تهتم روسيا بتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري في منطقة البحر الأحمر، بما في ذلك امتلاك قاعدة عسكرية لوجستية بالقرب من باب المندب، ومنذ عام 2009 بدأ مسؤولون روس يُعبرون صراحة عن هذا التطلع الذي يرتبط بحاجة موسكو لحماية مصالحها المتنامية في المنطقة.

وتزيد الأهمية الجيوستراتيجية لمنطقة البحر الأحمر بالنسبة إلى روسيا في ضوء تنافس القوى الدولية والإقليمية لإقامة قواعد عسكرية لها على شواطئه، ومعظم هذه القوى لديها اليوم قواعد في هذه المنطقة، إضافة إلى التطورات التي شهدها البحر مع الهجمات الحوثية ضد السفن الإسرائيلية واحتشاد قطع عسكرية كثيرة من عدة دول.

وتتوقع وسائل إعلام دولية أن تمتلك روسيا قاعدة عسكرية قريباً في البحر الأحمر، وهو ما يجعلنا نطرح تساؤلاً حول تأثير ذلك إن حصل، وسط اضطرابات المنطقة في الفترة الأخيرة.

تحركات لافتة

بعد بقائها أياماً، غادرت سفن حربية روسية ميناء مصوع الإرتري (مطلع أبريل 2024) بعد أن أعلن السفير الروسي في إرتريا إيغور موزغو، أواخر مارس، عقد مناورات بحرية تشارك فيها الفرقاطة الروسية "المارشال شابوشنيكوف" مع البحرية الإريترية، معيداً إلى الأضواء جهود بلاده المتواصلة خلال السنوات الماضية للحصول على موطئ قدم على شاطئ البحر الأحمر.

وجاءت هذه الزيارة بالتزامن مع التوترات التي يشهدها البحر الأحمر بين طهران وقوى غربية بقيادة واشنطن، بسبب الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي اليمنية بطائرات مسيرة وصواريخ على سفن في البحر، قائلين إنهم ينفذون هجماتهم على قطع بحرية تجارية مرتبطة بـ"إسرائيل"، تضامناً مع الفلسطينيين في الحرب الدائرة بقطاع غزة.

وفي مواجهة ذلك أنشأت الولايات المتحدة قوة حماية بحرية متعددة الجنسيات في البحر الأحمر، في ديسمبر 2023، وشنت مع بريطانيا ضربات ضد مواقع للحوثيين في اليمن، وهو أمر ربما دفع موسكو للتحرك أيضاً للحصول على موطئ قدم في ذات المنطقة.

وقبل التمرين العسكري في إرتريا، وتحديداً في 14 مارس، اختتمت البحرية الروسية مناورات مشتركة مع نظيرتيها الصينية والإيرانية في خليج عُمان، شاركت فيها قطع بحرية روسية.

البحث عن موطئ قدم

لعل زيارة القطعة البحرية الروسية تزامنت مع الذكرى الـ30 لإقامة العلاقات الديبلوماسية مع إرتريا، فيما يمكن ملاحظة تطور العلاقات بينهما منذ تصويت أسمرا ضد قرار أممي يدين الحرب الروسية على أوكرانيا عام 2022.

وحضرت روسيا في إقليم البحر الأحمر على نحو مباشر منذ نهاية القرن الـ18، عبر تقديم الدعم لعدد من القوى المحلية المناوئة للدولة العثمانية (المماليك في الأساس) عبر البارون دي ثونوس، قنصل روسيا في القاهرة، والتحالف مع قوى أوروبية، في مقدّمتها النمسا، سعياً إلى ضمان "حرية الملاحة" الأوروبية هناك.

ومن هنا فإن الاهتمام الروسي المتزايد بهذا البحر، من بوابة إرتريا هذه المرة، يكتسب بُعداً تاريخياً واضحاً يُبرز واقع وجود مصالح روسية في الممر البحري الأهم في العالم (باب المندب).

وفيما واجهت روسيا فيتو أمريكياً متكرراً على إقامة قواعد لوجستية في الإقليم، ولا سيما في جيبوتي، فإنها كثفت جهودها، في العامين الأخيرين، للتحالف مع إرتريا.

وترتبط روسيا مع إرتريا بعلاقة وتعاون عسكري طويل الأمد، ولديها برنامج للتعاون العسكري مع إثيوبيا، ووقع الطرفان في يوليو 2021 عدداً من الاتفاقات لتحديث قدرة الجيش الإثيوبي، وهي مرشحة لتحل محل فرنسا في مشروع لتجديد القوات البحرية الأثيوبية بعد تعليق فرنسا التعاون العسكري مع أديس أبابا، في أغسطس 2021، كما وقعت روسيا اتفاقية للتعاون مع المملكة العربية السعودية عام 2021.

إيصال رسالة

يرى الباحث السياسي نجيب السماوي أن البحر الأحمر بات منطقة تستقطب عديداً من القوى الدولية المؤثرة، إذ أصبح في ظل التطورات الراهنة "منطقة لتوازن القوى".

ونقل،موقع"الخليج أونلاين"عن السماوي قولة ب إلى أنه منذ الأزمة الأخيرة بعد هجمات الحوثيين ضد السفن، بدأت منطقة البحر الأحمر تشهد تصاعداً للوجود العسكري الدولي، فضلاً عن الوجود الصيني والآن الروسي.

وأكد أن البحر الأحمر بات محل تنافس دولي كبير؛ نظراً إلى وجود عدة قواعد عسكرية في منطقة القرن الأفريقي القريبة من مدخله، معظمها في جيبوتي التي تستضيف وحدها أكثر من 9 قواعد لكل من الولايات المتحدة وإيطاليا واليابان وإسبانيا وفرنسا والصين، كما توجد قاعدة إماراتية في ميناء عصب الإرتري.

وبينما استبعد السماوي أن تدخل موسكو في صدام مع الغرب في الوقت الحالي، مؤقتاً، في ظل الوجود البحري لعديد من الدول الغربية في المنطقة، رأى أنها تريد إيصال رسالة بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تصاعد حضور الولايات المتحدة والصين في هذه المنطقة الاستراتيجية، التي تحولت إلى "منطقة تنافس استراتيجي محموم إلى الآن".

ويضيف: "من المؤكد أن روسيا ترغب بإقامة قاعدة عسكرية لها، لكن حالياً الأمور ليست مهيأة لها لتنفيذ ذلك؛ بسبب التوترات، ليس في البحر الأحمر فقط، وإنما بالدول التي تخطط بإقامة قاعدة فيها".

استثمار الصراعات

وأظهرت موسكو ميلاً للانخراط في شؤون بعض دول منطقة البحر الأحمر، واستغلال الخلافات والصراعات السياسية فيها، وكذلك خلافات هذه الدول مع مُنافسي روسيا من القوى الدولية.

حيث تتهم روسيا مثلاً بالوقوف خلف إطاحة المكون العسكري بالمكون المدني في السودان، في أكتوبر 2021، خصوصاً بعد أن علّقت حينذاك بوصف ما جرى بأنه قد يكون "انتقالاً للسلطة وليس انقلاباً عسكرياً". ولوحظ، في هذا الإطار، أن الخرطوم عادت بعد هذا التحوُّل الدراماتيكي إلى بحث إمكانية إحياء اتفاقية إنشاء القاعدة الروسية في بورتسودان، بعد أن كانت قد أعلنت تجميدها.

وللتقرب من أديس أبابا أظهرت موسكو موقفاً داعماً لها في مجلس الأمن، منتصف 2021، في قضية سد النهضة، فقد أعلن مندوبها تفهم بلاده للرؤية الإثيوبية. كما أن علاقة واشنطن وإرتريا المتدهورة هي ما أسهم بدورٍ كبيرٍ في بناء علاقة جيدة بين أسمرة وموسكو.

وفي اليمن عملت روسيا على نسج علاقات بأطراف الصراع، وتجمعها اليوم علاقة خاصة بالمجلس الانتقالي الجنوبي ومليشيا الحوثي الانقلابية وقوى سياسية أخرى، وتتجه لزيادة أدوارها وفاعليتها في الملف اليمني، ويفترض أن ذلك سيكون أساساً باتجاه إنهاء الحرب وتحسين وضع أصدقائها، بما يضمن وصولهم إلى مراكز القرار ومشاركتهم في السلطة. 

وتركز روسيا على دول محددة لإنشاء قاعدة لها، فعيونها ترصد موطئ قدم لها إما في اليمن، حيث يملك "باب المندب"، أو الجهة المقابلة للبوابة الدولية عبر الصومال، إضافة إلى جيبوتي أو إرتريا أو السودان، وجميع هذه الدول توجد بالقرب من باب المندب كأحد أهم البوابات المائية الدولية.

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

أزمة تجارية عالمية وشيكة مع إشعال أميركا الحرب ضد الحوثيين في باب المندب

شنت الولايات المتحدة مساء أمس نحو 40 غارة على اليمن أسفرت عن مقتل وجرح العشرات. واعتبرت واشنطن أن الغارات تأتي دفاعا عن المصالح الأميركية، واستعادة لحرية الملاحة البحرية. من جانبه قال المتحدث العسكري باسم جماعة أنصار الله (الحوثيين) يحيى سريع -اليوم الأحد- إنهم استهدفوا حاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس هاري ترومان" بـ18 صاروخا وطائرة مسيّرة، واصفا العملية بالنوعية.

وأوضح سريع في كلمة مقتضبة أن الهجوم الحوثي جاء "ردا على العدوان الأميركي الذي استهدف عددا من المحافظات اليمنية بأكثر من 47 غارة جوية مخلفا عشرات الشهداء والجرحى".

وأكد أن الحوثيين "لن يترددوا في استهداف أي قطع بحرية في البحرين الأحمر والعربي ردا على العدوان".

وصرح مسؤول أميركي بأن الضربات الأميركية ضد الحوثيين في اليمن قد تستمر لأسابيع.

وفي تبريره للغارات التي شنتها بلاده ضد اليمن، قال الرئيس الأميركي  دونالد ترامب في منشور له على "تروث سوشيال" أنه لم تعبر أي سفينة تجارية أميركية قناة السويس أو البحر الأحمر أو خليج عدن بأمان منذ أكثر من عام. وأضاف تسببت في خسائر بمليارات الدولارات للاقتصاد العالمي.

تهديد الملاحة البحرية

وذكر البيت الأبيض أن هجمات الحوثيين تسببت في تحويل مسارات 60% تقريبا من السفن المرتبطة بالاتحاد الأوروبي إلى أفريقيا بدلا من البحر الأحمر، وأن هجمات الحوثيين على الشحن البحري منذ عام 2023 تسببت في تأثير سلبي مستمر على التجارة العالمية والأمن الاقتصادي الأميركي.

إعلان

ويعتبر مضيق باب المندب الذي تطلع عليه اليمن من الجنوب أحد أهم الممرات البحرية الاستراتيجية في العالم. هذا المضيق يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن، ويعد مسارا حيويًا لحركة النفط والتجارة بين آسيا وأوروبا.

وفيما يلي أبرز التداعيات لإغلاق المضيق:

في إطار نصرتها لغزة الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي متواصل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 نفذ الحوثيون عدة هجمات استهدفت سفن تجارية وناقلات نفط في البحر الأحمر، ما أدى إلى اضطراب حركة الشحن البحري. هذه الهجمات دفعت الكثير من الشركات إلى تعليق مرور سفنها عبر المضيق أو اتخاذ مسارات بحرية أطول بالتوجه نحو رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي زاد من تكاليف الشحن. مع تزايد الهجمات التي استهدفت السفن الإسرائيلية أو المتجهة نحو إسرائيل، ارتفعت تكاليف التأمين على السفن العابرة في المنطقة بشكل ملحوظ، ما زاد من الأعباء المالية على الشركات التجارية، وزاد الأمر سوءا بعدما وسع الحوثيين الحظر ليشمل السفن الأميركية والبريطانية بسبب استهداف دولهم الحوثيين بضربات جوية خلال العام الماضي. تهديد إمدادات الطاقة، باب المندب يُعد مسارًا رئيسيًا لنقل النفط من دول الخليج الغنية بالنطف إلى أوروبا وأميركا. أي اضطراب في هذه المنطقة قد يؤثر على أسعار النفط عالميًا.

أهمية باب المندب

مضيق باب المندب يُعَدّ من أهم الممرات البحرية لنقل النفط عالميا، حيث بلغ متوسط تدفقات النفط عبر المضيق عام 2023 حوالي 8.8 مليون برميل يوميا. وفي عام 2024 شهدت تدفقات النفط تراجعا حادا بنسبة 54% خلال الأشهر الثمانية الأولى، حيث انخفض المتوسط إلى نحو 4 ملايين برميل يوميًا حتى أغسطس/آب، مقارنة بـ 8.7 مليون برميل يوميا لنفس الفترة من عام 2023.

هذا الانخفاض الكبير في عام 2024 يُعزى إلى تصاعد الهجمات على السفن في المنطقة، مما دفع العديد من شركات الشحن إلى تجنب المرور عبر المضيق.

إعلان

يُذكر أن مضيق باب المندب يحتل المرتبة الثالثة عالميًا من حيث حجم تجارة الطاقة التي تمر عبره، بعد مضيقي ملقا وهرمز، مما يبرز أهميته الاستراتيجية في حركة النفط العالمية.

وشنت جماعة الحوثي أكثر من 100 هجوم على السفن منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وحتى نهاية العام 2024، مما أسفر عن غرق سفينتين والاستيلاء سفينة "غالاكسي ليدر" (تم الإعلان اليوم عن الإفراج عن طاقمها).
ودفع ذلك العديد من شركات الشحن الكبرى في العالم إلى تغيير مسار سفنها لتبحر حول جنوب قارة أفريقيا بدلا من البحر الأحمر. وهو ما أدى إلى خسارة طاقة شحن إضافية تقدر بنحو 30% على الأقل عن المعتاد.

مقالات مشابهة

  • وسائل إعلام يمنية: الحوثيون أطلقوا صاروخا باليستيا من منطقة مجزر
  • رياح عاتية تؤجج حريق غابات بالقرب من أثينا
  • زلزال بقوة 5.5 ريختر يضرب إثيوبيا بالقرب من نهر رئيسي
  • باب المندب قلبُ العاصفة ومهدُ التغيير
  • أزمة تجارية عالمية وشيكة مع إشعال أميركا الحرب ضد الحوثيين في باب المندب
  • قوات صنعاء تعلن تنفيذ عملية عسكرية نوعية ضد حاملة الطائرات الأمريكية “ترومان”
  • الفريق أسامة ربيع يبحث تأثير تطورات الأوضاع في منطقة البحر الأحمر مع الرئيس التنفيذي للخط الملاحي MSC
  • انفجارات عنيفة في مضيق باب المندب.. هذه حقيقة الفيديو المتداول
  • انفجارات جديدة في باب المندب: تصعيد يمني مفاجئ بعد قرار حظر الملاحة الإسرائيلية
  • تقرير أمريكي: إدارة ترامب تواجه نفس الخيار الذي أربك بايدن بشأن إنهاء تهديد الحوثيين بالبحر الأحمر (ترجمة خاصة)