يسرد عمنا محمود السعدنى فى كتابه الشيق مسافر على الرصيف قصصا مثيرة عن شخصيات ادبية عظيمة كانت تجلس على قهوة عبدالله بإحدى عمارات ميدان الساعة بالجيزة، حقق هذا المقهى العادى شهرة واسعة فى الأوساط الثقافية بسبب رواده من نخبة متنوعة وتشكيلة رائعة من عمالقة هذا العصر أمثال زكريا الحجاوى عبدالرحمن الخميسى انور المعداوى يوسف ادريس نزار قبانى سيد مكاوى زهدى محمود حسن اسماعيل عبدالقادر القط والرئيس السادات فى ريعان شبابه والقائمة تطول كانت هنالك ندوات حرة ثرية ممتدة حتى طلوع الفجر تتناول بسخرية جادة مواضيع الساعة فى السياسة والادب والفن وحتى آخر النكات التى يتداولها الناس.
حظى السعدنى بملامح مصرية صرفة تدعمها موهبة فنية عالية بين أبناء جيله، لكن قوانين السوق الظالمة التى تخضع لمعايير الربح والخسارة كان لها رأى آخر وهو ما أثر بشكل كبير على مسيرته الفنية، فكان المتاح اقل بكثير من قُدراته وإمكانياته وطموحه، ومع ذلك اجتهد فى انتقاء الأفضل فلعب أدواراً علقت فى ذهن المشاهد تنوعت بين الكوميديا والدراما.
رصيده السينمائى الكبير حيث قدم نحو 65 فيلماً ومع ذلك لم يكن فتى الشاشة الاول أو نجم شباك التذاكر، لكن فلسفته العميقة وذكاؤه الفنى دفعه للعب فى منطقة خاصة جدا فقد راهن على الجودة والقيمة الفنية، لذا اتجه إلى المسرح والدراما التليفزيونية فقدم اعمالاً خالدة ما زالت محفورة فى الذاكرة الجمعية بعيدا عن كفاءة صلاح الممثل والفنان فقد كان شخصية جذابة جدا موسوعى الاطلاع والثقافة متحدثا لبقاً رفيع المستوى كان له رؤية خاصة أتذكر حديثه الرائع عن نظريته الشبهية التى يشرح فيها بعبقرية ماسأة المجتمعات العربية التى ترزح تحت نير الاستبداد والجهل والتخلف، فهى تبدو من حيث الشكل مواكبة للحداثة ولديها مؤسسات سياسية وثقافية ورياضية…الخ لكن حقيقة الأمر هى ابعد ما تكون عن ذلك لأسباب كثيرة يطول شرحها فما بين الماضى والحاضر امور مشتركة وشخصيات مكررة ومواقف معادة.
لم تكن يوما حياته الشخصية هى محور أخباره الصحفية فعاش بهدوء وسكينة أبناء الطبقة الوسطى حتى اعتزاله بكرامة وشموخ، وهو ما جعله يركز على تقديم صورة مثالية ناصعة ومحترمة عن الفن المصرى قوبلت بتقدير عظيم من محبيه ظهر ذلك جلياً فى جنازته المهيبة لاسيما الحضور اللافت للأجيال الجديدة التى اتخذته مثالا وقدوة لما يجب أن تكون عليه قوة مصر الناعمة.
رثاء صلاح السعدنى المثقف العفوى هو احتفاء بقيم انسانية سامية وبرسالة الفن الحقيقية.. رحم الله عمدة الدراما وأسكنه فسيح جناته.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: محمود السعدنى
إقرأ أيضاً:
تخاريف .. ترامب
خلال فترته الرئاسية الأولى وبالتحديد عام 2018 ، ألفت المساعدة السابقة فى البيت الأبيض الأمريكى " أوماروسا نيومان" كتابا بعنوان " المعتوه" عن تفاصيل تجربتها أثناء عملها لمدة عام مع الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب ، ووقتها حققت مبيعات الكتاب 3.3 أللف نسخة فى أول أسبوع من إصداره واحتل المركز الثانى فى قائمة أعلى الكتب مبيعا فى الولايات المتحدة.
حقا أن اختيار عنوان الكتاب كان موفقا للغاية ومعبرا ومن خلال تجربة عملية عاشتها السيدة " نيومان".
فقد خرج علينا هذا الرئيس، عقب فوزه للمرة الثانية بالرئاسة، بمقترحاته بشأن تهجير سكان غزة إلى الأردن ومصروهو ما يندرج تحت الأفكار الغريبة التى تلفت النظر إلى مزيج من الجهل والغطرسة اللتين يتمتع بهما رئيس أكبر وأقوى دولة فى عالم اليوم.
كما تحدث ترامب عن استعادة قناة بنما، وعن تغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، وعن الحد من الهجرة.
وايضا تحدث ووصف امريكا بأنها اعظم حضارة فى التاريخ وكل هذه التصريحات لا يمكن وصفها سوى أنها تخاريف ، وكان أكثرها عتها قوله " يتعين على الأردن ومصر استقبال المزيد من الفلسطينيين، ولا سيما أن غزة مدمرة بشكل تام وفى حالة فوضى عارمة» وكأن الذى دمر غزة هما الأردن ومصر!.
ونحن نقول لهذا الرجل الذى يهذى لا وألف لا يا سيد ترامب. مصر لم ولن تخذل أبدا فلسطين وقضيتها العادلة. موقف مصر المبدئى والثابت، الذى أعلنته وكررته مرارا بلسان الرئيس السيسى، على نحو قاطع لا لبس فيه هو رفض التهجير القسرى للفلسطينيين، حفاظا على القضية الفلسطينية، والحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، والأمر نفسه أعلنه الأردن مرارا بكل قوة ووضوح، مثلما أكدته كذلك كل القمم العربية.
فقد رأى السيد ترامب بعينيه موقف الشارع المصرى ومواقف كل الشوارع العربية ولن يقبل أهل غزة أنفسهم ترك ديارهم ووطنهم والخروج لأة مكان فى العالم وإلا كانوا خرجوا وفروا منذ عقود ، بل تحملوا وطأة الحصار والتجويع والتدمير الممنهج سنوات ولم يتخلوا عن ديارهم.
ويبدو أن السيد ترامب ليس لديه دراية بالتاريخ وليس ملما بثقافات الشعوب ولا يدرى ماذا تعنى الأرض والوطن بالنسبة للعرب.
خلاصة القول أن دولة كبيرة مثل الولايات المتحدة تمل بشكل مؤسسى ، لا يجب على الاطلاق أن تخرج مثل هذه التخاربف من رئيسها ، فهناك أجهزة ومؤسسات ومجالس استشارية ونيابية داخل الولايات المتحدة لابد أن تتدحل لأن ما يردده ترامب هو إساءة ليس لشخصه بل لامريكا القوة العظمى فى العالم .
[email protected]