إلى متى سيستمر تجاهل أوضاع المتقاعدين المزرية؟
تاريخ النشر: 25th, April 2024 GMT
بقلم: إسماعيل الحلوتي
تتعاقب الحكومات من مختلف التوجهات على تدبير الشأن العام ببلادنا، وتنعقد أحيانا جلسات ما بات يسمى ب"الحوار الاجتماعي" الذي يجمع بين الحكومة وأرباب العمل والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، حيث تتم خلاله مناقشة عديد القضايا التي تشغل بال الشغيلة المغربية، والتفاوض حول مجموعة من الملفات المطلبية ذات الأولوية، التي يأتي في مقدمتها مطلب الزيادة في أجور العمال والموظفين، وخاصة في الجلسات التي تسبق الاحتفالات بعيد الشغل الذي يصادف فاتح ماي من كل عام، لكن لا أحد من الأطراف المعنية يولي اهتماما بالأشخاص المتقاعدين المنتمين سابقا للقطاع العام، الذين يظل ملفهم مشمعا بالأحمر، لأسباب وحدهم أصحاب القرار يدركون حقيقتها.
فإذا أخذنا مثلا "الحوار الاجتماعي" الجاري حاليا بين حكومة عزيز أخنوش و"الباطرونا" والنقابات "الأكثر تمثيلية"، الذي يسود فيه منطق المقايضة عوض منطق التفاوض الشمولي حول الملفات المطروحة، بهدف التوصل إلى تعاقد اجتماعي يكرس شروط السلم الاجتماعي ويعزز مبادئ العدالة الاجتماعية وأسسها، سنجده يقتصر فقط على ثلاثة ملفات رئيسية تهم الزيادة في الأجور، إصلاح أنظمة التقاعد وقانون الإضراب، فيما يتجاهل ملف المتقاعدين الذين يعانون أكثر من غيرهم من الأمراض المزمنة وذات العلاج المكلف، ويشكون بدورهم من غلاء المعيشة في ظل سحب الدولة للدعم وتحرير أسعار عدد من المواد الأساسية كالزيت والزبدة والمحروقات وغيرها، أمام ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتجميد الأجور والمعاشات وتراجع مجانية بعض الخدمات العمومية في الصحة والتعليم.
صحيح أن الدولة استجابت مكرهة لمطالب الشغيلة التعليمية وموظفي بعض القطاعات العمومية على مستوى الزيادة في الأجور، وشرعت في صرف الدعم "الاجتماعي المباشر" لآلاف الأسر الفقيرة، بيد أنها مازالت مصرة على تهميش وإقصاء فئة المتقاعدين، الذين تتزايد أعدادهم سنويا في القطاعين العام والخاص، رغم ما أضحت تعرفه قدرتهم الشرائية من تدهور رهيب أمام الارتفاع القياسي في الأسعار خلال السنوات الأخيرة منذ أزمة "كورونا"، مما أدى بالكثيرين منهم إلى تأسيس جمعيات قصد إسماع صوتهم والتعبير عن تذمرهم مما يلحقهم من حيف، رافضين إقصاءهم من أي زيادة يستفيد منها زملاؤهم الذين مازالوا يزاولون عملهم، بالرغم مما لعبوه من أدوار طلائعية في بناء الوطن وقدموه من تضحيات جسام في سبيل عزته، ومازالوا على أهبة الاستعداد لخدمته والاستجابة لندائه كلما دعت الضرورة ذلك.
وصحيح أيضا أن الحكومة أقرت خلال الجولة الثانية من الحوار الاجتماعي في شهر شتنبر 2022 زيادة 5 في المائة في تعويضات المتقاعدين التابعين للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبأثر رجعي ابتداء من شهر يناير 2022، إذ سبق لمجلس إدارة ذات الصندوق أن صادق عليها في دورة دجنبر العادية لسنة 2019 على أساس أن تدخل حيز التنفيذ في بداية عام 2020، بعدما استمرت معاشاتهم مجمدة لحوالي 18 سنة، وهو الإجراء الذي أتى متزامنا مع انطلاق عملية الاستفادة التلقائية من نظام التأمين الإجباري الأساسي على المرض لأزيد من أربعة ملايين أسرة كانت خاضعة سابقا لنظام المساعدة الطبية "راميد". لكن أين حظ باقي المتقاعدين وخاصة التابعين للصندوق المغربي للتقاعد؟ وهل زيادة 5 في المائة التي تتراوح ما بين 50 درهما و200 درهما شهريا حسب قيمة المعاشات المتفاوتة، كافية لمواجهة مسلسل الغلاء الفاحش الذي أحرق جيوب المغاربة كافة؟
ففي ظل توالي الارتفاع المهول للأسعار وهزالة معاشات آلاف المتقاعدين، وعلى غرار التنسيقيات الوطنية سواء في التعليم أو الصحة أو الجماعات الترابية والبنوك وغيرها، التي ساهم في ظهورها تراجع دور المركزيات النقابية الكبرى وفقدانها إشعاعها وقوتها في مواجهة غطرسة الحكومات وأرباب العمل من أجل انتزاع حقوق الشغيلة، تشكلت كذلك جامعات وطنية وجمعيات مستقلة على صعيد التراب الوطني، لهدف التحسيس بتدهور أوضاع المتقاعدين المادية والاجتماعية، باعتبارهم شريحة اجتماعية مهمة انخرطت بحس وطني صادق منذ ريعان شبابهم في رفعة الوطن وبناء حضارته، وسعيا منها إلى الدفاع عنهم ومحاولة تحسين ظروف عيشهم وتحقيق مطالبهم العادلة والمشروعة. حيث أنه طالما عبرت هذه التنظيمات عن غضبها من التهميش الذي يلازم فئة المتقاعدين وذوي الحقوق، داعية في أكثر من مناسبة إلى تحريك المعاشات وإلغاء جميع الفصول المجمدة لها، حفاظا على كرامتهم الإنسانية.
إننا وفي سياق سعي الحكومة الحثيث صوب إصلاح أنظمة التقاعد، ندعو رئيسها عزيز أخنوش إلى ضرورة استحضار الأوضاع المزرية للمتقاعدين المدنيين، الذين يعانون في صمت من ارتفاع كلفة العيش، ومما يعترضهم من صعوبات في مواجهة متطلبات الحياة من مصاريف العلاج والكراء وفواتير الماء والكهرباء وغيرها. ونطالب ليس فقط بإقرار زيادة فورية لكافة المتقاعدين وذوي الحقوق في القطاعين العام والخاص، بل ومراجعة الحد الأدنى للمعاش وإعادة النظر فيما يتبقى لذوي الحقوق من منحة هزيلة، إذ لا يكفي نصف المعاش في مواجهة أعباء الحياة المتعددة، ولاسيما إذا ترك المتوفى أبناء عاطلين.
المصدر: أخبارنا
إقرأ أيضاً:
ما أوضاع المساجين السياسيين في تونس؟
تونس- ندّد سياسيون وحقوقيون بتدهور الوضع الصحي لعدد من الموقوفين في قضايا رأي وملفات سياسية مرتبطة بما يسمى "التآمر على أمن الدولة"، معتبرين ذلك انتهاكا صارخا لحقوقهم الأساسية ومصدر قلق متزايد بشأن أوضاعهم داخل السجون التونسية.
كما أعربوا عن خشيتهم من سعي السلطة للتعتيم على محاكمة الموقوفين ومنع وسائل الإعلام من تغطيتها وإطلاع الرأي العام على مجرياتها. وبينما يطالب البعض بمقاطعتها دعا آخرون إلى محاكمات عادلة أمام الرأي العام تحترم حقوق الدفاع.
وقبل أيام، نددت نقابة الصحفيين التونسيين بتدهور صحة الصحفي محمد بوغلاب، الموقوف منذ مارس/آذار 2024 في قضايا رأي أغلبها مرتبطة بالمرسوم (54)، الذي يعتبره مراقبون وسيلة للتضييق على حرية التعبير لا لمكافحة الأخبار الزائفة.
احتجاجات سابقة لإطلاق سراح المساجين السياسيين في العاصمة تونس (الجزيرة) معاناة صحفيينوقالت النقابة إن بوغلاب البالغ من العمر 61 عاما، يعاني من تدهور صحي خطير داخل السجن نتيجة إصابته بالسكري، مما أثر على بصره. وبحسب المقربين منه فإن نسبة الإبصار في عينه اليمنى أصبحت "شبه منعدمة".
وحذرت النقابة من تدهور الحالة الصحية للصحفية شذى بالحاج مبارك، التي تعاني من مرض الكلى ومن تضرر سمعها. وتم احتجازها في القضية المعروفة إعلاميا باسم "أنستالينغو" منذ أغسطس/آب 2024.
ويقبع في السجون -منذ أشهر- 5 صحفيين هم محمد بوغلاب وشذى الحاج مبارك ومراد الزغيدي، إضافة إلى المنشط الإذاعي برهان بسيس والمعلقة الإذاعية والمحامية سنية الدهماني، وسط دعوات لوقف الملاحقات ضدهم وإطلاق سراحهم.
إعلانوفي ظل هذه الأوضاع، يؤكد مراقبون أن قائمة المسجونين الذين يعانون من تدهور صحي داخل السجون التونسية طويلة وتشمل شخصيات سياسية وصحفيين ونشطاء من المجتمع المدني يواجهون أوضاعا صعبة "دون رعاية طبية كافية".
ومنذ 25 يوليو/تموز 2021، تاريخ إعلان الرئيس قيس سعيد عن التدابير الاستثنائية وتوليه السلطة بشكل كامل، شنّت السلطات الأمنية اعتقالات شملت صحفيين وحقوقيين وسياسيين من مختلف التوجهات، مما أثر بشكل كبير على واقع الحريات.
سياسة تنكيلوحول تردي الوضع الصحي لعدد من المساجين، يقول القيادي بحزب التيار الديمقراطي المعارض هشام العجبوني في تصريح للجزيرة نت إن "استمرار سجن المعارضين والصحفيين والنشطاء رغم معاناتهم الصحية يأتي في إطار التنكيل بهم".
وتطرق إلى وضعية رئيسة "هيئة الحقيقة والكرامة" سهام بن سدرين، التي تدهورت حالتها الصحية بسبب خوضها إضرابا عن الطعام منذ أسبوعين إلى درجة إدخالها غرفة الإنعاش، ورغم ذلك مدد قاضي التحقيق احتجازها 4 أشهر إضافية.
وقال أعضاء لجنة الدفاع عن سهام بن سدرين، للجزيرة نت، خلال وقفة احتجاجية مؤخرا أمام وزارة العدل، إن اعتقالها يأتي على خلفية نشاطها على رأس الهيئة التي فضحت تجاوزات منظومة الاستبداد والفساد قبل ثورة 2011.
كما أشار العجبوني إلى رئيسة منظمة "تونس أرض اللجوء" شريفة الرياحي، الموقوفة منذ نحو 8 أشهر على ذمة التحقيق على خلفية عملها في مجال حماية اللاجئين، مستنكرا إيداعها السجن بتهم واهية رغم أنها أم لرضيع في عمر الشهرين.
واعتقلت السلطات الأمنية عددا من النشطاء الذين يعملون في مجال الدفاع عن حقوق المهاجرين عقب تصريحات أطلقها الرئيس الحالي قيس سعيد في فبراير/شباط 2023 بشأن ارتفاع تدفق المهاجرين من جنوب الصحراء باتجاه تونس.
عدد كبير من المعارضين السياسيين المعتقلين يواجهون تهمة التآمر على أمن الدولة (الجزيرة) إيقاف تعسفيورفع العجبوني علامات استفهام وحيرة حول المعايير القانونية التي يتم بها اتخاذ قرارات الاحتجاز، مستنكرا ما اعتبره تعسفا بإصدار بطاقات إيداع بالسجن في حق شخصيات سياسية ومدنية لا تشكل أي خطر.
إعلانويؤكد أنه حضر بعض المحاكمات لإعلاميين موقوفين على غرار المحامية والمعلقة الإذاعية سنية الدهماني، مؤكدا للجزيرة نت أن "ملفاتها القضائية خالية من أي أدلة تدينها، لكن رغم مرافعات المحامين وحججهم تتم إدانتها".
وحكم على الدهماني 8 أشهر بعدما تمت إدانتها إثر تعليقات ساخرة انتقدت فيها الوضع العام بالبلاد. وقبل أيام خفضت محكمة الاستئناف ضدها حكما من عامين إلى عام ونصف سجنا بتهمة ترويج أخبار زائفة على شبكات التواصل.
وأفاد العجبوني بأنه سيوجه رسالة مفتوحة لدعوة فريق الدفاع عن المساجين من أجل مقاطعة محاكمتهم التي يعتبرها جائرة ولا تتوافر فيها شروط المحاكمة العادلة، قائلا "لا يجب إعطاء أي شرعية للأحكام التي ستصدر".
أوضاع متدهورةبدورها، تقول المحامية دليلة بن مبارك مصدق، عضوة هيئة الدفاع عن المساجين السياسيين للجزيرة نت، إن العديد منهم يعانون من أوضاع صحية متدهورة بالسجون نتيجة تردي الأوضاع بالسجن أو نتيجة أمراض مزمنة.
وتطرقت إلى وضعية القيادي السابق بحركة النهضة عبد الحميد الجلاصي، الذي يقبع بالسجن بتهمة "التآمر على أمن الدولة"، مفيدة أنه يعاني من سرطان في الحنجرة، فضلا عن اكتشاف ورم جديد لم يحدد نوعه بعد نقله للمستشفى قبل فترة.
وتضيف بن مبارك وهي شقيقة القيادي بجبهة الخلاص المعارضة جوهر بن مبارك، الموقوف بتهمة "التآمر على أمن الدولة"، أن هناك استجابة من إدارة السجون لنقل المساجين المرضى للمستشفى لكنها تبقى متأخرة بسبب الإجراءات.
وتطرقت كذلك إلى تدهور الوضع الصحي للناشط السياسي خيام التركي، الموقوف على ذمة قضية التآمر على أمن الدولة بسبب معاناته من التهاب في أوتار الكتف والرقبة بسب ارتفاع نسبة الرطوبة في السجن، وفقا لتصريحاتها.
وتؤكد للجزيرة نت أن العديد من المساجين السياسيين المحتجزين في قضايا "التآمر على أمن الدولة" يعانون من أمراض مزمنة كالسكري وضغط الدم وأمراض المعدة في حين يستغرق نقلهم للمستشفيات وقتا طويلا بسبب طول الإجراءات الأمنية.
إعلان ظروف الاعتقالوبشأن زيارة الموقوفين داخل السجون، تقول بن مبارك إن عائلات المساجين عادوا لزياتهم بشكل طبيعي على إثر تعطيلات سابقة، لكنها أشارت إلى الإرهاق الذي تكابده هذا العائلات بسبب طول الانتظار والاكتظاظ داخل السجون.
ووفق تصريحاتها تم تصنيف الموقوفين في قضايا التآمر على أمن الدولة "إرهابيين"، مما حرمهم من دخول مكتبة السجن ومنعهم من الزيارات المباشرة لذويهم ما عدا الزيارات التي تتم عبر بلور عازل، كما تم منعهم من كتابة الرسائل أو تسلمها.
من جهة أخرى، عبرت عضوة لجنة الدفاع عن المساجين عن قلقها من توجه السلطة للتعتيم على محاكمتهم وتنظيمها عن بُعد دون السماح لوسائل الإعلام بتغطيتها ونقل مجرياتها للرأي العام، قائلة إن "تم ذلك، فهو خرق صارخ لشفافية المحاكمة".
وستنطلق أولى جلسات محاكمة العشرات من السياسيين الموقوفين فيما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة يوم 4 مارس/آذار 2025. وتقول دليلة مصدق إن توجه السلطة لمحاكمتهم بشكل غير علني "دليل على خوفها من اكتشاف أراجيفها.
وصفت مصدق قضية التآمر المرفوعة ضدهم بـ"المفبركة" والقائمة على وشايات كاذبة من مخبرين اثنين، مؤكدة أن الهدف من تحريك هذه القضية هو "إسكات صوت المعارضين وترهيبهم".
ووفقا لها، فإن تحريك القضية كان هدفه إزاحة المعارضين من طريق الرئيس سعيد في الانتخابات الرئاسية الماضية، وقالت إن "أصواتهم كانت مزعجة وعالية للتنديد بانقلابه على الديمقراطية في 25 يوليو/تموز 2021".