بقلم عمر العمر
عقليتا دعاة الحرب وأنصار السلام تفتّقت مع اشتباك إبني آدم البكرين. فحينما تمسك هابيل بالسلم والتسامح (ما أنا ببساط يدي إليك لأقتلك )تجاه فض الاشتباك ذهب قابيل إلى العنف(فطوعت له نفسه قتل أخيه،فقتله فأصبح من الخاسرين).هكذا اكتسى موقف الديمقراطيات الأوربية تجاه تنامي قوة هتلر وغطرسته بالتسامح والصبر .
*****
الحرب بمفهومها العدواني انتاج قبلي.بينما المؤسسة العسكرية إحدى مفردات الدولة الحديثة .رغم تطور الدول وشعوبها إلا أنها ظلت أسيرة العنف القبلي المشوب بخيوط الهمجية. فكما في حربنا الراهنة الخاسرة تقيس أطرافها حسابات النصر والهزيمة بما ألحقت من تدمير وتخسير في الجانب المقابل،بمافي ذلك منشآت المجتمع ومصادر ثرواته. لا أحد يلتفت إلى الخسائر الاجتماعية الفادحة على كاهل الأجيال المثقلة بعذاباتها من سن الحبو إلى مرحلة التوكؤ. هذا حال عجزنا الفاضح عن تدبر الأمور. فحدودة حميدتي ليست سوى بنات العنف القبلي. كما سيرة الدعم السريع هي إحدى فصول تشحيم اللاتسامح.
*****
في فجر ثورتنا البازخ بعتادها السلمي راهنا على استبدال الثكنات في مدننا الكبرى بمؤسسات التنوير والتطبيب،لكن في سياق التوغل في الحسابات الخاطئة لجهة حماقات مواجهة العنف بالعنف المضاد استبدلنا معسكرات العنف القبلي بالحدائق والميادين العامة.ما أدرك أشباه الساسة وأنصاف المثقفين أن العنف يولّد العنف ولا يزيد العقد إلا تعقيدا. لم يلهمنا مفكر من بيننا ان اليابان والمانيا خرجتا من تحت أنقاض الحرب الماحقة قوتين مهابتين دون اللجوء إلى العنف أوحمل السلاح.كما لم يذكرنا أحد متصدري الشاشات البلورية أن الاتحاد السوفياتي انهار ومستودعاته مكدسة بشتى صنوف الأسلحة المدمرة.
*****
ربما في سيرة البرهان وحميدتي ملمحٌ من أقصوصة هابيل وقابيل على قدر ما فيها بينهما من جهة وبين المؤتمر الوطني من الوجهة المقابلة. كلاهما يشوبهما غير قليل من التسامح المفضي إلى اللاتسامح.كلاهما رواية هزلية عامرة بالسذاجة حد الغفلة.فحميدتي ينطبق عليه قول الراحل جعفر بخيت في حق جعفر نميري بلسان الحزب الاسلامي(ذلك صنم صنعناه بأيدينا ).فهو صنيعة المؤتمر بشقيه السابق واللاحق.والبرهان هو وريث المؤتمر الشرعي بينما الآخر ابنه العاق. كلاهما لم يسمعا نصيحة الرئيس الأميركي الرابع والثلاثين دوايت ديفيد ايزنهاور بجلوس أطراف الحرب إلى طاولة المفاوضات.حتما لم يقرأ أيهما تجربة المهاتما غاندي أو مارتين لوثر كينغ في نبذ العنف.
*****
كما خلص الفيلسوف الألماني جورج هيغل إلى(الدرس الوحيد الذي نتعلمه من التاريخ أن لا أحد يتعلم من التاريخ). عديد من نخبنا نهضوا بدور حمالة الحطب وصبابة الزيت على نار الحرب.لكنهم لم يلتحقوا بفرقها وكتائبها!هم لم يتخذوا أياً من الموقفين من منطلقات أخلاقية.فالخيار الأخلاقي غير الملتبس تجاه حربنا الراهنة هو إعلاء نداء السلام.الوقوف ضد الحرب هو رفض للتدمير ، التعطيل،التشريد والتمزيق على الصعيد الوطني. الخميني كان أكثر وعيا بالدولة والشعب حينما تجرع (كأس سم السلام )لينهي حرب السنوات الثماني مع العراق رغم تمكن احساس الهزيمة منه.نحن صنعنا أعداءنا بأنفسنا من طينة عداواتنا مثلما أشعلنا الحرب بأيدينا.!
*****
تلك ليست سوى الخطيئة الأولى، إذ توغلنا في المستنقع حينما انهمكنا في محاولات تلبيس إزكاء الحرب القذرة كساءاً أخلاقيا برقع مهترئة فكرية أحيانا ووطنية أحايين. الحرب بيئة صالحة لكل الأوبئة الاجتماعية .فكما قال تولستوي (نحن نقاتل من دون ان نفكر ). الحرب بطبعها بيئة ملائمة لتفشي كل الأوبئة الاجتماعية.مركز القضية ليس من أطلق الرصاصة الأولى بل من دفع الشعب بأسره إلى درك العنف !فالحرب بدأت مع إندياح تبديد فرص السلم الاجتماعي بوسائط العنف المتباينة. ما من مصلح أو داعية حذرنا من دأب أثرياء الحرب على استنفار الفقراء بغية توسيع الحرب ثم استفرادهم باقتسام الغنائم قبل دفن جثث الضحايا!
*****
دعاة الحرب يلوحون - ياللمفارقة- بشعارات الكرامة الوطنية فوق انقاض المؤسسات العامة والخاصة .لكنهم لا يأبهون بكرامة المشردين في دوائر النزوح واللجوء في بيوت أو اوطان لا ينتمون إليها. كما هم غير مهمومين بعيون أطفال تعطلت لغة الإلفة بينهم بعيدا عن مراتع اللعب ومسالك المشاوير اليومية إلى المدارس .نعم أولئك وهؤلاء هاربون من الموت المجاني لكن أي عائد بخس يقبضون أو يترقبون مقابل الشعور بحياة مؤقتة في مكان بديل مؤقت ؟كلهم ضحايا هابيل وقابيل حيث أفضى التسامح إلى استعار اللاتسامح.ذلك كان خيار أشباه الساسة وانصاف المثقفين حينما اتخذوا مقاعد الفرجة تجاه تبديد السلم الإجتماعي بأيدي دولة التطرف والقمع.
*****
تبادل هابيلنا و قابيلنا تقديم القرابين باسم الوطن أحيانا والكرامة مرات والديمقراطية كثيرا والسلم غالبا.ولمّا يتقبل الشعب من أيهما.تبادل كل منهما دوري هابيل وقابيل .ولمّا يقتنع الشعب بأداء أي منهما.لدى الشعب باتت قناعة راسخة بأنهما ألقيانا معا في الجحيم .وأكثر من ذاك يقينا بأن أحدا منهما لن يعيدنا إلى فردوسنا المفقود.
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
جنوب السودان يعاني من تصاعد العنف العرقي والتوترات رغم تعهدات السلام
كشف تقرير لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، اليوم الثلاثاء، أن جنوب السودان لا يزال يعاني من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، غالبا بمشاركة مسؤولين رفيعي المستوى.
ورغم الوعود المتكررة بتحقيق السلام بعد سنوات من الحرب الأهلية الدامية، تواجه البلاد استمرار النزاعات العنيفة والتوترات العرقية المتصاعدة، مما يعكس فشلا ذريعا في تحقيق الاستقرار والعدالة.
وأكدت رئيسة لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ياسمين سوكا، خلال مؤتمر صحفي في جنيف، أن "الزعماء السياسيين في جنوب السودان يواصلون، بعد سنوات من الاستقلال، تأجيج العنف في جميع أنحاء البلاد، مما يشكل خيانة لشعبهم".
وأشارت إلى أن النخب السياسية، سواء على المستوى المحلي أو الوطني، تلعب دورا مباشرا في إشعال النزاعات من أجل البقاء في السلطة، رغم تورطها في جرائم سابقة.
تصاعد العنف العرقيوأظهر التقرير عن تصاعد أعمال العنف ذات الطابع العرقي في منطقة تامبورا خلال عام 2024، حيث ارتكبت القوات المسلحة والمليشيات جرائم خطيرة، مما أعاد إشعال التوترات التي نشأت عن صراع عام 2021.
وأشار التقرير إلى أن هذه الأعمال العنيفة تمت بتواطؤ من النخب السياسية، التي استغلت الوضع لتعزيز نفوذها.
إعلانكذلك، لفت التقرير الأممي إلى مخاوف حقوقية بشأن قانون "الكتاب الأخضر"، الذي تم اعتماده في ولاية واراب عام 2024. ويسمح هذا القانون بتنفيذ عمليات قتل خارج نطاق القضاء في حالات الاشتباه بغارات الماشية والعنف الطائفي، مما يهدد بشرعنة الإعدامات دون محاكمة عادلة.
ووصفت اللجنة هذا القانون بأنه انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، ودعت إلى إلغائه.
من جانبها، قالت سوكا إن استمرار العنف والفساد في جنوب السودان يمثل "خيانة لشعب عانى طويلا من ويلات الحرب. يجب أن تتحمل النخب السياسية المسؤولية وتعمل من أجل تحقيق السلام الحقيقي والتنمية المستدامة".
فساد ماليوسوء الإدارة المالية وغياب الشفافية في إنفاق الموارد العامة كان من أحد المحاور الرئيسية المذكورة في التقرير، ففي سبتمبر/أيلول الماضي، وافق زعماء جنوب السودان على تمديد المرحلة الانتقالية لمدة عامين، متذرعين بقيود مالية.
ومع ذلك، كشف التقرير أن الحكومة حققت إيرادات بلغت 3.5 مليارات دولار بين سبتمبر/أيلول 2022 وأغسطس/آب 2024.
ورغم هذه الإيرادات الضخمة، تعاني المؤسسات الحيوية مثل المحاكم والمدارس والمستشفيات من نقص حاد في التمويل، بينما يُحرم الموظفون المدنيون من رواتبهم.
وأكد كارلوس كاستريسانا فرنانديز، أحد أعضاء اللجنة الأممية، أن تمويل الخدمات الأساسية ومؤسسات سيادة القانون يتطلب القضاء على الفساد، إذ إن "سرقة الثروة الوطنية تحرم المواطنين من العدالة والتعليم والرعاية الصحية".
ويخلص التقرير إلى أن الأوضاع في جنوب السودان ما زالت تتدهور، مع استمرار القادة السياسيين في خيانة ثقة شعبهم عبر إذكاء النزاعات ونهب الثروات.
وأكدت اللجنة أن تحقيق السلام الحقيقي يتطلب جهودا حازمة لمكافحة الفساد وضمان المساءلة، مشددة على أن مستقبل البلاد يعتمد على إرادة المجتمع الدولي في فرض إصلاحات جوهرية وصون حقوق الإنسان.
إعلانودعت اللجنة المجتمع الدولي إلى زيادة الضغط على حكومة جنوب السودان لتحقيق الإصلاحات الضرورية، وضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
كما طالبت بوقف تمويل الجهات المتورطة في الفساد والعنف، ودعم الجهود الرامية إلى تحقيق العدالة والمساواة لشعب جنوب السودان.