ما هو الـ”يورديم” ولماذا يخشى الغرب سقوط “إسرائيل”؟
تاريخ النشر: 25th, April 2024 GMT
بعد عملية “طوفان الأقصى”، سارع الغرب إلى إنقاذ الكيان المؤقت من السقوط الوشيك، وحشدت أمريكا وبريطانيا ودولاً أوروبية أساطيلها الحربية إلى شرق المتوسط، وأرسلت كبار قادتها إلى “تل أبيب” لمنع سقوط الكيان. وهذه الخشية تعود إلى سببين رئيسيين: الأول هو أن الغرب سيفقد قاعدته في المنطقة ومحط عقد سياساته ومصالحه الاستراتيجية والاقتصادية غير المشروعة فيها، والثاني هو أن انهيار الكيان يعني عودة اليهود إلى أوروبا.
اليهود في المجمل منبوذون في الغرب، وكان الأوروبيون يرونهم جنسًا أدنى، ورأوا أنهم سبب للكثير من المشكلات الأمنية، فكان الغرب بحاجة للتخلص منهم. والتاريخ اليهودي ذاته يشير إلى أنّ نزعة الكراهية كانت موجودة في أوروبا أكثر منها في المنطقة العربية، ففي القرون الوسطى، شاعت في أوروبا أن اليهود كانوا يستخدمون دماء الأطفال المسيحيين في طقوسهم الدينية، وأنهم كانوا يسمّمون آبار المياه ويمارسون شتّى أنواع الضغوط على المجتمع الأوروبي باستخدام الابتزاز المالي، وهكذا نشأت فكرة غربية خالصة تتمثل بضرورة التخلص من اليهود، مهما كان الثمن.
قبل ثلاثة قرون من قيام إسبانيا بطرد اليهود من أراضيها؛ كان ملك انجلترا إدوارد الأول، قد أصدر أمرًا بطرد اليهود كلهم من بلاده وأصبحت انجلترا أول بلد يُقدم على هذا الإجراء في أوروبا، مع أن انجلترا أصبحت فيما بعد الحليف الأساسي للصهيونية في ما سُمّي “وعد بلفور”، وزرع كيان لهم في فلسطين واستخدامه لفرض سياسات أوروبا على العرب.
يؤكد الأستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية د. أسامة بوشماخ، أن اليهود الذين لا أرض لهم، والذين كانوا في تشتت وتفرُّق في جميع أنحاء الأرض، أبعدوا إلى منطقة الشرق الأوسط، بسبب المشكلات والفوضى التي أحدثوها في دول العالم الغربي، وحتّى بالنسبة إلى روسيا. ومن هنا نجد أن المنظومة الغربية ككل قامت بإبعاد اليهود من أوروبا والذهاب بهم إلى منطقة الشرق الأوسط، حتّى تتخلص منهم ومن مشكلاتهم التي كانت عبارة عن تراكمات كبيرة امتدت إلى قرون وقرون كثيرة في أوروبا.
ببساطة هؤلاء المنبوذون تاريخيًّا في أوروبا، يمكن أن يعودوا بمجرد انهيار كيانهم المؤقت في فلسطين المحتلة. فنسبة كبيرة منهم مزدوجو الجنسية، وقد ترسخت فكرة الجنسية المزدوجة منذ إقامة هذا الكيان في فلسطين، حيث تحولت “إسرائيل” ومنذ تأسيسها إلى ما بات يعرف في العالم دولة الهجرة التي تجمع اليهود من جميع أنحاء العالم، وتمكّنهم تاليًا من الحصول على جنسيات متعددة.
مع كلّ هزة يتعرض لها الكيان الصهيوني، تتزايد طلبات الحصول على الجنسية وجوازات السفر من المستوطنين اليهود في فلسطين المحتلة. ولقد شكّلت انتفاضة القدس والأقصى، في العام 2000، مرحلة مفصلية في ما يتعلق بتنامي الهجرة المعاكسة لليهود من فلسطين التاريخية، إذ بلغ عدد الإسرائيليين الذين هاجروا إلى الخارج في العقد الأخير نحو 200 ألف، وتعاظمت الهجرة العكسية وعوامل الطرد الديمغرافي لليهود من الكيان خلال الحروب الإسرائيلية على لبنان وغزّة بسبب العوامل والهواجس الأمنية، وتصاعد مخاوف اليهود بأنه لا توجد لديهم أي حماية مضمونة ومستدامة، في ظلّ تصاعد المقاومة وما كانت تظهره من تطوّر في قدراتها العسكرية والصاروخية، وحتّى العمليات المنفردة التي ضاعفت قلة الأمن وتنامي الخوف الوجودي الفردي للمستوطنين، ودفعت الكثير منهم للتفكير بحياة أخرى في بلاد أخرى، مثل أوروبا وأمريكا.
بعد معركة “العصف الماكول” عام 2015، أشارت بيانات صادرة عن مركز الإحصاء الإسرائيلي إلى أن عدد اليهود الذين غادروا في هجرة عكسية بلغ 16 ألفا و700 شخص، عاد منهم 8500 فقط. وكشف استطلاع للرأي أجري مع المستوطنين الإسرائيليين من فئة الشباب، أن واحدًا من بين كلّ ثلاثة مستوطنين يفضل ترك الكيان والعيش خارجه، وتراوحت أسباب الرغبة بالهجرة عند ثلث المستطلعة آراؤهم بين الأوضاع الأمنية وغلاء المعيشة واليأس من السياسيين.
نُشرت دراسة أكاديمية في “تل أبيب” في يوليو، أي قبل “طوفان الأقصى” بنحو أربعة أشهر، كشفت عن “تفاقم أزمة ثقة خطيرة” بين المستوطنين الإسرائيليين من فئة الشباب والكيان ومؤسساته، بلغ حد اعتراف غالبيتهم (54%)، بأنهم يفكرون في الهجرة، في أعقاب التدهور في العلاقات الداخلية وانعدام الأمان الشخصي والاستقرار. ووصل عدد اليهود الذين غادروا الكيان في نهاية 2020 إلى 756 ألفًا ممن يحملون “الجنسية الإسرائيلية”، ثمّ ارتفع العدد إلى 900 ألف مع نهاية العام 2022، وفقًا لبيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية.
ومع نهاية العام 2022، ظهرت حركة إسرائيلية أطلقت على نفسها اسم “لنغادر البلاد معا”، بعد نجاح اليمين المتطرّف في الانتخابات الأخيرة، وركّزت على استصدار جوازات سفر أجنبية للإسرائيليين، وتوفير فرص عمل لهم في الخارج بهدف نقل 10 آلاف إسرائيلي، في المرحلة الأولى؛ بينما ارتفعت الأعداد بشكل ملحوظ منذ السابع من أكتوبر بعد “طوفان الأقصى”، فوصل عدد المهاجرين اليهود بشكل عكسي من فلسطين المحتلة إلى الآلاف، بحسب إحصاءات رسمية، بعد إخلاء مستوطنات غلاف غزّة. وقد أظهرت معطيات سلطة الهجرة والسكان في الكيان المؤقت أن نحو 370 ألف صهيوني غادروا منذ بدء معركة “طوفان الأقصى” حتّى نهاية نوفمبر الماضي فقط.
ما يطلق عليه بالعبرية “يورديم”، يعني بالعربية “الانحدار” أو “النزول”، والتي تُستخدم لوصف اليهود الذين يغادرون فلسطين المحتلة بعد أن هاجروا إليها في وقت سابق. هذه الهجرة تشكّل عصب المخاوف الأوروبية التي يلخصها المؤرخ الفرنسي هنري لورانس، حين يقول: “نحن الأوروبيين ليست فلسطين التي تعنينا؛ بل تأثيرها على مجتمعاتنا الداخلية. ثمة خشية من أن تعيدنا الأحداث هناك إلى ما قبل العام 1945”. وكأنه يقول بشكل غير مباشر، إن نهاية “إسرائيل” تعنى العودة اليهودية إلى أوروبا بشكل كبير، بكلّ ما فيها من فوضى وفساد، ومؤامرات.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
جبهات غزة والإسناد.. إفرازات مدمّـرة ترافق “إسرائيل” في كُـلّ الظروف
يمانيون../
مع استمرار وقف إطلاق النار في غزة ومعها توقف العمليات اليمنية المساندة، ومن قبل اتّفاق التهدئة الحاصل على الجبهة الشمالية مع لبنان، ما يزال العدوّ الصهيوني يواجه مخاوف كثيرة لم يتعافَ منها بعدُ.
فالمتاعب الاقتصادية ما تزال قائمة ولم يتغير شيئًا سوى انتعاش الشحن البحري قليلًا والنقل الجوي بنسبة أقل، مع بقاء الغلاء والشحة التموينية لمعظم السلع الأَسَاسية وتعطل الإنتاج التكنولوجي وغيرها، بالإضافة إلى استمرار تداعيات أُخرى سترافق العدوّ أكثر من 8 أعوام على الأقل، من بينها التضخم، والتصنيف الائتماني، وفقدان العدوّ الصهيوني مكانته كوجهة اقتصادية آمنة بعد أن باتت المدن الحيوية المحتلّة بيئة طاردة للحياة والاستثمار معًا، وكلّ ذلك بفعل الصفعات القوية التي وجهتها قوى محور الجهاد والمقاومة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق وإيران، وستظل آثار هذه الصفعات بارزة على وجه العدوّ حتى وقت طويل، أما العودة لمربع التصعيد من جديد، فسوف يجني العدوّ على نفسه صفقاتٍ مميتة، وليس فقط بارزة على خده الملطخ بالإجرام.
وفي ظل استمرارية تعطل حركة السياحة والاستثمار والتجارة النوعية على وقع المخاوف من العودة إلى التصعيد، وما سببته تصريحات ترامب الاستفزازية بشأن التهجير، فَــإنَّ العدوّ الصهيوني وعلى الرغم من استمرارية اتّفاق وقف إطلاق النار في جبهة غزة وتوقف العمليات اليمنية التي فرضت حصارًا متعدد الأوجه، يعاني اقتصاديًّا، حَيثُ ارتفعت نسبة التضخم إلى أكثر من المتوقع وهو ما يقود لنتائج تدميرية على عدة قطاعات؛ ما يؤكّـد أن الاقتصاد الصهيوني قد بات مزيجًا هُلاميًّا يتأثر بأبسط الظروف، حتى وإن كانت هذه الظروف هي التلويح بالعودة لمربع التصعيد، وما يقابلها من تهديدات مناوئة، على رأسها تهديدات الجبهة اليمنية على لسان السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، الذي فرض معادلةً جديدةً في الخطابات الرادعة.
تضخم أكبر من المتوقع
ووفق ما نشرته وسائل إعلام صهيونية، فَــإنَّ ما تسمى “دائرة الإحصاء المركزية”، أكّـدت أن التضخم ارتفع بأكثر من المتوقع في يناير الماضي إلى 3.8 %، وهو أعلى مستوى له في أكثر من عام، لافتةَ إلى أن القائمين على المنظومة الاقتصادية الصهيونية لن يخفضوا من أسعار الفوائد في الوقت القريب، وذلك على وقع تشتت جهود العدوّ في عدة مسارات، ومنها فشله في السيطرة على إعادة الهدوء للاستثمارات والسياحة والإنتاج التكنولوجي واستتباب الأمن للنقل الجوي وكذلك البحري.
وفيما يرى مراقبون أن مواصلة ارتفاع التضخم يعود إلى التراكمات التي تركتها جبهة غزة وجبهات الإسناد، فَــإنَّه في المقابل ما تزال حكومة المجرم نتنياهو تدور حول نفسها في دائرة مغلقة قطريها التصعيد والتهدئة، حَيثُ ما تزال الانقسامات والتصدعات تنتشر في الجسد الصهيوني على وقع الانتصار التاريخي الفلسطيني؛ ما يدفع المجرم نتنياهو للتلويح بالتصعيد، وفي المقابل فَــإنَّ ما أظهرته المقاومة الفلسطينية من قوة وحزم وعزم، ومعها الجاهزية اليمنية العالية لمعاقبة العدوّ من جديد، خلقت مخاوف متعددة لدى العدوّ، وهو ما حال دون عودة التصعيد، وَأَيْـضًا دون عودة الحياة السياحية والاقتصادية والاستثمارية والأمنية والتجارية إلى سابق عهدها، وهذا ما يؤكّـد أن العدوّ سيظل يعاني طويلًا إذَا لم يسعَ لمسار تهدئة إجباري طويل بكامل شروط المقاومة.
وفي السياق أَيْـضًا ذكرت وسائل إعلام العدوّ أن استمرار التضخم يأتي بفعل نقص الإمدَادات إلى الكيان الصهيوني، في إشارة إلى الحصار البحري اليمني الخانق الذي عطل ميناء أم الرشراش الاستراتيجي المتربع على رأس البحر الأحمر، ونقص الشحن إلى الموانئ المحتلّة الأُخرى المطلة على البحر الأبيض المتوسط بفعل الضربات التي طالت سفن الشركات المتعاملة مع العدوّ والتي أَدَّت إلى عزوف كبريات الشحن البحري الدولية عن إمدَاد العدوّ حتى من وراء القرن الإفريقي.
وبالتوازي مع ذلك أَيْـضًا، فَــإنَّ لجوء العدوّ الصهيوني إلى رفع الضرائب –لتغطية عجزه المالي– وما ترتب على ذلك من ارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية وغلاء المعيشة كالسكن والاتصالات والمياه والخدمات الأَسَاسية، أَدَّت إلى ارتفاع التضخم، وهو بدوره يجبر العدوّ على خفض أسعار الفائدة، وهو ما يشيرُ إلى استمرارية هذا الوضع الكارثي وتفاقمه حتى في حالات التهدئة، ليكون الحلُّ الوحيد أمام العدوّ الصهيوني هو إغلاق مِلف غزة بشكل كامل دون قيد أَو شرط، وإن وجد قيد أَو شرط فهو من نصيب أهل غزة ومقاومتها، والكف عن تأجيج الأوضاع في الضفة المحتلّة، ورغم بقاء المشاكل قائمة لسنوات بفعل تراكمات الطوفان ومسانديه، إلا أن رضوخ العدوّ للمطالب المشروعة للفلسطينيين سيقلل من عدد هذه السنوات.
وحسب تقرير ما تسمى “دائرة الإحصاء المركزي”، فَــإنَّ ارتفاع التضخم له أبعاد كارثيه على الغاصبين، حَيثُ سيقود لتفاقم تراجع القوة الشرائية وزيادة تكاليف المعيشة، لا سيَّما أن ارتفاع الأسعار، خَاصَّة في السكن، والغذاء والخدمات، يؤدي إلى تآكل الدخل، وهو ما يزيد الضغط على الأسر محدودة الدخل، وقد يرفع من معدلات الفقر، وهذا أَيْـضًا له تبعاته الخَاصَّة والكارثية على منظومة العدوّ الاقتصادية بشكل عام، وقد نشرت في وقت سابق ما تسمى “منظمة لاتيت” المتخصصة في الإغاثة في الأراضي المحتلّة، تقارير أشَارَت إلى ارتفاع نسبة الفقر في “إسرائيل” لتشملَ نحو ربع “السكان –الغاصبين”، وهذا يزيد من تردّي سُمعة العدوّ الاقتصادية ويقود لهروب ما تبقى من رؤوس أموال، فضلًا عن مساهمته المباشرة والأَسَاسية في تفويج “المستوطنين الغاصبين” إلى خارج فلسطين المحتلّة، ليأخذ مخطّط “التهجير” مسارًا عكسيًّا يأكل العدوّ من الداخل، لا أن يأكل أصحابَ الأرض وسكانها وملّاكها الحقيقيين.
لا خيار أمام العدوّ سوى الرضوخ
وفي الجهة المقابلة أَيْـضًا فَــإنَّ التقرير يؤكّـد أن هذه الظروف تزيد الضغوط على “بنك إسرائيل” للاتّجاه نحو رفع الفائدة للحد من التضخم، لكن لو لجأ العدوّ لهذا الخيار فسوف يصطدم بكوارثَ أُخرى، حَيثُ سيؤدي رفع الفائدة إلى جعل القروض السكنية والتجارية والاستهلاكية أكثر تكلفة، فضلًا عن أن ارتفاع الفائدة يقود إلى تباطؤ الاستثمارات والنمو الاقتصادي، خَاصَّة في قطاع التكنولوجيا والعقارات، وهي القطاعات “المريضة” التي ذاق العدوّ الأمرّين من انهيارها، حَيثُ تعرضت هذه القطاعات للشلل بفعلِ التهديدات الأمنية التي فرضتها العمليات الغزاوية واليمنية واللبنانية، وكذلك الآثار الكبيرة التي تركتها التوجسات من الضربات الإيرانية وتهديداتها، ومع التضخم أَيْـضًا يأتي انخفاض قيمة عملة العدوّ أمام العملات الأجنبية الأُخرى؛ ما يضاعف فاتورة الاستيراد التي تتكبد أعباءً أُخرى كارتفاع أسعار الشحن جراء الحصار اليمني.
ومع كُـلّ هذه الظروف يجد العدوّ نفسَه محاطًا بسلاسل طويلة من الأزمات، فالمستثمرون وأصحاب رؤوس الأموال يفقدون الثقة أكثر فأكثر، ما يحول دون تحقيق النمو خلال السنوات الخمس المقبلة على الأقل، والمستوطنون الغاصبون يفكرون بالرحيل أكثر من أي وقت مضى، في ظل عودة لغة الحرب الصهيونية المدعومة “ترامبيًّا” وأمريكيًّا؛ ما يجعل العدوّ الصهيوني مجبرًا على التهدئة لأكبر وقت ممكن؛ ليكون “اليوم التالي” أمامه هو كيف يرمم سُمعته العسكرية والأمنية والاقتصادية ويحُدُّ من تآكل وجوده الداخلي المتفاقم بالفرارات الجماعية.
نوح جلاس| المسيرة