طبيب تركي يروي للجزيرة نت مشاهدات كارثية وصادمة بعد عودته من غزة
تاريخ النشر: 25th, April 2024 GMT
أنقرة- أثّرت الأزمة الإنسانية في غزة بشكل كبير بالطبيب تانر كاماجي، وهو جرّاح أطفال من مدينة ديار بكر التركية، وبدأ البحث عن طريقة لتقديم المساعدة في القطاع.
علِم كاماجي أن جمعية رحمة للإغاثة، التي أسسها أطباء وفاعلو خير أردنيون، تُرسل أطباء متطوعين إلى غزة، فتقدم مع زملاء له بطلب للجمعية، وأعلن رغبته بالتطوع للعمل في غزة.
كان الطبيب تانر كاماجي الوحيد الذي وافقت مصر ومن ثم إسرائيل على السماح له بالسفر من تركيا إلى غزة، وفي 17 مارس/آذار الماضي، سافر إلى القاهرة ومنها إلى معبر رفح.
وفيما يلي حوار أجرته الجزيرة نت مع الطبيب كاماجي عن تجربته في غزة:
لاحظت أن الناس على الجانب المصري كانوا غير سعداء ومحبطين، وكانت تصرفات موظفي المعبر في رفح بشكل خاص تظهر غضبهم بشكل غير مفهوم بالنسبة لي، ولكن ما لفت انتباهي حقا سلوك الناس عندما عبرت إلى الجانب الفلسطيني، كان الجميع ودودًا وهادئًا بشكل مدهش، على الرغم من تعرضهم لأبشع نتائج الحرب، كان هدوء الفلسطينيين المذهل مفاجئًا بالنسبة لي.
تكون فريقنا من 20 طبيبًا و6 ممرضات من مختلف البلدان، وعملنا في المستشفى الأوروبي الواقع بين معبر رفح وخان يونس، كنا نقدم الرعاية الطبية فقط للحالات الطارئة هناك، كما كنا نجري عمليات جراحية للمصابين بإصابات بليغة.
عندما دخلت المستشفى كانت المفاجأة كبيرة بالنسبة لي، لأن كل الأروقة والسلالم وحتى المساحات أمام قاعة العمليات كانت ممتلئة بالناس الذين هربوا من القصف، وجاؤوا للمستشفى بحثًا عن الأمان.
في كثير من الأحيان كنا نصطدم بالأشخاص النائمين في هذه الأروقة أثناء نقل المرضى، لأنهم لم يجدوا مكانًا داخل المستشفى، فقاموا بتركيب خيام مصنوعة من البلاستيك حول المستشفى وبقوا فيها.
أين بدأتم العمل أولاً وكيف كانت الظروف؟كان المستشفى واحدًا من بين القليل من المراكز الطبية التي ظلت قادرة على تقديم الخدمة في غزة، ويحتوي على 6 قاعات عمليات. ومع أن الآلات فيه لم تكن سيئة للغاية، فقد كانت المستلزمات الطبية التي استخدمناها بالعمليات غير كافية، لذلك، جلبنا معنا ما يكفي من المواد الطبية لمدة 15 يومًا.
أول مريض عالجته كان طفلًا يبلغ من العمر حوالي 10 سنوات، أصيب برصاصة قناص اخترقت أمعاءه من 3 أو 4 نقاط، وكُسر عظم في ساقه، الحمد لله أنه نجا.
كانت الفترة التي ذهبت فيها خلال شهر رمضان، وكنا نسمع القصف الإسرائيلي خلال وقت الإفطار والسحور بشكل خاص، كانت شدة القصف كبيرة لدرجة أن المبنى ونوافذه تهتز بسبب تأثير القنابل وضغطها حتى لو كانت بعيدة عنا.
فور سماع صوت القنبلة، كنا نتناول إفطارنا بسرعة ونتوجه مباشرة إلى المستشفى، كان يتم إحضار المصابين خلال نصف ساعة، ويكون معظمهم مصابين بشظايا قذائف أو أصيبوا برصاص قناصة، كان هناك العديد من الجرحى الذين تمزقت أجسادهم وتضررت أعضاؤهم، وكنا نقوم بسرعة بإجراء الجراحة واستخراج شظايا القذائف وخياطة الجروح، ثم نتابع الحالات التالية بسرعة.
لاحظت وجود العديد من الأطفال بين المصابين، لكن دعوني أخبركم بشيء مثير للاهتمام، أنا أمارس مهنة الطب منذ سنوات عديدة، لم أر من قبل مرضى بهدوئهم، لم أر أي شخص يصرخ أو يبكي بسبب الألم الناتج من جروحه، لقد قطبّنا جراحهم بعشرات الغرز، في بطونهم وأذرعهم ورؤوسهم، ولم نسمع شكوى من أي مريض، ولم نسمع صوت صراخ، حتى الأطفال كانوا هادئين، كان هذا مفاجئًا للغاية بالنسبة لي، لقد أظهر هؤلاء الأشخاص هدوءًا وصبرًا لا يصدق.
كان عدد المصابين يتغير وفقًا لشدة القصف، فخلال شهر رمضان، كانت إسرائيل تقصفهم لمدة ساعة خلال وقت الإفطار والسحور، ولكن بعد رفض الولايات المتحدة للقرارات المتعلقة بوقف إطلاق النار في الأمم المتحدة، بدأت بقصفهم طوال اليوم.
في بعض الأيام، كنا نقوم بإجراء عمليات لـ50 مصابًا بجروح خطيرة، كانت الأوضاع في مستشفيات الشمال أسوأ بكثير، وحاولنا معالجة المرضى القادمين من هناك قدر الإمكان.
لم نستطع التعامل مع المصابين الذين ليسوا في حالة خطرة، في بعض الحالات كنا نعالج الأشخاص الذين لديهم جروح بليغة في أطرافهم، ولو كانوا في تركيا لأجرينا عمليات جراحية لهم، ولكن كنا نقدّم لهم العلاج الطبي ثم نرسلهم للعلاج الخارجي.
هل كانت هناك لحظات أثرت فيك بشكل كبير؟حاولتُ أن أهتم بالأشخاص في المنطقة بقدر الإمكان عندما تتاح لدي الفرصة، ففي أجواء الحروب يكون الناس في حالة اكتئاب واضطراب نفسي، ولكن ما أدهشني هو أنني لم أر أي شخص يعاني من اضطرابات نفسية، أو يظهر عليه علامات الاكتئاب في الخارج.
الجميع كان هادئًا ومتفائلا وودودا بشكل مدهش، وكانوا يحاولون مساعدة بعضهم بعضا، ربما هذا شيء خاص بشعب فلسطين، ربما هم هكذا بسبب الحروب التي عاشوها لسنوات. ومع ذلك، كان من المدهش رؤية مثل هذا المستوى العالي من الصمود والهدوء والمثابرة لدى المصابين الذين كانوا يُعانون من إصابات خطيرة، وكذلك الأشخاص الذين كانوا يتمتعون بحالات طبية أخف خارج المستشفى.
كان معي بعض المال الذي أردت أن أقدّمه للأشخاص الذين يعيشون في الخيام وعلى الطرقات، وعندما قدّمت المال لأم تقيم في خيمة مع أطفالها، رفضت استلامه، سألت شخصًا بجانبي يتحدث العربية "لماذا لم تقبل؟" فأجابت السيدة قائلة "أعطوني المال يوم أمس، فأعطيته لشخص آخر".
لم يكن المبلغ الذي أقدمه كبيرًا، ربما كان يكفي لشراء كيلو أو اثنين من الأرز، مع ذلك، أثّر سلوك هذه السيدة في نفسي بشكل كبير. في زمن الحرب والفقر، ورغم وجود أطفالها، يعتبر سلوكها راقيًا، الجوع والفقر والمعاناة والقصف والموت والجراح لم تجعل أي شخص غاضبا أو غير راضٍ، بل كانت لدى الجميع ثقة وصبر لا يصدق.
كان الجميع مشغولين بمحاولة الاستمرار في حياتهم اليومية بشكل أو بآخر، عندما كنت أتجول بين الخيام، رأيت أُمّا تعلم طفلها آيات من القرآن، لا توجد هناك مدارس أو كتب أو تعليم بطبيعة الحال، لكن هذه الأم كانت تحاول تعليم طفلها في الخيمة رغم أصوات القنابل المحيطة بهم. كان الأطفال يلعبون في الشوارع، وبينما كنت أنا أذعر من صوت القنابل، لم يكن الأطفال يخافون.
كان الناس يؤدّون الصلاة جماعةً في كل مكان وزمان، لم يكونوا يستعجلون خلال الصلاة خوفًا من سقوط القنابل، بل كانوا يتلون الآيات ببطء وتأنٍّ، حتى صلاة الفجر كانت تستغرق نصف ساعة.
تعد التغذية مشكلة جديّة بالطبع، فعلى الرغم من أن هذه المنطقة كانت تتلقى المزيد من المساعدات، فإن الشخص الذي يجد نصف رغيف خبز وبعض الزيتون في ذلك اليوم يعتبر نفسه محظوظًا جدًّا، كانوا يحاولون البقاء على قيد الحياة بقليل من الطعام.
رأينا عددًا كبيرًا من الشاحنات أثناء مرورنا من معبر رفح، كانت المساعدات التي وصلت من تركيا وعدة دول أخرى تُسلّم إلى الهلال الأحمر المصري، فيقومون بتصنيفها وتحميلها على متن الشاحنات ثم ينقلونها إلى الجانب الإسرائيلي من معبر رفح حتى تتحقق منها إسرائيل، ولا تمر سوى الدفعات التي تسمح بها فقط. هذه المساعدات غير كافية بالطبع، والأخبار المتداولة كانت محبطة للغاية.
كم مكثت في غزة وهل تخطط للذهاب مرة أخرى؟قضيتُ عدة أيام في غزة، ورغم رغبتي بالعودة، فإن رفض إسرائيل منحي إذن دخول مرة أخرى يشكل عائقًا كبيرًا بالنسبة لي. هناك أكثر من 100 طبيب من تركيا تطوّعوا للذهاب إلى غزة بواسطة جمعية رحمة، لكن إسرائيل لا تبدي اهتمامًا كبيرًا بهذا الأمر.
مئات الأطباء المسلمين والمسيحيين من مختلف دول العالم يرغبون بالذهاب إلى غزة.. هناك آلاف المرضى في غزة بأمسّ الحاجة للرعاية الطبية الطارئة، وهناك نقص فادح في الأدوية والمستلزمات الطبية، يجب زيادة الضغط على إسرائيل والعمل على إيجاد حلول.
أذكر أني كنت أتحدث مع امرأة فلسطينية مصابة، فقلت لها "العالم يقف معكم، ويظهر الدعم لكم"، فنظرت إليّ وقالت "جزاكم الله خيرًا أيضًا على المساعدة التي تقدّمونها.. إذا لم يوقفوا الحرب، سنموت، وبالكاد نجد ما يسد جوعنا".
وأضافت "جزاكم الله خيرًا، لكن كما ترى رفع العلم الفلسطيني وهُتافاتكم لا توقف الموت هنا، هناك حاجة لاتخاذ إجراءات توقف الحرب".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات بالنسبة لی معبر رفح إلى غزة فی غزة کبیر ا
إقرأ أيضاً:
دبلوماسية أوروبية تروي للجزيرة نت تفاصيل احتجازها في مطار بن غوريون
دبلن- شهد مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب حادثة غير مسبوقة، حيث قامت السلطات الإسرائيلية بترحيل وفد برلماني أوروبي رسمي نسق مسبقا مع تل أبيب مهمة دبلوماسية تحت اسم الأسبوع الأخضر في فلسطين، وكان قد رتب كافة التصريحات اللازمة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وشمل الترحيل نائبتي البرلمان لين بويلان وريما حسن، بالإضافة إلى اثنين من كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي لا يمكن الكشف عن اسميهما لأسباب أمنية، فيما صادر مجموعة أفراد إسرائيليين بدون زي رسمي أجهزة الوفد الإلكترونية.
و نددت النائبة الأوروبية لين بويلان بالحادثة ووصفتها بأنها "فوضى مدبرة وإهانة غير مسبوقة للبرلمان الأوروبي". وأكدت بويلان، في اتصال هاتفي للجزيرة نت، أن ما جرى يشكل سابقة تاريخية، إذ لم يسبق أن تم ترحيل عضو في البرلمان الأوروبي من مطار بهذه الطريقة.
وأضافت أن الواقعة أثارت موجة غضب واسعة داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن ردود فعل غاضبة في كل من جمهورية أيرلندا وأيرلندا الشمالية.
و تمثل بويلان جمهورية أيرلندا في البرلمان الأوروبي عن حزب شين فين.
وكشف خبير قانوني في الاتحاد الأوروبي، في تصريح خاص للجزيرة نت، أن قرار الترحيل ربما صدر عن وزير الداخلية الإسرائيلي، إلا أن الجهة الأمنية التي نفذت العملية لا تزال غير معروفة.
وفي الوقت ذاته، علمت الجزيرة نت أن وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر كان يعقد اجتماعًا مع رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا يوم 24 فبراير/شباط بالوقت نفسه الذي تم فيه ترحيل وفد البرلمان من قبل بلاده.
كما أكد مصدر مطلع داخل البرلمان الأوروبي أن وزير الخارجية لم يُبلغ رئيسة البرلمان مسبقًا بأي نية لترحيل الوفد.
بحسب شهادة بويلان للجزيرة نت، بدأ الأمر فور هبوط الطائرة، حين استُقبل الوفد بمجموعة من الأفراد يرتدون ملابس سوداء، لم يقوموا بتعريف أنفسهم وقاموا على الفور بمصادرة جوازات سفر الوفد وأجهزته الإلكترونية، بما في ذلك الهواتف وأجهزة آيباد وأجهزة تتبع اللياقة البدنية الخاصة بالمسؤولين المصاحبين للنائبتين.
إعلانوتصف بويلان المشهد بالقول "قاموا بتصويرنا باستمرار، ولم يجيبوا على أي من أسئلتنا، فقط طلبوا منا اتباعهم بصرامة وحزم".
و أضافت النائبة في البرلمان الأوروبي أنه تم اقتياد أفراد الوفد إلى غرفة خاصة، حيث تم تفتيش أمتعتهم بالكامل، و احتُجزت أجهزتهم الإلكترونية لمدة ساعة و40 دقيقة.
تقول بويلان "خلال هذا الوقت، تم تفتيش المسؤولين بشكل منفصل خلف ستار، مما أثار مخاوف جدية حول انتهاك خصوصيتهم".
بعد انتهاء التفتيش، تم إبلاغ الوفد بأنه سيتم ترحيلهم، دون تقديم أي تبرير واضح. وأوضحت بويلان أنه لم يتم استجوابها أو استجواب ريما حسن أو المسؤولين معهما، فقط تم إعطاؤهم ورقة ترحيل في اللحظات الأخيرة، كتب عليها أنهم يشكلون تهديدًا للأمن العام، دون -حتى- جوازات سفرهم التي تمت مصادرتها.
ووصف الوفد للجزيرة نت رحلة العودة بأنها "عدائية"، حيث تم وضع ريما حسن في الجزء الخلفي من الطائرة بمفردها، ورفض طاقم الطائرة السماح للوفد بالجلوس بجانبها، أو حتى تبديل المقاعد معها. وتعرضت ريما حسن للتنمر طوال فترة انتظار دخول الطائرة، حيث أصول ريما حسن سورية و بشرتها ملونة.
ولم يتسلم أفراد الوفد جوازات سفرهم إلا من قبل الشرطة البلجيكية عند الوصول إلى بروكسل.
انتهاك البيانات
أثارت مصادرة الأجهزة الإلكترونية مخاوف جدية حول انتهاك البيانات، خاصة وأن الوفد كان قد تلقى تعليمات من مؤسسات الاتحاد الأوروبي بعدم إحضار أجهزتهم الشخصية بسبب مخاوف تتعلق بالمراقبة الإسرائيلية.
وكشفت بويلان أنهم كتبوا رسالة إلى مفوض الاتحاد الأوروبي مايكل ماكغراث في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بشأن اتفاقية كفاية البيانات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
وقالت "نحن لا نؤمن بأن إسرائيل تتعامل مع البيانات بمعايير الاتحاد الأوروبي نفسها، خاصة مع استخدامهم لتقنيات الذكاء الاصطناعي".
إعلانوأثارت الحادثة غضبًا واسعًا في أروقة الاتحاد الأوروبي، حيث وصفها العديد من النواب بـ"عمل غير مقبول"، و"إهانة للبرلمان الأوروبي".
وتطالب بويلان بإجراء تحقيق كامل في الحادثة، وإعادة جدولة زيارة الوفد إلى فلسطين. كما دعت الحكومة الأيرلندية والحكومات الأوروبية الأخرى إلى دعم هذا المطلب.