قراءة مهمة في حرمان الشباب من الشمول الكلي بتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة.!
تاريخ النشر: 25th, April 2024 GMT
#سواليف
ثلاثة عشر أثراً سلبياً لهذا التعديل؛
قراءة مهمة في حرمان الشباب من الشمول الكلي بتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة.!
خبير التأمينات والحماية الاجتماعية الإعلامي والحقوقي/ موسى الصبيحي
مقالات ذات صلة
موافقة مجلس الوزراء على الأسباب الموجبة للنظام الخاص بالشمول الجزئي بتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة للشباب الأردنيين دون سن الثلاثين (نظام تخفيض اشتراكات تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة للعاملين في منشآت القطاع الخاص لسنة 2024) يعتبر بداية مرحلة مؤلمة في مسيرة الحماية الاجتماعية ويُشكّل لطمة على وجهها.
صحيح أن تعديلات قانون الصمان العام الماضي لم تفصل تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة إلى تأمينين وهذا صحيح، لكنها جَزَّأت الحماية الاجتماعية لهؤلاء الشباب وحرمتهم من جزء مهم من المنافع التأمينية لهذا التأمين، انحيازاً لأصحاب العمل وتخفيفاً من التزاماتهم المالية المترتبة على إشراك المؤمّن عليه الأردني الشاب بكامل التأمين.!
فقد أتاحت التعديلات (المادة 59/ج/١) لمنشآت القطاع الخاص تخفيض نسبة الاشتراكات المترتبة على المنشأة عن تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة التي تدفعها عن المؤمّن عليهم الأردنيين العاملين لديها الذين لم يكملوا سن الثلاثين ولم يتم شمولهم بالضمان سابقاً على أن لا تتجاوز نسبة التخفيض (50%) من الاشتراكات. وهو ما يعني تخفيض الاشتراكات المترتبة على المنشأة عن هذا التأمين من (11%) إلى (5.5%) من أجر المؤمّن عليه في هذه الحالة. وهو ما يُعدّ من أكثر التعديلات انتهاكاً لحقوق العمال الشباب وإضراراً بهم وبمستوى الحماية الاجتماعية.
أما انعكاسات مثل هذا التعديل وآثاره على المؤمّن عليهم ومختلف الأطراف، فيمكن إجمالها فيما يلي:
أولاً: لن تُحتَسب مدة خدمة المؤمّن عليه في هذه الحالة كاملة كفترة اشتراك لغايات تقاعد الشيخوخة والمبكر، وإنما ستُحسَب له (50%) من هذه الخدمة فقط، فإذا كان مشمولاً بتأمين الشيخوخة الجزئي لمدة (10) سنوات مثلاً، فإن ما يدخل منها ضمن اشتراكاته الخاضعة للتقاعد هو (5) سنوات فقط.
ثانياً: ينطوي هذا التعديل على حرمان واضح لحق الشباب دون سن الثلاثين بالشمول الكامل بتأمين الشيخوخة، وهو ما يؤدي إلى عزوفهم عن الضمان بشكل عام وليس تحفييزهم، مما يشجّع على التهرب التأميني بالاتفاق ما بين العاملين ضمن هذه الفئة وأصحاب عملهم بسبب قناعة العامل بعدم جدوى اشتراكه وشعوره بالغبن والتمييز السلبي تجاهه.
ثالثاً: يُشكّل هذا التعديل تمييزاً سلبياً في الحقوق بين مجتمع المؤمّن عليهم، فبينما تحظى فئات منهم بالحصول على حقها كاملاً بالشمول الكلي بتأمين الشيخوخة، تُحرَم فئات أخرى من هذا الحق، مما يقودنا للقول بأن هذا التمييز يتنافى مع المبدأ الدستوري بأن الأردنيين أمام القانون سواء وأنهم متساوون في الحقوق والواجبات..!
رابعاً: الإسهام بتركُّز البطالة بين الفئات العمرية الأخرى التي تزيد أعمارها على (30) سنة، حيث سيكون من مصلحة أصحاب العمل البحث عن عاملين جُدد دون سن الثلاثين لتوفير نسبة كبيرة من كُلف إشراكهم بالضمان.
خامساً: سيسهم هذا التعديل بالضغط على وظائف القطاع العام بشقّيه المدني والعسكري ذلك أن العاملين في هذا القطاع ومن كل الفئات العمرية مشمولون بتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة بشكل كامل لا جزئي، وبالتالي فإن هذا التعديل يتعارض مع كل سياسات الدولة واستراتيجياتها الاقتصادية المحفّزة للأردنيين على العمل في كافة الفرص المتاحة في القطاع الخاص.
سادساً: يفترض هذا التعديل أن الشاب دون سن الثلاثين سيبقى منخرطاً في سوق العمل بالقطاع الخاص دون انقطاع إلى لحظة اكماله سن 60 للذكور و سن 55 للإناث للحصول على راتب التقاعد، في حين أن الواقع يشير إلى مرور العاملين في القطاع الخاص بفترات تعطل وانقطاع وانتهاء خدمة كثيرة، ولذا فإن حرمان العامل دون سن الثلاثين من نصف أو ربع مدة خدمته المحسوبة في التقاعد يعني التأثير سلباً على مقدار تقاعده أولاً ثم على استكماله للمدة المطلوبة بسبب تعطله اللاحق عن العمل لفترات متقطعة وربما تكون طويلة.
سابعاً: يشكّل هذا التعديل تمييزاً سلبياً ضد المؤمّن عليهم الأردنيين، فبينما يتم شمول العامل غير الأردني بتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة كاملاً يتم شمول العامل الأردني بهذا التأمين بشكل جزئي. أي أن العامل غير الأردني يحظى بحماية اجتماعية أفضل من العامل الأردني.
ثامناً: وحيث لن تُحتَسب كامل مدة خدمة العامل المؤمّن عليه بالضمان، فينبغي الانتباه إلى أن ذلك يرتّب له حقّاً في جزء من تعويض نهاية الخدمة الملزَم بها صاحب العمل وفقاً لأحكام قانون العمل، كون الإعفاء منها مشروط بالشمول بالضمان كفترة تقاعد..!
تاسعاً: فوات مبالغ مالية كبيرة من الإيرادات التأمينية من الاشتراكات على مؤسسة الضمان كنتيجة لهذا التخفيض، مما يؤدي إلى تقليل الفوائض التأمينية السنوية للمؤسسة، ويُضعِف تحويلاتها إلى صندوق استثمار أموال الضمان، مما يؤدي بالضرورة إلى تقليل العائد الاستثماري.
عاشراً: سيُؤدي الشمول الجزئي بهذا التأمين في بعض الحالات إلى حرمان المؤمّن عليه وأسرته في حالة الوفاة الطبيعية أو العجز الطبيعي من الحق بالحصول على راتب تقاعد الوفاة أو العجز بسبب تخفيض المدة المحسوبة كاشتراك بالضمان مما يؤثر على المدة المطلوبة كحد أدنى لاستحقاق راتب تقاعد الوفاة الطبيعية أو راتب اعتلال العجز الطبيعي. الا في حال تم الأخذ بما قدّمناه سابقاً من مقترح باعتبار التخفيض والاشتراك الجزئ بهذا التأمين كأنْ لم يكن في حالتي وفاة المؤمّن عليه أو عجزه.
حادي عشر: تحميل المؤمّن عليه المشمول بالتأمين الجزئي عبئاً مالياً إضافياً في حال رغب بسد ثغرة الشمول الجزئي من خلال الاشتراك الاختياري التكميلي.
ثاني عشر: تعريض المؤمّن عليه المشمول بالتأمين الجزئي لظلم آخر، حيث تخفيض الاشتراكات منصبّ على النسبة المترتبة على صاحب العمل (المنشأة) فقط بينما النسبة المترتبة على المؤمن عليه نفسه والتي يقتطعها صاحب العمل من أجره عن هذا التأمين والبالغة (6.5%) من الأجر بقيت كما هي ولم يطالها أي تخفيض بالرغم من أن المؤمن عليه هو المُتأثر بالتخفيض.!
ثالث عشر: خلق مراكز قانونية متفاوتة كثيراً ما بين مشتركين جدد ومشركين قدامى، مما ينتج عنه تمايز واضح في الحقوق التأمينية، وهو ما يتنافى مع العدالة في الحقوق.
هذا بشكل عام ما جاءت به تعديلات القانون في هذا الجانب، وما ذكرته أعلاه من نقاط هو نتائج وانعكاسات لهذه التعديلات وسننتظر ما يأتي به النظام الخاص بالشمول الجزئي من تفاصيل وأحكام وأن لا يكون قد شمل كل القطاعات والأنشطة الاقتصادية بهذا التخفيض.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف المؤم ن علیهم المترتبة على القطاع الخاص المؤم ن علیه هذا التأمین هذا التعدیل فی الحقوق وهو ما
إقرأ أيضاً:
وثيقة حكومية وتقرير للبنك الدولي يكشفان أزمات مصر المقبلة مع الديون والعجز والتضخم
بينما تواصل الحكومة المصرية تقديم بيانات طمأنة للمصريين حول وضع ثاني أكبر اقتصاد عربي وأفريقي، تخرج من آن إلى آخر وثائق رسمية وتقارير ودولية تكشف عن وضع صعب مع حلول آجال الكثير من الديون، وزيادة عجز الحساب الجاري، وتفاقم معدلات التضخم.
وعصر الثلاثاء، اجتمع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بمحافظ البنك المركزي حسن عبدالله، لمتابعة مؤشرات الاقتصاد الكلي، وجهود خفض التضخم، وزيادة الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية.
وأكد عبدالله، أن صندوق النقد الدولي أعرب عن تقديره لإدارة مصر للملف الاقتصادي بمواجهة الصدمات الخارجية، وأشاد بالتزام الحكومة بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، لكن تقرير للبنك الدولي كان له رأي آخر.
ووفقا لأحدث تقرير صادر عن المؤسسة الدولية، فإن الحكومة المصرية مطالبة بسداد 11.1 مليار دولار من الديون الخارجية المستحقة خلال ما تبقى من الربع الحالي من السنة المالية الجارية (2024- 2025) أي خلال أيار/ مايو وحزيران/ يونيو، بجانب سداد متأخرات مستحقات شركات النفط الأجنبية.
وفي السياق، توقع التقرير اتساع عجز الحساب الجاري في السنة المالية الحالية والمنتهية في 30 حزيران/ يونيو المقبل، إلى 6.3 بالمئة من الناتج المحلي بسبب زيادة واردات الغاز، وتباطؤ تعافي إيرادات قناة السويس.
وتوقع أيضا أن يرتفع عجز الموازنة المصرية إلى 7.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2025، مقارنة بـ 3.6 بالمئة في السنة المالية 2024.
والبنك الدولي توقع أيضا أن يسجل معدل التضخم في مصر 20.9 بالمئة خلال العام المالي الحالي، و15.5 بالمئة في العام المالي المقبل، و12.2 بالمئة في (2026-2027)، فيما أكد أن معدل نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي لايزال محدودا، ومعدلات التضخم مرتفعة، بما يعيق جهود الحد من الفقر.
"وثيقة حكومية"
ووفقا لوثيقة حكومية اطلعت عليها نشرة "إنتربرايز" الاقتصادية، فمن المتوقع أن يقفز إجمالي التزامات سداد القروض المحلية والأجنبية لمصر بنحو 30 بالمئة إلى 2.1 تريليون جنيه بالعام المالي المقبل، صعودا من إجمالي الالتزامات المقدرة للعام المالي الحالي البالغة 1.6 تريليون جنيه.
وبحسب ما نقلته النشرة اليومية، يشمل إجمالي التزامات سداد الديون، إطفاء سندات بقيمة 768 مليار جنيه، وسداد قروض محلية بقيمة 832 مليار جنيه، وسداد ديون خارجية بقيمة 483 مليار جنيه بالعام المالي (2026/2025).
وذات السياق، وفي 23 نيسان/ أبريل الجاري، قدر بنك الاستثمار (سي آي كابيتال) الفجوة التمويلية في مصر للعام الحالي بين 3 إلى 5 مليارات دولار، مشيرا إلى أن الاحتياجات التمويلية لمصر خلال العام الحالي بين 27 و29 مليار دولار.
ما كشف عنه تقرير البنك الدولي، وما عرضته نشرة "انتربرايز"، و"بنك الاستثمار"، تظل جميعها في إطار المؤشرات السلبية وتكشف وفق مراقبين، عن استمرار انتهاج الحكومة المصرية بعض سياساتها السلبية لمجابهة ذلك الوضع، وبينها مواصلة الاقتراض الخارجي والداخلي، وبيع الأصول العامة والأراضي الاستراتيجية.
وتشير أيضا، إلى أوضاع مالية واقتصادية صعبة في انتظار أكثر من 107 ملايين مصري يمثلون أكبر دولة عربية سكانا، وتؤكد تفجر وتفاقم أزمات قائمة بينها تراجع مخصصات دعم الفقراء ورفع أسعار السلع الأساسية وبالتالي زيادة معدلات التضخم.
"حلول حكومية وتفاقم الأزمات"
وفي هذا الإطار، كشفت عدة مؤشرات على استمرار نهج السلطات المصرية في حل أزماتها المالية والتمويلية عبر الاقتراض وبيع الأصول والأراضي الاستراتيجية لدول عربية، متجاهلة مقومات التنمية الحقيقية من التصنيع، والزراعة، والاستثمار.
وتوقع بنك الاستثمار (سي آي كابيتال) أن تسد مصر الفجوة التمويلية للعام الحالي عبر بيع أصول وأراضي على غرار صفقة "رأس الحكمة" للإمارات في آذار/ مارس 2024، ما يشير لحاجة البلاد إلى صفقات كبيرة لسد الفجوة.
وقالت وزيرة التخطيط المصرية رانيا المشاط، خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، 24 نيسان/ أبريل الجاري: إن الحكومة تدرس إبرام المزيد من الصفقات التي تُحوّل فيها ديونها المستحقة لدول أخرى إلى استثمارات في صورة حقوق الملكية بمصر.
وكشفت الوزيرة، عن مفاوضات جارية مع ألمانيا بشأن صفقة في مجال الطاقة لمبادلة الديون، فيما تجري القاهرة أيضا مناقشات مع الصين بهذا الإطار، وفق موقع "الأهرام أونلاين" الأسبوع الماضي.
وأكدت تقارير صحفية أن الكويت تدرس تحويل ودائع بـ4 مليارات دولار بمصر لاستثمارات مباشرة بصفقة مماثلة لـ"رأس الحكمة".
وقبل أسبوع كشف وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب طارق شكري، عن قرب تنفيذ صفقتين استثماريتين كبيرتين مع دولة قطر، إحداهما على غرار صفقة رأس الحكمة مع الإمارات، ملمحا إلى صفقات قريبة مع السعودية والكويت.
وفي سياق بيع الأصول، حصلت شركة "ناس" الإماراتية على موافقة لتنفيذ عرض شراء إجباري للاستحواذ على 90 بالمئة من أسهم "سماد مصر" بشراء 5.2 مليون سهم مقابل 95 جنيها للسهم، لتتضاعف سيطرة الإمارات على هذا القطاع الحيوي في مصر.
واستمرارا للنهج الحكومي بالاقتراض الخارجي، كشفت وزيرة التخطيط 24 نيسان/ أبريل الجاري، عن قرب حصول مصر على دعم للميزانية بقيمة 300 مليون دولار من البنك "الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية" ومقره بكين، خلال حزيران/ يونيو المقبل.
وتواصل الحكومة المصرية طرح شركات عامة وأخرى تابعة للجيش بينها 5 دفعة واحدة بالبورصة وأمام مستثمرين استراتيجيين، بجانب خصخصة إدارة وتشغيل 11 مطارا مصريا، في صفقة مثيرة للجدل، تبعها تفاوض 5 صناديق استثمار عربية وأجنبية، لاقتناص حصص استراتيجية بمستشفيات حكومية وشركات أدوية ضمن برنامج الطروحات.
هل نجحت تلك الحلول؟
يرى مراقبون أن حلول الاقتراض الخارجي، وبيع الأصول، لم تجد مع أزمات ثاني أكبر اقتصاد عربي وإفريقي الهيكلية المعقدة، ومع أسوأ أزمة عملة أجنبية تشهدها البلاد منذ عقود، ووسط معدل تضخم وصل مستويات قياسية.
وأشاروا إلى حصول مصر بالعام الماضي وحده على نحو 57 مليار دولار ، ما بين منح وقروض ودعم غربي، دون حل جذري للأزمة.
وفي 18 آذار/ مارس 2024، أعلن البنك الدولي من واشنطن تقديم 6 مليارات دولار، في 3 سنوات، ضمن خطة إنقاذ عالمية للاقتصاد المتعثر بالدولة العربية التي وصلت إلى نقطة حرجة مع استمرار الحرب على غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وهو الإعلان الذي سبقه بيوم تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 8.1 مليارات دولار مساعدات وقروض ومنح، للقاهرة، التي حصلت بالفعل على نحو 5 مليارات من هذا التخصيص.
وسبق دعم البنك الدولي، والاتحاد الأوروبي، لحكومة القاهرة، بأيام قرار صندوق النقد الدولي رفع قيمة تمويل كان مقررا لمصر من 3 إلى 8 مليارات دولار، لدعم اقتصاد البلاد المتهالك.
وتزامن كل ما سبق من دعم، مع أكبر صفقة استحواذ بتاريخ البلاد لمستثمر أجنبي، حيث عقدت القاهرة مع الإمارات صفقة تطوير أراضي استراتيجية بالساحل الشمالي الغربي للبلاد "رأس الحكمة"، مقابل 35 مليار دولار.
"تفاقم الديون.. وإجراءات تقشف"
ووفق بيانات وزارة التخطيط، وصل الدين العام بالربع الثالث من 2024، إلى 13.3 تريليون جنيه (الدولار = 50.82) بنهاية أيلول/ سبتمبر الماضي.
وتصل نسبة الدين للناتج المحلي 89.6 بالمئة بنهاية حزيران/ يونيو الماضي، فيما تسعى وزارة المالية مع نهاية العام المالي الحالي لخفضها إلى 85 من الناتج الإجمالي الذي يجاوز 17 تريليون جنيه.
وبلغ الدين العام بنهاية العام المالي الماضي، نحو 11.4 تريليون جنيه، كما بلغت أعباء خدمة الدين العام 2.639 تريليون جنيه، منها 1.355 تريليون جنيه فوائد و1.283 تريليون جنيه أقساط، ما يمثل نحو 60.3 بالمئة من استخدامات الموازنة.
كما أن ذلك الدعم وتلك الصفقات لم تمنع حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، من تنفيذ قرارات خفض متتابع لقيمة الجنيه منذ العام 2016، وصلت حد رفع سعر الدولار من نحو 8 جنيهات لأكثر من 51.5 جنيها رسميا.
وشمل ذلك إجراءات تقشف واسعة بتخفيض دعم الفقراء، ورفع أسعار سلع استراتيجية بينها الخبز والوقود بأنواعه بنزين وسولار وغاز منزلي وتجاري، والكهرباء والنقل والمواصلات والقطارات والاتصالات عدة مرات.
آخر تلك الإجراءات جرت 11 نيسان/ أبريل الجاري لجميع أنواع الوقود وبنسب كبيرة، والتي تمت في إطار إقرار صندوق النقد الدولي للمراجعة الرابعة لاقتصاد البلاد لصرف شريحة بقيمة 1.2 مليار دولار في نيسان/ أبريل الجاري، ضمن شرائح قرض المليارات الثمانية الذي صرفت منه نحو 3.2 مليار دولار.
وهي الإجراءات التي أكدت الكثير من التصريحات الحكومية أنها مستمرة خلال ما تبقى من العام، خاصة مع قرب حلول المراجعة الخامسة الصيف المقبل، والمراجعة السادسة في الخريف القادم، إذ أنه بالفعل، اقترب وصول بعثة صندوق النقد الدولي إلى القاهرة لبدء المراجعة الجديدة، وسط توقعات بقرارات تقشف جديدة.
ويعاني المصريون بشدة مع تلك السياسات والقرارات ما دفع ببعضهم إلى فقدان درجات واسعة في السلم الاجتماعي نزولا إلى درجات الفقر والفقر المدقع وحرم الكثيرين من سلع أساسية أهمها البروتين الحيواني والداجني والأسماك.
وقال تقرير للمركز المصري لبحوث الرأي العام"بصيرة"، أن استهلاك الفرد الواحد سنويا من اللحوم الحمراء تراجع إلي 9 كيلو جرامات، ما يعادل 750 جراما لكل فرد شهريا.
وظهر العديد من المصريين من مستويات اجتماعية متفاوتة بين الطبقة الفقيرة والطبقة المتوسطة، يشكون الغلاء والفقر والحاجة وسوء الأوضاع.
"فتش عن الهيمنة والفساد والقمع"
وحول طرق الخروج من تلك الأزمات لإنعاش الاقتصاد المصري، ووقف ما يجري للمصريين نتيجة تلك الأوضاع والسياسات، تحدث رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام " تكامل مصر"، الباحث مصطفى خضري، إلى "عربي21".
وقال: "تشير أزمات الديون (2.1 تريليون جنيه التزامات سداد في 2025/2026) والتضخم (20.9 بالمئة) وعجز الحساب الجاري (6.3 بالمئة من الناتج) إلى فشل السياسات الاقتصادية المصرية".
لكن خضري، يرى أن "المُعضلة الأكبر ليست في الأرقام، بل في نظام حكم يكرّس الفساد ويقمع الحريات ويرفض الإصلاح الهيكلي"، مؤكدا أن "أي خطة إنقاذ ستظل حبرا على ورق ما دام النظام الحالي قائما، إذ تُشكّل بنيته السلطوية عائقا جوهريا أمام التنفيذ".
وتساءل: "لماذا النظام الحالي يُعطّل الإصلاح؟"، ليجيب مشيرا إلى ما أسماه "هيمنة النظام على الاقتصاد"، مؤكدا أن "شبكة الشركات التابعة للنظام تتحكم في 40-60 بالمئة من الاقتصاد، وتستأثر بالمشاريع الكبرى دون منافسة، مما يُضعف القطاع الخاص (يساهم بـ30 بالمئة فقط من الناتج)".
ولفت ثانيا إلى "غياب الشفافية"، موضحا أن "إصرار النظام على إخفاء تفاصيل العقود الحكومية واتفاقيات الديون (مثل صفقة العاصمة الإدارية بـ58 مليار دولار) يُعمّق أزمة الثقة مع الشركاء الدوليين والمستثمرين".
وألمح ثالثا، إلى "القمع السياسي"، مشيرا إلى أن "وجود 60 ألف معتقل رأي وفقا لمنظمات حقوقية، وإغلاق المجال العام، يُفقد الإصلاح شرعيته المجتمعية، ويجعل الإصلاحات الاقتصادية القاسية غير قابلة للتطبيق دون غطاء شعبي".
"خطة إنقاذ"
ويرى الخبير في التحليل المعلوماتي وقياس الرأي العام، أنه "بالرغم من أن أي إصلاحات سوف تكون مستحيلة تحت الحكم الراهن إلا أنه يمكن وضع خطة إنقاذ للاقتصاد المصري من 3 بنود.
وتحدث أولا، عن "وقف النزيف المالي"، مشددا على ضرورة "إعادة التفاوض الفوري على جدولة سداد 11.1 مليار دولار ديون مستحقة في 2024/2025، وربط أي قروض جديدة بشرطين".
وهما: "إيقاف المشاريع الترفيهية (مثل العاصمة الإدارية) التي تستنزف العملة الصعبة، وخصخصة شركات النظام غير الإستراتيجية، وفتح قطاعات الطاقة والنقل للمنافسة"، مستدركا: "لكن هذين الشرطين يواجهان عدم وجود إرادة سياسية لإلغاء (مشاريع هيبة) الرئيس السيسي".
ثاني بنود الإنقاذ وفق خضري تتمثل في "مواجهة التضخم عبر سياسات غير تقليدية"، مشيرا إلى ضرورة أن يكون "تحرير سعر الصرف حقيقيا (وليس شكليا)، مع إطلاق سراح احتياطيات النقد الأجنبي المُحتكرة من قبل الدولة خاصة التابعة للصناديق الخاصة".
لكنه يعتقد أن "تحرير الجنيه بالكامل يعني فقدان النخبة الحاكمة السيطرة على توزيع العملة، وهي آلية تُسيطر عبرها على الولاءات عبر تفضيل كيانات اقتصادية موالية".
ويأتي "الإصلاح السياسي الفوري"، كثالث خطوات الإنقاذ التي يعرضها الباحث المصري، مشيرا إلى قرارات واجبة بـ"الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات (مثل قانون التظاهر)".
"وتشكيل حكومة انتقالية تمثل كل التيارات، للإشراف على خطة الإصلاح"، موضحا أن "هذا الإصلاح يمثل تهديدا للنخبة الحاكمة، التي تعتمد على القمع في إدارة الأزمات".
وخلص للقول: "لا يوجد فصل بين الإصلاح الاقتصادي وانهيار النظام الحالي؛ فالنخبة الحاكمة تدرك أن أي تنازل اقتصادي (مثل تقليص دور النظام في الاقتصاد) سيفتح الباب لمطالب سياسية تُنهي هيمنتها".
وختم مؤكدا أن "الوضع الحالي أشبه بـ(انتحار اقتصادي) مُمنهج، والخيار الوحيد للمصريين: إما التغيير الجذري، أو الانهيار الكامل".