منير الشامي
نعلم جميعاً أن الدول العربية مجتمعة تمتلك أكبر ترسانة سلاح في الشرق الأوسط إن لم يكن على مستوى العالم باستثناء أسلحة الدمار الشامل، هي حقاً ترسانة كبيرة ومتنوعة وحديثة كما أن الدول العربية مجتمعة أَيْـضاً تحتل المركز الأول عالميًّا في الإنفاق العسكري وفي تعداد جيوشها، ومع ذلك فلا تشكل كُـلّ هذه القدرات أي فارق على الواقع وليس لها أي تأثير ولا يحسب لها أي حساب من أي عدو خارجي فوجودها كعدمه، ويرجع ذلك إلى عمالة الأنظمة العربية نفسها وخضوعها لأعدائها من قوى الاستكبار الغربية لدرجة أن تلك الأنظمة تحَرّك تلك الجيوش لخدمة تلك القوى تنفيذاً لتوجيهاتها وخدمة لمصالحها وتوجّـهها لقمع أحرار شعوبها ووأد كُـلّ حركاتهم التحرّرية المناهضة للمؤامرات الصهيونية والمشاريع الغربية في بلدانها، ليس ذلك فحسب بل إن الأنظمة العربية وصلت في سقوطها إلى درجة أن تسخر قواتها العسكرية وأسلحتها الدفاعية للدفاع عن الكيان الصهيوني المجرم أمام العالم وفي لحظات يشاهدون هذا العدوّ الغاشم يمارس حرب إبادة عرقية كبرى على إخوانهم من أبناء الشعب الفلسطيني؛ فالنظام السعوديّ والنظام المصري سخروا أسلحتهم في محاولات اعتراض للصواريخ والمسيَّرات اليمنية التي أطلقها الجيش اليمني على أهداف صهيونية في عمليات مساندته ودعمه لعملية طوفان الأقصى، والجيش الأردني سخر دفاعاته وسمح لدول غربية في استخدام أراضيه وأجوائه لاعتراض الصواريخ والمسيَّرات الإيرانية أثناء تنفيذ عملية الرد الإيراني على جريمة الكيان الصهيوني في استهداف قنصليته في دمشق، وهذه حقيقة أصبحت معلومة للشعوب العربية وباتت تدركها جيِّدًا بعد أن شاهدت أحداث طوفان الأقصى وعاشت تجربة وأحداث الموقف اليمني المساند لمظلومية أبناء غزة والداعم لهم والمناصر لقضية الأُمَّــة المصيرية الأولى قضية فلسطين ومظلومية شعبها.

فاليمن الذي لا زال يعيش أقسى ويلات المعاناة في أتون حصار شديد وكارثة إنسانية كبرى، جراحه لا زالت نازفة لم تندمل جراء عدوان دولي غاشم، وهو أفقر دولة عربية، لم يقف مكتوف الأيدي أمام العدوان الصهيوني على غزة كما فعلت كُـلّ الدول العربية، بل انطلق بكل ما يستطيع لنصرة قضية الأُمَّــة وهب مسانداً لإخوانه المستضعفين وداعماً لأبطال مقاومتهم البواسل في معركتهم المقدسة متجاهلاً جراحه وأوجاعها، ومتناسياً لمعاناته وويلاتها، ووقف أشرف وأشجع موقف على طريق الحق، وأقوى وأعظم موقف في تاريخ العرب المعاصر، معتمداً على ما طور وأنتج من أسلحة بقدراته الذاتية لأداء واجبه الديني والأخلاقي والإنساني، امتثالاً لتوجيهات ربه وسعياً لنيل رضاه، منفذاً لعمليات هجومية نوعية على أهداف استراتيجية للكيان الصهيوني في الأراضي المحتلّة، ومصعداً ضده بحظر ملاحة سفنه ومنعها من الوصول إلى موانئه عبر البحر الأحمر، ضارباً بكل حسابات الأنظمة العميلة عرض الحائط، وغير آبه بأي عواقب وغير مبالٍ بأي تضحيات يقدمها في سبيل الانتصار لمبادئه وقيمه، ولم يقف عند هذا الحد بل صعد ضد النظام الأمريكي والبريطاني وكلّ من تحَرّك معهما لحماية سفن الكيان الصهيوني وتعطيل قراره التاريخي، ونفذ عشرات العمليات المستهدفة لسفنهم الحربية والتجارية واستهدف حتى الآن ما يقارب مِئة سفينة ومغرقاً للبعض ومدمّـراً للبقية ومتجاوزاً لمدى استهداف سفن المستكبرين والمجرمين من البحر الأحمر إلى أعماق المحيط الهندي ولا زال، فحقّق بضعفه وقلة إمْكَانياته ما عجز العرب جميعاً على تحقيقه في 75 عاماً ولقن الصهيوني والأمريكي والبريطاني أقسى الدروس وكبدهم خسائر كبيرة جِـدًّا وتفوق عليهم جميعاً في المواجهة؛ ففرض حصاراً على المجرم الصهيوني كحصاره على غزة، وهزم إرادَة الأمريكي والبريطاني وأفشل مساعيهم وأهدافهم وأولها إفشال مشروعهم الاستراتيجي بشق قناة بن غوريون، وعطل أهم وأكبر موانئ الكيان المحتلّ ميناء أم الرشراش وفضح عجزهم العسكري وكشف فشلهم الحربي أمام العالم، وأجبر أخيرًا بعض تلك القوى المستكبرة على سحب بوارجها الحربية ومدمّـراتها وفرقاطاتها العسكرية التي كانت قد وصلت في وقت سابق للمشاركة في تحالف حارس الازدهار في البحر الأحمر الهادف إلى حماية السفن الصهيونية خوفاً من اصطيادها من قبل الحارس اليمني.

لقد حقّق اليمن بموقفه العظيم وقراره الحكيم مكاسب للأُمَّـة أكبر من كُـلّ التوقعات وأبعد من كُـلّ التكهنات وكلّ ذلك يرجع إلى أن اليمن أصبح بقيادته الإيمَـانية الصالحة أقوى من كُـلّ الدول العربية، ذلك أن القيادة الصالحة هي الشيء الوحيد الذي وهبه الله للشعب اليمني، وبها امتلك قراره واستعاد عزته وكرامته وتفوق بها عليهم جميعاً، وهي ما تفقده الشعوب العربية وسبب خضوعها وخنوعها لأعدائها وأَسَاس تدجينها وسلب إرادتها، ولنا أن نتساءل: كيف سيكون حال الشعوب العربية لو امتلكت قيادات صالحة؟

– المصدر: صحيفة المسيرة

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الدول العربیة

إقرأ أيضاً:

إنا على العهد.. معادلة لا مجرد شعار

اكتسبت المقاومة الإسلامية في لبنان قوتها وخصوصيتها وتميزها التاريخي من دعائم رئيسية استندت إليها، ولعل أهمها وفي صدارتها تأتي دعامتان لا تقتصران على القيم الأخلاقية والإنسانية فقط، ولكن تتمتعان بانعكاسات إستراتيجية وترجمة عملية في ميادين الجهاد والسياسة، أولهما المصداقية، والتي تترجم عمليًا لجدية وجهوزية وصرامة لا يستهين بها العدو، وثانيهما البلاغة في اختيار العناوين والشعارات المعبرة عن المرحلة واللحظة الإستراتيجية بدقة، وترجمتها العملية هو إعلان الموقف والتوجه، وتضافر الدعامتين بإعلان الموقف المستند إلى المصداقية هو ما يوصل الرسائل للعدو والصديق وبيئة المقاومة، ويكسب المقاومة شرفها وهيبتها وإنجازاتها الكبرى.

ولعل اختيار شعار “إنا على العهد” عنوانًا للتشييع التاريخي المهيب للشهيد القائد السيد حسن نصر الله، وأخيه ورفيقه الشهيد هاشم صفي الدين، يشكل مصداقًا لهذه الدعائم، وهذا التوفيق في اختيار الشعارات، بما يتخطى نطاق الشعار الرمزي إلى نطاق تشكيل المعادلات، وهي مدرسة الشهيد نصر الله التي تعتمد على البصيرة والقراءة وتشكيل المسارات التصاعدية وعدم السماح بالتراجع وعودة المعادلات إلى الوراء.

وعندما أطلقت المقاومة شعار “إنا على العهد”، كانت تبدو واثقة تمام الثقة في جمهور المقاومة الوفي وفي تشكيله لمشهد تاريخي غير مسبوق في لبنان، بل وفي العالم بلحاظ الفوارق الديموغرافية المتعلقة بتعداد السكان، وقد رسمت المقاومة مسبقًا لوحات للتشييع قبل حدوثه تصور مشهدًا جماهيريًا مهيبًا، وهو ما تحقق بالفعل، وكانت الجماهير عند ظن وثقة القادة والكوادر والمجاهدين في الحزب، وهو ما يعكس وعيًا جماهيريًا بأهمية هذا المشهد وبكونه ليس مجرد وفاء لقائد تاريخي استثنائي، بل هو مشهد إستراتيجي مفصلي لا يقل عن مشاهد الجهاد بميادين وجبهات القتال، وهو ما أتاح للجماهير أن تشارك في ميدانه كتفًا إلى كتف مع جحافل المجاهدين والمرابطين على الثغور.

وهنا لا بد من التوقف قليلاً للتأمل في دلالات الشعار، ولماذا نقول إنه يشكل معادلة ولا يقتصر على كونه شعارًا للوفاء، وذلك عبر الإيضاحات تاليًا:

1- أول ما يجب أن يتبادر للأذهان في شعار “إنا على العهد” هو السؤال عن أمرين، الأول من نحن؟ والثاني ما هو هذا العهد؟ والإجابتان تحملان أبعاداً إستراتيجية مهمة.

والسؤال الأول أجابت عليه الحشود الغفيرة من بيئة المقاومة من كل الطوائف المنحازة للمقاومة، بل ورفع الشعار بالتزامن مع التشييع حشود خارج لبنان وعبروا عن تضامنهم وأمانيهم في الوفادة والحضور، وهو ما يعني تماسك بيئة المقاومة وفشل العدو في إرهابها وتفكيكها وثَنيها عن خيار المقاومة وتحول تهديد العدو إلى فرصة لإعلان التماسك والوحدة والاستنفار والجهوزية.

والسؤال الثاني ربما هو الأهم، لأنه يوضح المعادلة التي التفت حولها الجماهير وأعلنت صمودها وتجديدها للبيعة للوفاء به، وهو باختصار عهد التحرر الوطني ورفض الذلة وبذل التضحيات للحفاظ على السيادة والكرامة وإسناد المستضعفين وعدم التخلي عن الثوابت ورفض العودة بالزمن إلى الوراء.

2- يجب مراجعة التاريخ للوقوف عند اللحظة التي تشكل بها حزب الله وريثًا لحركة الجهاد اللبنانية التي اذاقت العدو وراعيه الأمريكي الويلات، هما ومن تحالف معهما من الغرب ومن عملاء الداخل، فقد كانت لحظة مفصلية، أراد العدو بها تفريغ لبنان من المقاومة بطرد منظمة التحرير الفلسطينية، واحتلال الجنوب وتقاسمه مع ميليشيات عميلة تنتسب زورًا للجيش اللبناني، وكان لبنان على وشك التطبيع والاعتراف بالعدو تحت مسميات مثل معاهدة عدم الحرب وتشكيل هيئات دبلوماسية في بيروت وفي داخل الكيان، وهو ما أفسدته المقاومة عبر ملئها لفراغ المنظمات الفلسطينية وتصديها للدفاع عن الجنوب والحفاظ على الوجه العربي للبنان، وصولاً إلى تحرير الجنوب، ثم وصولاً لإفشال مشروع الشرق الأوسط الجديد في العام 2006 عقب محاولة العدو إعادة الكرة وتصفية المقاومة.

واليوم، نحن أمام مشهد شبيه، يقوم العدو بالعودة لكرته محاولًا تصفية المقاومة وخلق مناطق عازلة وتشكيل حلفاء من العملاء بالداخل، وهو ما أعلنت المقاومة وجمهورها عبر شعار “إنا على العهد” عن تصديها له وعدم السماح بتحقيق هذه الأوهام مهما كانت التضحيات.

3- يجب أيضاً تأمل أساليب العدو وراعيه الأمريكي عند الفشل في هزيمة المقاومة بالقوة المسلحة، والاحتيال على ذلك بخلق الفتن وانتزاع المكاسب بالسياسة والمؤامرات، عبر الوقيعة بين المقاومة والجيش والدفع نحو الحرب الأهلية، وهو ما أفشلته المقاومة وجمهورها عبر بصيرتها وصبرها على التجاوزات وأعلنت عبر تجديدها للعهد بالتزامها بمدرسة الشهيد القائد بأن غضبها وسلاحها موجه للعدو الصهيوني حصرًا وليس موجهًا للداخل.

4- هناك رسالة كبرى أيضاً لا بد أن يعيها العدو وكذلك أعداء المقاومة في الداخل والخارج، وهي قدسية سلاح المقاومة وهو عهد السيد القائد الشهيد الذي أكد مرارًا في أحاديثه أن سلاح المقاومة جزء من عقيدة وثقافة بيئة المقاومة وله أبعاد أكبر بكثير مما يظنه بعض الواهمين، وأن من سيجبرنا على نزعه بالتخويف أو الحصار، فإننا سنقتله ويبقى سلاحنا معنا.

وهذا العهد قد جددته المقاومة وجمهورها بأنه لا مساس بالسلاح ولا الكرامة ولا الثوابت وأن هذا السلاح هو درع للبنان كله وليس موجهًا إلا للعدو ورعاته.

لا شك أن شعار “إنا على العهد” هو معادلة تثبتها المقاومة وجمهورها، مفادها الثبات على الخيار المقاوم للاحتلال والحصار والمناصر لقضايا الأمة والمحافظ على قدسية السلاح وامتلاك القوة والجهوزية والحرص على السلم الأهلي وعدم إهدار الجهود والدماء في غير مواضعها والاحتفاظ بها لمقارعة العدو والاستكبار، وهو تأكيد للنصر الإستراتيجي للمقاومة التي أفشلت أهداف العدو بحصارها وانزوائها وعودة الوضع لما قبل تشكيل المقاومة وتصديها لتدجين لبنان في حظائر التطبيع والمهادنة.

 

مقالات مشابهة

  • عقب وصوله القاهرة.. رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي يشيد بالجهود المصرية في دعم القضية الفلسطينية
  • ألمانيا تطالب الكيان الصهيوني برفع القيود على دخول المساعدات لغزة
  • القمة العربية بالقاهرة في مواجهة خطة ترامب وتعنت إسرائيل
  • الدول العربية الأكثر توليدا للكهرباء من طاقة الرياح (إنفوغراف)
  • 9 تحديات كبيرة تواجه القيادة الجديدة للاتحاد الأفريقي
  • أحمد موسى: القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى.. وأتمنى خروج القمة العربية بقرارات واضحة ومحددة
  • تفاوت ساعات الصيام من 11 إلى 21 ساعة في دول العالم
  • جزر القمر الاطول في ساعات الصوم بين الدول العربية .. (قائمة)
  • رسالة من حماس إلى القمة العربية وقادة الدول العربية
  • إنا على العهد.. معادلة لا مجرد شعار