نسمّيه "الصوم الأربعيني" ولكنه في الواقع 48 يومًا فما السبب؟ إعداد الأب رومانوس الكريتي
تاريخ النشر: 25th, April 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يقول الأب رومانوس الكريتي الكاهن بكنائس القدس، ان الصوم الكبير كما نعرفه اليوم هو حصيلة تطوّر تاريخي طويل، وهذا أمر طبيعي، إلى أن أخذ شكله وصورته ونظامه الحالي المعروف لنا اليوم.
من الثابت لدينا أن الكنيسة خلال القرن الثاني، عرفت صومًا قصيرًا جدًا يسبق الفصح المقدس، وكان عبارة عن صوم إنقطاعي كامل، طيلة يوميّ الجمعة والسبت العظيمين.
وحوالي نهاية القرن الثالث الميلادي، يذكر كتاب "تعليم الرسل الإثني عشر" صومًا يتألف من ستّة أيام، يسبق عيد الفصح (أي ما نعنيه اليوم الأسبوع العظيم المقدس) وقد جاء فيه:
"فصوموا إذن أيام الفصح مبتدئين من الإثنين إلى التهيئة والسبت، ستة أيام تستعملون أثناءها الخبز والملح والبقول، والماء للشرب. وامتنعوا عن اللحوم في تلك الأيام، لأنها أيام حُزنٍ وليست أعيادًا. صوموا يومي الجمعة والسبت معًا، للذين يستطيعون ذلك. لا تأكلوا شيئًا حتى صياح الديك في الليل.
وإذا لم يستطع أحدٌ أن يصوم اليومين معًا، فليحافظ أقلّه على السبت (العظيم). لأن الرب يقول في موضع: "ومتى رُفِع العريس عنهم فحينئذٍ يصومون في تلك الأيام"لذلك ندعوكم إلى الصيام في هذه الأيام، كما نحنا صُمنا عندما رُفعَ عنا، حتى الغروب.
وفي باقي الأيام التي تسبق يوم الجمعة، ليأكل كل واحد عند الساعة التاسعة (أي الثالثة بعد الظهر) أو في الغروب. وإذا كان يستطيع ذلك، فليَصُم من مساء الخميس إلى صياح الديك". (القوانين الرسولية، الكتاب ٥ فصل ١٨ و١٩).
ثم نأتي إلى القرن الرابع، فنجد صومًا من أربعين يومًا قائمًا في كنيسة أورشليم، تذكارًا لصوم المسيح في البريّة أربعين يومًا وأربعين ليلة. ويشير كتاب القوانين الرسولية إلى وجود هذا الصوم:
"حافظوا على الصيام الأربعيني ذِكرًا لتدبير الرب وتعليمه. أتمّوا هذا الصيام قبل صيام الفصح. يبتدىء يوم الإثنين وينتهي عند التهيئة (مساء الجمعة) وبعد هذا، وقد أنهيتم الصيام، ابتدؤوا أسبوع الفصح بالصوم والمخافة والرِعدة. وصلّوا في هذه الأيام لأجل الذين هلكوا". (القوانين الرسولية، الكتاب ٥ فصل ١٣ فقرة ٣)
وتوجد إشارة في القانون الخامس من قوانين مجمع نيقية سنة ٣٢٥م نشعر من خلالها أن الصوم الأربعيني الكبير ليس بالأمر الجديد، بل هو أمر مألوف في كل الكنائس. (أنظر الشرع الكنسي ص ٥٤).
لا نعرف كيف ومتى بالضبط تطوّر الصوم السابق للفصح من يومين إلى ستة أيام ليصبح أربعين يومًا. إلاّ أن معظم الدارسين يفيدوننا بأن الصوم الكبير بشكله الحاضر، جاء نتيجة دمج صومين كانا بالأصل مستقلّين عن بعضهما البعض، ثم ضُمّا معًا ليصبحا صومًا واحدًا.
فهناك صومٌ مدته أربعين يومًا كان يبدأ مباشرة بعد عيد الظهور الإلهي، يحيي ذكرى صوم المسيح في البريّة بعد معموديته. وبعد أسابيع قليلة على نهايته يأتي الأسبوع العظيم المقدس، يصومه المسيحيون إستعدادًا للفصح المقدس. ويرى الدارسون أن ضمّ الصومين إلى بعضهما البعض ليصبحا صومًا واحدًا، كان تحت تأثير رتبة الموعوظيّة وتهيئة الموعوظين الذين كانت الكنيسة تُعدّهم وتحضّرهم بالوعظ والتعليم الروحي المكثّف طوال هذه الفترة إستعدادًا لمنحهم سرّ المعمودية المقدسة ليلة أحد الفصح {الأب ألكسندر شميمن، الصوم الكبير ص ١٣٥ - ١٣٦}
في الممارسة الحالية، يبتدىء الصوم الأربعيني يوم الإثنين الذي يلي أحد مرفع الجبن، وينتهي يوم الجمعة التي تسبق سبت لعازر وأحد الشعانين، وبذلك تكون ٤٠ يومًا كاملة. ثم تضاف إليها أيام الأسبوع العظيم ليصبح المجموع ٤٨ يومًا.
ونلاحظ أنّ الكنيسة تُرتّل في صلاة السَحَر ليوم الجمعة السابق لسبت لعازر، مشيرةً إلى إنتهاء الأربعينيّة، وقد أصبحنا على عتبة الأسبوع العظيم المقدس:
"إذ أكملنا الأربعين النافعة للنفس، فنتوسّل إليك يا محبّ البشر أن نشاهد أسبوع آلامك المقدسة، لنمجّد فيها عظائمك وتدبيرك الصائر لأجلنا الذي لا يُدرَك مترنّمين بعزمٍ واحد يا رب المجد لك".
{قطعة الذوكصا في الأبوستيخا لسَحَر الجمعة قبل الشعانين، التريوذي ص ٣٢٤}. وتُقال القطعة نفسها في صلاة الغروب لسبت لعازر، التريوذي ص ٣٢٥.
ومنذ القرن الرابع، حيث تحوّل الصوم الأربعيني وصوم الأسبوع العظيم المقدس إلى صوم واحد. كان هناك تقليدٌ متّبع في الأديرة الرهبانية، حيث يغادر الرهبان من أديرتهم يوم الإثنين بدء الصوم الكبير، وينطلقون إلى البريّة ليتنسّكوا منفردين ومنعزلين في الجبال والكهوف والمغاور مدة أربعين يومًا في الصوم والصلاة والهدوء والتأمّل، ثم يعودون إلى أديرتهم في نهاية الأربعين يومًا، أي يوم الجمعة التي تسبق مباشرة سبت لعازر وأحد الشعانين، ليقيموا معًا صلوات الأسبوع العظيم المقدس. وفي بعض الصلوات الليتورجية ما يشير إلى هذا الأمر، حيث تدعو الكنيسة الرهبان المتوحّدين في البراري والجبال للعودة إلى أديرتهم، ويجتمعوا للبدء بصلوات الأسبوع العظيم المقدس:
"يا معشرَ الذين في البراري والجبال والمغاور هلمّ فالتأِموا معنا حاملين السَّعَف لاستقبال الملك والسيد لأنه آتٍ ليخلّص نفوسنا." {طروبارية في الأوذية التاسعة، سَحر الجمعة قبل الشعانين، التريوذي ص ٣٢٣}.
"اجتمعوا يا مساكن المتوحّدين كَخرافٍ ناطقة لتستقبلوا الآن المسيح رئيس الرعاة حاملين الأغصان، لأنه هوذا الرب قادمٌ باختياره ليُذبح كخروفٍ لكي يخلّصنا من اغتصاب الذئب." {سَحَر الجمعة قبل الشعانين، طروبارية في الأوذية الثامنة، التريوذي ص ٣٢٢}.
واختتم قائلا على عتبة الأسبوع العظيم المقدس، أتمنى للجميع أيامًا ملؤها النعمة والبركة والتقديس.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أقباط الصوم الأربعینی الصوم الکبیر أربعین یوم ا یوم الجمعة أیام ا
إقرأ أيضاً:
تصميم للصليب المقدس بفن اليوطا.. في وسطه شعار رابطة القدس للأقباط الأرثوذكس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يحتوي تصميم الصليب المقدس بفن اليوطا، على مكونات دينية وتاريخية تحمل دلالات قوية في السياق القبطي.
الصليب المقدس بفن اليوطا:
الصليب المقدس: هو رمز مسيحي يعبر عن الفداء والتضحية، وله مكانة كبيرة في الديانة المسيحية كرمز للآلام والقيامة.
فن اليوطا: يشير إلى نوع من الفنون أو التصاميم التي ربما تحمل سمات معينة مرتبطة بالتراث القبطي أو أنماط فنية قديمة. قد تكون اليوطا تشير إلى أسلوب فني يعتمد على التكرار أو التنسيق الهندسي الذي يضاف إلى التصاميم الدينية.
شعار رابطة القدس للأقباط الأرثوذكس:
رابطة القدس للأقباط الأرثوذكس: هي جمعية أو رابطة تهدف إلى تعزيز الارتباط الروحي والتاريخي للأقباط بمقدساتهم في مدينة القدس، وهي تمثل هموم واهتمامات الطائفة القبطية الأرثوذكسية تجاه الأماكن المقدسة في الشرق الأوسط.
الشعار: في تصميم الصليب المقدس، يتم تضمين شعار الرابطة في وسط الصليب، مما يرمز إلى الترابط الوثيق بين العقيدة المسيحية القبطية وأماكنها المقدسة، بالإضافة إلى تأكيد الهوية القبطية ودورها في الحفاظ على التراث المسيحي في المنطقة.
الدلالات والرمزية:
دمج الرموز: الجمع بين الصليب المقدس وفن اليوطا يهدف إلى خلق نوع من التكامل بين الفن والتراث الديني. كما أن إضافة الشعار وسط الصليب لا تعبر فقط عن الإيمان المسيحي ولكن عن ارتباط قوي ومباشر بين الطائفة القبطية والأماكن المقدسة.
التراث القبطي: يبرز النص أهمية الحفاظ على الهوية القبطية من خلال دمج رموزها في الفنون الدينية، ويعكس الروح القبطية التي تسعى إلى توثيق مكانتها في التاريخ الديني.
يمكننا أن نستنتج من النص أن هذا التصميم هو محاولة فنية لدمج الرموز الدينية والفنية لتمثيل الهوية القبطية والحفاظ على التراث الأرثوذكسي.