاطعة.. حقٌ مشروعٌ لدعم القضية الفلسطينية
بدر البلوشي
على مدى الأزمان، كانت سلطنة عُمان مثالًا للثبات والعزم في دعم القضايا العادلة؛ حيث يقف الشعب العُماني مع أمته قلبًا وقالبًا، مُساندًا لكل صوت مظلوم، ومدافعًا عن حقوق الشعوب المحتلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
والمقاطعة، في هذا السياق، ليست مجرد خيار عابر، بل هي موقف أخلاقي وشعبي ينبض بالولاء والصدق، يعكس انتماءً أصيلًا ووجدانًا راسخًا يرفض الاحتلال، ويقف ضد آلة القمع التي تستبيح حقوق الإنسان.
وفي الوقت الذي يُثار فيه بعض الجدل حول جدوى المقاطعة وفائدتها، يظهر من مُعطيات الواقع أنها ليست عبثًا أو تفريطًا بالمصالح الوطنية، كما يعتقد البعض، بل على العكس، هي حركة قوية ومتماسكة تستند إلى حق قانوني مكفول في السلطنة. بل إنَّ المؤسسة الدينية العريقة تؤيدها بوضوح، مما يجعلها واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا يدعمه الشعب بكافة أطيافه، إيمانًا منه بأن الحق لا يُنال إلا بمواقف ثابتة.
إنَّ تأييد الشعب العُماني لهذه المقاطعة يبرز كرسالة للعالم، بأن هذا الوطن لا يقبل المساومة على القضايا العادلة.
ولعل من الجوانب الأكثر تأثيرًا في هذه الحركة أنَّ المقاطعة لا تقتصر على الأثر الاقتصادي المباشر فقط؛ بل إنها تفتح المجال لتعزيز وعي الأجيال الجديدة بحقوق الأمة وأهمية التضامن العربي والإسلامي. فقد أثبتت الدراسات أن دعم الطلبة للمقاطعة ينمي فيهم إدراكًا قويًا للحقوق والقيم الوطنية، ويزرع بذور الوعي النضالي في سبيل الحق، وهو ما يعزز روح الانتماء للوطن والقضية الفلسطينية، ويجعلها جزءًا لا يتجزأ من هوية الأطفال والشباب.
ومن الزاوية الاقتصادية، شهدت المنتجات البديلة محليًا ازدهارًا؛ ما أسهم في تقوية الإنتاج الوطني، وزيادة فرص العمل في السوق المحلي، وتحفيز الابتكار. هذا النمو لا يقف عند حدود الاقتصاد المحلي، بل يتعدى إلى دعم الشركات الناشئة التي تسعى لتقديم منتجات عُمانية صافية تحل محل المنتجات المستوردة.
ومما لا شك فيه أنَّ تجربة السلطنة التاريخية في دعم القضايا العربية والإسلامية تُثبت أن مواقف عُمان لم تتخل يومًا عن الحق؛ بل ظلت متماسكة تنتهج سياسات متوازنة، تراعي المصالح الوطنية وتلتزم المبادئ السامية للأمة. إنَّ المقاطعة تعزز هذا التوجه الحكيم وتظهر أن الشعب العُماني لا ينفصل عن جسد أمته؛ بل هو سندٌ لكل مَن يسعى لنيل حقوقه. وهي تجسد رسالة واضحة للعالم بأن الشعوب قادرة على التعبير عن مواقفها بطرق حضارية، ما يثبت أنَّ المقاطعة ليست مجرد سياسة، بل هي منظومة أخلاقية تعبر عن عمق هذا الشعب وجذور حضارته.
وأخيرًا.. المقاطعة لا تُعبِّر فقط عن سيادة القرار الوطني، بل هي دعوة قوية لإظهار سيادة الإرادة الشعبية، ودعوة للالتفاف حول حق مشروع وأسلوب حضاري يرفض انتهاك العدالة. إنها وسيلةٌ يعبر من خلالها كل إنسان عن رفضه لكل ظلم وانتهاك.