بوابة الوفد:
2024-07-03@14:59:49 GMT

الإمام والتّصوُّف (5)

تاريخ النشر: 25th, April 2024 GMT

نهى الإمام عليّ أعوانه أن يسلبوا المال ويستبيحوا السبى وهو فى رأيهم حلال. قالوا: أتراه يحل لنا دماءهم ويحرم علينا أموالهم؟ فقال: إنما القوم أمثالكم، من صفح عنا فهو منا ونحن منه، ومن لجّ حتى يصاب فقتاله منى على الصدر والنحر. وصاح بهم يوم صفين: «خذوا من الماء حاجتكم وارجعوا إلى عسكركم وخلوا عنهم، فإنّ الله عز وجل قد نصركم عليهم بظلمهم وبغيهم».

وسن لهم آداب البطولة التى تتأسس على سنة الفروسية أو سنة النخوة حين أوصاهم ألا يقتلوا مُدبراً ولا يجهزوا على جريح ولا يكشفوا ستراً ولا يمدوا يداً إلى مال.

ولم يكن ليغتنم الفرصة التى تأباها سنة النخوة أو تحول بينها وبين شرف البطولة إنْ فى الحرب أو فى السلم. كان عمرو بن العاص يجترئ عليه بما يغض من حقه ويقدح فى دعوته، وطفق ينعته بين أهل الشام بالهزل والدعابة ويأمر بسبِّه على المنابر حتى وجب ردّه وإدحاض زعمه، فقال رضى الله عنه فى بعض خطبه: عجباً لابن النابغة! يزعم لأهل الشام أن فيِّ دعابة وأنى امرؤ تلعابة: أعانس وأمارس (أمازح وأغازل النساء). لقد قال باطلاً ونطق آثماً. أما وشر القول الكذب: إنه ليقول فيكذب، ويَعد فيخلف، ويسأل فيبخل، ويخون العهد ويقطع الآل (القرابة والرحم). فإذا كان عند الحرب فأى زاجر وآمر هو ما لم تأخذ السيوف مآخذها، فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القوم سبته، أما والله إنى ليمنعنى من اللعب ذكر الموت. وإنه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة، وأنه لم يبايع معاوية حتى شرط أن يؤتيه أُتية (عطية) ويرضخ له على ترك الدين رضيخة (القلة مثل العطية).

وقد جاءته الفرصة مواتية وابن العاص مُلقى على الأرض مكشوف السوأة لا يبالى أن يدفع عنه الموت بما حضره من وقاء، فصدف بوجهه عنه آنفاً أن يصرع رجلاً يخاف الموت هذه المخافة التى لا يرضاها من مُنَازله فى مجال الصراع، ولو غير عليّ أتيح له أن يقضى على عمرو بن العاص لعلم أنه قاضٍ على جرثومة عداء ودهاء، فلم يبال أن يصيبه حيث ظفر به، ولا جناح عليه.

هذه البطولة النادرة التى تأبى الهوان للأعداء لا تجهز على الضعفاء وهم أشبه بالأموات، ولا تعادى امرأة ولا رجلاً موالياً ولا جريحاً عاجزاً عن نضال ولا ميتاً ذهبت حياته ولو ذهبت فى سبيل حربه، هى بطولة لم تنفصل فى ميدان الحرب والنزال عن شواغل المعرفة الإلهية واستنباط حقائق الأشياء، ولا نسيان الآخرة أو التفكر والاعتبار بجعل ذكر الموت وطلب الحق مصادر تأسيس للعقيدة التى قامت عليها تلك نوادر البطولة، وهى كذلك لا تنفصل مطلقاً عن التجرد للحق والجهاد فى الله. وكذلك كان ديدن الإمام يطلب الحق من حيث هو كل لا يتجزأ ولا يعرف التفرقة بين دنيا وأخرى، لأنه حق فى الدنيا وحق فى الآخرة، وفيه يجاهد مجاهدة الشريف المستقين بما عند الله، إذ ذاك يصنع الأبطال التاريخ، وتظل الأجيال اللاحقة تستمد منهم الآمال والآفاق، ولا يزال كل أمل مع كل أفق بحاجة شديدة إلى تلمس خطى البطل، لتفتح أمام باصرته سبل الهداية ومباشرة اليقين فى طريقة السير، وتستهديه ليرشده خارطة التوجه، هنالك يكون البطل حاضراً لا يغيب.

ولذا كان لسير الأبطال وتراجم العظماء ممّن صنعوا التاريخ وأسهموا فى بناء الحضارة دورٌ فى وعينا الحاضر، وهو بلا شك دورٌ عميق بحجم الحضارة وبحجم المعرفة التى تقوم فيها.

لا يغيب دور البطولة من وعينا إلا إذا غابت عنه القيم، ولك أن تتخيل عالم نعيش فيه بغير قيم!

هذه القيم العلويّة التى يجسدها البطل كما جسدها الإمام، نحن أحوج ما نكون إليها فى مواجهة معاول القيم الرخيصة الساقطة الهدامة: قيم الغفلة والنكسة و النكوص والتردى.

فالبطولة صناعة إلهية، والأبطال فى التاريخ هم الأعلام البارزة، الرزق المبارك للبشرية، وحين يكون البطل ربيب رسالة وصفى صاحب الرسالة يكون أجدر بالبقاء فى حاضرة الوعى المعاصر وحاضنة القيم العلوية التى لا يغفلها الشباب فى كل زمن أو فى كل عصر إلا واستبدلوها، مع الغفلة، بقيم ساقطة هدّامة.

هكذا يصبح الحال مع الأبطال: مقياس تفوق وامتياز إذا وجدوا فى الأمة، ومقياس تخلف وتردى إذا فقدت الأمم وجودهم أو ظهر فيها من يتشبّه بهم لمجرد التشبه على الدعوى العريضة لا يقوم عليها دليل.

 «وللحديث بقيّة»

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: د مجدى إبراهيم الإمام علي

إقرأ أيضاً:

حب الدنيا وكراهية الموت.. استمرار العون من الله

 

أنشأ الكيان الصهيوني – الجامعة الإسلامية- في فلسطين المحتلة وهي جامعة خالصة وخاصة لتدريس المتميزين من اليهود أصول الدين الإسلامي، تشرف عليها المخابرات الإسرائيلية- وتمنح الخريجين منها أسماء والقاب مستعارة إسلامية ظاهرا يهودية باطنا، وذلك في إطار خطة استراتيجية لمواجهة الإسلام من خلال نشر الأكاذيب الاشاعات وتشكيك المسلمين في عقيدتهم وإيمانهم حتى يسهل السيطرة عليهم، وليست هذه الخطة جديدة فقد سبقهم في ذلك المستشرقون الذين اعتمد عليهم الاستعمار الحديث، والحملات الصليبية قبل الاستيلاء على فلسطين سابقا وقبل احتلال أقطار الوطن العربي والإسلامي في العصر الحديث، رغم أن بعضهم بدأ بهدف الإساءة لكنه تحول إلى الإسلام، وأثبت هدف الدراسات الاستشراقية وابعادها، من اليهود والنصارى، واليوم تتضافر جهودهم من خلال أقسام الدراسات الإسلامية في جامعات دول الغرب، والجامعة الإسلامية في تل أبيب لتكرار الأمر ذاته.
خلال الأحداث الماضية من الحرب والحصار أطل المتحدث باسم الجيش الصهيوني افيخاي أدرعى يروى أحاديث نبينا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ويصف حركة الجهاد وحماس وغيرهما انهم خوارج، وكأن إسرائيل أصبحت تمثل الإسلام، ويتهم أيضا بأنهم يمارسون أساليب وإجرام الجماعات الاستخباراتية التي مولتها دول الغرب لخدمتها ولتحقيق أهدافها.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك مكوناته وضع الغرب الإسلام العدو الذي يجب هزيمته فكريا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا وفي كافة المجالات حتى يتم الاستئثار بكل تلك الخبرات ومنها مصادر الطاقة والثروة والمواصلات، وكان تصفية القضية الفلسطينية أهم هدف لتحقيق الهيمنة الصهيونية وربط الكيانات المطبعة والعميلة وجودا وعدما، لكن الحلول الظالمة المفروضة على المقاومة أوجد نوعا من الإحباط واليأس والعودة إلى خيار الجهاد والمقاومة من جديد.
يدرك ساسة الغرب وصناع القرار السياسي فيها، وأيضا اليهود أهمية التمسك بالدين الإسلامي وما يشكله من عامل قوة وممانعة لانتشار أفكارهم ومبادئهما لذلك فهم يعملون على تشويه الإسلام سواء في أوساط مجتمعاتهم وفي أوساط المجتمعات العربية والإسلامية، وهي توجهات صريحة يؤكدها ساسة الغرب دونما حياء أو خجل أو خوف، من ذلك تصريح رئيس المجموعة الوزارية الأوروبية وزير الخارجية الإيطالي: حينما سئل عن مبررات بقاء حلف الأطلسى- بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الذي أنشأ من أجله الحلف فقال: المواجهة المقاومة مع العالم الإسلامي، وسئل مرة أخرى ما السبب لوقف هذه المواجهة قال: إن يقبل الأخر بالنموذج الغربي، مما يؤكد أن القيم والمثل التي ينادى الغرب إليها ويدعى حمايتها والكفاح من أجلها ليست سوى دعاوى زائفة وأكاذيب يروجها لتحقيق مصالحه وأهدافه، مع أن أبسط المبادئ الديمقراطية تعني حرية الاختيار واحترام ومعتقدات الطرف الآخر، فالغرب لا يحترم سوى مصالحه ولا يهتم بالضحايا الذين سيتم إبادتهم من أجل تحقيقها، والعالم العربي والإسلامي اليوم يمثل البعد القومي لإمبراطوريات الغرب الهالكة والحالية، لذلك يسعى لكل جهوده وإمكانياته للسيطرة التامة على كافة المجالات اقتصاديا وسياسيا- عسكريا وثقافيا ودينيا- فالانتصار العسكري والتنكوجي الذي تحقق له خلال السنوات الماضية اغراه لأن يسعى جاهدا لتحقيق الانتصار والتفوق في بقية المجالات حتى نستديم له السيطرة والاستمرار مع أن الحقائق تؤكد أن تلك الإنجازات هي نتائج الثروات التي استولى عليها بالقوة والإبادة والحروب التي خلقت الملايين من الضحايا لإرضا، شهوات الانتقام، ولاء ثبات البطولات المدعاة أمام تلك الجماهير.
المفكر الأمريكي- برناردلويس- أحد أهم صنائعي- القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية- قدم مقترحاته- لتقسيم الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثين دولة أثنية ومذهبية- لحماية الصالح الأمريكية واليهودية، تجزئة العراق إلى ثلاث دول وإيران إلى أربعه، وسوريا إلى ثلاث، والأردن دولتين ولبنان خمس والسعودية إلى عدة دول، وهذا المقترح قدمه بناء على خبرته الاستشراقية في دراسة التاريخ الإسلامي، ونشره في مجلة وزارة الدفاع الأمريكية عام 2003م وهو بهذا يضمن هيمنة وتفوق الكيان الصهيوني، واستمرار تدفق الثروات إلى الغرب والشرق وبقاء الفرقة والشتات لدول الوطن العربي أكبر قدر ممكن، حتى أن أطماع أمريكا بثروات العراق عبر عنها جورج بوش الأب 1990م في تصريح أدلى به لإحدى الإذاعات الفرنسية بقوله: (أن مناصب الشغل لدينا، ونمط حياتنا، وحريتنا وأيضا حرية الدول الصديقة لنا عبر العالم ستتأثر سلبيا إذا ما سقط أكبر مخزون للنفط في العالم بين يدي صدام حسين) وهذا الاستعلاء الغربي الذي تقوده أمريكا والصهيونية العالمية قد حذر منه رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قله نحن يومئذٍ قال (صلى الله عليه وآله وسلم، بل أنتم يؤمئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت” سلسلة الأحاديث الصحيحة.
إن الغرب يعمل جاهدا من خلال وسائله وأدواته التي زرعها في الدول العربية حكاما ومسؤولين خونة وعملاء على زعزعة الثقة بالله والإيمان به واستمداد العون منه، لأن ذلك يضمن له بقاء حالة الانهزام والاستسلام والسيطرة، والتحكم وهي حالات لا تتفق مع الإيمان الصحيح والثقة والتوكل على الله- فالإيمان عزة واستعلاء على الإجرام والطغيان ومواجهة واقتحام، وما أصدق ما قاله الشهيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي- رسول الله يريد لنا أن نكون أعزاء كما كان عزيزا” أما الاستسلام لطغيان أمريكا والصهاينة والخونة والعملاء فذلك هو عين الذل والخسارة والهوان، وصدق المجاهد القسامي أبو عبيدة (تتوعدنا بما ننظريا بن اليهودية أنه لجهاد نصرا واستشهاد ” وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ”.

مقالات مشابهة

  • حقيقة رؤية ملك الموت عند خروج الروح.. الإفتاء توضح
  • البطل العالمي مراد زاهر: فخور بنتائج الرياضيين المغاربة في بطولة “NPC Pro qualifier” +فيديو وصور
  • العالم علمين يطارد رائحة الموت
  • القيم المنظمة للاصطفاء والانتخاب للولايات العامة: منظومة القيم والبناء المفاهيمي والدليل السلوكي
  • دعاء بحسن الخاتمة.. اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل
  • حب الدنيا وكراهية الموت.. استمرار العون من الله
  • حكم من فاته تكبيرة الإحرام مع الإمام في صلاة الجماعة
  • من كلّ بستان زهرة – 68-
  • أوقاف إب يحتفي بذكرى يوم ولاية الإمام علي عليه السلام
  • فعالية خطابية في إب بذكرى يوم ولاية الإمام علي عليه السلام