مجدّدًا، تصاعدت التطورات العسكرية في جنوب لبنان، واتسعت رقعة المواجهات بوتيرة لافتة، في الأيام القليلة الماضية، على وقع ما بدا أنّها جولة تصعيد إسرائيلي جديدة، تقوم على سياسة "الاغتيالات" التي تنتهجها تل أبيب في مواجهة "حزب الله"، الذي لجأ بدوره إلى تكتيكات "نوعية" من خلال إسقاطه لطائرات مسيّرة إسرائيلية، أو بلجوئه إلى الهجوم المباشر والمركّب، كما فعل حين استهدف مقرّ قيادة لواء غولاني في عكا.


 
وبالتوازي مع التصعيد العسكري، تتصاعد أيضًا "الحرب النفسية" بين الجانبين، وهو ما تجلّى في الأيام الأخيرة من خلال بعض التسريبات الإعلامية التي تلمّح إلى اتخاذ "قرار الحرب"، كما جاء في صحيفة "معاريف" التي أشارت إلى أنّ الجيش "ينتظر التعليمات فقط"، أو حتى من خلال تصريحات المسؤولين السياسيين، وأبرزها كلام عضو مجلس الحرب الإسرائيلي الوزير بيني غانتس الذي تحدّث عن الاقتراب من "نقطة الحسم" في لبنان.
 
وفي مقابل هذه التهديدات، كان لافتًا أيضًا تكثيف "حزب الله" لحضوره الإعلامي، وإن بقي ملتزمًا بـ"ضوابط" الخطاب الثابتة، خصوصًا على مستوى الجهوزية للحرب، لكن "إن فُرِضت عليه"، بمعنى أنّه لن يكون "المبادِر لاستدعائها"، ما يطرح السؤال عمّا إذا كان ذلك لا يزال كافيًا لتجنّب "المواجهة الكبرى"، أم أنّ التطورات العسكرية المتصاعدة باتت تمهّد الطريق فعلاً لتتّخذ المواجهة شكل "الحرب الشاملة" بأتمّ معنى الكلمة؟
 
 كيف تُقرَأ التهديدات الإسرائيلية؟
 
صحيح أنّ التهديدات الإسرائيلية بتوسيع "جبهة لبنان"، إن جاز التعبير، ليست مستجدّة، بل يكاد يكون عمرها من عمر فتح الجبهة في الثامن من تشرين الأول، حيث يتوعّد الإسرائيليون دائمًا لبنان بـ"ثمن كبير" نتيجة المعارك، خصوصًا في ضوء ما بات يُعرَف بـ"مأزق الشمال" الناجم عن هجرة المستوطنين القسرية، إلا أنّ الصحيح أيضًا انّ هذه التهديدات شهدت تزايدًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، وخصوصًا في الأيام القليلة الماضية.
 
ويعزو العارفون هذا التزايد إلى أكثر من عامل وسبب، أولها "التراكمات" التي أحدثتها الجبهة المشتعلة في الجنوب، حيث يعتبر الإسرائيليون إنّهم يتعرّضون لـ"تهديد جدّي" من جانب "حزب الله"، سواء على مستوى هيبة الردع التي فُقِدت، أو على مستوى "عمق" العمليات التي ينفذها الأخير، رغم التزامه بسقفٍ منخفض نسبيًا من التصعيد، وهم يرفضون التسليم بـ"الترابط" بين الجبهة ومصير الحرب على غزة، الذي سيُعَدّ في مكان ما "قبولاً" بشروط الحزب.
 
وإذا كان ما سبق يتناغم أيضًا مع الحديث الدائم عن رفض مستوطني الشمال العودة إلى بيوتهم، إذا لم يتمّ التوصل إلى "حل جذري" ينهي التهديد الناجم عن وجود "حزب الله" على الحدود، فإنّ العارفين يعزون تصاعد حجم "الحرب النفسية" في الأيام الأخيرة أيضًا إلى تطورات الإقليم، خصوصًا بعد الهجوم الإيراني والرد الإسرائيلي الذي وُصف بـ"الضعيف"، إذ يسود اعتقاد بأنّ إسرائيل تتعمّد إشعال "جبهة الجنوب"، من باب تأكيد العودة إلى "قواعد الاشتباك" السابقة.
 
سيناريوهات "متأرجحة"
 
قد يعني تصاعد التهديدات الإسرائيلية أنّ هناك تخطيطًا إسرائيليًا لنقل المواجهة إلى مرحلة جديدة، وهي مرحلة يرى البعض أنّها قد بدأت بدليل أنّ عمليات "حزب الله" باتت "نوعية" أكثر من السابق، وكأنّ الأخير عدّل في مكان ما من "قواعد اللعبة" التي يلتزم بها، في مواجهة التجاوزات الإسرائيلية المتواصلة، حتى إنّ البعض بدأ يتحدّث عن "عملية واسعة" يحضَّر لها ضد لبنان، إما بالتزامن مع الهجوم على رفح، أو ربما بعد الانتهاء من الأخير.
 
وإذا كان هناك من يرجّح أن "يتفرّغ" الإسرائيلي لجبهة لبنان بعد الانتهاء من رفح، باعتبار أنّه لم يبقَ هناك من شيء في غزة على "بنك الأهداف"، وبعدما تحوّل القطاع إلى مكان غير صالح للسكن بالمطلق، فإنّ هناك من لا يزال يصرّ على أنّ كل التهديدات الإسرائيلية، معطوفة على الاغتيالات وغيرها من التكتيكات المستخدمة، تبقى محصورة في خانة "رفع السقف" تحضيرًا لمفاوضات "اليوم التالي" التي بدأ العمل عليها خلف الكواليس.
 
بهذا المعنى، يتحدّث العارفون عن "سباق مستمر" بين العمل الدبلوماسي والمواجهة العسكرية، تبقى معه كل الاحتمالات المفتوحة، حتى لو كان الثابت حتى الآن أنّ الإسرائيلي يفضّل حلاً دبلوماسيًا، بعيدًا عن الحرب، التي لا يزال الأميركيون تحديدًا يرفعون "الفيتو" في وجهها، كما رفعوا "الفيتو" سابقًا في مواجهة التصعيد الإسرائيلي ضدّ إيران، إلا أنّه يعطي لنفسه "هامشًا" قد لا يكون محدودًا، ما يترك كل السيناريوهات واردة، بما فيها الحرب.
 
قد لا يكون القول إنّ قرار "الحرب" قد اتُخِذ إسرائيليًا دقيقًا، ولو ألمحت إليه بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، ونسبته إلى مصدر وأوساط سياسية وعسكرية لها ثقلها، فكلّ ما يجري ينبئ بأنّ "السباق على أشدّه" بين السيناريوهين الدبلوماسي والعسكري، من دون أن تميل الدفة حتى الآن باتجاه أحدهما دون الآخر، سباق لا يبدو واضحًا حتى الآن إلى أين يمكن أن يأخذ المواجهة، على المديين المتوسط والطويل! المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

هذه آخر دراسة إسرائيليّة عن حرب لبنان.. كيف وصفتها؟

حذرت دراسة أعدها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة تل أبيب من مخاطر الدخول في مواجهة عسكرية شاملة مع حزب الله، مؤكدة أن بقاء إسرائيل بوصفها قوة إقليمية أصبح موضع شك وصورتها كدولة قوية عسكريا تتلاشى.

وشكك اللواء احتياط تامير هيمان رئيس المعهد والرئيس السابق المخابرات العسكرية الإسرائيلية (أمان) في مقال يلخص الدراسة، بجدوى توسيع إسرائيل الحرب في لبنان، قائلاً إن "التحرك في الشمال قبل حسم الحرب في غزة أمر غير مرغوب، وقد يؤدي إلى تشتيت الجهود وإلى حرب استنزاف طويلة".

وأكد أن الحرب في غزة تسببت في أن تواجه إسرائيل تهديداً بعزلة دولية واسعة، بعد أن بات الكثير في الساحة الدولية ينظرون إليها على غرار روسيا بوصفها الجانب العدواني والعنيف.

وأضاف هيمان أن حزب الله لديه البنية التحتية والقدرات العسكرية لخوض حرب طويلة جداً ربما تستمر عدة أشهر، يُلحق خلالها أضراراً جسيمة بإسرائيل، الأمر الذي سيؤثر على استمرارية العمل والاقتصاد وقدرة أي إسرائيلي على القيام بعمل ما.

وتتوقع الدراسة أن يطلق حزب الله آلاف الصواريخ والقذائف بشكل يومي ولفترة طويلة في حال اندلاع حرب شاملة، لافتا إلى أنه لن يكون بالإمكان اعتراضها كلها، خصوصاً وأنها ستطلق من مناطق أخرى بينها إيران والعراق وسوريا واليمن، وهذا خطر عسكري ومدني لم تشهد إسرائيل مثيلا له.

نصائح الحرب وفي حال أصرت الحكومة الإسرائيلية على الدخول في حرب شاملة مع حزب الله، قال هيمان إن "عليها أن تحدد بشكل واضح كيف ستنتهي، وأن تتعلم من دروس الحرب في غزة، والتي تم التخطيط لها باعتبارها حربا طويلة، وهذا يتعارض مع مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي".

واقترحت الدراسة الإسرائيلية التوصل إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد في قطاع غزة، وإطلاق المحتجزين وفقاً لخطة الرئيس الأميركي جو بايدن، الأمر الذي سيتيح وقف النار في الشمال، وتعزيز فرص التوصل لتسوية سياسية مع حزب الله بوساطة دولية. وأردف قائلاً "أما إذا اندلعت حرب شاملة ضد حزب الله، فمن الأفضل لإسرائيل أن تخوضها وتصممها، بحيث تكون قصيرة ومحدودة إقليمياً بقدر الإمكان، على أمل أن تتسبب بأقل قدر من الضرر المادي والمعنوي بالجبهة الداخلية الإسرائيلية".

وشدد على ضرورة إشراك الجمهور الإسرائيلي بأهداف الحرب، وكذلك المخاطر التي تنتظرهم، والاستعدادات اللازمة لمثل هذه الحرب، وتنسيق التوقعات معهم، مؤكدا أنه حتى الآن، لم يتم اتخاذ أيّ خطوات في اتجاه إعداد الجمهور لهذا السيناريو.

وفي الأسابيع الأخيرة، زادت حدة التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، مما أثار مخاوف من اندلاع حرب شاملة، لا سيما مع إعلان الجيش الإسرائيلي قبل أسبوع المصادقة على خطط عملياتية لـ"هجوم واسع" على جنوب لبنان.

ومنذ 8 تشرين الأول 2023، تتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان -أبرزها حزب الله- قصفاً يومياً مع الجيش الإسرائيلي عبر "الخط الأزرق" الفاصل.

ويرهن حزب الله وقف القصف بإنهاء إسرائيل حربا تشنها على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول 2023، مما أسفر عن أكثر من 124 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء. (الجزيرة نت)

مقالات مشابهة

  • The Spectator: احتمالات الحرب بين حزب الله وإسرائيل حقيقية.. ليس أمامنا سوى الانتظار
  • خبير استراتيجي: الحرب بين حزب الله وإسرائيل مسألة وقت.. والمنطقة مقبلة على خراب
  • الرئيس الصربي يحذر: الحرب بين حزب الله وإسرائيل ستجر الغرب والشرق لصراع عالمي
  • نصر الله يتحدّث.. وإسرائيل تصغي
  • هذه آخر دراسة إسرائيليّة عن حرب لبنان.. كيف وصفتها؟
  • مُحاولة أميركيّة - فرنسيّة مُشتركة لإطار حلّ في الجنوب.. ميقاتي من الجنوب: التهديدات نوع من الحرب النفسية
  • البحرين تدعو لتجنب التصعيد العسكري بين لبنان وإسرائيل وتطالب مجلس الأمن الدولي بتدخل عاجل
  • الأجانب يغادرون لبنان بأعداد كبيرة على خلفية التهديدات الإسرائيلية
  • على شفا حرب: الأجانب يغادرون لبنان بأعداد كبيرة على خلفية التهديدات الإسرائيلية
  • رئيس الحكومة اللبنانية: نحن في حالة حرب.. والتهديدات الإسرائيلية نوع من الحرب النفسية