بقلم : هادي جلو مرعي ..
قيل إنه كان يبحث عن حمار فر من مزرعة أبيه البعيدة، وساقه القدر الى المدينة العتيقة، حينها رآه النبي صموئيل، وإختاره ملكا على القوم المختلفين فيما بينهم، ووعدهم بالنصر إن هم أطاعوه، لكنهم حين وصلوا ضفة النهر شربوا منه، وعصوا أوامره إلا قلة منهم، وقد إنتصر في النهاية بقوة الإيمان والعزيمة والثقة بالله العظيم.
الحاجة الى الأشياء ترفع من قيمتها المادية، ولطالما كان الحمار موصوفا بالتحقير، والتقليل من الشأن، مع إن دراسات علمية أكدت ذكائه، وأتذكر إنني زرت قريبة لي في الريف، وشاهدت حمارها لوحده متجها الى المنزل عند غروب الشمس، بينما هي غائبة عن نظري، وإستغرقت وقتا حتى وصلت، وحينها تأكدت إن الحمار ليس غبيا، وهو يهتدي الى طريقه بالفعل، ولعل الحمير كانت في أزمنة تقوم مقام الإنسان، وتؤدي عنه الأعمال الشاقة، ونقل الأثقال، وقد ورد ذكر الحمار في القرآن وفي الشرائع السماوية الأخرى كما في قوله تعالى (أَوْ كَٱلَّذِى مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍۢ وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْىِۦ هَٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِاْئَةَ عَامٍۢ ثُمَّ بَعَثَهُۥ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍۢ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍۢ فَٱنظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَٱنظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَٱنظُرْ إِلَى ٱلْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ).
ويؤيد ذلك قول الرب في كتابه الكريم (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) وفي قوله (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) وفي قوله ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا). وبمرور الوقت بدأت أهمية الحمار تتقلص، وصار يضرب به المثل في البلادة، وعدم الفهم، مع إنه مفيد لنقل الأحمال لجهات بعيدة، ويستخدم في الحروب، وفي التجارة والسفر، وتنقل الأشخاص، وقد يؤكل لحمه، ويشرب حليب إتانه حين تنجب جحشا، ويهتم به صاحبه، غير إن التطور، وظهور الآلة جعل من الحمير والبغال والخيول في مرتبة متأخرة، وصارت تتخذ كزينة، وفي السباقات، وبرغم ذلك مايزال الحمار يمثل بعض الأهمية في نقل المزروعات، وفي بعض معامل الطابوق، حتى إن أحدهم نشر إعلانا على الفيس بوك يعرض فيه بيع حمار أبيض اللون، وإشترط عدم نقض الشراء، أو قيام المشتري بإعادته بعد الإتفاق وقبض الثمن، ووضع رقم هاتفه أسفل الإعلان.
ولافخر للحمار في سيرته الذاتية، فقد ذكرت حيوانات عدة في الكتب السماوية، كما ذكرت نباتات، فالكلب والجمل والبغل والحصان والأفعى والبعوض والنمل والنحل والهدهد والطير والسمك والذئب والنعجة والبقرة والقرد، وسواها من حيوانات، وفي ذكرها عبرة ومنفعة وحكايات وقصص، وألفت فيها الكتب الشهيرة ككتاب الحيوان للجاحظ، وكليلة ودمنة لإبن المقفع، وهي في جملتها حكايات عن حيوانات رافقت الإنسان في رحلة الحياة، وكانت عونا له في طعامه وشرابه وتنقله وزينته، وقد صورها كبار الروائيين في قصص خيالية، وفي معالجات سياسية كرواية جورج أوريول الموسومة بحقل الحيوان. هادي جلومرعي
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
مختار جمعة يوضح بلاغة التنوع الأسلوبي في القرآن حول قول:"الغني الحميد"
قال الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف السابق أن بلاغة القرآن الكريم تتجلى في تنوعه الأسلوبي ودقة اختيار التعبيرات التي تناسب السياقات المختلفة، ومن أبرز الأمثلة على هذا التنوع، استخدام التعبير "الغني الحميد" في مواضع متعددة من القرآن الكريم، حيث تأتي هذه العبارة بصور مختلفة تعبيرًا عن غنى الله سبحانه وتعالى واستغنائه عن الخلق، واقتران غناه بالحمد والكمال.
فيما يلي استعراض جمعة عبر صفحته الرسمية (فيسبوك) بعض المواضع ودلالاتها البلاغية:
1. سورة التغابن: خطاب للمنكرين
في قوله تعالى: "فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا ۚ وَاسْتَغْنَى اللَّهُ ۚ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ" (التغابن: 6)، يأتي التعبير "والله غني حميد" دون مؤكدات، لأن النص يعرض حالة من سبقوا، موضحًا استغناء الله عن إيمانهم وعبادتهم. السياق لا يتطلب تأكيدًا إضافيًا، إذ يعكس الغنى المطلق لله عز وجل وحمده لذاته.
2. سورة النساء: خطاب عام للناسفي قوله تعالى: "وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا" (النساء: 131)، جاء التعبير "وكان الله غنيًا حميدًا" دون الحاجة إلى مؤكدات، حيث الخطاب عام يشمل المؤمنين وغيرهم، مبينًا أن الطاعة أو الكفر لا ينقص من غنى الله أو كماله شيئًا.
3. سورة فاطر: مواجهة المشركينفي قوله تعالى: "وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" (فاطر: 15)، جاء التعبير مؤكدًا بضمير الفصل، واسمية الجملة، لتعزيز المعنى في سياق مواجهة عبثية عبادة الأصنام.
4. سورة البقرة: دعوة للتطهر من الشحفي قوله تعالى: "وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ" (البقرة: 267)، جاء التعبير مؤكَّدًا بإنَّ واسمية الجملة، حيث يناسب هذا الخطاب النفوس البشرية التي تحتاج إلى تطهير من الشح، مذكّرًا بأن الله غني عن صدقاتهم، وهي تعود عليهم بالنفع.
5. سورة لقمان: مواجهة الاستكبارفي قوله تعالى: "فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ" (لقمان: 12)، جاء التعبير مؤكدًا بإنَّ واسمية الجملة، حيث يسبق السياق الحديث عن مستكبرين يعرضون عن الحق، مما يتطلب تأكيدًا قويًا يعزز المعنى.
6. سورة إبراهيم: في مواجهة قوم موسىفي قوله تعالى: "فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ" (إبراهيم: 8)، جاء التعبير مؤكدًا بعدة أدوات: إنَّ، واسمية الجملة، ولام التأكيد، ليتناسب مع خطاب قوم موسى الذين خرجوا عن طريق الجادة.
7. سورة الحديد: مواجهة البخل والشحفي قوله تعالى: "فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" (الحديد: 24)، جاء التعبير مؤكدًا بإنَّ وضمير الفصل، ليعكس شدة الحاجة للتأكيد في سياق يتحدث عن أناس لم يقتصروا على شح أنفسهم، بل دعوا غيرهم للبخل.
بلاغة التنوع في السياقيتضح من هذه المواضع أن القرآن الكريم يستخدم أساليب متنوعة لتعبير واحد بما يناسب السياق والمخاطبين. فمرة يأتي التعبير مجردًا بلا مؤكدات حينما يكفي السياق لإيصال المعنى، ومرة أخرى يأتي مؤكدًا بأدوات بلاغية متعددة لتعزيز المعنى وإبرازه في مواقف أكثر تعقيدًا أو تتطلب الحجة الواضحة.
هذا التنوع يعكس جمال البيان القرآني، حيث يوصل المعنى بقوة دون إفراط أو تفريط، مؤكدًا أن كل حرف في القرآن الكريم موضوع بميزان دقيق يعكس الحكمة الإلهية.