صحيفة البلاد:
2025-01-23@02:38:47 GMT

صديقي القديم وحياة البرزخ الوظيفي

تاريخ النشر: 25th, April 2024 GMT

صديقي القديم وحياة البرزخ الوظيفي

محمد الفريدي

تحولات الحياة وتقلباتها لا تستثني أحدًا، حتى الذين يبدون في قمة السلطة والنفوذ والمناصب العليا، ففي الحياة العملية الأضواء لا تنطفئ بسهولة، ولكن يمكن للمشهد أن يتغير بشكل سريع، كما هو الحال مع أحد أصدقائي من الشخصيات البارزة في المدينة المنورة، من الذين كانوا يومًا ما يحظون بتقدير المواطنين والمقيمين وتصفيقهم، وإذا تحركوا يتحركون بموكب مهيب من السيارات الرسمية، وينظر إليهم كرموز للقوة والسلطة والنفوذ، ولا يدعون إلا بكلمات تعكس هيبتهم ومكانتهم.

لكن الزمن له دوره في صقل الشخصيات وتغيير الأدوار، فقد تحول صديقي هذا من حالة القوة والنفوذ والسطوة إلى حالة لا أقول الضعف، بل حالة أكثر تواضعًا وإنسانية، وبات معروفًا بسهولة الوصول إليه، واستجابته لاتصالات أصدقائه القدامى وزملائه السابقين، ما يعكس تحولًا في نمط حياته وطريقة تفاعله مع الآخرين.

إضافة إلى ذلك، اتخذ صديقي هذا على عاتقه مهمة تعليم الآخرين، والاهتمام بتغير السلوك والتفاعل الاجتماعي، فكان يوزع ما يسميه بـ “ بلوك بنكهة الفراولة” وهو رمز للتجديد في العلاقات والتفكير، ويعتبر هذا التحول نوعًا من الإرادة لإثبات أن المكانة لا تعني العزلة عن العالم الحقيقي، وأن المناصب العليا والنفوذ يمكن أن يستخدما لفائدة الآخرين وتعليمهم.

هذه الشخصية تعيش ما يمكن أن نسميه بـ “حياة البرزخ الوظيفي”، حيث تتداخل مراحل القوة الوظيفية مع مرحلة الانسحاب الهادئ نحو حياة أقل تعقيدًا وأكثر إنسانية، هذا التحول يعتبر درسًا في أن القوة والنفوذ هما لحظتان زمنيتان تتغيران بتغير الظروف، وأن الجوهر الحقيقي للشخص وإن ارتقى في المناصب العليا، لا تظهر إنسانيته الحقيقية إلا بعد أن يترك تلك المناصب ويتعامل مع المتغيرات الجديدة.

في الواقع، يمكن للفترات الانتقالية في حياة الأفراد، خاصة تلك التي تشهد تحولات من قمة النفوذ إلى حياة أكثر تواضعًا، أن تكون مصدر إلهام للكثير، هذه الشخصية المهابة التي كانت يومًا ما محط الأنظار ووسائل الإعلام في المدينة المنورة، تعلمت كيف تنقل خبراتها وتجاربها إلى الآخرين بطريقة مؤثرة ومفيدة، بعد أن كانت توجهاته ومواقفه تحدد من خلال الألقاب والمناصب فقط، بات الآن يقدر بسعة صدره وقدرته على الاستماع والتوجيه والإرشاد.

يظهر هذا التحول الكبير في شخصيته كيف يمكن للحياة العملية أن تكون مرهقة ومستنزفة للطاقات الشخصية، وكيف يمكن للخروج منها أن يجدد النشاط والروح المعنوية، الرجل الذي كان يومًا ما يحيط نفسه بالمساعدين والمستشارين والحراسات الأمنية، يجد الآن السلام والراحة النفسية في مشاركة خبراته وتجاربه مع الأجيال الجديدة وأصدقائه وزملائه القدامى، ومن خلال تقديم نصائحه وتجاربه، يعلم الآخرين أهمية التكيف مع الظروف المتغيرة والحفاظ على الأخلاق والقيم الشخصية في مواجهة التحديات.

تعليماته ونصائحه لم تقتصر على الأمور العملية- فحسب- بل تعدتها إلى الأمور الدينية، وكيفية التعامل مع الناس وبناء العلاقات التي تسودها المودة والاحترام المتبادل.

أما “بلوك الفراولة” الذي يوزعه على البعض، فهو ليس مجرد رمز للتغيير، بل هو دعوة لتجربة الحياة بنكهة جديدة ومختلفة، نكهة تحترم التنوع وتقدر الأفكار الجديدة.

من هذه النقطة، يمكن القول: إن حياة البرزخ الوظيفي التي يعيشها صديقي الآن ليست نهاية المطاف بالنسبة له، بل هي بداية جديدة، هذه الفترة الانتقالية تظهر مرونة الإنسان وقدرته على التحول والتكيف مع الظروف المتغيرة، وأيضًا تظهر أهمية الخبرة والحكمة التي يمكن أن يقدمها الأفراد لمجتمعاتهم بعد تركهم المناصب الحكومية العليا.

ما يجعل قصة صديقي مهمة وذات مغزى عميق هي أنها تعلمنا أن القوة الحقيقية لا تكمن في السلطة أو المكانة الاجتماعية فحسب، بل في القدرة على التأثير الإيجابي في حياة الآخرين وفي المجتمع، هذا التأثير يستمر ويتعمق أكثر بعد مغادرة الساحة الوظيفية، حيث يصبح المرء أكثر حرية في التعبير عن آرائه ومشاركة خبراته دون القيود التي تفرضها عليه الأدوار الرسمية.

إن الدروس التي يمكن استخلاصها من حياة هذا الصديق لا تقتصر على العسكريين وحدهم، بل تمتد لتشمل كل من يمر بمرحلة تحول في حياته.
القدرة على إعادة تقييم الذات وتغيير المسار ليست سهلة، لكنها ضرورية للنمو الشخصي والمهني، وصديقي هذا بتحولاته وتجديداته، يظهر أن النهايات يمكن أن تكون بدايات جديدة، وأن الفشل في مرحلة ما لا تعني الفشل في الحياة.

أيضًا، يوضح أن الاستمرار في الأدوار التقليدية ليست الخيار الوحيد المتاح، بل هناك دائمًا إمكانية للتجديد والابتكار في طرق التفكير والعمل، وهذا ما يجعل الحياة مثيرة وذات معنى، فالحياة ليست مجرد سلسلة من الإنجازات، بل هي أيضًا مجموعة من التجارب والعلاقات التي تشكل شخصياتنا وتحدد مساراتنا.

بالنظر إلى ما قدمه صديقي من نصائح ومواقف، يمكن القول: إن أهم ما يمكن أن يعلمه لنا هو القدرة على الاستمرار في التعليم والتعلم والنمو، بغض النظر عن العمر البيولوجي أو المكانة الاجتماعية والوظيفية السابقة، فكل يوم يمكن أن يكون فرصة لتعلم شيء جديد وتحسين شيء قديم، وكل لقاء يمكن أن يكون فرصة لتبادل الخبرات والمعارف.

في نهاية المطاف، قصة صديقي هذا- أمد الله في عمره- على طاعته ونفعنا ونفع المسلمين بعلمه الغزير وأدبه الجم؛ تعلمنا أن قيمة الإنسان لا تقاس بمناصبه وإنجازاته فقط، بل بتأثيره الإيجابي في الآخرين وبقدرته على التعامل مع المتغيرات والتحديات بشجاعة وأمانة، وتعلمنا كذلك النظر إلى الحياة كرحلة مستمرة من التعلم والتحدي والتجديد، وتذكرنا بأهمية تقدير اللحظات الصغيرة والعلاقات الحقيقية التي تعطي الحياة معناها العميق.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: مقالات صدیقی هذا یمکن أن

إقرأ أيضاً:

عضو «الأزهر العالمي»: الاستئذان في الإسلام ضرورة احتراما لخصوصية الآخرين

أكدت الدكتورة هبة إبراهيم، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى، أهمية مراعاة ضوابط الاستئذان في الإسلام حتى وإن كان لدى الأم أو الأب مفتاح بيت الأبناء، موضحة أنه رغم أن بعض الأمهات قد يكنّ معهن مفاتيح بيوت أولادهن، إلا أن هذا لا يعني أن الزيارة تكون بلا استئذان أو في أي وقت، بل يجب مراعاة خصوصية الزوجين.

احترام الخصوصية وحق الراحة

خلال حوارها مع الإعلامية سالي سالم في برنامج «حواء» على قناة الناس، أوضحت الدكتورة هبة أن الاستئذان في الإسلام ضروري، حتى وإن كان الشخص يحمل مفتاح البيت، موضحة أنه يوجد احترام لخصوصية الآخر وحقه في راحته، لذلك لا يجوز الدخول دون استئذان مسبق.

الاستخدام الاستثنائي للمفاتيح

وأشارت إلى أن المفاتيح عادة ما تكون للاستخدام في حالات استثنائية، مثل السفر أو الحاجة الماسة لدخول البيت في غياب الزوجين، لكن ذلك لا يعني السماح بالزيارة في أي وقت دون مراعاة شروط الاستئذان.

التفاهم بين الأطراف بشأن الزيارة

كما أكدت أنه في بعض الأسر قد يتم التفاهم أو الاتفاق ضمنيًا بين الزوجين أو بين الأم وابنها بشأن السماح لها بالدخول في أي وقت، لكنها شددت على ضرورة أن يكون هذا التفاهم بين الأطراف ولا يتسبب في أي مشكلات أو اضطرابات، وفي حالة شعور أي طرف بعدم الراحة، يجب احترام خصوصية الطرف الآخر.

ضرورة الاتفاق على الضوابط الشرعية

أضافت الدكتورة هبة أن الواجب الشرعي يتطلب من الزوجين الاتفاق على الضوابط التي تضمن احترام حقوق كل طرف، بما في ذلك احترام خصوصية الحياة الزوجية، من الضروري تجنب أي تدخلات قد تؤثر سلبًا على العلاقة بين الزوجين.

مقالات مشابهة

  • ما هي "ديبنوفوبيا" فوبيا تناول الطعام أمام الآخرين؟
  • بايدن يحظر ماسك على إكس والأخير يرد بسخرية: يا صديقي المنصة ملكي
  • ترامب يهاجم بولتون: لا يمكن أن نحمي "أحمق" مدى الحياة
  • وزير الأوقاف يطلق مدونة السلوك الوظيفي وأخلاقياتها المؤصلة شرعيًّا
  • وزير الأوقاف يطلق مدونة السلوك الوظيفي المؤصلة شرعيًا لتعزيز النزاهة والشفافية
  • كتاب “بشرط” الصادر عن دار الدحنون .. كيف يمكن ربط الأطفال بتراثنا العربي القديم؟
  • وصفه بـ صديقي العزيز.. رئيس الوزراء الهندي يهنئ ترامب بعودته إلى البيت الأبيض
  • محمود الأبيدي: الابتلاءات ليست عقوبة وحياة الأنبياء كلها ابتلاء
  • عبد الله أبو قردة: لا يحق لأي شخص أخذ القانون بيده أو الاعتداء على الآخرين
  • عضو «الأزهر العالمي»: الاستئذان في الإسلام ضرورة احتراما لخصوصية الآخرين