صديقي القديم وحياة البرزخ الوظيفي
تاريخ النشر: 25th, April 2024 GMT
محمد الفريدي
تحولات الحياة وتقلباتها لا تستثني أحدًا، حتى الذين يبدون في قمة السلطة والنفوذ والمناصب العليا، ففي الحياة العملية الأضواء لا تنطفئ بسهولة، ولكن يمكن للمشهد أن يتغير بشكل سريع، كما هو الحال مع أحد أصدقائي من الشخصيات البارزة في المدينة المنورة، من الذين كانوا يومًا ما يحظون بتقدير المواطنين والمقيمين وتصفيقهم، وإذا تحركوا يتحركون بموكب مهيب من السيارات الرسمية، وينظر إليهم كرموز للقوة والسلطة والنفوذ، ولا يدعون إلا بكلمات تعكس هيبتهم ومكانتهم.
لكن الزمن له دوره في صقل الشخصيات وتغيير الأدوار، فقد تحول صديقي هذا من حالة القوة والنفوذ والسطوة إلى حالة لا أقول الضعف، بل حالة أكثر تواضعًا وإنسانية، وبات معروفًا بسهولة الوصول إليه، واستجابته لاتصالات أصدقائه القدامى وزملائه السابقين، ما يعكس تحولًا في نمط حياته وطريقة تفاعله مع الآخرين.
إضافة إلى ذلك، اتخذ صديقي هذا على عاتقه مهمة تعليم الآخرين، والاهتمام بتغير السلوك والتفاعل الاجتماعي، فكان يوزع ما يسميه بـ “ بلوك بنكهة الفراولة” وهو رمز للتجديد في العلاقات والتفكير، ويعتبر هذا التحول نوعًا من الإرادة لإثبات أن المكانة لا تعني العزلة عن العالم الحقيقي، وأن المناصب العليا والنفوذ يمكن أن يستخدما لفائدة الآخرين وتعليمهم.
هذه الشخصية تعيش ما يمكن أن نسميه بـ “حياة البرزخ الوظيفي”، حيث تتداخل مراحل القوة الوظيفية مع مرحلة الانسحاب الهادئ نحو حياة أقل تعقيدًا وأكثر إنسانية، هذا التحول يعتبر درسًا في أن القوة والنفوذ هما لحظتان زمنيتان تتغيران بتغير الظروف، وأن الجوهر الحقيقي للشخص وإن ارتقى في المناصب العليا، لا تظهر إنسانيته الحقيقية إلا بعد أن يترك تلك المناصب ويتعامل مع المتغيرات الجديدة.
في الواقع، يمكن للفترات الانتقالية في حياة الأفراد، خاصة تلك التي تشهد تحولات من قمة النفوذ إلى حياة أكثر تواضعًا، أن تكون مصدر إلهام للكثير، هذه الشخصية المهابة التي كانت يومًا ما محط الأنظار ووسائل الإعلام في المدينة المنورة، تعلمت كيف تنقل خبراتها وتجاربها إلى الآخرين بطريقة مؤثرة ومفيدة، بعد أن كانت توجهاته ومواقفه تحدد من خلال الألقاب والمناصب فقط، بات الآن يقدر بسعة صدره وقدرته على الاستماع والتوجيه والإرشاد.
يظهر هذا التحول الكبير في شخصيته كيف يمكن للحياة العملية أن تكون مرهقة ومستنزفة للطاقات الشخصية، وكيف يمكن للخروج منها أن يجدد النشاط والروح المعنوية، الرجل الذي كان يومًا ما يحيط نفسه بالمساعدين والمستشارين والحراسات الأمنية، يجد الآن السلام والراحة النفسية في مشاركة خبراته وتجاربه مع الأجيال الجديدة وأصدقائه وزملائه القدامى، ومن خلال تقديم نصائحه وتجاربه، يعلم الآخرين أهمية التكيف مع الظروف المتغيرة والحفاظ على الأخلاق والقيم الشخصية في مواجهة التحديات.
تعليماته ونصائحه لم تقتصر على الأمور العملية- فحسب- بل تعدتها إلى الأمور الدينية، وكيفية التعامل مع الناس وبناء العلاقات التي تسودها المودة والاحترام المتبادل.
أما “بلوك الفراولة” الذي يوزعه على البعض، فهو ليس مجرد رمز للتغيير، بل هو دعوة لتجربة الحياة بنكهة جديدة ومختلفة، نكهة تحترم التنوع وتقدر الأفكار الجديدة.
من هذه النقطة، يمكن القول: إن حياة البرزخ الوظيفي التي يعيشها صديقي الآن ليست نهاية المطاف بالنسبة له، بل هي بداية جديدة، هذه الفترة الانتقالية تظهر مرونة الإنسان وقدرته على التحول والتكيف مع الظروف المتغيرة، وأيضًا تظهر أهمية الخبرة والحكمة التي يمكن أن يقدمها الأفراد لمجتمعاتهم بعد تركهم المناصب الحكومية العليا.
ما يجعل قصة صديقي مهمة وذات مغزى عميق هي أنها تعلمنا أن القوة الحقيقية لا تكمن في السلطة أو المكانة الاجتماعية فحسب، بل في القدرة على التأثير الإيجابي في حياة الآخرين وفي المجتمع، هذا التأثير يستمر ويتعمق أكثر بعد مغادرة الساحة الوظيفية، حيث يصبح المرء أكثر حرية في التعبير عن آرائه ومشاركة خبراته دون القيود التي تفرضها عليه الأدوار الرسمية.
إن الدروس التي يمكن استخلاصها من حياة هذا الصديق لا تقتصر على العسكريين وحدهم، بل تمتد لتشمل كل من يمر بمرحلة تحول في حياته.
القدرة على إعادة تقييم الذات وتغيير المسار ليست سهلة، لكنها ضرورية للنمو الشخصي والمهني، وصديقي هذا بتحولاته وتجديداته، يظهر أن النهايات يمكن أن تكون بدايات جديدة، وأن الفشل في مرحلة ما لا تعني الفشل في الحياة.
أيضًا، يوضح أن الاستمرار في الأدوار التقليدية ليست الخيار الوحيد المتاح، بل هناك دائمًا إمكانية للتجديد والابتكار في طرق التفكير والعمل، وهذا ما يجعل الحياة مثيرة وذات معنى، فالحياة ليست مجرد سلسلة من الإنجازات، بل هي أيضًا مجموعة من التجارب والعلاقات التي تشكل شخصياتنا وتحدد مساراتنا.
بالنظر إلى ما قدمه صديقي من نصائح ومواقف، يمكن القول: إن أهم ما يمكن أن يعلمه لنا هو القدرة على الاستمرار في التعليم والتعلم والنمو، بغض النظر عن العمر البيولوجي أو المكانة الاجتماعية والوظيفية السابقة، فكل يوم يمكن أن يكون فرصة لتعلم شيء جديد وتحسين شيء قديم، وكل لقاء يمكن أن يكون فرصة لتبادل الخبرات والمعارف.
في نهاية المطاف، قصة صديقي هذا- أمد الله في عمره- على طاعته ونفعنا ونفع المسلمين بعلمه الغزير وأدبه الجم؛ تعلمنا أن قيمة الإنسان لا تقاس بمناصبه وإنجازاته فقط، بل بتأثيره الإيجابي في الآخرين وبقدرته على التعامل مع المتغيرات والتحديات بشجاعة وأمانة، وتعلمنا كذلك النظر إلى الحياة كرحلة مستمرة من التعلم والتحدي والتجديد، وتذكرنا بأهمية تقدير اللحظات الصغيرة والعلاقات الحقيقية التي تعطي الحياة معناها العميق.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: مقالات صدیقی هذا یمکن أن
إقرأ أيضاً:
حادث دهس دموي في سوق لعيد الميلاد بألمانيا.. مقتل 4 أشخاص بينهم طفل وإصابة العشرات.. وشاهدة عيان: "فجأة اختفى صديقي من جواري"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
لقي أربعة أشخاص مصرعهم، بينهم طفل، وأصيب العشرات بجروح بعد أن دهست سيارة حشودًا في سوق عيد الميلاد في مدينة ماجدبورغ بشرق ألمانيا، وفقًا للسلطات المحلية.
وأكدت وسائل الإعلام الألمانية يوم السبت أن عدد القتلى ارتفع إلى أربعة، وأن أكثر من 200 شخص أصيبوا، منهم 41 حالة حرجة.
وقال راينر هاسيلوف، رئيس وزراء ولاية ساكسونيا-أنهالت، للصحفيين في مكان الحادث إن المشتبه به – الذي تم اعتقاله – هو مواطن سعودي يبلغ من العمر 50 عامًا، وصل إلى ألمانيا في عام 2006 وعمل كطبيب.
وأوضح أن التحقيق الأولي يشير إلى أن الهجوم كان من تنفيذ "ذئب منفرد"، مشيرًا إلى أنه لا يمكن استبعاد المزيد من الوفيات بسبب عدد المصابين.
لا تزال دوافع الهجوم غير واضحة، وليس للمشتبه به أي صلات مع التطرف الإسلامي. وتظهر منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي أنه كان ناقدًا للإسلام.
وأظهرت لقطات من مكان الحادث العديد من سيارات الطوارئ وهي تصل إلى الموقع بينما كان الناس ممدين على الأرض. كما ظهرت لقطات أخرى لمواجهة مع الشرطة المسلحة أثناء اعتقال رجل كان ملقى على الأرض بجانب سيارة ثابتة.
وفيديو غير موثق على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر السيارة وهي تدهس الحشد في السوق.
وقال المسؤولون في المدينة إن حوالي 100 من رجال الشرطة، الأطباء، ورجال الإطفاء، بالإضافة إلى 50 من أفراد خدمات الإنقاذ، هرعوا إلى المكان.
عبر المستشار الألماني أولاف شولتز عن تعازيه قائلاً: "قلبي مع الضحايا وعائلاتهم. نحن معهم ومع سكان ماجدبورغ. وأشكر جميع خدمات الطوارئ في هذه الساعات الصعبة." وزار شولتز المدينة يوم السبت، حيث سيُقام قداس تذكاري للضحايا في كاتدرائية ماجدبورغ.
في مقابلة مع صحيفة "بيلد" الألمانية، وصفت نادين، التي كانت في السوق مع صديقها ماركو، اللحظة التي اقتربت فيها السيارة بسرعة نحوهم. وقالت: "فجأة اختفى ماركو من جانبي بعدما صدمته السيارة"
من جانب آخر، ذكر الصحفي لارس فروميلر من هيئة الإذاعة الألمانية MDR في مقابلة مع برنامج "وورلد تو نايت" على إذاعة BBC أنه شاهد "الدماء على الأرض" بالإضافة إلى "الكثير من الأطباء الذين يحاولون إبقاء الناس دافئين ومساعدتهم في إصاباتهم."
وقد تم تحديد هوية المشتبه به من قبل وسائل الإعلام الألمانية على أنه طالب أ.، طبيب نفسي يعيش في مدينة بيرنبرغ، التي تقع على بعد حوالي 40 كيلومترًا جنوب ماجدبورغ. وكان المشتبه به قد وصل إلى ألمانيا في عام 2006 وفي عام 2016 تم الاعتراف به كلاجئ. وكان يدير موقعًا على الإنترنت يهدف إلى مساعدة المسلمين السابقين على الهروب من الاضطهاد في أوطانهم الخليجية.
ووفقًا لمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، كان المشتبه به منتقدًا صريحًا للإسلام، وقام بالترويج لنظريات المؤامرة المتعلقة بمخطط للهيمنة الإسلامية في أوروبا.
في وقت وقوع الحادث، كانت مباراة لكرة القدم بين فريق ماجدبورغ وفورتونا دوسلدورف جارية. وبعد انتهاء المباراة، وقف لاعبو الفريق في صف واحد أمام جماهيرهم، وقال بيان من النادي إن "أفكارنا مع المتضررين من الأحداث المأساوية في سوق عيد الميلاد في ماجدبورغ".
في سياق متصل، تم إقامة دقيقة صمت في نهاية مباراة بين بايرن ميونيخ وRB لايبزيغ في ميونيخ.
لم يكن هذا الحادث هو الأول من نوعه في أسواق عيد الميلاد بألمانيا، ففي عام 2016، قام أنيس العامري، وهو تونسي فشل في الحصول على اللجوء في ألمانيا وكان له صلات مع تنظيم الدولة الإسلامية، بقيادة شاحنة في حشد من الناس في سوق بالقرب من كنيسة في برلين، مما أسفر عن مقتل 12 شخصًا وإصابة 49 آخرين.
بعد عامين، قام مسلح بإطلاق النار على سوق عيد الميلاد في مدينة ستراسبورغ الفرنسية، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة 11 آخرين. وتم قتل المسلح على يد الشرطة بعد يومين.
في الشهر الماضي، تحدثت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فايزر عن ضرورة "اليقظة الأكبر" في الأسواق الشعبية، لكنها أكدت أنه لا توجد "مؤشرات ملموسة" على وجود خطر.
كما أشارت فايزر إلى ضرورة تشديد القوانين المتعلقة بحيازة الأسلحة في الأماكن العامة بعد الهجوم بالسكاكين في سولينجن غرب ألمانيا في أغسطس، الذي أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، وهو الحادث الذي أشعل نقاشًا متزايدًا حول قضايا اللجوء والهجرة في ألمانيا.