وصفت كاتبة مصرية الشيخ والعلامة اليمني عبدالمجيد الزنداني بالشيخ الذي لما يهدأ، في مقالة لها عنونتها بـ '' وداعا للشيخ الذي لم يهدأ''.

واشارت الكاتبة المصرية عزة مختار الى اسهامات الشيخ الزنداني العلمية والدعوية ومحطات من حياة الشيخ الراحل، فيما يلي ينشر مأرب برس المقالة كاملة:

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح “إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بموت العلماء”.

وها هم علماء الأمة يواريهم الثرى واحدا بعد الآخر في فترات زمنية قياسية وتفقد الأمة اليوم رجلا أقل ما يقال فيه إنه أمة بمفرده، إذ لم يترك مجالا ينفع به بلاده اليمن، ثم أمته العربية والإسلامية، إلا أبدع فيه، ومن ذلك فكرته الإبداعية بإنشاء هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة التابعة لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة؛ ليضع قواعد علم يخاطب به العالم بلغة جديدة يستطيع من خلالها نشر الفكرة الإسلامية بمفهوم جديد.

إنه الشيخ عبد المجيد الزنداني الذي ولد عام 1942 في قرية الظهبي بمديرية الشعر في محافظة أب اليمنية، درس في مصر وحصل على إجازة الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر، وبعدها عاد إلى اليمن بعد ثورة 1967 حيث شارك في العمل السياسي والإسلامي، وتعددت إسهاماته العلمية والدعوية منذ ذلك الحين حتى وفاته يوم الاثنين 22 من إبريل/نيسان 2024. ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

هيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة وتجديد الخطاب الدعوي

أسس الشيخ عبد المجيد الزنداني هيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة عام 1985م، وهي تابعة لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وكان أول أمين عامّ لها.

ويرجع الفضل إلى الرجل في وضع عدة أهداف علمية ودعوية للهيئة غيرت من شكل الخطاب الدعوي في السنوات الأخيرة بقراءة جديدة لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويقول هو نفسه عن علم “الإعجاز العلمي للقرآن والسنة” في حوار له على قناة الجزيرة مع الإعلامي أحمد منصور عن ماهية الإعجاز العلمي: “موضوع الإعجاز موضوع اصطلاحي لم يرد في القرآن ولم يرد في السنة، وإنما استنبط من التحدي الذي تضمنه القرآن للكافرين وعجزهم عن المجيء بمثل القرآن، واستنبط عن التحدي الذي يقوم به الرسل عندما يرسلهم الله ببينات تثبت صدق رسالتهم، أما المصطلح الذي اختاره القرآن فهو البينة، السلطان، الآية، التي تثبت صدق الرسول. والإعجاز يكاد يكون مقصورا على ما فيه التحدي مع العجز، ولكن البينات هي أوسع من ذلك، فمثلا إذا أخبر القرآن الكريم بخبر من أخبار الغيب سيقع، فإن المعجزة بالمصطلح لا تتحقق إلا إذا عرفها الناس”.

ويردف الشيخ قائلا عن أهمية هذا العلم رغم حداثته: “إن الإيمان لا يقوم إلا على العلم والعلم لا يقوم إلا على الدليل والبينة، ولو كانت مسألة الإيمان تؤخذ هكذا بغير دليل لادَّعى كل كذاب أنه رسول ولادَّعى كل إنسان ما شاء أن يدَّعي، ولكن الله جعل للرسل بينات وأدلة وحجج تبين صدقهم، والمؤمن لا يكون مؤمنًا صادقًا قويًّا إلا إذا علم الأدلة التي جاء بها هؤلاء الرسل، ولذلك قال تعالى {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}، فلا بد لكي تكون مؤمنًا أن يكون لديك علم ولا بد لكي يكون لديك علم أن تكون عندك بينة وعندك حجة، ومن أعظم الحجج والبينات ما أظهره الله لنا في هذا الزمان في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة”.

والحقيقة أنه بالرغم من أن مسألة الإعجاز العلمي قد سبقت الشيخ بعشرات السنوات، إلا أنه منذ تأسيس تلك الهيئة لا ينكر منصف أنها قد غيرت واقع الخطاب الإسلامي وجددته بما يتفق والعقلية الحديثة والواقع العالمي الجديد، وهو خطاب ربما لبّى بنسبة كبيرة مطالبات بتجديد الخطاب الدعوي وتطويره بما يلائم المستجدات والواقع العالمي الجديد.

وقد جاء في أهداف التأسيس المعلنة والمنشورة بموقع الهيئة:

1) وضع القواعد والمناهج وطرق البحث العلمي التي تضبط الاجتهادات في بيان الإعجاز العلمي للقرآن والسنة.

2) إعداد جيل من العلماء والباحثين لدراسة المسائل العلمية والحقائق الكونية في ضوء ما جاء في القرآن والسنة.

3) صبغ العلوم الكونية بالصبغة الإيمانية وإدخال مضامين الأبحاث المعتمدة في مناهج التعليم في شتى مؤسساته ومراحله.

4) الكشف عن دقائق معاني الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة المتعلقة بالعلوم الكونية في ضوء الكشوف العلمية الحديثة، ووجوه الدلالة اللغوية ومقاصد الشريعة الإسلامية، دون تكلف.

5) إمداد الدعاة والإعلاميين في العالم، أفرادًا ومؤسسات، بالأبحاث المعتمدة للانتفاع بها، كل في مجاله.

6) نشر هذه الأبحاث بين الناس بصورة مناسبة لمستوياتهم العلمية والثقافية، وترجمة ذلك إلى لغات المسلمين المشهورين واللغات الحية في العالم.

وتلك هي الأنشطة التي قامت بها الهيئة بالفعل منذ إنشائها حتى وقت قريب، قبل تدخل عوامل إقليمية مستجدة.

جامعة الإيمان باليمن نشأتها وأهدافها

أسس الشيخ الزنداني عام 1995 جامعة الإيمان بمدينة صنعاء باليمن ليتفق هدفها الأول مع هدف هيئة الإعجاز العلمي، وهو تقديم نموذج جديد من الدراسات الإسلامية يتوافق مع روح التجديد وحاجة المجتمع اليمني والعربي والإسلامي والعالمي كذلك، نموذج عملي في المقام الأول، خريجين قادرين على الاجتهاد في كافة التخصصات التي تقوم بتدريسها.

وتميزت بأقسام جديدة شملت العلوم الكونية والإعجاز العلمي والاستشراق وغيرها من العلوم الجديدة، واستطاعت أن تجمع طلابًا وأساتذة من جنسيات مختلفة، وصنعت حالة ثقافية مبهرة في اليمن خاصة أن من شروط الالتحاق بها حفظ خمسة أجزاء من القرآن الكريم في الحدّ الأدنى لمستوى الحفظ، وكذلك كان من نظامها بدء الدراسة مع الفجر في حالة يقظة مجتمعية أضافت إلى اليمن في تلك الفترة نقلة حضارية تتفق مع أصالة معدن الشعب اليمني وأساسه التاريخي الإسلامي رغم العمل على تغيير هويته فترات طويلة.

وقد نشرت الجزيرة في 25 سبتمبر/أيلول 2001 تقريرا مفصلا عن الجامعة وأهدافها ذكرت فيه سطورا عن مناهجها قائلة “يدرس الطلاب في السنوات الأولى قبل مرحلة التخصص علومًا إسلامية عامة مثل التفسير والفقه والسيرة واللغة العربية وآدابها، ثم يبدأ التخصص بعد السنة الثالثة مع الاستمرار في دراسة العلوم الإسلامية الأساسية. ويتشابه المنهج الذي يدرسه الطلاب فيما يتعلق بالمواد الإسلامية مع غيره من المناهج في مختلف الجامعات الإسلامية كجامعة الأزهر في مصر والجامعة الإسلامية في باكستان والجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، غير أن ما يميز جامعة الإيمان في اليمن اهتمامها الكبير بالجوانب التطبيقية العملية، التي تخصص لها رحلات دعوية للقرى والمدن اليمنية نهاية كل أسبوع ثم نهاية كل عام دراسي، ويتوقف نجاح الطالب على اجتيازه لهذه الرحلات بنجاح، ويطلق عليها التطبيقات العملية”، وواضح من منهجية الانتساب للجامعة كيف ركز الشيخ على الجانب العملي بتوظيف الطلاب بالقرى والأماكن النائية للقيام بدورهم الخدمي والدعوي في مقابل رواتب رمزية لهؤلاء الطلاب، وهو ما يوضح شخصية الشيخ رحمه الله في مجالات اهتمامه الإسلامية على العموم.

مساهماته العلمية

بدأ الشيخ الزنداني العمل في اليمن بعمليات تطهير فكرية موسعة لتصحيح السنة والقضاء على الخرافة المتوارثة، وذلك بنشر العلم واختيار طلاب جامعته من مختلف المدن اليمنية لتمثل الجامعة والعلم في تلك المحافظات، وكذلك بنشر مدارس تحفيظ القرآن وتعليم السنة وكانت فترة ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي من أنشط الفترات التي حظيت بها الدعوة التي أطلقها الزنداني وقام بها بالاتفاق مع النظام الحاكم وقتها، واستطاع استجلاب معلمين من جنسيات عربية وإسلامية استطاعوا إنجاز تغيير جذري وإحداث صحوة علمية وفكرية يمنية عميقة.

وقد أصدر الشيخ عددا من المؤلفات في مجال الإعجاز العلمي على رأسها “تأصيل الإعجاز العلمي”، و”إنه الحق”، و”منطقة المصب والحواجز بين البحار”. وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة أم درمان الإسلامية في السودان.

رحم الله الدكتور عبد المجيد الزنداني ورزق الأمة من يخلفه في علمه وعمله.

المصدر: الجزيرة مباشر

المصدر: مأرب برس

كلمات دلالية: جامعة الإیمان فی القرآن

إقرأ أيضاً:

في ذكرى وفاته.. الشيخ علي محمود إمام التلاوة وسيد الإنشاد ومكتشف النجوم

تمر اليوم، السبت، ذكرى وفاة الشيخ علي محمود، الذي يُعتبر أحد أبرز أعلام التلاوة والإنشاد الديني في مصر والعالم العربي. هذا العبقري، الذي وُصف بسيد القراء وإمام المنشدين، ترك إرثًا خالدًا في فن التلاوة وفن الموشحات.

نشأة مبكرة ومثابرة استثنائية

وُلد الشيخ علي محمود عام 1878 بحارة درب الحجازي في حي الحسين، القاهرة، لعائلة ميسورة الحال.

 ورغم فقدانه البصر في طفولته بسبب حادث، لم يكن ذلك عائقًا أمام طموحه وإبداعه. 

بدأ مشواره بحفظ القرآن الكريم على يد الشيخ أبو هاشم الشبراوي، ثم أتم تجويده وتعلم القراءات والفقه، مما أسهم في بناء قاعدة قوية لصوته العذب وأدائه الفريد.

القرآن والموسيقى: مزيج من الإبداع

لم يقتصر إبداع الشيخ علي محمود على التلاوة، بل امتد إلى الإنشاد والتلحين. درس أصول الموسيقى والموشحات على يد أساتذة كبار مثل الشيخ إبراهيم المغربي ومحمد عبد الرحيم المسلوب.

 وكان يؤذن لصلاة الجمعة كل أسبوع على مقام موسيقي مختلف، ما جعله مبتكرًا ومتفردًا في هذا المجال.

صانع النجوم ومكتشف المواهب

لم يكن الشيخ علي محمود مجرد قارئ أو منشد، بل كان أيضًا مكتشفًا للمواهب. من أبرز الذين تتلمذوا على يديه الشيخ محمد رفعت، الذي وصفه بالصوت النادر.

 كما ساهم في تدريب الشيخ طه الفشني والشيخ زكريا أحمد وغيرهم، ليصبحوا نجومًا في عالم التلاوة والإنشاد.

إرث خالد

رغم وفاته في 21 ديسمبر 1946، تظل تسجيلات الشيخ علي محمود، القليلة ولكن المؤثرة، شاهدًا على عبقريته التي لا تُضاهى. أسلوبه في التلاوة والإنشاد أصبح مدرسة يستلهم منها القراء والمنشدون حتى اليوم.

 

في ذكرى رحيله، يظل الشيخ علي محمود رمزًا خالدًا في قلوب محبيه وعشاق القرآن والإنشاد، نموذجًا للإبداع الذي يتحدى الزمن، واسمه محفورًا في سجل الخالدين.

 

مقالات مشابهة

  • أميركا تقصف صنعاء والحديدة والمنصات تشكك في دقة الضربات وأهدافها
  • كم ركعة صلاة العشاء الفرض والسنة؟.. صلها 6 ركعات بالخطوات
  • في ذكرى وفاته.. الشيخ علي محمود إمام التلاوة وسيد الإنشاد ومكتشف النجوم
  • ذكرى رحيل الشيخ العناني: علامة فارقة في تاريخ الأزهر والشريعة الإسلامية
  • كلية الدراسات الإسلامية للبنات بسوهاج تناقش كتاب دلائل الإعجاز
  • الأوقاف تحيي ذكرى وفاة القارئ والمبتهل الشيخ علي محمود
  • في ذكرى رحيل الشيخ علي محمود.. عبقري التلاوة وسيد الإنشاد ومكتشف الشيخ محمد رفعت
  • خطيب البعوث الإسلامية: الأمة تمر بأحداث صعبة ستخرج منها أشد قوة
  • خطيب البعوث الإسلامية: استسلام الأمة للمنافقين بداية الانهيار.. والشيطان ينشر اليأس
  • التمسوا الصفاء وحلاوة الإيمان في رحاب الطبيعة البكر!