صحيفة التغيير السودانية:
2024-07-06@15:50:55 GMT

هذه ليست حرب جنرالين!

تاريخ النشر: 25th, April 2024 GMT

هذه ليست حرب جنرالين!

 

هذه ليست حرب جنرالين!

خالد عمر يوسف

ينشط بعض أبواق الحرب في الترويج لفرضيات ساذجة مفادها أن هذه الحرب ما هي الا صراع جنرالين وحسب أو مغامرة قائد مليشيا مجنون قرر ذات صباح أن يحرق كامل البلاد بعون خارجي وبس!! سردية مبسطة موغلة في السطحية تفترض أن السودان قد ولد في ١٥ أبريل الماضي وأن ما سبق ذلك كأنه لم يكن ولا علاقة له بحريق البلاد الشامل الذي يحدث الآن!!

الهدف من هذه السردية الساذجة هي الترويج لنموذج حل مفصل على مقاس من أشعلوا هذه الحرب.

. طالما إن هذه هي المشكلة “فالحل في البل”.. لا داعي أن يرهق أحد ذهنه في التفكير في جذور هذه الحرب ومسبباتها ومآلاتها.. ساعة النصر قادمة سيهزم فيها الأشرار “وخلاص بعدها كلو تمام سعادتك”.. سيخلو وجه السودان لمشعلي الحرب ليقيموا نموذجهم البائس بقوة الحديد والنار.. وسيسعون لاكساب حربهم هذه شرعية بتصويرها حرباً من أجل الوطن وسيادته وكرامته.. هكذا ببساطة لا عبرة ولا اعتبار.. فعن أي سيادة يتحدثون والسودان الآن لا دولة فيه، وعن أي كرامة يتحدثون والملايين يهيمون على وجههم لا يملكون قوت يومهم، ويموتون كل يوم في المنافي حسرة على ما آل له حالهم بفعل هذه الحرب لا يحلمون سوى بالعودة لديارهم فقط لا غير.

كيف يمكن فهم هذه الحرب بصورة كاملة دون الغوص عميقاً في فهم تاريخ المؤسسة العسكرية في السودان، والمصالح الاجتماعية التي عبرت عنها، وطموحاتها السلطوية، وتغولها على السياسة والاقتصاد، واستنصار قوى سياسية بها لحسم صراعات السلطة بينهم ومن ثم هيمنة الاسلاميين عليها لعقود طويلة واستخدام نفوذهم داخلها لفرض ارادتهم على شعب السودان.. استخدام تحدوا به ثورة خرج فيها الملايين فافسدوا الانتقال وانقلبوا مع قادة اطراف القتال الحالي على الفترة الانتقالية وقادوا البلاد لحرب حين فشل الانقلاب وابتدرت عملية سياسية تهدف لاستعادة مسار الانتقال المدني الديمقراطي.

كيف يمكن أن نحيط بحيثيات هذه الحرب دون ان نتدبر في تركيبة الدولة التي خلفها الاستعمار، والاختلالات الواضحة في بنيانها وتعبيرها عن مكوناتها، وثورات الهامش السلمية منها والمسلحة، وكيف تصرفت الدولة المركزية حيال ذلك؟ كيف قسمت القبائل وسلحتها واستخدمتها ضد بعضها البعض؟ تنشيء فصيلاً مسلحاً ليواجه فصيلاً مسلحاً اخر، ومن ثم تغير تحالفاتها لتنصر الفصيل الذي كان في خانة العدو وتستخدمه ضد صديق الأمس، طاحونة مستمرة تطحن البلاد، خلقت وضعية جيوش متعددة لا لشيء سوى الحفاظ على نمط مركزي محدد فشل ونحن نعيش الآن نتائج ذلك الفشل!

لن تتوقف الحرب بالتبسيطات، وإن كانت بدأت ظاهرياً كصراع مسلح بين القوات المسلحة والدعم السريع، فإنه من قصر النظر أن نغفل اليوم عن طبيعتها المتغيرة بصورة دراماتيكية.. كيف تصاعدت خطابات الكراهية وخلقت توتراً بين مجتمعات لا بين جنرالين فحسب.. كيف تصاعدت إرادة استعادة النظام القديم وقبر الثورة مرة وإلى الأبد.. كيف صار السودان ساحة لصراع اقليمي ودولي فتاك يستغل تمزيق السودانيين لبلادهم بأيديهم.. ان كانت هذه الحرب حرب جنرالين أو قائد مليشيا فحسب كما يريد البعض أن يصورها فإن الحل الآن ليس في مصالحة الجنرالين ولا في انتصار طرف على الآخر. لا مجال الآن إلا لصياغة عقد اجتماعي جديد يتعايش فيه جميع السودانيين/ات بعدالة وانصاف، وتنتهي فيه صراعات السلطة المسلحة ويصير تداول الحكم سلمياً عن طريق انتخابات حرة ونزيهة، وتكون فيها الدولة للجميع ليست لحزب أو مجموعة بعينها، ويبنى فيها جيش واحد مهني وقومي يعبر عن كل السودان بحق وينأى عن السياسة والاقتصاد وتقتصر مهامه على حماية البلاد من المهددات الأمنية وفق الدستور ويعمل تحت إمرة السلطة المدنية الشرعية.

الطريق لصياغة هذا العقد الاجتماعي يتم عبر وضع البنادق جانباً الآن ودون تأخير والنأي عن الظن بامكانية اخضاع طرف لأي طرف آخر، والجلوس لتفاوض سلمي يقود لسلام مستدام على أسس حقيقية تخاطب خطايا الماضي والحاضر وتبني مستقبلاً مزدهراً لبلادنا التي نحب.

 

الوسومالبرهان الحرب السودانية حرب الجنرالين حميدتي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: البرهان الحرب السودانية حرب الجنرالين حميدتي

إقرأ أيضاً:

السودان الذى كان

التهمت نار الحرب المستعرة بين الأشقاء فى السودان، نحو 150 ألف قتيل وفقا للمبعوث الأمريكى .

15 شهرا كانت كفيلة بتدمير البلد الذى مزقته نزاعات تلو نزاعات انتهت به من عرش البلد الأكبر مساحة فى أفريقيا والعالم العربى حتى 2011، إلى دويلات صغيرة حالياً .

كلنا نعرف بداية الصراع الأخير المستعر بين الجيش وقوات الدعم السريع، والذى بدأ بتمرد قوات الدعم السريع ومحاصرتها قاعدة مروى العسكرية .

كلنا نعرف البداية، لكن لا أحد يعرف إلا الله متى تنتهى الحرب؟

150 ألف قتيل ونحو 10 ملايين فارين ومهجرين من المنازل، بعضهم هنا فى مصر .

هذا الرقم الضخم من الضحايا الذى وصلت إليه السودان فى 15 شهرا، يتجاوز 5 أضعاف ضحايا الحرب الأهلية فى ليبيا التى شهدت 25 ألف قتيل و4 آلاف مفقود .

كما يقنرب من 4 أضعاف عدد الشهداء فى غزة.

وبالطبع الأعداد فى السودان مرشحة للزيادة، دون أمل قريب فى إبرام اتفاق هدنة .

حتى هذi اللحظة لايزال السودان واحدا من أكبر ثلاث بلدان فى القارة الأفريقية من حيث المساحة، بعد أن كان الأول بلا منازع . كما لا تزال لديه مساحات شاسعة من الأراضى الصالحة للزراعة بما يمثل نحو ثلث المساحة تجعله بحق سلة غذاء العالم.. وتتوافر فيه بالطبع مياه أنهار النيل وعددها 7 أنهار قبل أن تتجمع فى مجرى النيل الرئيسى بالخرطوم قبل دخولها مصر.

وحتى هذه اللحظة أيضا، تمتلك السودان 130 مليون رأس ماشية، مقابل 7.5 مليون رأس ماشية فى مصر، اى أكثر من 17 ضعفا .

بخلاف البحيرات والمصائد النيلية والبحرية التى تتيح مخزونا من الثروة السمكية.

قبل انفصال الجنوب، كانت الثروة المعدنية والنفط، تضعان السودان فى مراتب متقدمة .. لكن الآن اختلف الوضع.

بلد ممزق ينشب فيه الفقر، بينما يجلس ابناؤه على عرش الزراعة والثروة الحيوانية.

سلة غذاء العالم، يتضور فيها ملايين الأشخاص جوعا، وينشرون فى دول الجوار هربا من الموت.

فى الفترة الليبرالية المصرية قبل 1952 كان الوفد يرى فى السودان وحدة تاريخية مع مصر. فقد وحدهما نهر النيل الذى يقطعهما ويروى عطش المصريين والسودانيين على حد سواء، كما يروى اراضيهما .

كانت مفاوضات الوفد مع الانجليز حول الجلاء، تتحطم على صخرة السودان، وكان النحاس باشا يقول: «تقطع يدى ولا يفصل السودان عن مصر».

رفض الوفد كل محاولات فصل السودان عن مصر .. وليتهما ما انفصلا .

فالسودان بثرواته الطبيعية من أراضٍ ومياه ومخزون من البترول والمعادن، ومصر بثرواتها البشرية وخبراتها فى الإدارة والتخطيط، كانا فى وحدتهما يمثلان تكاملا طبيعيا لوادى النيل .

ولو استمرت الوحدة ربما لأصبحت مصر والسودان أغنى بلد فى المنطقة العربية والقارة الأفريقية .

الآن لم يعد ممكنا سوى الدعاء للسودان، ثم إعداد خطة اقتصادية لتحقيق التكامل معها..  فربما تتحقق المعجزة وتنطفئ نار الحرب فى وقت قريب .

مقالات مشابهة

  • بغياب الأطراف المتحاربة.. اجتماع في القاهرة يناقش حل الأزمة السودانية
  • سفير الاتحاد الأوروبي بالسودان: نقدر الأدوار الفاعلة لمصر من أجل إنهاء الأزمة
  • مسؤولة بالاتحاد الإفريقي تطالب بضرورة وقف الاقتتال بشكل فوري في السودان
  • مصائب الكيزان في بلاد السودان!
  • خواجة: الأميركيون لا يريدون حرباً شاملة على لبنان في هذه المرحلة
  • رئيس وزراء المجر: مهمتمنا الأساسية هي إحلال السلام
  • السودان الذى كان
  • جبريل ينفي وجود مجاعة ويلتقي بالمبعوث الياباني للقرن الإفريقي
  • ولاية سنّار.. موطن أول دولة إسلامية في السودان
  • رسالة من بو صعب إلى الأمم المتحدة.. هذا ما جاء فيها