أمينة غنَّام.. الأم التي صارت خنساء طولكرم
تاريخ النشر: 25th, April 2024 GMT
طولكرم- بالصبر تحارب مصابها المتكرر، لكن رغم جلَدها وبأسها الشديد، فإن أمينة غنَّام (أم عبد اللطيف) تبقى أمّا يرق قلبها وتحن لمن فقدت من أبنائها الشهداء، فهم ليسوا واحدا أو اثنين، بل 4 قُتلوا خلال 6 أشهر، وخامسهم توفي كمدا على أشقائه وهو يصارع مرض السرطان.
عامر (42 عاما) وأحمد (27 عاما) وسليم (29 عاما) ومحمود (23 عاما) هم أبناء الحاجة أمينة الذين قتلهم الاحتلال باستهدافهم مباشرة بصواريخه ورصاصه قصفا وقنصا خلال اجتياحاته المتكررة والمتصاعدة لمخيم نور شمس قرب مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية في الشهور الستة الماضية، فاستشهد اثنان بداية، ليلتحق بهما الآخران بعد حوالي 6 أشهر.
لم يكن سهلا على الأم أمينة والأب فيصل غنام، أن يسردا مجددا للجزيرة نت -التي التقتهم داخل منزلهم في المخيم- حكاية الاستشهاد والفقد المتجدد، فأعادا حديثا تداولوه كثيرا بعد أن عاد الاحتلال ونكأ جروحهم بقتل اثنين من أبنائهما الأسبوع الماضي.
في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وخلال ثاني اجتياح إسرائيلي لمخيم نور شمس بعد بدء الحرب على غزة، استشهد الأخوان عامر وأحمد غنام بقصف صاروخي إسرائيلي استهدف عددا من شباب المخيم كانوا يتجمعون في حي المنشية قرب منزل عائلة غنام، فاستشهد عامر على الفور، بينما أصيب أحمد بحوالي 70 شظية، وظل ينزف حتى استشهد.
نُقل عامر وأحمد وشهداء آخرون إلى مسجد أبو بكر الصديق وسط المخيم، حيث لم يتسنّ للأهالي دفنهم بفعل مواصلة الاحتلال عمليته العسكرية، ومع ذلك اقتحم الجنود المسجد وأطلقوا رصاصهم على الشهداء المضرجين بدمائهم ليتأكدوا من قتلهم.
وفي التاريخ ذاته، الـ19، لكن من شهر أبريل/نيسان الجاري، وبعد 6 أشهر بالضبط، أعاد الاحتلال السيناريو ثانية وقتل سليم، بعد أن قنصه جندي داخل منزله، وظل مضرجا بدمائه وملقى على الأرض أمام والديه لأكثر من 7 ساعات.
وفي اليوم التالي قتل جنود الاحتلال شقيقه محمود في ساحة المخيم، رفقة شبان آخرين حاولوا الفرار بأرواحهم، بعدما أطبق جيش الاحتلال حصاره على المخيم، وصعَّد فيه تقتيلا وتدميرا.
ووُصفت العملية العسكرية الأخيرة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي مساء الخميس الماضي على مخيم نور شمس، واستمرت أكثر من 50 ساعة، بالأكثر عنفا ودمارا من بين أكثر من 20 عملية نفذها بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكان حصيلة الهجوم الأخير 14 شهيدا من أصل 40 ارتقوا منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبما علق في ذاكراتها من قصص ومواقف عاشتها مع أبنائها الشهداء، وعبر تحسس صورهم وملابسهم التي لا تزال تحتفظ بها وكأنهم لم يرحلوا، تواسي أمينة نفسها وتصبرها على مُر الفراق.
تصف أمينة اللحظات الأخيرة لابنيها عامر وأحمد قبل استشهادهما أنهما كانا بحالة فرح شديد، وتقول "لم أجد لها تفسيرا حتى الآن، ولم يكترثا لسماع طائرة الاستطلاع (الزنانة) فوق المخيم".
وتضيف أن المشهد ذاته عاشته مع سليم قبل استشهاده بلحظات، حيث طلب منها أن لا تغادر المنزل خشية أن تُصاب برصاص الاحتلال. وقال لها "نريدك يا أمي"، كما دخل غرفة شقيقته الأرملة وسلم عليها واحتضنها، وطلب من والديه أن يعتنيا بها وبأطفالها.
وإلى حارة المنشية التي صار اسمها "حارة الشهداء"، حيث تقطن عائلة غنَّام، تتقاطر النسوة من داخل المخيم وخارجه لتقديم واجب العزاء أو "التهنئة بالاستشهاد" كما يصِفنها.
وتقول الأم المكلومة "تهنئني النساء بكلمة ألف مبارك، وهذا يفرحني ويشعرني بالفخر، وافتخر أكثر بأنهم صاروا يسمونني أم الشهداء وخنساء طولكرم". وتضيف "أولادي عطاء وهدية من الله لي، ومن أعطاني إياهم أخذهم، والصبر عند وقع البلاء أعظم، وما صبرني أنهم رحلوا بشرف وعزة وكرامة".
هُجرت عائلة غنام في نكبة فلسطين عام 1948 من قريتها عين غزال قرب حيفا، إلى منطقة جنزور قرب مدينة جنين شمال الضفة الغربية، لتنزح ثانية وبعد سنوات إلى مخيم نور شمس الذي استقرت به على أمل العودة.
تزوجت أمينة في المخيم، وأنجبت 12 ابنا (8 ذكور و4 إناث)، وعاشت متحملة كل ظروف البؤس في تربيتهم، إلى أن غدوا رجالا وشهداء، فتعددت المسميات والألقاب التي أطلقت على أم عبد اللطيف عبر مواقع التواصل، بين "خنساء فلسطين" و"خنساء نور شمس" و "خنساء طولكرم".
ومثل زوجته، يصبّر الحاج فيصل غنَّام والد الشهداء نفسه بمناقبهم وأخلاقهم الحميدة، وبمعاملتهم الطيبة وحب الناس لهم، وبرضاه عنهم، ويقول للجزيرة نت إن أبناءه رحلوا على يدي عدو ظالم لم يكتفِ بقتلهم، بل راح يحرض عليهم وعلى العائلة وأمهم تحديدا.
يقف أبو العبد، كما يُكنى في الحي، وسط منزله مستقبلا المعزين بكبرياء وصبر، ويسرد لحظة قنص جنود الاحتلال نجله سليم داخل البيت وبين أطفاله الثلاث دون ذنب، وكيف جلس هو وزوجته يحتضناه لساعات، حيث كان الاحتلال يواصل عمليته العسكرية ويرفض السماح لهم وللطواقم الطبية بالدخول للمخيم.
"الفقد صعب جدا وأشد ألما"، حسبما يصف محمد شقيق الشهداء الخمسة. وقال إن وقع المصيبة عليهم كعائلة كبير ولا يمكن تخيله، ويضيف "هم رفاقي قبل أن يكونوا أشقائي، ولكننا نستشعر عظمة الله عز وجل في فقدهم، وندرك أن إخوتي ذخر لنا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات نور شمس
إقرأ أيضاً:
العدوان الصهيوني على طولكرم ومخيمها يتواصل لليوم الـ34 على التوالي
الثورة نت/وكالات يتواصل العدوان الصهيوني على مدينة طولكرم ومخيمها لليوم الـ34 على التوالي، وعلى مخيم نور شمس لليوم الــ21، تزامناً مع دخول شهر رمضان المبارك، وسط تصعيد عمليات التهجير القسري للمواطنين الفلسطينيين بعد إجبارهم على ترك منازلهم تحت تهديد السلاح. وأجبرت قوات العدو، الليلة الماضية المواطنين على إخلاء منازلهم في حارة جبل النصر في مخيم نور شمس شرق طولكرم، في ظل الحصار المشدد المفروض عليه، وسط مداهمتها للمنازل وتخريب محتوياتها، وتحويل بعضها لثكنات عسكرية، واستخدامها كمواقع للقناصة والمراقبة. وشوهد عدد من المواطنين من الرجال والنساء والأطفال، يحملون بعضا من حاجياتهم وهم يغادرون المخيم مشيا على الأقدام، في أجواء البرد القارس تزامنا مع إطلاق جنود الاحتلال للأعيرة النارية بكثافة لإرهابهم. كما أحرقت قوات الاحتلال منازل في حارة المنشية ما أدى إلى اشتعال النيران داخلها، وسط دمار كبير وكامل في البنية التحتية، وتدمير للطرق والممتلكات العامة والخاصة. وشهد المخيم منذ اليوم الأول للعدوان الاسرائيلي حركة نزوح كبيرة بين سكانه من النساء والأطفال وكبار السن والمرضى، تركزت في حارات: المنشية، والمسلخ، وجبلي النصر والصالحين، حيث فاق عددهم الـ5500 نازح، توجهوا الى مراكز إيواء ومنازل أقاربهم في المدينة وضواحيها وريفها. وكانت قوات الاحتلال أخطرت قبل أيام، بهدم 11 منزلا في مخيم نور شمس خلال الأيام المقبلة، بذريعة شق طريق تبدأ من ساحة المخيم باتجاه حارة المنشية. وفي السياق، دفعت قوات الاحتلال بتعزيزات عسكرية إلى المدينة وباتجاه مخيمي طولكرم ونور شمس، وجابت الشوارع والحارات، وتمركزت على طول شارع نابلس الرابط بين المخيمين، في الوقت الذي ما زالت تستولي على مبانٍ سكنية في الشارع المذكور، وتحولها لثكنات عسكرية، وتنشر القناصة داخلها. وما زال الاحتلال يفرض حصارا مشددا على المخيمين، ويمنع الدخول إليهما أو الخروج منهما، وينشر فرق المشاة في محيطهما وداخل الحارات والأزقة، وسط مداهمته للمنازل وتخريبها، وتدمير محتوياتها وإخضاع من يتواجد بداخلها من المواطنين للاستجواب. وخلال العدوان المتواصل على المدينة ومخيميها، ألحقت قوات الاحتلال دمارا كبيرا وكاملا، في البنية التحتية من شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والاتصالات، ما أدى إلى انقطاع الخدمات الأساسية عن كامل المخيمين، وفاقم من معاناة المواطنين الذين ما زالوا في منازلهم. كما خلفت الجرافات العسكرية دمارا كبيرا وغير مسبوق في الطرق والأحياء السكنية، إضافة إلى تدمير الممتلكات من منازل ومحال تجارية بشكل كامل وجزئي، وآخرها هدم 26 بناية بشكل كامل في مخيم طولكرم، فيما استشهد 13 مواطنا بينهم طفل وسيدتان إحداهما حاملا في الشهر الثامن. ووسط استمرار الحصار المشدد على المخيمين، تستمر مناشدات المواطنين الذين ما زالوا في منازلهم ويعيشون ظروفا صعبة وقاسية، لتأمين وصول مستلزماتهم الأساسية من طعام وماء وأدوية وحليب أطفال، والعمل على إصلاح شبكتي المياه والكهرباء، في وقت الذي يعيق الاحتلال ويمنع عمل طواقم الإغاثة خلال محاولتها إيصال المواد الاساسية الضرورية لهم. وفجر اليوم اعتقلت قوات الاحتلال الشابين تيسير محمود الحجار بعد مداهمة منزله في الحي الشرقي لمدينة طولكرم، وتخريب محتوياته، وأحمد القاروط من منزله في الحي الغربي للمدينة. كما تواصل قوات الاحتلال إغلاق بوابة حاجز جبارة عند المدخل الجنوبي لمدينة طولكرم لليوم الـ22 على التوالي، وعزل المدينة عن قرى وبلدات الكفريات، وباقي محافظات الضفة.