مشهود له بالولاية.. الطرق الصوفية تحتفي بالمولد الرجبي لشيخ العرب السيد البدوي
تاريخ النشر: 25th, April 2024 GMT
تحتفي الطرق الصوفية، بالمولد الرجبي لشيخ العرب السيد البدوي رضي الله عنه بمدينة طنطا، حيث توافد أتباع الطرق الصوفية بمختلف طرائقها على إحياء مولد السيد البدوي، بمحيط المسجد الأحمدي بالغربية.
محطات في حياة السيد البدويقالت دار الإفتاء في بيانها مناقب السيد البدوي، إن السيد أحمد البدوي الحسيني رضي الله عنه إمام قطبٌ عارفٌ وليّ، ووارثٌ نبويٌّ ربانيّ، ونسيبٌ علويٌّ هاشميّ، ومقرئٌ فقيهٌ، وهو من كبار أولياء الأمة المحمدية، ووارث محمدي بلغ الغاية في الفتوة والأخلاق الندية، وأنه في الأمة كلمة إجماع، وبين الأئمة إمام بلا نزاع، قد جمع بين الحقيقة والشريعة، وضم إلى العلم الكسبي العلمَ الوهبي، وكان في العلم بحرًا لا يُدرَك له قرار؛ كما شهد بذلك العلماء الأخيار، وتواترت عنه الكرامات والمواهب اللدنية، وأثرت عنه الأخلاق الكريمة والشمائل المرضية.
وقد لقي الأئمة العارفين، وأخذ عن كبار أولياء الله الصالحين، وأرسى طريقته على الكتاب والسنة النبوية، والتزام الواجبات الشرعية، والمداومة على النوافل المرعية، وبناها على الصدق والصفاء، وحسن الوفاء، وتحمل الأذى، وحفظ العهود، وأقامها على الشهامة والكرم والأخلاق الندية؛ من إطعام الطعام في كل حين، والإحسان للمساكين، ورعاية الأيتام والمحتاجين، وإكرام الوافدين.
فأما كونُه سليلَ آل البيت عليهم السلام: فهو مما اتفقت عليه كلمة المؤرخين والعلماء الأعلام، وأطبق على صحته عدولُ الأمة، وأثباتُ المؤرخين والأئمة، وتواردت به شهادة الأشراف في مصره، وتواتر نسبه الشريف عند علماء النسب في عصره وبعد عصره، فالتشكيك في ذلك من الكبائر التي حرَّمَتْها الشريعَة، وذمَّت مِن مرتكبها صنيعَه.
وأما الشهادة بإمامته وولايته: أطبق على ولايته وإمامته وعلمه علماء الأمة ومؤرخوها منذ انتقاله رضي الله عنه إلى الآن، بل أصبحت محبتُه وزيارتُه عند العلماء أمارةً على الصلاح والخيرية، واستمرت شواهدُ محبتِه وبواعثُ زيارتِه وسلاسلُ طريقتِه ساريةً في الأمة منذ ظهوره إلى يوم الناس هذا من غير نكيرٍ ممن يعتد به من عارف أو عالم أو مؤرخ؛ حتى سمَّى الخاصة والعامة أولادهم باسمه ولقبه؛ تيمنًا وتبركًا، وأجمع أئمة الأزهر الشريف وشيوخُه إمامًا إمامًا على ولايته ومودته ومحبته، واتفق أولياء الأمة وعارفوها على إمامته، ومن ورائهم علماء المسلمين وأئمتهم وفقهاؤهم ومفتوهم في الشام والعراق والحجاز وسائر أقطار الأرض، ولا يُعرَف في الأمة كلها عالم أو عارف أو ولي أو مؤرخ ذكَرَه إلا بصلاحه وشرفه وولايته، فهو: "أحد أركان الولاية الذين اجتمعت الأمة على اعتقادهم ومحبتهم"؛ كما يقول العلامة القاضي يوسف النبهاني، فالشهادة بولايته وإمامته شهادةٌ بالحق، وتصديقٌ لأهل الصدق؛ امتثالًا لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الْأَرْضِ».
الرد على الطاعنين في كرامات السيد البدويأما الطعنُ في ولايته رضي الله عنه أو اتهامُه بالجاسوسية أو التشكيكُ في كونه من الأشراف رغم معرفة ما ترجمه به العلماء والمؤرخون عبر القرون بالسيادة والولاية والعلم والإمامة من غير خلاف: فكلها مسالك خاليةٌ عن الإنصاف، موغلة في الاعتساف، وخروجها عن المنهج العلمي غير خافٍ؛ لأن ذلك يستلزم اتهامَ أولياء الأمة وعلمائها ومؤرخيها وحكامها قاطبةً بالجهل والغفلة أو التزوير والكذب أو التواطؤ والخيانة! مع ما في ذلك من إفقاد المسلمين الثقةَ في تاريخِهم، وتراثِ مؤرخيهم وعلمائهم؛ فإن الأمة متفقة على ولايته وشرفه، ولم يطعن فيه رضي الله عنه إلّا نابتةٌ نبتت منذ عقود -والله أعلم بالقُصود- جامعةً بين المتناقضات فيما تحوكه مِن الاتهامات، مدَّعيةً تارةً أنه لم يكن يصلي، وتارةً أنه كان جاسوسًا شيعيًّا، وثالثةً أنه كان باطنيًّا إسماعيليًّا، ورابعةً أنه حديثُ خُرافة! متجاوزةً بطعنها هذا كل تراث الأمة وتاريخها لكل مؤرخيها وعلمائها، مناديةً لأهلها على جهلها، مِن غير وازعٍ ولا رادِعٍ مِن دينٍ أو أدبٍ أو إنصافٍ، ولا حلمَ ولا علمَ!
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: السيد البدوي حياة السيد البدوي الطرق الصوفية شيخ العرب السيد البدوي المسجد الأحمدي السید البدوی رضی الله عنه
إقرأ أيضاً:
قدر الأمة في ليلة القدر.. بين الخلاص الفردي والخلاص الجماعي
في ظلمة الليل، حيث تصفو الأرواح، وتعلو المناجاة، ينتظر المسلمون ليلة القدر، تلك الليلة التي أنزل الله فيها القرآن هدى للناس، والتي جعلها خيرًا من ألف شهر. هي ليلة تفصل بين مسارَين: بين من يسعى للخلاص الفردي، فتراه يعتكف في المساجد، ويركع ويسجد، ثم يخرج إلى الدنيا كما دخلها دون أن يغير شيئًا فيها، وبين من يدرك أن الإيمان ليس نجاة فردية، بل مسؤولية جماعية، وأنه كما خُلق الإنسان فردًا، فهو يُبعث أمة، مسؤولًا عن نصرة الحق، وعن حمل رسالة التغيير والإصلاح.
لقد رسّخ الإسلام مفهوم الجماعة، فالصلاة تقام جماعة، والجهاد فرض كفاية على الأمة، والزكاة عبادة تتعلق بالآخرين، بل حتى الدعاء في ليلة القدر، يوصينا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكون شاملًا: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنّا، لا عني وحدي. لكننا اليوم، في زمن الانكفاء، نجد الكثيرين يهرعون إلى المساجد طلبًا للخلاص، دون أن يترجموا هذه العبادات إلى أفعال تنتصر لقضايا الأمة، وكأنما أصبح الدين رحلةً روحيةً محضة، لا شأن لها بالواقع، ولا دور لها في تغيير المصير.
لكن أيّ خلاص نرجوه ونحن نترك غزة تحت القصف، والمسجد الأقصى مستباحًا، وأوطاننا تتهاوى تحت نير الاحتلال والظلم؟ كيف نطلب العتق من النار ونحن لم نعتق أمتنا من قيودها؟ وكيف نرجو الرحمة لأنفسنا دون أن نرحم المظلومين، أو نغيث الجائعين، أو نرفع الصوت في وجه الباطل؟
لقد ظن البعض أن الطريق إلى الجنة يمر فقط عبر الاعتكاف في المساجد، متناسين أن نبيّنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- كان أعبد الناس، لكنه لم يكن يغلق عليه أبواب المسجد، بل كان في الميدان، يقاتل الظلم، ويقيم العدل، ويضع اللبنات لدولة إسلامية عظيمة لم تقم على الركعات وحدها، بل على أكتاف الرجال الذين جعلوا الإيمان حركةً، والدين منهاج حياة.
أيّ خلاص نرجوه ونحن نترك غزة تحت القصف، والمسجد الأقصى مستباحًا، وأوطاننا تتهاوى تحت نير الاحتلال والظلم؟ كيف نطلب العتق من النار ونحن لم نعتق أمتنا من قيودها؟ وكيف نرجو الرحمة لأنفسنا دون أن نرحم المظلومين، أو نغيث الجائعين، أو نرفع الصوت في وجه الباطل؟ليلة القدر ليست ليلة عزلة، بل ليلة يقظة، ليلة تتنزل فيها الملائكة على القلوب التي تحمل همّ الأمة، وتكتب فيها أقدار الشعوب التي تأبى الاستسلام. فمن يريد المغفرة حقًّا، فليغفر للناس، ومن يريد الرحمة، فلينصر المظلومين، ومن يرجو العتق، فليجتهد في عتق أمته من الذل والخذلان.
اليوم، في فلسطين،، في كل أرضٍ يُظلم فيها المسلمون، هناك من لا يجد وقتًا للجلوس في المساجد، لأن ساحاتهم هي المسجد، ومقاومتهم هي الصلاة، وتضحياتهم هي الدعاء المرفوع إلى السماء. هؤلاء يكتبون بدمائهم مستقبل الأمة، وهم أولى منا بليلة القدر، لأنهم يعيشونها في كل يومٍ من حياتهم، وهم بين الرجاء والخوف، بين الرجاء في نصر الله، والخوف على أمةٍ غفلت عن دورها وانشغلت عن قضيتها.
إن قدر الأمة لن يتغير بليلة واحدة على عظم قدرها وفضلها، إن لم تتغير العقول، وإن لم تفهم القلوب أن العبادة الحقّة ليست في الخلوة فقط، بل في العمل، والجهاد، والصبر، والتضحية. وإذا أردنا أن يكون لنا نصيبٌ من ليلة القدر، فعلينا أن نكون جزءًا من قدر أمتنا، نحمل همّها كما نحمل همّ أنفسنا، وندرك أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وحينها، ستنزل السكينة حقًّا، وستكتب الأمة قدرًا جديدًا، يليق بها، ويليق برسالة الإسلام التي لم تكن يومًا دينًا للعزلة، بل دينًا لصناعة الحياة، ودينًا لصياغة التاريخ.