بثينة تروس
لا يخفي على أحد بعد مرور عام من الحرب ان مسرح الفوضى، وانتشار السلاح، واستباحة البلاد، ونهب مواردها، قد اكتمل اعداده، بالفتن لختام انشطار الوطن الي غير أمان. وخاب فأل الفلول حين نجح شباب وشيوخ قبيلة البني عامر في اخماد نيران مخططهم، لانشطار مكونات الشرق. ولو قدر للذاهبين بمعركتهم شمالاً من قوات الجنجويد فليستعدوا، لأنهم لن يجدوا غير التهميش المدهش وتغبيش الوعي، فلقد سبقتكم عليها ايادي الحركة الإسلامية لمدى ثلاثين عام حسوم.
بالأمس القريب وحينما كانت الشوارع تهتف (لا اله الا الله، الكيزان أعداء الله) و (العسكر للثكنات والجنجويد ينحل) كتب الكيزان، أعداء التغيير، علي الجدران: (حميدتي لحماية الإسلام).. الم يكونوا اخوة متحابين نفذوا سوياً مجزرة القيادة العامة في يونيو 2019 ؟ أي ذاكرة تلك التي تنسي منظر قوات الجيش، والدعم السريع، وكتائب الظل الاسلاموية، واللجنة الأمنية، وهم يتحلقون بوحشية حول الشباب المعتصمين امام القيادة العامة، وهم يفترشون الأرض وايديهم فوق رؤوسهم، واخرون مقيدون لا يكادون يقوون علي المشي، و قوى الشر تصرخ فيهم بهستيريا (قول عسكرية) فيما يشبه الاستتابة علي مطالب المدنية، وهتافات (مدنيااااو) ويواصلون ضربهم بأعقاب البنادق وبالعصي، بوحشية غاشمة ويتصايحون بحقد أعمى (مدنية ولا عسكرية؟) والشباب والكنداكات ما بين الدم وإزهاق الأرواح يرددون (لا.. عسكرية، عسكرية) ثم يصورونهم بفيديوهات يتبارون في تسجيلها وبثها، (وحدس ما حدس).
نفس المشهد يتكرر في أحد فيديوهات اعلام الحرب الان، قوات الدعم السريع يتحلقون حول مجموعة من أسرى مليشيات كتائب الجيش بعد معركة الجيلي، في نفس حالة هستيريا جنون الاعتصام (قول جاهزية، سرعة، حسم) مستعرضين قوتهم وسيطرتهم. ثم لا تبعد بعيدا عن ذلك المشهد، فيطالعك اعلام الطرف الاَخر، مشهد لأفراد من منتسبي الجيش وهم يصوبون دوشكاتهم واسلحتهم، على رؤوس اسراهم من الدعم السريع، يصرخون مكبرين ومهللين لانتصارهم في نفس المعركة على المتمردين. لكن المختلف عن المشهد الأول ان جل رسالتهم موجهة للقوي المدنية، أي باختصار الطرف الذي لا يحمل سلاح في المعركة، من الواضح انها ليست بمعركة (الكرامة) للوطن وانما تقودهم حفائظ نفوسهم والضغائن من ضياع سلطتهم، وهم دائما ما يهددون بأنهم عائدون، وسوف ينتصرون.
ولم يخفوا نيتهم بأن أول مهامهم بعد انتصارهم أعادة قوانين النظام العام سيرتها الاولي، وضبط اللبس، والسلوك، وسوف ينظمون الشارع السوداني، وتأديبهم بالضرب (والمتق) وحسم الفوضى وإقامة الحدود من حد السرقة وقطع الايدي، والرجم.. وبالطبع عجزوا عن شرح أسباب فشل حكومتهم عن تطبيق هذه الحدود على الفاسدين (وجلهم من المنتسبين إليهم) طوال ثلاث عقود.. انهم اقواما لا تعلمهم التجارب ولا يورثهم قبح الحروب حكمتها، فبدلا من تطمين المواطن بأنهم سوف يعمرون الأرض، ويستخلفون الدمار بالعمار، والموت بالحياة الرخية، ويعيدون المستشفيات، والمدارس والمدن سيرتها الاولي، فها هم يتوعدونهم بالانتقام والويل والثبور والمزيد من الموت وكأن ويلات الحرب لا تكفيهم انتقاماً من الشعب الذي ثار عليهم واقتلع نظامهم.
الشعب السوداني بلا شك ضحية هذه الحرب التي لا تخضع لقوانين الحروب، اذ تظل الانتهاكات والمجازر البشعة مستمرة والتتطور الوحيد يقع في ادواتها ومنهجيتها القمعية بعد ان استبيحت المدن والقرى، واحتلت بيوت المواطنين ونهبت من طرفي الحرب! وقصفت منازلهم بلا رحمة فزهقت الأنفس وضاع حصاد السنين، وتدمرت المنظومة الصحية والتعليمية المتهاويتان اصلاً! وحصاد عام من الاحتراب كان ما يزيد عن ثلاثة عشر ألف قتيل، وما يفوق العشرين مليون يواجهون الموت بالمجاعة، وجل النازحين من الشيوخ، والأطفال، والنساء والفتيات اللائي واجهن العنف الجنسي والقهر والذل.
اما الحرب الإعلامية بين طرفي القتال فلقد بلغت حدا من الاحترافية، اتقنوا فيها صناعة الفتن التي اعجز المدنيين صدها، فتصدعوا وانقسموا بأكثر مما كانوا عليه من تصدع وانقسام، حتي انهم عجزوا عن ان يوحدوا شتاتهم في مظلة إعلامية موحدة لجميع السودانيين الذين يؤمنون بوقف الحرب بلا تمايز بين انتماءاتهم السياسية او العقائدية، يستطيعون من خلالها كسب المجتمع الدولي لصفهم، ليقف معهم وهم يسعون لاستعادة الوطن، وينشرون من خلالها رسالة السلام وضرورته الملحة، ويرفعون مستوى الوعي بكيفية وقف الحرب، والتخطيط لما بعدها، واحياء مطالب التغيير وفاء لجيل الشباب الذي آمن بالسلمية لتحقيق العدالة، واستشهد عدد كبير منه فداء لها.. الشاهد في الأمر ان اعتي واشرس الحروب انتهت بوضع السلاح والانحياز للتفاوض والسلم ولحفظ حقوق المواطن، وحفظ كيان الأوطان وتبقى الحقيقة الثابتة أنه لا يحل مشكلة السودان الا السودانيون أنفسهم.
tina.terwis@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الوزيرة هزار تطمئن على جاهزية القنصلية السودانية بليبيا لامتحانات الثانوية ببنغازي
اطمأنت الأستاذة هزار عبد الرسول وزيرة الشباب والرياضة الاتحادية على استعدادات القنصلية السودانية ببنغازي لاستقبال امتحانات الشهادة السودانية المؤجلة للعام 2023 ضمن زيارتها لمؤازرة المنتخب الوطني في مباراتة ضد المنتخب الأثيوبي ضمن تصفيات الأمم الأفريقية للاعبين المحليين .وأشادت الوزيرة هزار بجهود السفارة السودانية ودعمها ومساندتها للجالية مؤكدة على نجاح القنصليات في كافة المدن الليبية من احتواء السودانيين وتسهيل مهامهم الحياتية بتوفير خدمات التعليم والصحة .وتابعت بتواجد الجالية السودانية ووحدتها من خلال مباراة المنتخب الأولى وهي ترسخ لمفاهيم الوطنية والقومية السودانية وشعارها ( سودانا فوق ) معبرة عن فخرها بالسودانيين الذين شجعوا وساندوا المنتخب تحت المطر والبرد الشديد.وعن امتحانات الشهادة السودانية التي يستضيفها مركز الجامعة الليبية البريطانية ببنغازي.أكدت الوزيرة اكتمال كافة الاستعدادات بحضور القنصل العام للسودان ببنغازي الاستاذ عبد الرحمن محمد رحمة الله وأعضاء القنصلية وتعاون المسؤلين الليبيين برئاسة د. عطاف الخفيفي مدير الجامعة وأعضاء هيئة التدريس الذين هيأوا كل متطلبات إنجاح العملية التعليمية.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب