عصب الشارع - صفاء الفحل
لم نسمع يوما من مسؤول (بورتسوداني) واحد وهو يتحدث عن مجاعة أو كارثة إنسانية قادمة لشعب الله المقهور في السودان رغم أن المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي قد (بح صوتها) وهي تصرخ محذرة كل صباح من انحدار البلاد نحو هاوية سحيقة من الجوع بينما طرفي الحرب ما زالا يتصارعان لنهب ما تبقى من غذاء البسطاء الشحيح بعد أن تحولت حربهما بعد أكثر من عام من حرب كرامة وإعادة ديمقراطية إلى حرب للبحث عن (لقمة عيش) يبحثان خلالها عن ما يسد رمق جنودهم الجوعى ويمنحونهم صك الغنائم من أجل ذلك.
الجوع اليوم لم يعد حصريا على معسكرات النزوح وحدها والتي يموت فيها طفل كل ساعتين بسبب سوء التغذية حسب التقارير بل تمدد ليشمل كل بقاع الوطن بعد النزوح المستمر لمدنها الكبيرة التي أصبحت تئن من ارتفاع تكاليف المعيشة التي تمضي بمعدل تصاعدي مرعب كل يوم حتى اقتربت من حدوث مجاعة بها خاصة أن سبل الإنتاج والزراعة صارت مغلقة وينعكس الأمر أيضا على طرفي الحرب اللذين تقلصت أحلامهم إلى كيفية الحصول على ما يسد رمق جنودهم بعد أن تحولوا إلى (نهابين) أكثر من مقاتلين من أجل قضية.
وحتى المجهودات الكبيرة التي قامت بها القوى المدنية (تقدم) وجمعها للمليارات للخروج من هذه الأزمة التي تلوح في الآفاق تقف حائرة حول إمكانية وكيفية إيصال هذه المساعدات لمستحقيها في ظل هذا الوضع المأزم فالمجتمع الدولي قد فقد الثقة في طرفي الحرب ويخاف من استخدام الدعم لإطالة أمدها مع الهجوم المتواصل على القوافل الإغاثية واستخدام الدعم في غير الغرض الأساسي منه.
ويبقى الأمل معقودا على هذه الجولة من منبر جده والذي يدخله الطرفان وقد تغير الكثير من المفاهيم القديمة فحكومة اللجنة الأمنية الكيزانية التي تقود المعارك باسم القوات المسلحة وبعد الخسائر الكبيرة التي تكبدتها في مستنفريها قد أدركت بأن القتال لن يقودها لتحقيق أهدافها ولو استمر لعشرات السنين أما الدعم السريع فهو ومن البداية ظل يبحث عن مخرج آمن ولكن في ظل حكومة مدنية وهو يعلم الخبث الكيزاني أن التراجع عن الحرب دون ضمانات كافية وهي لن تكون في ظل الحكومة الحالية التي تسيطر على سدة الحكم ومن الواضح أن الطرفين أصابهما اليأس ويدركان خطورة الوضع إلا أنهما يخافان المحاسبة والقصاص وهو أمر لا مناص منه ولو بعد حين
والثورة ايضا لن تتوقف
والخلود ابداً لمن هم اشرف منا جميعاً.
الجريدة
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
السياسات الإقتصادية الإنتقالية والحرب
السياسات الإقتصادية الإنتقالية والحرب:
معتصم أقرع
3 فبراير 2025
كانت أول موازنة للحكومة قحت الإنتقالية نقطة تحول أكتمل فيها رفضي لنهج الصفوة التي ورثت البشير ومن حينها ظللت أردد إنها تقود الشعب إلي مسلخه. وتم وصف موقفي بالتشاؤم ونشر السلبية والإحباط وتكسير المقاديف والحسد والتكلس الأيديلوجي، فقد كنت متهما حينها بماركسية بايتة عفا عليها الزمن ثم صرت كوزا بعد الحرب قبل إنتقالي إلي ترانسجندر سياسي متبرقع مرة كوز ومرة ماركسي.
وبالطبع كان من الممكن ألا تتحقق نبوءاتي عن نتائج السياسة الإقتصادية وتنجح الإنتقالية في انتشال الأقتصاد ووضع أسس للإزدهار وكنت ساكون الأكثر سعادة حينها رغم أن ذلك كان سيبرهن علي تهافت تحليلي وضعفه ويثبت إني أقرع ونزهى ومفترى وحاسد وبتاع أيديلوجيات بايتة . ولكن التاريخ قد قال قولته وانا الاكثر حزنا علي أن توقعاتي لم تخب.
وكنت قد اوصيت عقب اعلان موازنة 2020 بان يبوس كل زول سودانه لاخر مرة وان يقبله مرة اخري لان الموازنة سوف تغيره جذريا. وبالفعل تضاعفت تكلفة المعيشة وانهار سعر الصرف وظل معدل النمو سالبا وأنكمش الإقتصاد في كل عام من أعوام الإنتقالية. وساهم الفشل الإقتصادي في تأجيج إحتقان سياسي إنتهي بحرب ضروس فالأقتصاد والسياسة متباريات جدليا.
ورغم ذلك ظل خطاب قحت وكان وما زال حتي يومنا هذا يحتفل بنجاح إدارته للاقتصاد، وهذا نجاح لم يحدث لم إلا في أوهامه المسيسة وتكشف زيفه الأرقام في بيانات الحكومة نفسها فهذه جماعة تكذب بلا حياء.
وفي آخر زيارة للسودان قبل إندلاع الحرب بقليل كتبت البوست أدناه ووصفت حال الإقتصاد كما بدا لي في بداية عام ٢٠٢٣. ثم حدس حدس.
معتصم أقرع
3 فبراير 2025
انطباعات عابرة:
معتصم أقرع
3 فبراير 2023
في زيارة للسودان لاحظت خلو المطاعم والكافيهات من الرواد الذين كانت تعج بهم سابقا. فمثلا محل طلعت للفول في السنين الماضية التي سبقت موازنة 2020 كان دائما ممتلئا بالرواد، ولكنه الان صار غفرا وموحشا في معظم ساعات العمل. وهو محل فول. فول.
وينطبق الامر علي الكافيهات الغالية بلا استثناء. فعلي سبيل المثال كانت اوزون في أوقات معينة تمتلئ عن بكرة ابيها ويضطر الزائر أحيانا ان ينتظر فترة قد تطول ليحصل على طاولة. أما الان فقد صارت الطاولات متوفرة ومعظم الرواد أجانب أو بضعة سودانيين احضروا معهم خواجات في حالة ما يبدو انه عمل أو مجموعة من سودانيين يبدو انها وافدة من الخارج في زيارة. أما أهل الخرطوم فقد صاروا عملة نادرة لا تري بالعين المجردة في عرصات اوزون.
ورغم انني لم اكن ابدا من عشاق اوزون إلا انها تظل اجمل كافيهات الخرطوم فقط بسبب الجلوس تحت شجرة علي طاولة نظيفة. إلا انها لم تعد تطاق لأسباب ديمغرافية, فقد اختفت من شجرها البرجوازية السودانية التي طالما ما لعناها (ولكنها تظل سودانية) وصارت اوزون أراضي محتلة تقريبا (وليس كاملا) حصريا للأجانب كملعب غولف أصحابها.
وفي حواراتي مع أصحاب المصانع وأصحاب الركشات أخبروني ان العمل لم يعد كافيا لتغطية التكلفة وذكر بعضهم انهم يعملون بالخسارة فقط لان العمل تسلية وخروج من المنزل أحسن من قعاد ساي وقال بعضهم انهم يودون المحافظة على وجودهم في سوق العمل عسى ولعل ان ينصلح الحال فلا يضطرون للبداية من صفر جديد. وقد شكي بعض أصحاب الدقيق من عجزهم عن بيع ما لديهم منه والسبب الفقر المدقع.
وجاء في الاخبار ان بعض الطلاب وبعض العاملين بالخدمة المدنية لا يذهبون للعمل أو الدراسة كل الأسبوع لان تكلفة المواصلات لا تطاق كما ان المزارعين وأصحاب المصانع عانوا كثيرا من ارتفاع أسعار الطاقة وخسروا بما يقلل انتاجهم في الراهن ومستقبل الأيام.
ويبدوا ان الحكومة الانتقالية اصابت نجاحا عظيما في هدفها المعلن من رفع الدعم عن المحروقات لتقليل شرب المواطن للشاي مع احبابه في الجانب الاخر من المدينة.
في يوم العودة لاحظت أيضا التراجع الكبير في عدد المسافرين للخارج عبر مطار الخرطوم. يبدو ان الطبقة الوسطي لم تعد قادرة علي السفر كما كانت تفعل قبل موازنة 2020 إياها.
ورغم اكتساب النساء نظريا حق السفر بدون سين وجيم الا ان الغلاء قد اغني معظمهن من عناء السفر عبر المطارات أو التسكع علي شارع النيل أو كافيهات الخرطوم ولا ندري مدي سعادتهن بالحريات الليبرالية النظرية الذاهلة عن الشرط الاقتصادي للحرية.
خلاصة القول ان الطبقة الوسطي قد ذهب ريحها مع اقتصاد انتقالية ما بعد البشير فقد اوصينا عقب اعلان موازنة 2020 بان يبوس كل زول سودانه لاخر مرة وان يقبله مرة اخري لان الموازنة سوف تغيره جذريا واضفنا الي ذلك ان البرجوازية السودانية علي ذمة الواعي.