في ملتقى القاهرة الأدبي.. كيف تتحول المدن لحكايات ؟
تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT
"كيف تتداخل المدينة والحكايات" هو موضوع الندوة الأولى في اليوم الخامس من الملتقى، في حضور الكاتب البرازيلي إنريكي شنايدر والكاتبة والأكاديمية مي التلمساني، وأدارت النقاش الكاتبة والقاصة سمر نور.
الأمسية تتحدث عن المدينة والحكاية، وهو موضوع شائق لأن المدن العريقة لها أثرها وسحرها مما يجعلها مادة جيدة لرواية الحكايات، ومع وجود المدن وجدت الرواية، مثل القاهرة وربما تشبهها نفس المدينة التي تقوم أحداثها في رواية إنريكي شنايدر (1970).
قالت مي التلمساني، بأنها مرت في حياتها بمدن كثيرة حتى داخل القاهرة نفسها، وانتقالها من حي لحي آخر، وأنها عاشت فترة في باريس، ثم كندا، وهي تعتبر نفسها "رحالة"، تعيد اكتشاف نفسها مع كل مدينة تزورها، وكل مدينة تبوح بأسرارها عن طريق المشي، ومن خلال ذلك بشكل عشوائي وتلقائي تُصنع الحكايات، فروايتها (الكل يقول أحبك) أحداثها تقوم في مدن كثيرة. فالمدن هي حواديت في حد ذاتها، وقد أثر ذلك في كتابة القصص القصيرة واليوميات.
وعن المدينة في روايات التلمساني فقد أشارت أنها تكتب عن الذي تعرفه فقط، فهي لا تحب التحدث باسم البسطاء والمهمشين فهي لم تعش ظروفهم، ولكنها تكتب عن الطبقة المتوسطة بمشاكلهم وإحباطاتهم من منظور المرأة، وظهر ذلك في روايتها (هليوبوليس)، فهي تبدأ من بداية فترة السبعينيات، وتحكي عن هذه الطبقة بكل ما تمر به في حياتهم اليومية، وكذلك رواية (الكل يقول أحبك) فهي تتحدث عن المهاجرين في كندا، من خلال طبقاتهم الظاهرة والتي تعرفها جيدًا.
أما عن رصدها للتحولات التي حدثت في مدينة كـ"القاهرة"، فأصبحت ممتدة لأماكن بعيدة جدًا وكأنها (مدينة أخطبوطية)، لذلك -على حد تعبيرها- "فأنا أحب قلب المدينة"، فالقاهرة كسائر المدن لا تعطي نفسها بسهولة لمن يريد اكتشافها، لذلك سبر أغوار المدن هي مهمة صعبة للمبدع، فالعلاقة بين المدينة والكاتب فيها غموض واضح، وهذا ما يخلق نوع من الثراء للكاتب، لجعله يكتشفها ويوسع خياله أكثر وأكثر من أجل ذلك.
بينما قال إنريكي شنايدر ردًا على تأثره بطبيعة المكان الذي تدور فيها أحداث روايته المترجمة للعربية 1970، بأنه بسبب عمله كمحام يتعامل مع كثير من الأشخاص، وإنه يكتب القصص القصيرة بشكل مكثف، ويكتب عن أشخاص عاديين في الحياة اليومية التي يقضيها داخل البرازيل.
وأضاف شنايدر، أنه لكي يكتب فإنه من خلال المشي أيضًا يجمع التفاصيل التي يستغلها ويقوم من خلالها بكتابة قصصه.
وعن روايته (1970) فالمدينة لها شخصيتها الفريدة في الرواية، فبطل الرواية عاش في المدينة واعتبرها كسجن كبير لكن سجنًا من نوع آخر، وأنها أصبحت مدينة خوف بالنسبة له.
وأضاف شنايدر، بأن الرواية هي واحدة من ثلاثية عن الديكتاتورية في بلاده في فترات الديكتاتوريات العسكرية، وأن أغلب القصص التي وردت في رواياته هذه، هي حقيقة وواقعية جدًا من واقع حكايات المدينة التي عايشها مع شخصيات وأبطال رواياته الحقيقيون.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ملتقى القاهرة الأدبي القاهرة مي التلمساني
إقرأ أيضاً:
المساعدات .. طُعم لدس السم في العسل
يذهب التعريف بالعالم الاجتماعي على أنه يقوم على «ﻣﺒﺎدئ اﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎت اﻷﺧﺬ واﻟﻌﻄﺎء»بمعنى أن يقوم على الندية، والتكافؤ، وهذا لا يلغي مسألة التكافل التي تقوم عليها المسألة الاجتماعية برمتها، وهذا المعنى ليس مقصورا على المجتمعات التقليدية البسيطة، فكل المجتمعات بتركيباتها المعقدة؛ من حيث الحمولة السكانية، وتعقد أنشطة حياتها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستغني عن مبدأ التكافل، ولذلك نرى هذا التلاحم في الأحداث الكبيرة حيث يشمر عن ساعد الجد الجميع بلا استثناء، حيث تتجاوز هذه الصورة الهويات المتباينة والمشار إليها بهويات الدين، والعرق، واللون، والنوع، والمذاهب، والإنتماءات السياسية، والثقافية، وغيرها مما يندرج تحت عنوان الهويات.
ينظر إلى المساعدات على أنها عطاء باليد اليمنى، والأخذ باليد اليسرى، ليس أكثر، وأن كل ما يروج له في شأن المساعدات لا يخرج عن هذه القاعدة المتكافئة، وغير المتكافئة، المتكافئة من حيث الأخذ والرد في آن واحد، وغير متكافئة من حيث تضرر الفئة المحتاجة للمساعدات، وهي التي تتخذ فخا لجلب الأموال من الأفراد، ومن المؤسسات، ومن الدول؛ في أحيان أخرى، سواء أكان ذلك في حالة الأزمات الإنسانية/ أو الأزمات الطبيعية، أو أزمات الحروب، ومناخات الفقر، والفساد الذي تعاني منه الكثير من دول العالم، فحتى برامج منظمات الأمم المتحدة لم تسلم من هذا الاسترزاق الذي يمارسه موظفوا هذه المنظمات تحت غطاء الأمم المتحدة، من خلال تسلطهم على الفقراء والمحتاجين؛ واستغلال حاجتهم، وضعفهم، وقلة حيلتهم، حتى وصل الأمر إلى انتهاك حقوق الإنسان من خلال الاستغلال الجنسي والمنة والتفضل، وإراقة ماء الوجه، وهتك الأعراض، خاصة في الدول المصنفة تحت قائمة الحروب وعدم الاستقرار، أو المصنفة تحت قائمة الأنظمة الفاسدة التي لا تراعي مصالح مواطنيها، وإنما تستأثر بالمساعدات الأممية وغيرها فتوظفها لمصالحها الخاصة، وللحاشية القريبة منها، ولا يحصل من هم حقا؛ محتاجون إلا على الفتات، وهذا لا يخرج عن مفهوم المن، والتشهير بهؤلاء المحتاجين، حيث تمارس عليهم شتى أنواع الممارسات غير الإنسانية، وهم في حالة ضعف شديد، حيث لا مدافع عنهم ولا رقيب على الآخر.
تتحول المساعدات؛ وفق ما جاء أعلاه إلى أدوات ضغط وتلاعب، وإذا كان الفرد العادي ليس من ورائه مصلحة؛ إلا ما يمكن استغلال ضعفه سواء في امتهان كرامته، والنيل من حقوقه الإنسانية، فإن الأمر يختلف كثيرا على مستوى الانظمة السياسية في مسألة الضغط والتلاعب، حيث تخضع هذه الأنظمة – فقط لأنها تتلقى معونات ومساعدات – إلى تهديد مباشر، وممارسات للي الأذرع لأن تنفذ أجندات الدول المتسلطة سواء بصورة تهديد مباشر، أو غير مباشر، فوق أنها تعيش كل سنوات عمرها تحت تبعية متواصلة غير ممهورة بسنة انتهاء، وهذا مما يعمق من مأساة هذه الدول التي تتلقى المساعدات؛ حيث تظل ضحية دائمة للمتسلط، من ناحية، ومن ناحية أخرى تفقد مبادرة الإعتماد على نفسها من خلال تطوير برامجها الإنمائية التي تنقلها من حالة العسر إلى حالة اليسر، وتهبها استقلالها، وتحررها من ربقة المستعمر، والمتنفذ عليها ولو بالفتات مما يطلق عليه مساعدات إنسانية، زورا وبهتانا، والسؤال هنا؛ هل حقا لا تستطيع هذه الدول التي تقع تحت هذه الإشكالية أن تتحرر من ربقة هذا الاستعمار غير المباشر؟
تقول الحكمة: «والنفس راغبة إذا رغبتها؛ وإذا ترد إلى قليل تقنع» فالنفس مجبولة على الكسل، والإعتماد على الغير في ظروف ما، ولكنها قادرة على العطاء والاستقلال والتحرر في ظروف أخرى، وعند مقاربة صغيرة للصورتين فإن الانظمة السياسية التي تعود نفسها على الفتات من المساعدات التي توهبها لها الدول الكبيرة، وتعمل على ترويضها مقابل تنفيذ أجنداتها الكبرى، فإنها بإمكانها أن تتحرر من هذه الربقة، وتبدأ في استقلال نفسها من أية تبعية كانت، وذلك من خلال استغلال مواردها الطبيعية والبشرية، ولو كانت متواضعة في بداية الأمر، فإنها وبقوة التخطيط الاستراتيجي، وفاعلية البرامج التنموية الموضوعة؛ فإنها لن تلبث طويلا حتى تتحرر من مختلف التبعيات التي تفرضها عليها الدول التي تعطي باليمنى وتأخذ باليسرى، نعم؛ قد تواجه من بداية الأمر الكثير من المعضلات، وأقربها مجموعة المثبطين من ذوي المصالح الخاصة، خوفا على مصالحهم الذاتية الخاصة، ولكن بحكمة من يدير النظام، ورؤيته المستقبلية ستتحرر الأنفس من أية تبعية، وتستغني عن أية مساعدة، واليوم نقرأ ونسمع عن كثير من الدول كانت واقعة تحت مظلة هذه المساعدات، استطاعت أن تحرر نفسها من أية تبعية، وأن تعلن عن نفسها على أنها مستقلة استقلالا تاما، وذلك من خلال استغلال ثرواتها الطبيعية، وتوظيفها لصالح برامجها التنموية، مسندة ذلك بالقوة البشرية العاملة من أبناء الوطن، خاصة أن اليوم أغلب شعوب العالم على قدر كبير من الاستحواذ على المعرفة التي توفرها التقنية الحديثة، حيث أصبحت المعلومة اليوم أقرب من أي زمان كان، وبالتالي فنقل ثقافة الفرد من الاستهلاك إلى الإنتاج قد يحتاج إلى شيء من الجهد في بداية النشئة، ولكن هذا الجهد لن يطول عمره، حتى يأتي بثماره، وربما في فترة زمنية غير بعيدة، فقط المهم تحديد نقطة الصفر للإنطلاق نحو نقل ثقافة الرغبة إلى ثقافة الحاجة، وتحول العطاء من وسيلة لترويض الأنفس للقبول بالفتات، إلى عطاء مبادر بتقديمه إلى الآخر، ووسيلة للسمو والاستقلال، «واليد الأعلى أفضل من اليد السفلى» فما بين الإنفاق والاسترزاق ثمة فاصل دقيق، قد يكون هذا الفاصل خير للأمة، يعفيها من مذلة السؤال والاعتماد على الغير، وقد يكون محنة إنسانية؛ الله أعلم متى تنتهي، حيث التبعية البغيضة المتواصلة إلى ما لا نهاية، وهذا أمر خطير، ليس فقط على الواقع الراهن الذي تعيشه دول من الدول، بل على حياة الأجيال المتتابعة التي تولد، وهي تستشعر منة الآخر عليها، وترى في ذلك هدوئها وسكونها، فلا تستطيع أن تحرر نفسها من تبعيته، في مقابل أنها لا تدرك أنها تدفع ثمنا من كرامتها وعزتها، واستقلال وجودها في الحياة كلها، وليس فقط في لحظتها الآنية القصيرة.
يقول أحدهم في وصف حقيقة المساعدات - ويعني به الدول المتنفذة على غيرها -:»إذا أرادوا الضغط يهددون بقطع المساعدات، وإذا أرادوا إشعال الحرب يفتحون صنبور الدعم؛ وربما يسكبونه في الطرفين في آن واحد» - انتهى النص - هذه هي حقيقة كل المساعدات، ولا يستثنى منها أي شيء، والواقع اليوم كما كان بالأمس يؤكد هذه الحقيقة، ويوثقها في كل الأمكنة التي تجتاحها عواصف الحروب، والفقر، والجهل، والإستعلاء، والتنمر، والتحزب، وإستغلال حاجات الأنظمة وضعف بنيتها السياسية، والإقتصادية، والثقافية، ونستثني هنا بنيتها الإجتماعية، والتي تعتبر خط الدفاع الأخير عن مصالح الأمة، على اعتبار أن البنية الأساسية للمجتمع؛ ليست شرطا أن تكون حصيلة ممارسات الأنظمة السياسية؛ في أغلب الأحيان، بمعنى أن الدول الاستعمارية لن تستطيع أن تتعاطى مع المجتمع بصورة مباشرة من أول وهلة، حتى تجد لها مداخل؛ وهي ليست هينة؛ ولذلك تبقى حذرة في أول الأمر حتى تروض النظام السياسي، وتستحوذ على النظام الاقتصادي، وتهجن النظام الثقافي، ومن ثم تعمل على خلخلة النظام الاجتماعي، وهذا الأمر يتطلب زمنا ليس قصيرا، لذلك تحدث الثورات العارمة والصاخبة، والتي قد يصل بعضها إلى إزالة أنظمتها السياسية، عندما تستشعر القاعدة الاجتماعية الخطر المحدق بها، وتقويض أمنها واستقرارها، وتقليص حريتها وتحررها، ولذلك من الضرورة بمكان استشعار الأهمية الكبرى الذي تشكله القاعدة الاجتماعية، لأنها إن تنطلق، فإنها تنطلق من منطق وطني خالص، مستشعرة أهمية وجودها، وحقيقة قوتها وأثرها، وهذا ما يقلق المستعمر؛ غالبا؛ ويضع له الحسابات الدقيقة، لان خروجه عن السيطرة، معناه نهاية وجود المستعمر، وحتمية مغادرته.
تمثل حقيقة: «المساعدات عطاء باليمنى وأخذ باليسرى» كأهم مقياس لمدى حقيقة توجه الذين يسعون إلى أستجلاب المنافع من هذه المساعدات، وحقيقة نواياهم التي يعملون على توظيفها على أرض الواقع.