تكلفة باهظة والدفع بالعملة الصعبة.. كيف يبدو أول موسم للحج منذ 12 عاما في دمشق؟
تاريخ النشر: 25th, April 2024 GMT
دمشق- "كانت لحظة قبولي لأداء فريضة الحج لا توصف، فلطالما دعوت الله أن يكتب لي زيارة كعبته المشرفة والحمد لله المجيب لقد تحقق رجائي مع أن رسوم الحج كانت مكلفة وثقيلة على أبنائي المغتربين، فإنهم تعاونوا على تأمينها وصارت متوفرة بفضل الله".
بهذه الكلمات يعبر أبو محمد (62 عاما) في حديث للجزيرة نت عن سعادته بقبوله ضمن قوائم الحجاج السوريين لهذا العام، التي ستنطلق أفواجها من دمشق في يونيو/ حزيران المقبل باتجاه السعودية لأداء الفريضة المقدسة.
وأعلنت وزارة الأوقاف في حكومة النظام السوري، الأسبوع الماضي، عن قبولها العدد المحدّد بـ 17 ألفا و500 شخص لأداء فريضة الحج من أصل نحو 50 ألف متقدم بطلب عبر المنصة الإلكترونية المخصصة لهذا الغرض، وجرت المفاضلة بينهم وفقا لمعيار السن، ليتم قبول جميع المتقدمين من مواليد 1957 فما دون مع مرافقيهم المسجلين.
وهي المرة الأولى التي ستنطلق فيها حملات الحج من دمشق منذ نحو 12 عاما، ذلك بعد أن استأنفت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري العام الماضي.
وتوزع ملف الحج للموسم الحالي بين وزارة الأوقاف في حكومة النظام ولجنة "الحج العليا" التابعة للمعارضة السورية، التي كانت المسؤولة عن الملف كاملا منذ عام 2013.
المرة الأولى التي ستنطلق فيها حملات الحج من دمشق منذ نحو 12 عاما (رويترز) تكلفة فلكية والدفع بالنقد الأجنبيوتتراوح تكاليف رحلة الحج في مكاتب الحج والعمرة ضمن مناطق سيطرة النظام بين 85 و200 مليون ليرة سورية (5700-13 ألفا و400 دولار وفقا لسعر الصرف الرسمي) بحسب الخدمات المقدمة وأماكن الإقامة (درجة الفندق)، بينما لا تتجاوز تكاليف رحلة الحج من مناطق المعارضة في الشمال السوري مبلغ 5 آلاف دولار.
وعن الخدمات والتسهيلات التي تؤمنها مكاتب الحج والعمرة للحجاج في مناطق سيطرة النظام، يقول أبو إياد (53 عاما)، موظف في شركة سياحة في دمشق، للجزيرة نت: "يتضمن المبلغ المدفوع حجوزات الطيران ذهابا وإيابا، وأجور التنقّل بين الحرم والمدينة المنورة بباصات حديثة مكيّفة، إلى جانب تقديم وجبتي طعام (فطور وغداء) لكل حاج يوميا، وتفسيرات وإرشادات دينية يقدمها علماء دين طوال فترة الحج، وهدايا مقدمة للحجاج".
ويضيف: "تزيد التكلفة أو تنقص بحسب شركة الطيران ودرجة الحجز، إلى جانب درجة الفندق التي يختار الحاج المكوث فيه".
وأصدر مصرف سوريا المركزي، تزامنا مع إعلان وزارة الأوقاف قبولها الأعداد المحدّدة من الحجاج منتصف الشهر الجاري أبريل/نيسان، قرارا يقضي بإلزام المقبولين لأداء فريضة الحج بتسديد الرسوم والتكاليف بالنقد الأجنبي لبنك "البركة سورية".
وصرّح المركزي لشركات الصرافة المرخصة ببيع المقبولين من الحجاج مبالغ بالنقد الأجنبي بسعر الصرف الخاص بالمصرف "مضافا إليه عمولة لا تتجاوز 10%" من سعر الصرف المطبّق، مشيرا إلى أن شركات الصرافة ملتزمة بتزويد المصرف المركزي ببيانات الحجاج الواردة إليها مع إشعارات البيع.
إلزام المقبولين لأداء فريضة الحج بتسديد الرسوم والتكاليف بالعملات الأجنبية (رويترز) ردود الفعلواستنكر سوريون في مناطق سيطرة النظام الارتفاع الكبير في التكاليف التي حددتها مكاتب الحج والعمرة لقاء الخدمات المقدمة للحجاج خلال الرحلة الممتدة إلى 14 يوما، بينما سخر آخرون من قرار المصرف المركزي لتنظيم عمليات دفع الرسوم والتكاليف بالقطع الأجنبي لتناقضه مع قانون يقضي بمنع التعامل بغير الليرة السورية.
فتقول عزيزة (66 عاما)، من سكان دمشق، للجزيرة نت: "إن التكلفة مرتفعة جدا مقارنة بدخل معظم السوريين، وإن بعتُ ما فوقي وما تحتي لن أتمكَّن من دفع التكاليف".
وتضيف: "إن بقيت الأسعار على هذا الحال في المواسم القادمة فربما لن أتمكن من أداء فريضة الحج طيلة حياتي".
بينما يدوّن المستشار الإعلامي رامز حمصي، في منشور على صفحته في فيسبوك، مستنكرا ارتفاع تكاليف الحج في سوريا: "تصور يا رعاك الله أن الحج من سوريا هذا العام يكلف ابتداء من 100 مليون وصولا إلى 200 مليون".
وفي إشارة إلى رجال أعمال مقربين من النظام، يتابع: "مبروك على أبو علي خضر وقاطرجي وسامر الفوز ومن لف لفيفهم زيارة بيت الله الحرام."
في حين انتقد محمد درويش مَنْ ينتقدون الحجاج السوريين المستعدين لدفع تكاليف رحلة الحج من دمشق، مدوّنا على صفحته في فيسبوك: "في ناس الله عاطيها وبتشتغل وبتتعب طول السنة، ولا عندها (ليس لديها) لا روحة ولا جية ولا سياحة ولا سباحة، وبتحب تروح عالحج كل سنة، فشو دخلك (ما علاقتك؟) حتى تقول لهم اطلعوا ولا تطلعوا؟".
وأثار قرار المصرف المركزي إلزام الحجاج بدفع التكاليف بالنقد الأجنبي سخرية السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك لتناقض القرار مع المرسوم رقم 5 للعام 2024 الذي أكد منع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للدفع أو لأي نوع من أنواع التداول التجاري.
وقال محمد صالح في منشور على فيسبوك: "بتروح (تذهب) إلى البنك وبتدفع رسوم الحج بالدولار، وبتقول الحمد لله المهم نروح على الحج. ولما ترجع على سوريا بتلاقي عندك مراجعة لشي (لأحد) فرع (أمن) مشان التحقيق معك ليعرفوا من وين جبت الدولار".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات لأداء فریضة الحج بالنقد الأجنبی من دمشق الحج من
إقرأ أيضاً:
ثمن بقاء النظام الإيراني
من اليسير القول إنّ النظام الإيراني، منذ انقلابه على حكم الشّاه، يعيش السّاعة أصعب ظروفه على الإطلاق، وإن طهران تعيش على حافة الهاوية. فكل التغييرات في المنطقة تصب في مصلحة الشعوب والحكومات العربية والإقليمية بنقيض مصلحة النظام الإيراني وأتباعه، فكل ما يحدث ضدّهم، ورياح التغيير تجري عكس ما تشتهي سفنهم.
من الملاحظ التعافي التدريجي لليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، حيث بلغ 8000 ليرة سورية، بعدما وصل إلى 22000 ليرة سورية في آخر أيام حكم بشار الأسد، وفي المقابل من الملاحظ أيضا التهاوي المدوي للتومان الإيراني أمام الدولار الأمريكي، حيث بلغ 76000 تومان مقابل كلّ دولار أمريكي.
وخسرت إيران أحصنتها حصاناً تلو حصان، ودُمرت حصونها وقلاعها المتقدمة حصناً إثر حصن وقلعةً إثر قلعة وانقطع الحزام الميلشياوي الطائفي الذي كانت تسوّر به نفسها.
تحدث هذه الانقلابات وكأنها عملية انفجار بركاني ضد المشروع الإيراني الموسوم بتصدير الكراهية والموت والطائفية والعداوة للعرب، وإثارة النعرات المذهبية.
ومن أشهر هذه الممارسات العلنية ضرب قبور كبار الصحابة بالأحذية والحجارة، كما حصل مراراً عند قبر الصحابي الجليل وأحد دهاة العرب ورجل الدولة الناجح الخليفة معاوية بن أبي سفيان في مقبرة الباب الصغير في عقر دار العاصمة الأموية دمشق، واستيطان الشيعة الإيرانيين داخل المدينة وحاراتها السنيّة المعروفة.
وسقطت الدروع التي كانت تسربل الجسد الفارسي درعاً بعد درع، ضعفت حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين بشكل ملحوظ، وانتهت فاعلية الفصائل الفلسطينية التابعة والممولة إيرانياً في سوريا، كالقيادة العامة وفلسطين حرّة ومنشقين عن فتح والجبهة الشعبية.
خارت قوى حزب الله في لبنان بضرب بنيته العسكرية والاقتصادية واغتيال أمينه العام حسن نصرالله وابن خالته ونائبه هاشم صفي الدين صهر قاسم سليماني. كما فقد الحزب شريان حياته القادم من دمشق، وانتهى عصر طريق طهران – بغداد – دمشق – بيروت، وسقط مشروع الهلال الشيعي إلى غير رجعة.
وهناك ضغوط خارجية وداخلية على رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني لتحجيم دور الميليشيات الشيعية في العراق، وتقليص نفوذها، وقد تجلى ذلك من خلال نكوصها عن دعم غزّة وكشف مهاتراتها الفارغة، وعجزها عن مساعدة النظام السوري وهو يتهاوى.
وتتجه الأنظار اليوم نحو الحوثي، والعمل على إضعاف قوته، وإزاحته عن المشهد الحاكم في اليمن، يحدث كل ما تقدم تباعا، بعدما رحل نظام الكبتاغون في سوريا.
ولعل ما يميز القوى الحاكمة الجديدة في سوريا، هو معاداتها المعلنة لطهران وحزب الله، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
وفي سياق متصل، تعهدت القوى الحاكمة في سوريا بمكافحة تجارة المخدرات وتهريبها للدول المجاورة كالأردن، بعدما افتُضِح أمر تصنيع النظام السابق لحبوب الكبتاغون داخل مقرّاته ومؤسساته الأمنية، وتهريبها عبر شبكة فارسية واسعة للدول العربية وبالأخص الخليجية لتهديد أمنها واستقرارها، انتقاما منها لتصديها للمشروع الفارسي في المنطقة ودعمها للثورة السورية منذ انطلاقها، ونجاح مقاربتها التي سعت بجلاء لتقدم مفهوم الدولة الوطنية على مفهوم الميليشيات، في فلسطين ولبنان والعراق واليمن.
بعد كل هذه الخسائر والهزائم والإهانات والضربات المتتالية لإيران وأدواتها، من المفيد تذكّر شخصية “متلقي الضربات” في برنامج المسابقات الشهير “الحصن”، الذي تؤديه إيران وحرسها الثوري بكل مهارة تحت عنوان “الصبر الإستراتيجي”.
لم يعد لدى طهران ما تبتز به الدول العربية وتهدد به أمن المنطقة ككل، فميليشياتها تضاءلت وتقزّمت بشكل غير مسبوق، وانكشف زيف نظامها الصاروخي فلم يكن سوى نمراً من ورق ليس بمقدوره أن يغير موازين أيّ معادلة عسكرية في حال اشتعال أيّ حرب ضد طهران، مما أظهر النظام الفارسي مكشوفا وعاريا أمام أعدائه.
خسر النظام الإيراني خطوطه الدفاعية الأولى، وتعرض الداخل الإيراني إلى ضربات عسكرية واقتصادية قاصمة، ولم يعد لديه ما يقايض به لقاء استمراره في الحكم سوى التخلي عن حقه في تخصيب اليورانيوم، مع الوضع بعين الاعتبار أن الخيار العسكري مطروح على الطاولة، وقد لوّح به رئيس الولايات المتحدة القادم دونالد ترامب وهو خيار يتحمس له بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وسيباركه الاتحاد الأوروبي والقادة العرب في حال اتخاذه، ومن الواضح أنّ سياسة دونالد ترامب تخلو من جزرة ليقدمها لإيران وسياسته الوحيدة معها هي العصا فقط.
وفي سياق متصل لن يتوانى النظام الإيراني عن هذه المقايضة، فالمطلوب أوّلا وأخيرا من الغرب والعرب هو رأس البرنامج النووي الإيراني، مع الأخذ في الحسبان أنّه نظام مهلهل شعبيا، تشتعل فيه ثورات ملونة بين فينة وأخرى، كالثورة الخضراء في العام 2009 والثورة في العام 2022 ضد شرطة الأخلاق بعد مقتل مهسا أميني.
وإن استمرت إيران في برنامجها النووي أو بادله النظام الحاكم ليظل على كرسي الحكم، فكل ما يجري هو مؤشرات جليّة على انتهاء الحقبة الإيرانية، “للدول أعمار طبيعية كما للأشخاص” كما قال ابن خلدون في مقدمته.