هذه ليست حرب جنرالين!
تاريخ النشر: 25th, April 2024 GMT
هذه ليست حرب جنرالين!
خالد عمر يوسف
ينشط بعض أبواق الحرب في الترويج لفرضيات ساذجة مفادها أن هذه الحرب ما هي الا صراع جنرالين وحسب أو مغامرة قائد مليشيا مجنون قرر ذات صباح أن يحرق كامل البلاد بعون خارجي وبس!! سردية مبسطة موغلة في السطحية تفترض أن السودان قد ولد في ١٥ أبريل الماضي وأن ما سبق ذلك كأنه لم يكن ولا علاقة له بحريق البلاد الشامل الذي يحدث الآن!!
الهدف من هذه السردية الساذجة هي الترويج لنموذج حل مفصل على مقاس من أشعلوا هذه الحرب.
كيف يمكن فهم هذه الحرب بصورة كاملة دون الغوص عميقاً في فهم تاريخ المؤسسة العسكرية في السودان، والمصالح الاجتماعية التي عبرت عنها، وطموحاتها السلطوية، وتغولها على السياسة والاقتصاد، واستنصار قوى سياسية بها لحسم صراعات السلطة بينهم ومن ثم هيمنة الاسلاميين عليها لعقود طويلة واستخدام نفوذهم داخلها لفرض ارادتهم على شعب السودان.. استخدام تحدوا به ثورة خرج فيها الملايين فافسدوا الانتقال وانقلبوا مع قادة اطراف القتال الحالي على الفترة الانتقالية وقادوا البلاد لحرب حين فشل الانقلاب وابتدرت عملية سياسية تهدف لاستعادة مسار الانتقال المدني الديمقراطي.
كيف يمكن أن نحيط بحيثيات هذه الحرب دون ان نتدبر في تركيبة الدولة التي خلفها الاستعمار، والاختلالات الواضحة في بنيانها وتعبيرها عن مكوناتها، وثورات الهامش السلمية منها والمسلحة، وكيف تصرفت الدولة المركزية حيال ذلك؟ كيف قسمت القبائل وسلحتها واستخدمتها ضد بعضها البعض؟ تنشيء فصيلاً مسلحاً ليواجه فصيلاً مسلحاً اخر، ومن ثم تغير تحالفاتها لتنصر الفصيل الذي كان في خانة العدو وتستخدمه ضد صديق الأمس، طاحونة مستمرة تطحن البلاد، خلقت وضعية جيوش متعددة لا لشيء سوى الحفاظ على نمط مركزي محدد فشل ونحن نعيش الآن نتائج ذلك الفشل!
لن تتوقف الحرب بالتبسيطات، وإن كانت بدأت ظاهرياً كصراع مسلح بين القوات المسلحة والدعم السريع، فإنه من قصر النظر أن نغفل اليوم عن طبيعتها المتغيرة بصورة دراماتيكية.. كيف تصاعدت خطابات الكراهية وخلقت توتراً بين مجتمعات لا بين جنرالين فحسب.. كيف تصاعدت إرادة استعادة النظام القديم وقبر الثورة مرة وإلى الأبد.. كيف صار السودان ساحة لصراع اقليمي ودولي فتاك يستغل تمزيق السودانيين لبلادهم بأيديهم.. ان كانت هذه الحرب حرب جنرالين أو قائد مليشيا فحسب كما يريد البعض أن يصورها فإن الحل الآن ليس في مصالحة الجنرالين ولا في انتصار طرف على الآخر. لا مجال الآن إلا لصياغة عقد اجتماعي جديد يتعايش فيه جميع السودانيين/ات بعدالة وانصاف، وتنتهي فيه صراعات السلطة المسلحة ويصير تداول الحكم سلمياً عن طريق انتخابات حرة ونزيهة، وتكون فيها الدولة للجميع ليست لحزب أو مجموعة بعينها، ويبنى فيها جيش واحد مهني وقومي يعبر عن كل السودان بحق وينأى عن السياسة والاقتصاد وتقتصر مهامه على حماية البلاد من المهددات الأمنية وفق الدستور ويعمل تحت إمرة السلطة المدنية الشرعية.
الطريق لصياغة هذا العقد الاجتماعي يتم عبر وضع البنادق جانباً الآن ودون تأخير والنأي عن الظن بامكانية اخضاع طرف لأي طرف آخر، والجلوس لتفاوض سلمي يقود لسلام مستدام على أسس حقيقية تخاطب خطايا الماضي والحاضر وتبني مستقبلاً مزدهراً لبلادنا التي نحب.
الوسومالبرهان الحرب السودانية حرب الجنرالين حميدتي
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: البرهان الحرب السودانية حرب الجنرالين حميدتي
إقرأ أيضاً:
السودان وحرب الأمر الواقع
السودان وحرب الأمر الواقع
ناصر السيد النور
لم تحسم الحرب في السودان على مدى استطالتها الزمنية الممتدة لأكثر من عام ونصف، ونهجها المتوحش في الممارسة والنتائج وبطبيعية الحال النهاية غير المتحققة في نهايتها. وربما شكل هذا التردد في النتيجة جزء من سياق عملياتها العسكرية والسياسية في تداخل غير محسوم أيضا بين الوطني والسيادي والقبلي والجهوي. وأصبحت بالتالي تلك الحرب المفتوحة على كل الاحتمالات ما يكمن تصوره في الحروب وما لا يمكن احتماله بالمفهوم الإنساني العام. وإذا كان طرفاها قوات الجيش والدعم السريع يملكان من خيارات الحرب أكثر من ضرورات السلام فالأرجح أن تنساق وراء هذا المنطق بجوانبه العسكرية والسياسية حشود الحرب لضمان استمراريتها أي كانت الكلفة البشرية وما خلفته من كوارث إنسانية تنذر بمؤشراتها المؤسسات والمنظمات الدولية دون أن تلقى أي استجابة تحد من حدتها ولو على صعيد وقف القتال هدنة.
وإذا تجاوزنا ما أحدثته الحرب من انقسام داخلي وهذا متوقع في ظل بنية الدولة هشة ومجتمع تتعدد مكوناته الإثنية وتفاوته الذي تأسس عليه، فإن طبيعة هذه الحرب وضعت السودانيين أمام محنة وأزمة عصية على الحل. ونتج عنها تعقد المسارات المؤدية إلى الحرب بحثاً عن حل نهائي أو تفاوضا يسوي الخلاف على طريقة ما تنتهي إليه الحروب في نهاياتها التفاوضية. فالدولة القائمة بشرعية قائمة تمثل الجيش وقوات الدعم السريع طرف مقاتل يصعب تحديد هويته العسكرية بغير ما يطلق عليه كـ “مليشيا: تقاتل مدعومة لتنفيذ أجندة خارجية ذات بعد إقليمي تتهم فيه دول علنا مما أوجدت أزمات دبلوماسية بين السودان ومحيطه الإقليمي والدولي ودخل في صراع المحاور الدولية والإقليمية. صراع بغير إدارة سياسية في حالة الانقسام الداخلي وما اوجدته الحرب من منافذ تسمح بمرور الاجندات والتدخلات من أكثر من منفذ.
وإزاء التصعيد فقد شهدت الأيام الأخيرة خاصة في مدن دارفور حيث تصنف بـ “حواضن المليشيا” ينشط الطيران الحكومي في طلعاته الجوية مخلفا دمارا وقتلى مدنيين مما يزيد من الغبن الاجتماعي باستهداف مناطق دون غيرها. وبينما لم تزل قوات الدعم السريع في سيطرة مواقعها مع زيادة في الانتهاكات الإنسانية بحق ساكنيها مع ادانات دولية أيضا واستخدام المسيرات في مدن الوسط والشمال. وهذا المعادلة العسكرية عمقت من أزمة الحرب وفتحت الباب واسعا أمام تمدداتها المحتملة لتصبح حرب الكل ضد الكل كحرب أهلية تكون آلياتها المكونات المدنية والقبائلية وليس مؤسسات عسكرية رسمية. فأصبحت الحرب هي ما يعيد تكوين الدولة السودانية وفقا لدعوات انفصالية بررت بالحرب موقفها حسب تصورات الداعين لقيامها. فقد أظهرت الحرب دولا على الخارطة السودانية السيادية اعادت معها مخاوف قائمة في تاريخ الدولة السودانية ومجموعاتها الهامشية والمركزية الراسخ في خطاب الاحتجاج المطلبي بتساوي التنمية والفرص وما بين الانفصال والتهميش وغيرها من شعارات حاربت تحتها مسمياتها مختلف الكيانات عسكرية مختلفة.
ولكن في ظل خلو الساحة السياسية من المكونات المدنية الاحزاب في اليمين واليسار أو الحد الأدنى ما كان قبل الحرب تستعر النبرة العسكرية في الخطاب العام في مقابل خطاب مدني ذي طبيعة حربية كالخطاب الجهوي المتصاعد بأسباب الحرب يغيب الفعل السياسي وكل ما يمكنه الحد من المد العسكري الجارف. ولأن التنظيمات المدنية خلال هذه الأزمة ظلت مستبعدة من قبل حكومة بقيادة البرهان العسكرية منذ انقلابه على الحكومة الانتقالية أكتوبر/تشرين الأول 2021م والدعم السريع بتكوينه القتالي أصبح الصراع مستمرا منذ اندلاعه دون إدارة سياسية قد تسهم في فتح المجال لآفاق حلول بعيدا عن ميدان القتال. ويبدو أن الحرب بما احدثته من زلزال كبير في السودان بموروثه السياسي والاجتماعي اخرج الكثير من التنظيمات السياسية التقليدية من دائرة الفعل السياسي. وهذا التراجع السياسي قد ضخم من جانب آخر صعود الانتماءات الاجتماعية وحالة من الانفصام السياسي بين الدولة والقبيلة والجهوية فلم تعد الارتباطات السياسية ذات فاعلية لمخاطبة أزمة على الصعيد الوطني.
أمام هذا الواقع يظهر الفرق بين الرؤيتين بين مدنية بطرح مثالي تدعو لوقف الحرب وأخرى عسكرية بحتة لا ترى بديلا عمليا لإنهاء الحرب إلا عن طريق الحرب مهما كلف الثمن. وكلا من الرؤيتين في الموقف من الحرب تعبران عن حالة من الإحباط سادت التفكير السياسي السوداني وصنع القرار. وفي خضم هذا التنازع بين الموقفين تندرج الحرب الجارية ضمن الممارسة اليومية حتى للأطراف التي لا تخوضها فعلا. وتقيدت غالب هذه المكونات السياسية التي تتحرك عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا بموقف يحمل كل مفارقات الحرب بين استمرار إلى أبعد مدى في الحرب وما له من تكلفة وتداعيات سالبة شاملة وبين الخضوع لحقائق الواقع وما يعنيه من تنازل عن طموحات سياسية وشخصية في السلطة والحكم وهو أمر لم يعد وارادا في ظل ما يرفع من شعارات لديها استحقاقاتها الشعبية. ولذلك أصبح التغيير من أو الانتقال من حالة الحرب إلى السلم (إنهاء الحرب) أمرا تحذره كل الأطراف وفي الوقت نفسه تخشى استمرار الحرب نفسها.
ازاء هذه الرؤى المتضاربة هل باتت الحرب ضرورة يمليها الواقع الذي اوجدته الحرب نفسها على الساحة السياسية السودانية؟ ولماذا فشلت وتفشل كل المحاولات في الداخل والخارج في إيجاد مخرج من دائرتها؟ ولأن خطر التجاوزات السياسية والعسكرية والإنسانية والخلل الذي ألحقته الحرب ببنية الدولة والمجتمع لا يقل خطرا عن الحرب وكوارثها قد ساهمت جميعها في اندلاع الحرب ابتداء ومن ثم تمكنت من فرض منطقها في أن تكون الحرب لأجل الحرب. فإذا كانت مؤسسات الدولة بما فيها أطقمها الوزارية والعسكرية الحكومة التي لجأت إلى العمل خارج مقارها الرسمية في العاصمة السودانية جراء الحرب إلا أنها ظلت الطرف الذي يمثل الدولة في دائرة القرار الدولي وتبقى قوات الدعم السريع طرفا مناوئا خارج مظلة الشرعية القانونية التي يسعى لاكتسابها بالقوة. وأي تكن مسافة الوقوف من دائرة التحكم والقرار فإن أي طرف في الحرب تكون أهميته بقدر استجابته لضرورات السلام.
لا يمكن بحال أن تكون الحرب الداخلية أو الاهلية حربا ضرورة لا مفر من خوضها ففي الحالة السودانية فإن استمرار الحرب يعني إبادة مجتمعية عرقية وزوالا لدولة من على الخارطة بالمعنى الجغرافي والتاريخي. وعلى حجم ضحاياها وفظاعة انتهاكاتها وما يعلن من قبل طرفيها بالالتزام بحماية المدنيين أمام الضغط الدولي على الرغم من التجاهل المتعمد تجاه المواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان من قبل أطراف الحرب. ويستمر تدهور الوضع الإنساني بما لا يقاس بكل حروب العالم وكلما تأزمت الحلول وانسدت الآفاق نحو السلام تزداد العمليات العسكرية مع تدهور مروع في الحالة الإنسانية.
إن عدم إدراك وتقدير العالم لما وصلت إليه الكارثة الإنسانية التي نتجت عن الحرب باعتراف المسؤولين الأمميين على الرغم من الأزمات الإنسانية والإقليمية في النزوح والمجاعة التي خلفتها وشكلت تحديا أمام المنظمات الإنسانية لا يفهم منه إلا أن ما تشهده الساحة الدولية من حروب في مختلف المناطق بتأثيرات استراتيجية كبرى جعلت من حرب السودان المأساوية بؤرة مجهولة على افق الحل الدولي. ومن ثم بقيت الحرب خارج سلطة القوانين والشرعية الدولية وفوقها على مستوى الممارسة والمسؤولية الجنائية والالتزام الأخلاقي على نص المواثيق المنظمات الأممية المعنية بالسلم والأمن.
الوسومالجيش الدعم السريع حرب السودان