أنقرة- أثّرت الأزمة الإنسانية في غزة بشكل كبير بالطبيب تانر كاماجي، وهو جرّاح أطفال من مدينة ديار بكر التركية، وبدأ البحث عن طريقة لتقديم المساعدة في القطاع.

علِم كاماجي أن جمعية رحمة للإغاثة، التي أسسها أطباء وفاعلو خير أردنيون، تُرسل أطباء متطوعين إلى غزة، فتقدم مع زملاء له بطلب للجمعية، وأعلن رغبته بالتطوع للعمل في غزة.

كان الطبيب تانر كاماجي الوحيد الذي وافقت مصر ومن ثم إسرائيل على السماح له بالسفر من تركيا إلى غزة، وفي 17 مارس/آذار الماضي، سافر إلى القاهرة ومنها إلى معبر رفح.

وفيما يلي حوار أجرته الجزيرة نت مع الطبيب كاماجي عن تجربته في غزة:

الوفد الطبي الذي رافقه الطبيب كاماجي لحظة دخولهم قطاع غزة (الجزيرة) ما الذي لفت انتباهك عند دخولك إلى غزة لأول مرة؟

لاحظت أن الناس على الجانب المصري كانوا غير سعداء ومحبطين، وكانت تصرفات موظفي المعبر في رفح بشكل خاص تظهر غضبهم بشكل غير مفهوم بالنسبة لي، ولكن ما لفت انتباهي حقا سلوك الناس عندما عبرت إلى الجانب الفلسطيني، كان الجميع ودودًا وهادئًا بشكل مدهش، على الرغم من تعرضهم لأبشع نتائج الحرب، كان هدوء الفلسطينيين المذهل مفاجئًا بالنسبة لي.

تكون فريقنا من 20 طبيبًا و6 ممرضات من مختلف البلدان، وعملنا في المستشفى الأوروبي الواقع بين معبر رفح وخان يونس، كنا نقدم الرعاية الطبية فقط للحالات الطارئة هناك، كما كنا نجري عمليات جراحية للمصابين بإصابات بليغة.

عندما دخلت المستشفى كانت المفاجأة كبيرة بالنسبة لي، لأن كل الأروقة والسلالم وحتى المساحات أمام قاعة العمليات كانت ممتلئة بالناس الذين هربوا من القصف، وجاؤوا للمستشفى بحثًا عن الأمان.

في  كثير من الأحيان كنا نصطدم بالأشخاص النائمين في هذه الأروقة أثناء نقل المرضى، لأنهم لم يجدوا مكانًا داخل المستشفى، فقاموا بتركيب خيام مصنوعة من البلاستيك حول المستشفى وبقوا فيها.

أين بدأتم العمل أولاً وكيف كانت الظروف؟

كان المستشفى واحدًا من بين القليل من المراكز الطبية التي ظلت قادرة على تقديم الخدمة في غزة، ويحتوي على 6 قاعات عمليات. ومع أن الآلات فيه لم تكن سيئة للغاية، فقد كانت المستلزمات الطبية التي استخدمناها بالعمليات غير كافية، لذلك، جلبنا معنا ما يكفي من المواد الطبية لمدة 15 يومًا.

أول مريض عالجته كان طفلًا يبلغ من العمر حوالي 10 سنوات، أصيب برصاصة قناص اخترقت أمعاءه من 3 أو 4 نقاط، وكُسر عظم في ساقه، الحمد لله أنه نجا.

كانت الفترة التي ذهبت فيها خلال شهر رمضان، وكنا نسمع القصف الإسرائيلي خلال وقت الإفطار والسحور بشكل خاص، كانت شدة القصف كبيرة لدرجة أن المبنى ونوافذه تهتز بسبب تأثير القنابل وضغطها حتى لو كانت بعيدة عنا.

فور سماع صوت القنبلة، كنا نتناول إفطارنا بسرعة ونتوجه مباشرة إلى المستشفى، كان يتم إحضار المصابين خلال نصف ساعة، ويكون معظمهم مصابين بشظايا قذائف أو أصيبوا برصاص قناصة، كان هناك العديد من الجرحى الذين تمزقت أجسادهم وتضررت أعضاؤهم، وكنا نقوم بسرعة بإجراء الجراحة واستخراج شظايا القذائف وخياطة الجروح، ثم نتابع الحالات التالية بسرعة.

الطبيب كاماجي (الثاني من اليمين) يقول إنهم كانوا أحيانا يجرون عمليات لـ50 مصابا بجروح خطيرة في اليوم (الجزيرة) كيف كانت حالة الجرحى وكم كانت أعدادهم؟

لاحظت وجود العديد من الأطفال بين المصابين، لكن دعوني أخبركم بشيء مثير للاهتمام، أنا أمارس مهنة الطب منذ سنوات عديدة، لم أر من قبل مرضى بهدوئهم، لم أر أي شخص يصرخ أو يبكي بسبب الألم الناتج من جروحه، لقد قطبّنا جراحهم بعشرات الغرز، في بطونهم وأذرعهم ورؤوسهم، ولم نسمع شكوى من أي مريض، ولم نسمع صوت صراخ، حتى الأطفال كانوا هادئين، كان هذا مفاجئًا للغاية بالنسبة لي، لقد أظهر هؤلاء الأشخاص هدوءًا وصبرًا لا يصدق.

كان عدد المصابين يتغير وفقًا لشدة القصف، فخلال شهر رمضان، كانت إسرائيل تقصفهم لمدة ساعة خلال وقت الإفطار والسحور، ولكن بعد رفض الولايات المتحدة للقرارات المتعلقة بوقف إطلاق النار في الأمم المتحدة، بدأت بقصفهم طوال اليوم.

في بعض الأيام، كنا نقوم بإجراء عمليات لـ50 مصابًا بجروح خطيرة، كانت الأوضاع في مستشفيات الشمال أسوأ بكثير، وحاولنا معالجة المرضى القادمين من هناك قدر الإمكان.

لم نستطع التعامل مع المصابين الذين ليسوا في حالة خطرة، في بعض الحالات كنا نعالج الأشخاص الذين لديهم جروح بليغة في أطرافهم، ولو كانوا في تركيا لأجرينا عمليات جراحية لهم، ولكن كنا نقدّم لهم العلاج الطبي ثم نرسلهم للعلاج الخارجي.

هل كانت هناك لحظات أثرت فيك بشكل كبير؟

حاولتُ أن أهتم بالأشخاص في المنطقة بقدر الإمكان عندما تتاح لدي الفرصة، ففي أجواء الحروب يكون الناس في حالة اكتئاب واضطراب نفسي، ولكن ما أدهشني هو أنني لم أر أي شخص يعاني من اضطرابات نفسية، أو يظهر عليه علامات الاكتئاب في الخارج.

الجميع كان هادئًا ومتفائلا وودودا بشكل مدهش، وكانوا يحاولون مساعدة بعضهم بعضا، ربما هذا شيء خاص بشعب فلسطين، ربما هم هكذا بسبب الحروب التي عاشوها لسنوات. ومع ذلك، كان من المدهش رؤية مثل هذا المستوى العالي من الصمود والهدوء والمثابرة لدى المصابين الذين كانوا يُعانون من إصابات خطيرة، وكذلك الأشخاص الذين كانوا يتمتعون بحالات طبية أخف خارج المستشفى.

كان معي بعض المال الذي أردت أن أقدّمه للأشخاص الذين يعيشون في الخيام وعلى الطرقات، وعندما قدّمت المال لأم تقيم في خيمة مع أطفالها، رفضت استلامه، سألت شخصًا بجانبي يتحدث العربية "لماذا لم تقبل؟" فأجابت السيدة قائلة "أعطوني المال يوم أمس، فأعطيته لشخص آخر".

لم يكن المبلغ الذي أقدمه كبيرًا، ربما كان يكفي لشراء كيلو أو اثنين من الأرز، مع ذلك، أثّر سلوك هذه السيدة في نفسي بشكل كبير. في زمن الحرب والفقر، ورغم وجود أطفالها، يعتبر سلوكها راقيًا، الجوع والفقر والمعاناة والقصف والموت والجراح لم تجعل أي شخص غاضبا أو غير راضٍ، بل كانت لدى الجميع ثقة وصبر لا يصدق.

كاماجي دُهش من مستوى الصبر الذي يتمتع به أهل غزة رغم جراحهم (الجزيرة) كيف يعيش الناس حياتهم اليومية؟ وهل تصلهم المساعدات؟

كان الجميع مشغولين بمحاولة الاستمرار في حياتهم اليومية بشكل أو بآخر، عندما كنت أتجول بين الخيام، رأيت أُمّا تعلم طفلها آيات من القرآن، لا توجد هناك مدارس أو كتب أو تعليم بطبيعة الحال، لكن هذه الأم كانت تحاول تعليم طفلها في الخيمة رغم أصوات القنابل المحيطة بهم. كان الأطفال يلعبون في الشوارع، وبينما كنت أنا أذعر من صوت القنابل، لم يكن الأطفال يخافون.

كان الناس يؤدّون الصلاة جماعةً في كل مكان وزمان، لم يكونوا يستعجلون خلال الصلاة خوفًا من سقوط القنابل، بل كانوا يتلون الآيات ببطء وتأنٍّ، حتى صلاة الفجر كانت تستغرق نصف ساعة.

تعد التغذية مشكلة جديّة بالطبع، فعلى الرغم من أن هذه المنطقة كانت تتلقى المزيد من المساعدات، فإن الشخص الذي يجد نصف رغيف خبز وبعض الزيتون في ذلك اليوم يعتبر نفسه محظوظًا جدًّا، كانوا يحاولون البقاء على قيد الحياة بقليل من الطعام.

رأينا عددًا كبيرًا من الشاحنات أثناء مرورنا من معبر رفح، كانت المساعدات التي وصلت من تركيا وعدة دول أخرى تُسلّم إلى الهلال الأحمر المصري، فيقومون بتصنيفها وتحميلها على متن الشاحنات ثم ينقلونها إلى الجانب الإسرائيلي من معبر رفح حتى تتحقق منها إسرائيل، ولا تمر سوى الدفعات التي تسمح بها فقط. هذه المساعدات غير كافية بالطبع، والأخبار المتداولة كانت محبطة للغاية.

كم مكثت في غزة وهل تخطط للذهاب مرة أخرى؟

قضيتُ عدة أيام في غزة، ورغم رغبتي بالعودة، فإن رفض إسرائيل منحي إذن دخول مرة أخرى يشكل عائقًا كبيرًا بالنسبة لي. هناك أكثر من 100 طبيب من تركيا تطوّعوا للذهاب إلى غزة بواسطة جمعية رحمة، لكن إسرائيل لا تبدي اهتمامًا كبيرًا بهذا الأمر.

مئات الأطباء المسلمين والمسيحيين من مختلف دول العالم يرغبون بالذهاب إلى غزة.. هناك آلاف المرضى في غزة بأمسّ الحاجة للرعاية الطبية الطارئة، وهناك نقص فادح في الأدوية والمستلزمات الطبية، يجب زيادة الضغط على إسرائيل والعمل على إيجاد حلول.

أذكر أني كنت أتحدث مع امرأة فلسطينية مصابة، فقلت لها "العالم يقف معكم، ويظهر الدعم لكم"، فنظرت إليّ وقالت "جزاكم الله خيرًا أيضًا على المساعدة التي تقدّمونها.. إذا لم يوقفوا الحرب، سنموت، وبالكاد نجد ما يسد جوعنا".

وأضافت "جزاكم الله خيرًا، لكن كما ترى رفع العلم الفلسطيني وهُتافاتكم لا توقف الموت هنا، هناك حاجة لاتخاذ إجراءات توقف الحرب".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات بالنسبة لی معبر رفح إلى غزة فی غزة کبیر ا

إقرأ أيضاً:

بعد عودته إلى سوريا.. مكسيم خليل ويزور قبر والدته لأول مرة

متابعة بتجــرد: لا يزال النجم مكسيم خليل يستمتع بوقته في سوريا بعد زيارته لبلده لأول مرة منذ اندلاع الثورة السورية العام 2011، في حدث يستحوذ على اهتمام الجمهور بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، ويحرصون على متابعة تحركاته وانفعالاته الصادقة ومشاعره المتباينة بين الفرح والحرب والبكاء.

فبعد استقباله الحار وتنقّله في شوارع سوريا واستمتاعه بالعودة وبالحرية بين أهله وأصدقائه، زار النجم السوري قبر والدته السيدة ستيلا خليل التي وافتها المنية عام 2021، ولم يتمكن حينها من الحضور الى سوريا لتوديعها الى مثواها الأخير.

وبدا مكسيم في الفيديو المتداوَل على السوشيال ميديا في غاية التأثر كما لو أنه عاد طفلاً صغيراً في حضرة والدته، وكان في غاية الحزن وهو يتلمّس قبرها ويربّت على الحجارة كما لو أنه يناديها… كما حرص على إضاءة الشموع فوق قبرها.

واللافت أنه دُوّنت على القبر كلمات للشاعر نزار قباني جاء فيها: “أيا أمي أنا الولد الذي أبحر وما زالت بخاطره تعيش عروسة السكر فكيف يا أمي غدوت أباً.. ولم أكبر؟”، وهو ما تفاعل معه الجمهور بشكل واسع وعبّروا عن سعادتهم بهذا اللقاء، لا سيما أن مكسيم خليل حُرم من رؤية والدته لسنوات طويلة بسبب تواجده في الغربة.

main 2024-12-23Bitajarod

مقالات مشابهة

  • بعد عودته إلى سوريا.. مكسيم خليل ويزور قبر والدته لأول مرة
  • غزة.. الاحتلال الإسرائيلي يوغل في تجويع الأطفال والنساء والأزمة تبلغ مرحلة كارثية
  • مدرب شباب بلوزداد: لاعبينا كانوا خارج الخدمة أمام الأهلي
  • غزة..العدو الصهيوني يوغل في تجويع الفلسطينيين والأزمة تبلغ مرحلة كارثية
  • قطع رأس ابنه الرضيع.. شجار عائلي ينتهي بجريمة وحشية وصادمة
  • سفارة روسيا في لشبونة: الأضرار التي لحقت بالسفارة البرتغالية في كييف كانت بسبب قوات الدفاع الجوي الأوكرانية
  • رئيس حزب الاتحاد: هناك مساحة للحرية داخل الدولة المصرية يجب استغلالها بشكل أمثل
  • (عودة وحيد القرن) كانت من أنجح العمليات التي قام بها قوات الجيش السوداني
  • طبيب تركي: إدمان وسائل التواصل يسبب تعفن الدماغ
  • بعد يوم من طرحها.. مشاهدات متواضعة لـ أغنية شاهيناز الجديدة