كيف تعلّمت دول الخليج قوة وحدود الإقناع بالبترودولار؟
تاريخ النشر: 25th, April 2024 GMT
نشر موقع "بلومبيرغ" الأمريكي، تقريرًا، تحدّث فيه عن دول الخليج التي باتت تستخدم الاستثمارات لتوسيع نفوذها في الخارج، وليس فقط لتنويع اقتصاداتها.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إنه من أجل فهم حجم ثروة دول الخليج، ما عليك سوى النظر إلى ما يلي: إذا باعت دولة الإمارات العربية المتحدة مخزونها من الممتلكات الأجنبية، فيمكنها أن تجعل كل واحد من مواطنيها البالغ عددهم مليونًا تقريبًا مليونيرًا.
بطبيعة الحال، فإن هذا التقدير يستبعد نسبة كبيرة من سكان تلك البلدان الذين ليسوا مواطنين، ناهيك عن أن هذه الدول ليس لديها أي نيّة لتقسيم وتوزيع ثرواتها ببساطة. ولكن ليس هذا هو الغرض من المال، بل الغرض منه هو تأمين المستقبل. الخليج غارق في عائدات النفط حيث تجاوزت قيمة صادرات النفط الخام اليومية في سنتي 2022 و2023 مليار دولار، مما يترك ما يكفي بعد لدفع ثمن الواردات لتوفير وُفورات هائلة.
لكن العالم يبتعد عن النفط والغاز، وتحتاج هذه الدول إلى تنويع مداخيلها؛ لذلك هم يقومون ببناء محافظ استثمارية جعلت منهم قوى كبرى على الساحة الاستثمارية العالمية، مع ممتلكات تشمل شركات التكنولوجيا الأمريكية، وأندية كرة القدم الإنجليزية، والعقارات المصرية، والمناجم الأفريقية، وودائع البنوك التركية.
ذكر الموقع أن أربعة من أكبر 10 صناديق ثروة سيادية في العالم تنتمي إلى منطقة الخليج، وهي الكويت وقطر والسعودية والإمارات. وتقترب منطقة الخليج من أن تصبح المنطقة الوحيدة التي لديها ثلاثة صناديق ثروة منفصلة تتجاوز قيمة كل منها التريليون دولار. ويقوم مديرو الأصول وشركاء الأسهم الخاصة وأصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية من نيويورك ووادي السليكون ولندن بتعبئة مقصورات درجة رجال الأعمال في طائرات طيران الإمارات والاتحاد للطيران "أي 380" لعرض خدماتهم وأفكارهم.
إن المال ليس مجرد أداة اقتصادية، إنه أيضًا سلاح سياسي. تستخدم دول الخليج ثروتها النفطية لممارسة نفوذها على المسرح العالمي، حيث تقوم باستثمارات لتحقيق أهداف استراتيجية أكبر. ولا يعتبر تحويل الهيدروكربونات إلى قوة جيوسياسية أمرا جديدًا، فالحظر النفطي في سنة 1973، عندما توقفت الدول العربية عن بيع النفط إلى الدول الداعمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، أدى إلى زيادة سعر النفط الخام بمقدار أربعة أضعاف، وهو المثال الأكثر شهرة.
ولكن الأمر المختلف الآن أن قادة الخليج يتّخذون نهجا استثماريا أكثر خطورة لتوليد عوائد مالية أعلى. كما أنهم يتطلعون إلى تنمية القوة الناعمة، مما يضمن أن يرى العالم الخليج في ضوء إيجابي. وكان لقرارات دول الخليج صدى في جميع أنحاء العالم. ومن الممكن أن تؤثر استثماراتهم على تكلفة الاقتراض بالنسبة للولايات المتحدة، شريكهم الأمني الرئيسي. ومن الممكن أن توفر أموالهم بديلاً للتمويل الصيني في عالم متزايد الاستقطاب. ومن الممكن أن تساعد مساعداتهم وأشكال الدعم الأخرى في تحقيق استقرار الاقتصادات المتعثرة وتنفيذ عمليات الإنقاذ التي يقدمها صندوق النقد الدولي أو فشلها.
لكن هذه العملية تنطوي أيضًا على مخاطر بالنسبة لمنطقة الخليج. ويمكن أن تكون أهداف بلدانها متناقضة في بعض الأحيان، فإن الارتباطات في السودان أو اليمن قد تكون منطقية من الناحية الاستراتيجية، ولكن هناك ثمن يجب دفعه من خلال فقدان الأرواح والازدراء الدولي. وغالباً ما تكون القوى الخليجية على خلاف مع بعضها البعض بشأن السياسة الخارجية. ويتطلب الابتعاد عن النفط تغييرا سياسيا فضلاً عن اتخاذ قرارات استثمارية ذكية.
ومثل جميع المستثمرين، تسعى دول الخليج إلى تعظيم العائدات من مدخراتها. إن المخاطر أعلى من مجرد وضع أرقام أكبر من أي وقت مضى في دفتر الحسابات. لقد أنشأ النفط عقداً اجتماعيا: الرخاء الاقتصادي للمواطنين مقابل ولائهم للملك. وكانت المكاسب غير المتوقعة من الهيدروكربون تمول الاتفاقية، لكن أسعار النفط متقلبة، وكل سيارة كهربائية تخرج من خطوط التجميع لشركة تيسلا وشركة "بي واي دي" الصينية هي بمثابة تذكير بأن لا شيء يدوم إلى الأبد.
ويمكن للاستثمارات غير المتعلقة بالطاقة أن تولد أرباحا تعوض بعض خسائر النفط المستقبلية. وقد وضع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هذه الاستراتيجية في سنة 2016. وكان هدفه "جعل الاستثمارات مصدر إيرادات الحكومة السعودية، وليس النفط".
تقليديا، كانت دول الخليج تحتفظ بجزء كبير من ثرواتها في أصول آمنة، مثل النقد والودائع المصرفية والديون الأمريكية، والآن يهدفون إلى تحقيق عائد أعلى. فعلى سبيل المثال، يفضل صندوق الثروة القطري الأسهم والعقارات والاستثمارات في البنية التحتية. وعلى نحو مماثل، يخصص جهاز أبو ظبي للاستثمار معظم أصوله البالغة حوالي تريليون دولار للأسهم والعقارات والأسهم الخاصة والبنية التحتية.
وأورد الموقع أن المعادن تعد استثمارا مستهدفا آخر. ومع تحول العالم إلى الطاقة النظيفة، فإن الطلب على المعادن مثل النحاس المستخدم في نقل الطاقة والبطاريات سيكون مرتفعا. وتستثمر دول الخليج في المناجم وشركات تجارة المعادن، حيث اشترت الإمارات منجما للنحاس في زامبيا. وتريد السعودية تعزيز دور تعدين المعادن في اقتصادها. ولدى عمان خطط لإنشاء أكبر مصنع للصلب الأخضر في العالم.
ويمثل الأمن الغذائي مصدر قلق آخر، إذ يفتقر الخليج إلى الأراضي الصالحة للزراعة والمياه للري، ويعتمد بشكل كبير على الواردات الغذائية. وقد كشف الوباء والحرب في أوكرانيا عن مدى خطورة هذا الأمر. وتقوم الإمارات والسعودية وقطر حاليا بشراء الأراضي الزراعية في جميع أنحاء أفريقيا وأوروبا وآسيا وأستراليا. وقد خصصت بعض صناديق الثروة السيادية التابعة لها وحدات تركز بشكل خاص على تأمين الإمدادات الغذائية.
وباختصار، تلعب دول الخليج لعبة متعددة الجوانب، حيث تقوم بتنويع استثماراتها مع تأمين وصولها إلى الموارد في الوقت نفسه. لكن المدفوعات التي يتلقونها من النفط والغاز أكبر من أن تحل محلها أرباح من صناديق الثروة السيادية، حتى مع حجمها الهائل، بغض النظر عن استراتيجية الاستثمار.
كذلك، يمكن أن يخبرك العديد من مديري صناديق التقاعد والأوقاف الجامعية، ليس هناك غداء مجاني في الاستثمار. إن الرهانات على صندوق الرؤية التابع لمجموعة سوفت بنك وبنك كريدي سويس المنهار قد لقنت رجال المال في الشرق الأوسط درسا مهما مفاده أن المخاطر الأعلى لا تجلب دائما المزيد من المكافآت.
من المعروف أن اليابان دفعت مبالغ زائدة مقابل الأصول الأمريكية في الثمانينات، كما أنها أثارت عن غير قصد المشاعر المعادية لليابان في هذه العملية. وينبغي أخذ رد الفعل العكسي هذا في الاعتبار عند النظر في الهدف الآخر للقوى الخليجية، وهو تعزيز صورتها ونفوذها في الخارج.
تعتمد القوة الناعمة على الإقناع، وليس الإكراه وهي التي تعزز الثقافة والقيم، وليس الأسلحة أو التهديدات. لطالما كانت السعودية قوة ناعمة ذات وزن ثقيل في أجزاء من العالم. إن دورها كخادم لأقدس موقعين إسلاميين في مكة والمدينة يمنحها نفوذاً في العالم الإسلامي. لكن الزمن يتغير. إنها تحاول تغيير صورتها بهدف استبدال المحافظة الاجتماعية بصورة أكثر انفتاحًا. وباتت تنفق بسخاء على السياحة والترفيه والرياضة.
وتثبت قطر أنك لا تحتاج إلى عدد كبير من السكان لتكون لاعباً في القوة الناعمة. تصل قناة الجزيرة إلى كل مكان، ولها تأثير كبير في العالم العربي. إنها تستعرض عضلاتها في الرياضة أيضًا، حيث تمتلك ناديًا باريسيًا لكرة القدم وتستضيف بطولة كأس العالم لكرة القدم سنة 2022. وفي دولة الإمارات، تطمح دبي إلى أن تكون وجهة الأحلام، بمزيج من الرخاء الاقتصادي والانفتاح الاجتماعي، إن لم يكن السياسي.
إن قوة المال ليست دائمًا ضعيفة للغاية، فدول الخليج تمارس الكثير من سياسات الحكم الاقتصادي الصعبة أيضًا. وفي الثمانينات، قاموا بتمويل حرب العراق مع إيران. وفي التسعينات، وزعوا الأموال وعرضوا تخفيف الديون لتأمين الدعم من مصر والمغرب وباكستان ضد غزو العراق للكويت.
وتستثمر الإمارات هذه السنة 35 مليار دولار في مشاريع عقارية في مصر. إن حجم الصفقة، أي ما يعادل سبعة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات، يتجاوز المنطق التجاري البسيط، مما يشير إلى وجود دافع سياسي.
والحل الأكثر وضوحا هو الحفاظ على الاستقرار في منطقة مليئة بالاضطرابات، مع الحروب الأهلية في ليبيا والسودان المجاورتين، والصراع المحتدم في غزة المجاورة. وقد ساعدت الاستثمارات الإماراتية مصر في الحصول على صفقة من صندوق النقد الدولي ومنع الانهيار الاقتصادي.
إلى ذلك، أشار الموقع إلى أن تركيا، التي كانت خصمًا للإمارات والسعودية، أصبحت مؤخرًا صديقة. وتدخلت الدولتان الخليجيتان باستثمارات وودائع ساعدت في استقرار الليرة التركية قبل الانتخابات الحاسمة للرئيس رجب طيب أردوغان في سنة 2023، وهي التحويلات التي ساعدت أردوغان في الخروج منتصرا.
وتستثمر دولة الإمارات بنشاط في الموانئ في جميع أنحاء القرن الأفريقي. وفي كتابها "فن الحكم الاقتصادي لدول الخليج العربية"، قالت كارين يونغ، الخبيرة الاقتصادية السياسية بجامعة كولومبيا، إن هذه الاستثمارات تهدف إلى مواجهة السياسات الإسلامية والنفوذ الإيراني في المنطقة. وهذا الأخير محسوس في القرن الأفريقي وعبر البحر الأحمر من خلال المتمردين الحوثيين في اليمن.
كما تلعب الدولارات النفطية دورًا في المناطق التي مزقتها الحروب مثل ليبيا والسودان واليمن، وربما في يوم من الأيام في غزة. ويمكن للدعم المالي الذي يقدمونه أن يؤثر بشكل كبير على النتائج السياسية في هذه المناطق. وبالنسبة للدول الإفريقية العالقة في التنافس المتنامي بين الولايات المتحدة والصين، توفر الاستثمارات الخليجية بديلا مرحبا به. وتشعر العديد من الدول بالقلق من العبء التاريخي المرتبط بالمساعدات الغربية وأعباء الديون المحتملة الناجمة عن القروض الصينية.
إن أموال الخليج مهمة حتى بالنسبة لأكبر اقتصاد في العالم. وتشير تقديرات "بلومبيرغ إيكونوميكس" إلى أن تدفق المدخرات الخليجية إلى سوق الديون ربما يكون قد خفض تكاليف الاقتراض الأمريكي بمقدار 0.25 نقطة مئوية. وعلى مدى الفترة من 2005 إلى 2023، وفر ذلك لدافعي الضرائب الأمريكيين نحو 700 مليار دولار.
إن ديبلوماسية النفط لا تخلو من المخاطر وذلك لأنها مكلفة. وفي الفترة من سنة 2013 إلى سنة 2022، قدمت الإمارات والسعودية والكويت مجتمعة 34 مليار دولار لمصر في شكل منح نقدية وشحنات نفط وودائع البنك المركزي، وذلك وفقًا للبيانات التي جمعها حسن الحسن وكاميل لونز من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
وفي فترة شهرين فقط في سنة 2024، من المقرر أن ترسل الإمارات أكثر من هذا المبلغ. وقد أنفقت قطر نحو 300 مليار دولار لتطوير بنيتها التحتية قبل استضافة كأس العالم. وقد مرت دبي بأزمة عقارية في سنة 2009 وسط جنون البناء الذي أدى إلى ظهور أطول برج في العالم.
كما لفت كأس العالم الاهتمام الدولي إلى الظروف التي يواجهها العديد من العمال الأجانب في مجال البناء في الدوحة. وفي الولايات المتحدة، أدى تمويل السعودية لجولة غولف احترافية إلى إجراء تحقيق في مجلس الشيوخ حول استخدام المملكة لثرواتها لتوسيع نفوذها.
ودفع الديمقراطيون في مجلس النواب في شهر آذار/ مارس إلى عقد جلسات استماع بشأن التعاملات التجارية وتضارب المصالح المحتمل لجاريد كوشنر، صهر الرئيس السابق دونالد ترامب. ويدير كوشنر، الذي عمل مستشارًا للبيت الأبيض، الآن صندوقًا تلقى استثمارًا بقيمة ملياري دولار من صندوق الثروة السعودي بعد ترك ترامب لمنصبه. وقال كوشنر إنه لن يعود إلى الحكومة إذا فاز ترامب بالرئاسة للمرة الثانية.
ومنعت تونس مؤخرا صندوقا قطريا من فتح فرع على أراضيها. وكان القرار يعني التضحية بضخ سريع لـ 150 مليون دولار في الاقتصاد وربما المزيد من التمويل. ورأى المعارضون أن المكتب القطري يشكل تهديدا للسيادة الوطنية وعائقا أمام الاعتماد على الذات. كما شككوا في صلات الدوحة المزعومة بالسياسيين الإسلاميين. وتُظهِر هذه الحادثة أن القوة الناعمة قد يكون من الصعب شراؤها، وأن السمعة بمجرد ترسيخها قد يكون من الصعب تغييرها، بغض النظر عن حجم الأموال التي تنفقها الدولة لتحسين صورتها.
وفي الوقت الحالي، يُظهر بحث يونغ في جامعة كولومبيا، أن الدبلوماسية الاقتصادية في منطقة الخليج لم تكن حساسة لحركة أسعار النفط. ولكن الانخفاض المستمر في سوق الطاقة قد يحرم فجأة العديد من البلدان المدمنة على دعم النفط من الأموال الأساسية. وببساطة، لن تشكل الخيارات الاستثمارية والسياسية في منطقة الخليج مستقبلها في مرحلة ما بعد النفط فحسب، بل ستشكل أيضًا المشهد السياسي في البلدان النامية والنظام المالي العالمي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد دولي دول الخليج دولة الإمارات السعودية السعودية دول الخليج دولة الإمارات المزيد في اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القوة الناعمة منطقة الخلیج ملیار دولار دول الخلیج فی العالم العدید من فی سنة
إقرأ أيضاً:
إقالة بن قدارة من رئاسة النفط الليبي.. ما علاقة الإمارات وحقل الحمادة؟
طرح قرار رئيس حكومة الوحدة الليبية، عبد الحميد الدبيبة المفاجيء بإقالة رئيس مؤسسة النفط، فرحات بن قدارة من منصبه وتكليف آخر بعض الأسئلة حول دلالة وتداعيات الخطوة وعلاقة دولة الإمارات وحفتر بالقرار وتأثير ذلك على قطاع النفط.
ورغم أن مؤسسة النفط بررت الإقالة بأنها استقالة نتيجة لظروف صحية طارئة حالت دون تمكن "بن قدارة" من أداء مهامه ومسؤولياته بالشكل الأمثل، إلا أن تقارير ومسؤولين أكدوا أنها إقالة من قبل الدبيبة بسبب بعض المخالفات المالية والإدارية ومطالبة من النائب العام.
صفقة مع الإمارات
وأكدت عدة تقارير بأن سبب الإقالة هو عقد بن قدارة، المقرب من حفتر، لصفقة مع دولة الإمارات لتطوير حقل الحمادة النفطي الكبير الواقع جنوب طرابلس بنسبة تصل إلى 40 بالمئة ما أثار جدلا ورفضا من قبل مجلس النواب الليبي الذي قرر منع توقيع اتفاقية بخصوص الحقل مع ائتلاف أجنبي، موضحا أن الاتفاقية تشمل تتنازل حكومة الدبيبة عن نسبة تقارب 40% من إنتاج الحقل لصالح ائتلاف شركات أجنبية.
وفي محاولة للدفاع عن الصفقة، وجه بن قدارة رسالة رسمية إلى النائب العام أكد فيها أن خيار الاستثمار في حقل الحمادة (Nc7) عبر ائتلاف شركات دولية هو الخيار الذي أوصى به المجلس الأعلى للطاقة، بدلا من التمويل الذاتي عبر شركات محلية تابعة للمؤسسة.
وذكرت وكالة "نوفا" الإيطالية نقلا عمن أسمتهم مصادرها الخاصة أن "إقالة بن قدارة مرتبطة بعوامل أخرى تشمل اتهامات موجهة إليه بتسهيل تهريب وبيع النفط خارج إطار المؤسسة الوطنية نيابة عن "عائلة حفتر" والسماح لحفتر والإمارات بفتح حسابات مصرفية لا تخضع لأي نوع من الرقابة المالية، وفق مزاعم الوكالة.
من جانبه، جدد النائب العام الليبي، "الصديق الصور" مطالبته لرئيس ديوان المحاسبة الليبي بوقف المفاوضات على مشروع تطوير قطعة Nc7 بحقل الحمادة النفطي، أي إلغاء الصفقة مع الإمارات، وسط مطالبات بمحاكمة بن قدارة حال ثبت تورطه في أي مخالفات.
فما تأثير إقالة "بن قدارة" على قطاع النفط الليبي؟ وهل صفقاته مع الإمارات وحفتر هي سبب الإطاحة به؟
غموض وتساؤلات حول إقالته
من جهته، أكدت رئيس لجنة التنمية المستدامة بمجلس النواب، الليبي ربيعة بوراص أن "إقالة فرحات بن قدارة، رغم كفاءته وخبرته المشهود لها، تعكس التوجه نحو إعادة تشكيل إدارة قطاع النفط، وهو ما يثير التساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء القرار، فقد أظهر قدرة واضحة على إدارة القطاع بكفاءة وتحقيق استقرار نسبي".
وأوضحت خلال تصريحات لـ"عربي21" أن "هذه الإقالة رغم الكفاءة تؤكد أن مثل هذه التغييرات تتطلب دراسة أعمق لضمان تحقيق التوازن بين تعزيز الإنتاج والحفاظ على المصالح الاستراتيجية للبلاد، مع ضرورة التركيز على الاستقرار الإداري لتطوير القطاع مستقبلا"، وفق قولها.
وبخصوص ملف حقل الحمادة والصفقة مع الإمارات، رأت البرلمانية الليبية أن "المطالبة بالاستثمار المحلي في الحقل مطلب مشروع ويتماشى مع توجهات تحقيق السيادة الوطنية على الموارد، وتشجيع الكفاءات المحلية والشركات الوطنية على دخول مجال الطاقة بقوة".
وتابعت: "كما أن هذا النوع من التوجه يساهم في بناء القدرات المحلية وتطوير الخبرات الفنية التي تضمن استمرارية قطاع النفط والغاز، ويعظم الفائدة الاقتصادية للبلاد، ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب وضع سياسات واضحة، وتوفير بيئة استثمارية مناسبة من حيث الشفافية، والتشريعات، والبنية التحتية، لكنها استدركت: "كما يتطلب ذلك شراكات مدروسة مع جهات دولية لتوفير التكنولوجيا والخبرة مع ضمان الحفاظ على السيطرة الوطنية على القرارات الاستراتيجية"، وفق تصريحاتها لـ"عربي21".
فشل وفساد وصفقات مشبوهة
في حين أكد الخبير القانوني الليبي في مجال النفط، عثمان الحضيري أن "استقالة أو إقالة بن قدارة لن تؤثر على صناعة النفط كونه لا علاقة له بالقطاع ولا يخبره وكان أداؤه نفعي ولا علاقة له بالصناعة النفطية، ولم يطبق القواعد الأساسية والمعمول بها في الصناعة النفطية والقوانين والتشريعات ذات العلاقة".
وأشار خلال تصريحه لـ"عربي21" أن "الإقالة جاءت في الوقت المناسب رغم المشاكل الفنية والمالية والتشريعية التى سببها للقطاع من حيث إهدار الميزانيات الكبيرة التى خصصتها الحكومة لتطوير القطاع وزيادة الإنتاج، ناهيك عن الميزانيات الاستثنائية التى خصصت وتم إهدارها باطلا"، وفق معلوماته.
وأضاف الخبير الليبي المقيم في لندن: "عناد بن قدارة وتشبثه بمواقف ضد وزارة النفط وعدم إعمال أصول الصناعة والقواعد المعمول بها في العطاءات النفطية أساءت لسمعة المؤسسة والقطاع دوليا وانتهج نهجا لا يتلاءم مع القواعد والقوانين، كما أنه رفض أعمال تقرير الخبراء النفطيين الليبيين الذين أكدوا أن تطوير حقل الحمادة يمكن تحقيقه من خلال شركة وطنية مملوكة لمؤسسة النفط وبأموال ليبية "مصارف واستثمار"، كما أنه تعامل بفوقية مع تقرير اللجنة المشكلة من حكومة الدبيبة والتي توصلت لذات النتيجة".
أسباب الإقالة
وحول توقعاته لأسباب الإقالة أكد الحضيري أن "الأسباب عديدة وربما يكون مردها فشل القطاع في تحقيق مستهدفاته في الاستكشاف وزيادة الإنتاج رغم وعوده المتكررة، لكن عمليات التسويق المشبوهة كانت القشة التى كسرت ظهر البعير حيث تعامل مع "دكاكين" السمسرة في بيع النفط الخام وتوريد المنتجات النفطية وهذا مخالف للقواعد والأعراف المعمول بها تاريخيا بمؤسسة النفط"، بحسب وصفه وكلامه.
وتابع: "أضف لما سبق التعاقد مع شركات مشبوهة عديمة الخبرة ومنحها عقود بالملايين ما أساء كذلك لسمعة قطاع النفط الليبي، ناهيك أيضا عن الإتيان بأشخاص من خارج قطاع النفط وتمكينهم من إدارات شركات بالداخل والخارج، أما صفقة الحمادة فقد انتهى أمرها بقرار من البرلمان رقم 15 للعام 2023 والذي يقضي بمنع إبرام أي اتفاقيات تخص الثروات الطبيعية إلا بعد إجراء انتخابات وحكومة جديدة معترف بها"، كما صرح.