الجزيرة:
2025-01-23@09:51:18 GMT

تعدد المهام.. مهارة ضرورية أم مجرد خدعة ضارة؟

تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT

تعدد المهام.. مهارة ضرورية أم مجرد خدعة ضارة؟

يسعى كثيرون لتنظيم يومهم وتقسيم ساعاته بين العمل، وأداء المهام المنزلية، وتربية الأبناء، وتطوير المهارات الذاتية، وربما ممارسة الهوايات والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية أيضا.

لكن على أرض الواقع، تبدو أعمارنا قصيرة وساعات أيامنا غير كافية لتحقيق كل ما سبق، إلى أن ظهر مفهوم "تعدد المهام" قبل سنوات، وبدا حلا لمشكلة تحقيق كل الأهداف التي نطمح إليها.

وأتاحت التكنولوجيا المزيد من الخيارات، فيما تعددت النصائح والتجارب في هذا الصدد. لكن يبقى السؤال: هل يمكن لعقولنا القيام بمهام متعددة في الوقت ذاته حقا، أم أننا ندفع كلفة كبيرة لهذه المحاولات؟.

ماذا يحدث في أدمغتنا؟

يشير تقرير نشره موقع "ذا كونفرسيشن" إلى أن تعبير "تعدد المهام" كان في الأصل خاصا بالآلات لا البشر، ثم ظهرت دراسات تكشف عن فوائد تعدد المهام، لكنها اختصت بالأعمال البسيطة أو "الآلية"، والتي تشكل ضغطا بسيطا جدا على قشرة الفص الجبهي في الدماغ، مثل تناول الطعام أثناء المشي أو مشاهدة الأفلام، أو المشي أثناء الحديث في الهاتف. أما عند ممارسة مهام أكثر تعقيدا، فتتشابك الأمور، وتبدأ آثار ملحوظة في الظهور.

ما يحدث داخل دماغنا لدى محاولة القيام بمهام متعددة في الآن نفسه هو أن قشرة الفص الجبهي في الدماغ تعمل بدايةً على الاحتفاظ بالتركيز على تنفيذ المهمة الأولى، وفي ثوانٍ يتبدل عملها لتركيز الانتباه على المهمة الثانية.

يؤكد علماء الأعصاب أننا لا نقوم بمهمتين في الوقت ذاته، بل ما يحدث في الحقيقة هو قفز سريع للتبديل بين الأنشطة المختلفة، فيما تظل "الذاكرة العاملة" مشغولة لساعات طويلة، بحيث تعيق الأداء الذهني الطبيعي، ويقوم دماغنا في عمليات التبديل تلك بسلسلة من التحولات المعرفية المتتابعة ليمكننا أداء المهمتين معا.

مع تنامي الحاجة للقيام بمهام متعددة، أصبحت هذه طريقتنا لإنجاز أعمالنا في وقت قياسي، ومهارة يفضلها أصحاب الأعمال، فنخوض تلك المحاولات بالفعل، لكن حصادها -كما تشير الدراسات- يكون مكلفا، إذ لا يملك دماغنا تلك القدرة.

وحين تكون المهام أكثر تعقيدا، يزداد الحمل على أدمغتنا، فيكلفنا هذا التتابع في التبديل بين المهام، زمنا أكبر للإنجاز، يستغرقه الدماغ في الانتباه إلى طبيعة المهمة الأخرى، ثم ضبط إعدادات العقل ليناسب إنجازها، وإزاحة الإعداد الخاص بالمهمة الأولى.

تراجع الإنتاجية والإبداع

بينما يبدو أن ما يضيع من الوقت هو ثوانٍ قد تكون معدودة في كل مرة نقوم فيها بالتبديل بين المهام، فإن هذه العملية تترك أثرا ملحوظا على قدرتنا على الانتباه والتركيز. وهكذا بخلاف الاعتقاد السائد بأن "تعدد المهام" يعني زيادة الكفاءة والإنتاجية، فإنه يتسبب في ارتكاب مزيد من الأخطاء، مما يؤدي إلى تقليل إنتاجية الفرد بنسبة 40%.

على سبيل المثال، في حال الحديث عبر الهاتف أثناء قيامنا بالكتابة، فإن الدماغ يوقف تدفق الأفكار، ويخرج العملية الإبداعية عن مسارها. وخلال الدقائق التي يتوقف فيها الدماغ عن الكتابة يتأهب للاستماع، ثم يعود للكتابة مرة أخرى. هذا الانقطاع البسيط قد يؤدي لارتكاب الأخطاء، كما تقل قدراتنا الإبداعية إزاء حرماننا من التركيز المستمر في المهمة الواحدة، والذي يثمر تدفقا للأفكار وقدرة على الربط بينها، فنصبح بالتالي أقل إبداعا وأكثر سطحية، فضلا عما يتسبب فيه من مشكلات في الذاكرة وتقليل الكفاءة والقلق والإجهاد المزمن.

دراسة نشرتها مجلة "هيلث سايكولوجي ريفيو" في العام 2023، أشارت إلى أن القيام بمهام متعددة يشكل ضغطا عضويا يمكن قياسه على عمل الجهاز العصبي الودي، حيث لاحظ العلماء معدلات أعلى مقارنة بنشاطه عند القيام بمهمة واحدة. كما كشفت الدراسة عن عمل أقل للجهاز العصبي اللاودي، فضلا عن تأثيره في مستويات التوتر والضغط النفسي. وأشار الباحثون إلى تأثير محتمل على الجهاز المناعي أيضا.

قد يبدو لنا أننا أكثر إنتاجية في العصر الحالي، بفضل تعدد المهام، لكنه ليس السبب الحقيقي لهذا الشعور، نحن أكثر إنتاجية بالفعل بفضل الأدوات التكنولوجية المتاحة التي تيسر أعمالنا. أما العقل، فخصائصه لم تتغير، ولا يزال تعدد المهام يكلفنا مزيدا من القلق والتوتر والأرق، وينتهي بعدم القدرة على العمل والتركيز.

القدرات التي نحتاجها

في المقابل، إذا كنت حريصا على إنتاجية أكبر، فإن ما ينصح به الخبراء هو التركيز على الانتباه، وهو -في الواقع- المهارة التي يمكننا تطويرها، وإحداث فارق في قدرتنا على الإنجاز من خلالها:

خصص فترات للتركيز: ينصح الخبراء بتخصيص فترات للتركيز على القيام بمهمة محددة، وإيقاف كل المشتتات كإشعارات الهاتف أو مقاطعات الزملاء. مقاومة إدمان الدوبامين: هناك سر آخر يدفع عقولنا للقيام بمهام متعددة، وهو إدمان الدوبامين المرتبط بالمعلومات الجديدة، والذي يجعلنا نستجيب لمقاطعات مثل الرد على الهاتف بينما نقوم بكتابة رسالة إلكترونية. ما يحدث في الحقيقة هو أن إدمان الدوبامين يحفز الدماغ على فقدان التركيز والبحث عن تحفيز خارجي. الاختيار بين المهام: ينصح علماء الأعصاب بالاختيار بين المهام التي يمكن إنجازها بشكل متواز دون أثر سلبي يذكر، والمهام الأخرى التي تتسبب محاولة إنجازها معا في خسارة الوقت أو هدر الجهد. الراحة: يحتاج الدماغ إلى التوقف بين الحين والحين، سيكون مفيدا الاهتمام بالنشاط البدني والنظام الغذائي الجيد اللذين يزيدان من القدرة على التركيز.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات تعدد المهام بین المهام

إقرأ أيضاً:

الاستثمار في الإنسان

 

سلطان بن محمد القاسمي
هل تخيلت يومًا أن تغيير حياة فرد واحد قد تؤدي إلى تغيير مصير مجتمع بأكمله؟ وكيف يمكن لرؤية قائد حكيم أن تُحيل الإمكانيات الكامنة إلى طاقات جبارة تعيد صياغة الحاضر وتبني المستقبل؟ بلا شك، إن الاستثمار في الإنسان ليس مجرد شعار متكرر نسمعه، بل هو نهج عملي يستند إلى رؤية واضحة وقناعة عميقة بأهمية بناء الأفراد وتطوير قدراتهم. فكل إنجاز عظيم يقف خلفه عقل واعٍ وقلوب نابضة بالإصرار على تحقيق الأفضل.
وبالنظر إلى قصص النجاح التي نراها في مختلف العصور، ندرك أن الإنسان هو المحرك الرئيسي لكل تقدم مستدام. لكن من المهم أن نعي أن هذا الإنسان لا يولد مكتمل المهارات أو جاهزًا لتحقيق الإنجازات الكبرى. بل على العكس، يحتاج إلى من يكتشف تلك البذور الكامنة في داخله ويرعاها حتى تزهر. ولهذا السبب، يبرز دور المسؤولين الذين ينظرون إلى موظفيهم على أنهم ثروة وطنية تستحق الرعاية، وليسوا مجرد أدوات تنفيذية. هؤلاء المسؤولون هم من يساهمون بشكل فعّال في تغيير الواقع وصناعة مستقبل أكثر إشراقًا.
وقبل أيام قليلة، كنت في جلسة مع أحد القادة الذين يُشهد لهم بالحكمة والبصيرة. وبينما كنا نتحدث عن أهمية الاستثمار في الكفاءات البشرية، شاركني قصة ملهمة عن تجربته الشخصية. قال لي: "لم أكن لأصل إلى مكاني الحالي لولا قائد أدرك إمكانياتي ورآني بعين مختلفة. لقد كان يؤمن بقدرتي على القيادة والإبداع، فأرسلني إلى اليابان لتعلم نهجهم المتقن في العمل والانضباط. خلال تلك الأشهر الثلاثة، اكتسبت رؤى جديدة غيّرت نظرتي للحياة والعمل. وعند عودتي، فوجئت بمسؤولي يطلب مني العودة إلى العمل فورًا دون إجازة، فقط لأجد السفير الياباني في مكتبي مع تقرير شامل عن أدائي. كانت النتيجة امتيازًا. حينها قال لي المسؤول: "لهذا السبب أرسلتك. كنت واثقًا أنك ستتفوق وأنك قادر على تقديم شيء مختلف للوطن".
وهنا يمكننا القول إن هذه القصة ليست مجرد حكاية شخصية، بل درس عميق في أهمية الإيمان بإمكانيات الأفراد وإعطائهم الفرص التي يحتاجونها ليبدعوا. ومن الواضح أن مثل هذا الاستثمار لا يتحقق صدفة، بل يتطلب رؤية عميقة تستند إلى قناعة بأن الإنسان هو الجوهر والمحرك لكل تغيير حقيقي. وعلى هذا الأساس، فإن القائد الذي يدرك ذلك لا يكتفي ببناء أفراد قادرين على تحمل المسؤولية، بل يضع حجر الأساس لمجتمع قوي ومستدام.
وإذا ما أمعنا النظر في المؤسسات الناجحة عالميًا، سنجد أن القاسم المشترك بينها هو الاستثمار في الإنسان. على سبيل المثال، إحدى الشركات العالمية خصصت جزءًا كبيرًا من ميزانيتها لتدريب موظفيها على تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة. والنتيجة؟ لم تكن مجرد تحسين في الأداء الوظيفي، بل كانت قفزة نوعية نقلت الشركة إلى مصاف الريادة. إذ لم تقتصر الفوائد على زيادة الإنتاجية، بل شملت أيضًا تحسين معدلات الرضا الوظيفي، وارتفاع سمعة الشركة عالميًا، وتعزيز مكانتها في سوق تنافسية لا ترحم.
ورغم كل هذه النجاحات، علينا ألا نغفل أن الطريق نحو الاستثمار في الإنسان مليء بالتحديات. على سبيل المثال، قد تواجه المؤسسات صعوبات في تخصيص الموارد المالية والوقت لتدريب الموظفين، خصوصًا في ظل الضغوط اليومية. كما أن اكتشاف المواهب الحقيقية قد يكون تحديًا في بيئات عمل تقليدية تحد من الإبداع. ومع ذلك، فإن التحديات ليست مبررًا للتراجع، بل ينبغي أن تكون دافعًا لإيجاد حلول مبتكرة. ولعل من أبرز هذه الحلول دمج التدريب مع العمل اليومي من خلال تقنيات التعلم الإلكتروني أو برامج التوجيه الشخصي، التي تتيح للموظفين التعلم دون التأثير سلبًا على سير العمل.
إضافة إلى ذلك، فإن الفرق بين القيادة التقليدية والقيادة الإلهامية يكمن في القدرة على رؤية المستقبل واستشراف احتياجاته. ففي حين يكتفي القائد التقليدي بإدارة الحاضر، يسعى القائد الإلهامي إلى بناء مستقبل يتجاوز حدود الزمن والمكان. وهنا، نجد أن هذا النوع من القيادة لا يضمن فقط استمرارية النجاح، بل يخلق ثقافة مؤسسية تدعم الابتكار والإبداع. ومن الأمثلة الواقعية على ذلك، نجد بعض الدول التي أطلقت برامج وطنية لتدريب الشباب على المهارات القيادية والابتكار. ونتيجة لهذه المبادرات، تحولت هذه الدول إلى مراكز عالمية للتميز بفضل جيل جديد من القادة المؤهلين بعناية.
وكم من موظف يحمل بداخله طاقة هائلة لكنها غير مستغلة؟ وكم من موهبة ضاعت في زحمة الروتين لأنها لم تجد من يوجهها؟ إن المسؤول الذي يرى في موظفيه قادة محتملين هو من يستطيع تحويل هذه الإمكانيات إلى واقع ملموس. فهؤلاء الموظفون ليسوا مجرد أفراد في منظومة العمل، بل هم بذور تنمو وتُثمر إذا وجدت الرعاية المناسبة. وعلى هذا الأساس، فإن الاستثمار في الصفوف الثانية والثالثة ليس مجرد خطوة لضمان استمرارية القيادة، بل هو تأكيد على أن التطوير عملية مستمرة تشمل الجميع دون استثناء.
وبالنظر إلى تجربتي الشخصية، أستطيع القول إنَّ بناء الأفراد يتطلب أكثر من مجرد قرارات تنظيمية. بل يتطلب رؤية مبنية على إيمان حقيقي بقدراتهم. وعندما يشعر الموظف بأن مؤسسته تستثمر فيه، فإنه يصبح أكثر ولاءً وإنتاجية. وهذا الشعور يولّد طاقة إيجابية تعود بالنفع ليس فقط على المؤسسة، بل على المجتمع بأسره. فكل موظف يتم تطويره يصبح قصة نجاح يمكن أن تلهم الآخرين وتدفعهم نحو السعي لتحقيق الأفضل.
ومما لا شك فيه، أن الاستثمار في الإنسان هو أعظم استثمار يمكن لأي قائد أن يقوم به. فبينما ينظر البعض إلى التدريب والتطوير على أنهما تكلفة، يدرك القادة الملهمون أنهما استثمار استراتيجي يعود بعوائد مضاعفة على المدى الطويل. ولهذا السبب، فإن المؤسسات التي تسعى لبناء مستقبل قوي ومستدام تدرك أن نجاحها يعتمد بشكل أساسي على بناء الأفراد الذين يشكلون أساسها.
وفي ختام هذا الحديث، يمكن القول إن الاستثمار في الإنسان ليس رفاهية ولا خيارًا ثانويًا، بل هو ضرورة تعكس عمق رؤية القيادة وحرصها على بناء مستقبل مشرق. إن كل فرد هو ثروة بحد ذاته، وكل فرصة تُمنح له هي فرصة لبناء مجتمع أقوى وأكثر ازدهارًا. فلنكن على قدر هذه المسؤولية، ولنمنح من حولنا الفرصة ليكونوا قادة المستقبل. لأن كل تدريب، وكل تأهيل، وكل كلمة دعم تُقدم، هي جسر يعبر بنا جميعًا نحو غد أفضل. إذ أن الإنسان، ببساطة، هو الجسر الذي يقودنا إلى المستقبل.
 

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • عبدالله: العقد التي تواجه مسار التأليف متعددة
  • خبير عسكري: ظهور حسين فياض يؤكد مهارة المقاومة وفشل إسرائيل استخباريا
  • حدث ليلا: خدعة استخباراتية تقلب إسرائيل.. وتجدد حرائق الغابات بأمريكا.. والحوثيون على قائمة الإرهاب.. وترامب يسخر من بايدن.. عاجل
  • الاستثمار في الإنسان
  • مجلس مدينة اللاذقية: يُمنع القيام بأي طلاء أو رسومات على الجدران ‏والممتلكات العامة
  • مستشارة: من يمارس سلوك الاستغباء يعتقد أنها مهارة أو ذكاء ..فيديو
  • فريق طبي في مستشفى العامرية ينجح في إجراء جراحة أورام بالعمود الفقري لسيدة
  • كفارة اليمين.. الإفتاء توضح التصرف الشرعي لشخص لا يستطيع القيام به
  • وسائل إعلام أمريكية: تكليف روبرت ساليسيس بمهام وزير الدفاع
  • هل تعدد النيات يزيد الأجر؟ عالم بالأوقاف يجيب