بعد عام.. الشرايين المفتوحة لحرب الجنرالين!
تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT
مع تمام الحرب السودانية عامها الأول، ما سيبدو واضحا لنا اليوم هو أن هذه الحرب حرب عبثية في صميمها، وللمفارقة فإن كلا من قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو «حميدتي» كانا قد اتفقا (رغم الصراع بينهما) على وصف هذه الحرب الدائرة بينهما بأنها؛ حرب عبثية!
هذا الاعتراف بطبيعة الحرب العبثية من طرف الرجلين سيدلنا على حقيقتين على الأقل؛ الحقيقة الأولى هي أن هذه الحرب كانت حربا مؤجلة، بحيث يمكننا القول إنها كانت ستقع في أي وقت بالنظر إلى طبيعة نظام الإسلام السياسي الذي حكم السودان ٣٠ عاما عبر انقلاب عسكري على حكومة ديمقراطية منتخبة عام ١٩٨٩م، لأن الطبيعة الأيديولوجية والأوتقراطية لمثل هذه الأنظمة فيما هي تعيد اكتشاف الخطايا مع كل محاولة للتشبث بالحكم أو استعادته بالقوة إنما تعتقد دائما أن الخطأ في التطبيق وليس في النظرية، لأنها حين تماهي بين فهمها الإيديولوجي المحرف للإسلام بوصفه نظرية إنما تجعل من فهمها ذاك هو الإسلام ذاته لا تأويلا محرّفا لفهم الإسلام؛ لهذا تعيد إنتاج أخطائها وبالتالي تستمر في محاولات دائمة للاستيلاء على السلطة بالقوة.
والحقيقة الثانية هي أن الميكانيزمات التي تحكم هذه الحرب أصبحت ميكانيزمات خارجية يتحكم بها لاعبون إقليميون ودوليون.
وجزء مهم جدًا من دواعي تحكم اللاعبين الإقليميين والدوليين بهذه الحرب في السودان يكمن في تاريخ الخطايا السياسية للنظام القديم مع المجتمع الدولي وما ترتب على تلك الخطايا لاحقا من تدخلات إقليمية ودولية كان أثرها باهظا على معيشة الشعب السوداني الذي دفع ثمن التجريب الإسلاموي الفج للسلطة والسياسة على مدى ثلاثين عامًا.
وما يؤكد ذلك هو أن الشعب السوداني جرب الحرب الأهلية حتى قبل استقلاله عن الاستعمار الانجليزي ثم تجددت الحروب الأهلية السودانية عبر محطات كبرى وتواريخ متعددة كحرب الجنوب ١٩٥٥ وحرب دارفور ٢٠٠٣ والحروب الأخرى في النيل الأزرق وجبال النوبة وشرق السودان، بحيث يمكننا القول إن الشعب السوداني بما جرب من ويلات الحرب الأهلية أصبحت لديه القدرة على تجنب مصائرها.
لكن حرب الخرطوم الأخيرة هذه (التي هي في تأويل من تأويلاتها نتيجة حتمية لارتداد حرب الهوامش والأطراف على قلب المركز الذي تولى تاريخيا إشعال الحرب في تلك الأطراف) اليوم مع ذلك تظل إمكانية وقفها رهينة بتوافق حصري لأطراف إقليمية ودولية نتيجة للخطايا السياسية التي راكمتها مجازفات النظام السابق وحماقاته في الإقليم والعالم.
ولعل المفارقة التي تتكشف بها فداحة الحرب وويلاتها غير المسبوقة - من حيث النزوح والجوع والمعاناة بحسب تقارير أممية مفزعة - تكمن في أن تلك الخطايا التي مارسها النظام السابق ونتجت عنها التدخلات الدولية تكمن في أن الحصار الذي وقع على السودان بين عام ١٩٩٧ و٢٠١٩ ثم وضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب قد أضرا بالشعب السوداني ضررا عظيما تسبب في تدمير كافة مشروعاته القومية الكبرى، لهذا ما إن قامت هذه الحرب حتى تكشفت الآثار الفظيعة لانهيار البنية التحتية التي دُمّرت بفعل الحصار الاقتصادي، الأمر الذي كشف عن تلك الإحصاءات الكارثية في معدلات النزوح والجوع غير المسبوقة بحسب تقارير الأمم المتحدة.
هذا سيعني أن السودان جراء هذه الحرب العبثية سيكون مكشوفا أمام تداعيات انهيار الدولة المركزية، وهي دولة سيعكس انهيارها في منطقة جيوسياسية حساسة - كالمنطقة التي يقع فيها السودان - أخطارا تشمل منطقة وسط وشرق وغرب إفريقيا، مع ما تستدعيه آثار غياب الدولة؛ من ظهور للإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية والحروب الأهلية المتنقلة بين دول الجوار (٥ من الدول الـ٨ التي تجاور السودان اندلعت فيها حروب أهلية).
وبحسب الكوارث التي تنذر بها نتائج الحرب في السودان بعد عام من اندلاعها؛ فإنها نتائج لنذر خطيرة تجعل كل طرف إقليمي أو دولي له مصلحة في السودان أن يجنح نحو البحث عن حل سلمي قبل أن تصل النتائج الكارثية للحرب إلى نقطة اللاعودة، وهي نقطة حددتها تقارير دولية بأنها ربما تحدث بحلول نهاية مايو المقبل، لا سمح الله.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشعب السودانی هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
السودان من أوائل الدول التي تعاني «سوء التغذية الحادّ»
أجرى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، دراسة تتعلق بالأثر الاقتصادي والاجتماعي للصراع الدائر في السودان.
وشددت الدراسة على أن “السودان أصبح من بين البلدان الأربعة في العالم التي تعاني من أعلى معدل لانتشار سوء التغذية الحاد الذي يُقدر بـ 13.6%، مضيفة أن “قرابة نصف الأسر تواجه انعدام الأمن الغذائي إلى المتوسط، كما أن 76% من السكان أفادوا بعدم تلقي أي مساعدة على الإطلاق حيث يعتمدون على شبكات شخصية أفراد الأسرة والأصدقاء عوضًا عن المؤسسات الحكومية”.
وأظهرت الدراسة، “ارتفاع نسبة الأسر الحضرية السودانية دون دخل أو عمل إلى 18% مقارنة بـ 1.6% قبل اشتداد الصراع.
وبحسب صحيفة سودان تريبيون، كشفت الدراسة “وجود تأثيرات بالغة على الأسر الحضرية، خاصة فيما يتعلق بفقدان العمل والوصول إلى التعليم والصحة والمياه والكهرباء في السودان، حيث انخفضت فرص العمل بدوام كامل إلى النصف، مع توقع تجاوز معدل البطالة 45% بحلول نهاية هذا العام”.
وقالت الدراسة إن “56% من الأسر الحضرية ذكرت بأنها في حالة صحية أسوأ أو أسوأ بكثير، مما كانت عليه قبل الصراع، حيث انخفض الوصول إلى الخدمات الصحية بشكل كبير من 78% إلى 15.5%، وهذا يعني أن أسرة واحدة من بين كل سبع أسر تستطيع الوصول إلى الرعاية الصحية”.
وذكرت الدراسة الأممية أن “63.6% من الأسر الحضرية توقف أطفالها في سن الدراسة عن الذهاب إلى المدرسة، بينما بلغ معدل توقف الأسر التي لديها طفل واحد في سن الدراسة عن الذهاب إلى المدرسة إلى أكثر من 88% منذ بدء الصراع”.
ولفتت الدراسة إلى “انخفاض معدل الوصول إلى المياه عبر الأنابيب للأسر الحضرية من 72.5% إلى 51.6%، فيما أكدت 90% من الأسر السودانية تدهور إمدادات الكهرباء”.
هذا واندلعت الحرب في السودان، في 15 أبريل 2023، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في مناطق متفرقة من السودان، تتركز معظمها في العاصمة الخرطوم، مخلفةً المئات من القتلى والجرحى بين المدنيين.