حزب الله بعد التسوية.. أكثر انخراطاً في الساحة الداخلية
تاريخ النشر: 25th, April 2024 GMT
من الواضح وفق جميع المعنيين والمطلعين أن "قوى الثامن من اذار" و"حزب الله" بشكل اساسي أكثر المتمسكين بتأجيل البتّ بالإستحقاقات الداخلية الدستورية إلى حين إنتهاء المعركة في غزة والمنطقة، وهذا يوحي بأن رهان الحزب على تطورات وتبدلات في المواقف الاقليمية، أو على إنعكاس النتائج الميدانية على التوازنات الداخلية، أكثر تماسكاً من رهانات خصومه الذين لا يمانعون بشكل كلي الدخول في مفاوضات داخلية للوصول إلى حل سياسي ورئاسي قريب.
يتعامل "حزب الله" برؤية واضحة للمرحلة المقبلة، وهو كان قد وضع تصوراً كاملاً للواقع الداخلي قبل الحرب الحالية، اذ تحاول حارة حريك بشكل حاسم تعزيز حضورها ونفوذها وموقعها داخل النظام اللبناني، لأنها وبعكس كل ما يقال عن كونها متضررة من الانخراط في السياسة الداخلية، تجد أن الحضور داخل الدولة وأجهزتها وإداراتها وحتى في مؤسساتها الدستورية يعزز مناعتها ويحصنها خلال صراعها مع إسرائيل، وعليه لا يبحث الحزب عن الإنسحاب من التفاصيل الداخلية بل الى زيادة حضوره فيها.
لقد فتحت الحرب الحالية، كما حرب تموز سابقاً، باباً كبيراً لـ "حزب الله" لكي ينخرط أكثر في عملية المبازرة السياسية مع الأفرقاء، فبعد العام 2006 قرر الحزب أن التوازنات المعمول بها منذ الانسحاب السوري من لبنان او الاصح منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري لم تعد تناسبه، فقرر الذهاب بعيداً ونجح في ذلك عام 2008 اذ ادخل فكرة الثلث المعطل إلى القاموس السياسي اللبناني وبات له عرفاً حق الفيتو في القرارات الحكومية، وهذا ما اوصله مؤخراً الى ايصال الرئيس ميشال عون الى بعبدا.
اليوم قد يسعى الحزب بعد الحرب الى تعزيز حضوره، ولعل صرف إنجازه المفترض في الميدان في تعزيز حظوظ مرشحه الرئاسي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، سيكون خير دليل على ذلك، من هنا يصبح الحزب اكثر قدرة على استيعاب مفاعيل التسوية و"تقريشها" لصالحه، خصوصاً إذا ارتبطت بعملية الانعاش الاقتصادي واستخراج الغاز وغيرها من القضايا التي تتم إدارتها من داخل السلطة السياسية.
لكن في الوقت نفسه، لدى الحزب قناعة كبرى ان حجمه، مهما كبر، سيبقى ممثلاً لطائفة لا اكثر وعليه فإن الانخراط في عملية ترميم تحالفاته السابقة وبناء تحالفات جديدة، لأن عملية السيطرة المفترضة على الحكم او السلطة لا يمكن ان يتم إلا من خلال تشبيك سياسي واسعة كما حصل معه عام 2018 قبيل فوزه بالأكثرية النيابية وحصوله على اكثرية مع حلفائه في مجلس الوزراء، اضافة الى ايصال حليف له للرئاسة.
سيستغل الحزب تحسن علاقاته مع القوى السياسية في مختلف الساحات الطائفية وسيسعى بشكل حتمي الى تحسين وترميم علاقته ب"التيار الوطني الحرّ"، لان التهدئة مع الساحة المسيحية صعبة للغاية من دون حليفه السابق وفي ظل انسداد افق التقارب مع "القوات اللبنانية" أو مع "الكتائب اللبنانية"، من هنا سيكون امام الحزب تحدي جدي مرتبط بتصفير المشاكل في الداخل اللبناني وسيكون هذا المعيار اساسياً في تحديد مسار الحزب في المرحلة المقبلة.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
هل تؤسس ثورة غزة ضد حماس للسلام؟
في واشنطن وبروكسل والعواصم العالمية، لم يصدق الناس ما شاهدوه على شاشات الأخبار المتواصلة من شرق البحر المتوسط، إذ بمئات ثم آلاف المتظاهرين يحتجون ضد سطة حماس، للمرة الأولى منذ حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وربما المرة الأولى منذ تولي الحركة الحكم في القطاع.
ورغم قصف إسرائيل المتواصل لأهداف داخل القطاع منذ خريف 2023 لكن المحللين والمراقبين يتوقفون على أسئلة ثقيلة ومنها، من يقف وراء الاحتجاجات، هل تقف جهة إقليمية أو دولية أو فريق فلسطيني؟ هل إسرائيل دبرت المسألة؟ أم أن المجتمع الغزاوي هو الذي أفرز تلك الظاهرة؟ وبعدها تأتي موجة ثانية من الأسئلة، هل ستتحول التظاهرات إلى شبه انتفاضة؟ هل تتوسع؟ هل ستطول؟ هل ستنهار أم ستنتصر؟ إن كان ذلك حاصلاً فما السيناريوهات ومستقبل غزة في خضم التطورات الإقليمية والحروب والعلاقات الدولية. ولعلها معادلة مترابطة بين إيران وميليشياتها، و"السابع من أكتوبر" وحملة إسرائيل رداً عليها، وعامي حرب، وثورة في غزة على حكامها. فلنحاول في هذا المقال أن "نقشر" الحال المعقدة الدموية في القطاع ونفهم ما يجري أو في الأقل ما نراه.
هل هنالك معارضة لحماس في غزة؟بالطبع داخل كل مجتمع قوة مسيطرة وقوة تعارضها، حتى تحت الاحتلال. وهذا كان الوضع في الأراضي الفلسطينية منذ انتهاء الحرب الباردة، منظمة التحرير في الصدارة والحركات الإسلامية تنخر من تحت. ومع وفاة القائد التاريخي ياسر عرفات عام 2004، بدأت الحركة الإسلامية الفلسطينية في تمددها ولا سيما داخل غزة، معقل "الإخوان" التاريخي. ومع الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005، بدأ صراع وسباق على السلطة، مر بمواجهة دموية انتهت بانقلاب عسكري قامت به حماس ضد فتح، عام 2007 لتسيطر على القطاع لعقدين ونيف، ودخلت فتح وآخرون صف المعارضة. لكن مع مرور الزمن خرجت من داخل المجتمع الفلسطيني مجموعات اجتماعية شبيهة باليسار الليبرالي، ومشاركة في عهد الإنترنت منذ ظهوره. وكانت حماس المسيطرة على القطاع منذ صيف عام 2007 بنت قوة خارقة بعد الانقلاب على فتح، جمعت في مساحتها الدعمين الإخواني والإيراني ما وضع "المعارضة الفتحية" ومعارضة المجموعات الليبرالية في موقف مستحيل، قبل حرب السابع من أكتوبر.
مع اندلاع المواجهة العسكرية بين القوات الإسرائيلية و"المقاومة الإسلامية" في غزة منذ الثامن من أكتوبر، بدأت رحلة الـ18 شهراً من الحرب المدمرة التي تخطت غزة إلى إسرائيل فلبنان، وسوريا، والعراق، واليمن إلى الداخل الإيراني. وهذه الحرب لم تكن كسابقاتها ولم تعد العودة إلى الستاتيكو هي الهدف عند الإسرائيليين.
كسر هيبة حماس والمحورإن تدمير الآلة العسكرية لحماس ومن بعدها حزب الله في لبنان، وتصفية قيادات القوتين الميليشياوية في القطاع ولبنان هزت تدريجاً هيبة حماس، والميليشيات الأخرى داخل المنطقة. فلا إسرائيل تراجعت ولا الدول العربية "انتحرت" في سبيل إنقاذ الجيش الحمساوي. وامتدت الضربات الإسرائيلية إلى حزب الله الحليف الشمالي لحماس، وأقعدته استراتيجياً. واخترقت أسراب من المقاتلات الإسرائيلية الأجواء الإيرانية وضربت الدفاعات الجوية للنظام وقلمت أظافره، فتقلصت قدرة "الجمهورية الإسلامية" على حماية قطاع غزة، وأدركت القيادة الحمساوية أن "النجدة الخمينية والإخوانية" لن تصل، لا لغزة ولا حتى أطراف الدولة العبرية. ومن وسط الأنقاض والبيوت المدمرة بدأ الناس يتكلمون عن ضرورة وقف الحرب، ليتمكن فلسطينيو القطاع أن "يعيشوا" كبشر. ووصلت الحرب المدمرة إلى حدود انهيار الصبر لدى المجتمع المدني، فسقطت قدسية "المقاومة العسكرية" ضد إسرائيل وبدأت مشروعية "المقاومة السلمية" ضد حماس.
معارضة حماس من أين؟سيتم تجميع الوثائق ومعرفة جذور معارضة حماس خاصة منذ 2007، لكن انتشار مسيرات الغزاويين ضد السلطة الحاكمة في القطاع بات يسلط الضوء على بعض الظواهر الكامنة وراء التحركات الشعبية المتلاحقة. وأهم معارضي حماس وأولهم كانوا ولا يزالون أعضاء وأنصار حركة فتح، ومؤيدي السلطة الفلسطينية، الذين ذاقوا الأمرين من حماس، لا سيما إبان انقلاب عام 2007 وبعده. وبعد "السابع من أكتوبر" بنحو شهرين بدأ على الـ"سوشيال ميديا" ظهور لمجموعات من اللاجئين الخارجين من غزة باتجاه مصر وهم ينددون بتهور حماس، ومسؤوليتها عن الدمار والخسائر الفادحة للأهالي، إلا أن الجو العام للإعلام كان يعكس تأييداً لسلطة حماس، رغم المآسي على الأرض.
لكن ظاهرة أخرى بدأت تهز ثقة الناس في حكامهم، وهي الفيديوهات التي ظهرت عن تعذيب الميليشيات لفتيان داخل غزة متهمين بـ"السرقة"، بما فيه الطعام والخبز، وسربت تقارير عن تصفيات لمن عدتهم الحركة "جواسيس" بينما هم مجرد معارضين للحركة، ولهذه الحرب. وهنا تذمرت جماعات أكبر من المواطنين داخل القطاع من قمع حماس بحقهم. المعترضون حافظوا على امتعاضهم من إسرائيل بسبب القصف لكنهم بدأوا ينتقدون نظامهم، لا سيما أن حماس تنسق حربها مع النظام الإيراني.
انهيار الجسرومع انسحاب جماعة حزب الله، وبعدها سقوط نظام الأسد كلياً، أدركت المعارضة الغزاوية لحماس أن هذه الأخيرة لن تكسب المعركة، وأن إطالة الحرب باتت كارثة. وبحسب بعض المعلومات فإن التحضيرات للتظاهرات بدأت منذ أشهر، وإن هنالك هيئات تنسيق في الداخل تقف وراء المسيرات. وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير إعلان الرئيس الأمريكي عن مشروع لنقل أهالي غزة إلى دول أخرى، بينما تُصلح المؤسسات ويُعاد الإعمار. وكان لهذه التصريحات أثر عميق خوفاً من ترك الأرض، بينما حماس تستمر في جهادها ولا تأبه بجهاد الناس الحياتي، فانفجرت الاحتجاجات وتوسعت.