المشهد هنا متنوع، وإيقاع الحياة حركة ونشاط.. فهذا شاب يجر خلفه حقيبة ترافقه في أسفاره المكوكية بين قريته وجامعته في مسقط، يبحث عن وسيلة نقل اقتصادية، وذاك عامل آسيوي عائد من إجازته وقد خرج من المطار يوقف أي سيارة أو حتى شاحنة ستأخذه إلى القرية التي يعود لها لأي عمل وإن كان جديدا عليه، فهو (كله معلوم).
في أكتوبر(1985م) مشهد احتفالي داخل هذا الدوار الكبير. عدد كبير من المسؤولين يملؤون جنباته ليُحتفل بافتتاح أكبر نصب تذكاري في عمان هو (برج الصحوة).. إن كانت ذاكرتي نظيفة فقد كان الحفل برعاية صاحب السمو السيد فهد بن محمود آل سعيد، أما كلفته كما ورد في وسائل الإعلام فقد بلغت مليونا وثمانية عشر ألف ريال عماني. رقم كبير بقياس ذلك الوقت.. معلم استثنائي شامخ، له هيبة دولة، وأناقة مدينة، وجمال معماري خاص، وعلى أضلاعه لوحات جدارية أنيقة من صفين، أمامي وخلفي، من بلاط خاص أو الفسيفساء الكبيرة، تختزل الكثير من صور الحضارة العمانية ورمزياتها، تتوج رأس البرج ساعة كبيرة بأربعة أوجه يمكن سماع دقات أجراسها بشكل واضح عند رأس الساعة وربما أجزائها كذلك.
أغرت هذه الدقات وزارة الإعلام بتبنيها في مقدمات نشرات الأخبار، بصورة تحاكي دقات ساعة بيج بن العالمية معلنة توقيت جرينتش حسب خطوط الطول في الكرة الأرضية. فكان التفكير أولا أن يتم تركيب ميكروفون خاص عند أجراسها مربوط بخط هاتفي لتُنقل الدقات على الهواء مباشرة، ولكن لبعض الشك في أي عطل فني قد يحدث فقد فضل المسؤولون تسجيلها وبثها مسجلة، ليظهر المذيع بإذاعة سلطنة عمان - وبكل اعتداد - بعبارة (دقات ساعة برج الصحوة معلنة السابعة صباحا بتوقيت مسقط. نشرة الأخبار، وأستهلها بالموجز....). ولاحقا حذا التلفزيون حذو الإذاعة وصمم شارة خاصة متطورة تسبق النشرة التلفزيونية. تمنيت لو بقيت هذه الرمزية في الإذاعة والتلفزيون كواحدة من ثوابت هوية البث.
كان السلطان قابوس رحمه الله يباهي به ضيوفه. فبعد خروج موكبه من المطار السلطاني الخاص بإمكان الموكب أن يتوجه مباشرة إلى قصر العلم بمسقط، ولكنه كان يحرص على العودة للوراء قليلا للالتفاف حول برج الصحوة قبل التوجه إلى قلب العاصمة العامرة، وربما قال لضيفه: نحن في عمان نهتم برموزنا الوطنية، وتاريخنا، وعلومنا، وعلمائنا.
للأسف عند توسيع المسارات حوله تم تهميش هذا الدوار للقادم من مسقط باتجاه السيب والعكس، بانحناء الطريق وابتعاده عن الدوار، ففقد الموقع جزءا كبيرا من الالتفات له، رغم أن مجسما لا أعلم إن كان لا يزال موجودا أم لا في مدخل وزارة الإسكان يقدم حلا بسيطا وأنيقا، ليظل المسار سالكا في الاتجاهات الأربعة دون الابتعاد عنه.
في فترة مباريات كأس العالم الأخيرة، تم تغطية اللوحات الجدارية بلوحات أو أقمشة إعلانية تروج لحضور المباريات في مركز المعارض. تساءلت: هل ضاقت بهم كل المساحات؟ ألم يجدوا من الدوار إلا هذه الأجزاء الأساسية؟ لماذا لم يختاروا الأطراف مثلا؟ وإذا كان الإعلان اليوم رياضيا فغدا سنرى إعلان حفاظات أو ما شابه.. ماذا بقي له من هيبة ورمزية؟ كل هذا في سبيل المال؟ أطلقت تغريدة بسؤال استنكاري: (هل أصبح برج الصحوة منصة إعلانات تجارية؟!) ولكن ما لم أتوقعه حقا الهجوم الكبير الذي تلقيته من ردود طالتني بشكل شخصي، وهذه أتجاوزها، ولكن طالت هذا المعلم، ودخلت في مقارنات مع الدول الأخرى بانتقاص واضح وصريح للمنجز الوطني، وصلت للمطالبة بإزالته بزعم أنه يعيق الحركة المرورية، ووصفه بأبشع الصور!! فكل العالم يفخر برموزه الوطنية، فهذه ليست خدمة تقدمها لنا هذه الجهة أو تلك وتقبل منا الرضى من عدمه.. برج الصحوة ليس من فئة مبنى التجارة العالمية الذي اشتهر أكثر بعد أحداث 11/سبتمبر، وما شابه. وإنما من فئة رموز ليست العبرة فيها بكلفتها المالية، وإنما برمزيتها، كالجندي المجهول في بعض الدول، ومن فئة قوس النصر في باريس، ونصب أبراهام لنكولن في واشنطن، ورموز انتهاء الحرب وترسيخ السلام في بعض الدول، وربما حتى بقايا جدار برلين، طبعا مع اختلاف القصص والدلالات وراء كل نصب، فالقصة أو القصص وراء برج الصحوة لها دلالاتها ورمزياتها بدءا من اسمه مرورا بموقعه واتجاهاته الأربعة، وليس انتهاء بجدارياته التاريخية..
وإن كان لابد من استثماره كمصدر دخل، أو تطويره بما يلائم العصر، فأتخيل أن هناك أفكارا عديدة يمكن تنفيذها، على أطرافه مثلا. بل ذهب خيالي إلى افتراض ملء فراغات أضلاعه الأربعة بشاشات عملاقة ذكية تعرض أروع المشاهد من عمان، وتمرر الكثير من الرسائل المجتمعية، وتحتفي بالمناسبات الوطنية، وتعرض إعلانات تجارية منتخبة، حتى لا تتكرر ظاهرة إلغاء أو تعطيل رموز وطنية جميلة شكلت ذاكرة جمعية ربما دخلت حتى في الأعمال الإبداعية كالقصص والروايات وغيرها، مثل مجمر ريام الذي لا يعلم كثيرون أن به مصعدا يأخذ الزائر إلى صالة بانورامية أنيقة بها مناظير تعمل بخمسين بيسة، ولكنه اليوم مغلق! وساحة وبرج الساعة في روي الذي كان متوهجا بشاشته العملاقة ومسرحه وفعالياته، ولكنه اليوم مهجور! وحتى الرموز البسيطة مثل كابينات الهواتف العمومية، وصناديق البريد، أو مجمر الوادي الكبير الذي كان يمكن أن ينقل إلى أي موقع آخر، كما نقل مجسم الكتاب من دوار الخوض إلى دوار الجامعة، ولكن استُكثر عليه حتى عدة كشافات تنيره ليلا رغم أنه يرمز لنور العلم، وقلعة دوار الموالح، ودوار الساعة عند المطار القديم، ومجسم (كلش دنيا)... لطالما تمنيت أن أرى ساحة أو ميدانا مرتفعا في مسقط، بل وحتى في المحافظات يتوسطه علم عملاق شاهق الارتفاع، حوله رمزيات وشروحات لدلالات العلم العماني، وحتى الرايات التاريخية، وشعار الخنجر والسيفين، الذي برز ظهوره الرسمي في القرن التاسع عشر على الأقل، وأكشاك تبيع تذكارات منوعة للعَلم، الذي يُعَدّ أول علم عماني متعدد الألوان في تاريخ عمان.. أسعدني مؤخرا خبر مشروع (ساحة الخوير) الذي ستعلو منه أعلى سارية في سلطنة عمان يرفرف على قمتها العلم العماني بارتفاع أربعين طابقا، سنرفع نحوه هاماتنا احتراما وفخرا، وأكفنا (تعظيم سلام).
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مفاوضات غزة – تفاصيل الاتفاق الذي سينفذ على 3 مراحل
تحدثت تقارير عربية وإسرائيلية ، مساء اليوم الثلاثاء 17 ديسمبر 2024 ، عن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل ، مشيرة الي أنها وصلت لمرحلة متقدمة وشبه نهائية خصوصا تلك التي تجري في العاصمة القطرية الدوحة.
وبحسب تلفزيون الشرق ، فإن الوسطاء في قطر ومصر مع طواقم فنية من حماس وإسرائيل لإتمام تفاصيل صفقة التبادل ووقف إطلاق النار من خلال الاتفاق على آليات التنفيذ التي سيتولى الوسطاء الدوليون الإشراف على تطبيقها.
إقرأ/ي أيضا: الجيش الإسرائيلي سيمنع سكان شمال غـزة من العودة لمنازلهم
بحسب المصادر، اتفق الجانبان على تنفيذ الاتفاق على 3 مراحل، تبدأ بمرحلة أطلق عليها "الإنسانية"، وتتضمن إدخال المساعدات إلى قطاع غزة والإفراج عن كل الأسيرات الإسرائيليات، بمن فيهم المجندات، والمدنيين الإسرائيليين، أحياء أو قتلى.
وينتهي الاتفاق بوقف شامل ودائم لإطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلي كلياً من قطاع غزة، بما في ذلك من محوري فيلادلفيا ونتساريم و6 نقاط سيحتفظ بها الجيش خلال المرحلتين الأولى والثانية، لتبدأ بعد ذلك عملية الإعمار.
وتقول المصادر إن صفقة لتبادل الأسرى ستتم على مرحلتين، بينما يتضمن الاتفاق المتعلق بوقف إطلاق النار في قطاع غزة 3 مراحل.
وأوضحت المصادر أن المرحلة الأولى تستمر لستة أسابيع، يتم خلالها إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المدنيين والمجندات، الأحياء والقتلى، مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، ويبدأ على الفور إدخال المساعدات الإغاثية والانسانية للقطاع، وتترافق مع انسحاب عسكري إسرائيلي من محور فيلادلفيا، لتبقى القوات الإسرائيلية في الناحية الشرقية ل معبر رفح ، مع انسحاب جزئي من محور نتساريم، وانسحاب تدريجي من داخل المخيمات الفلسطينية والمدن في قطاع غزة.
كما سيتم السماح بعودة النازحين إلى مدينة غزة وشمال القطاع، مع آلية رقابة عسكرية إسرائيلية لضمان عدم عودة نشطاء ومقاتلي حماس والفصائل، ولم تكشف المصادر مزيداً من التفاصيل بشأن هذه الآلية.
إقرأ/ي أيضا: حماس تعقب - البيت الأبيض: نقترب من التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غـزة
أما المرحلة الثانية من الاتفاق، فيتم خلالها تبادل كافة الأسرى العسكريين الإسرائيليين المتبقين، الأحياء أو القتلى، بمن فيهم الضباط الكبار، مقابل إفراج إسرائيل عن عدد لم يتم الاتفاق بشأنه نهائياً من الأسرى الفلسطينيين، من بينهم عدد يتراوح بين 100 و150 من الأسرى الصادر ضدهم أحكام إسرائيلية بالسجن لفترات طويلة.
وقالت المصادر إن هذه القائمة لا تشمل حتى الآن كبار قادة الأسرى، مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات ونائل البرغوثي وغيرهم.
وما زال النقاش جارياً بشأن آلية خروج الأسرى الفلسطينيين، حيث تصر إسرائيل على ترحيل الأسرى المحررين من هذه الفئة إلى خارج الأراض الفلسطينية.
وفي هذه المرحلة أيضاً، ستكمل إسرائيل انسحابها العسكري من قطاع غزة مع بقاء قوات في المناطق الحدودية الشرقية والشمالية.
وفي المرحلة الثالثة، من المقرر إعلان انتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة الفلسطيني، وبدء إجراءات رفع الحصار و فتح المعابر بشكل طبيعي، وإطلاق عملية إعادة بناء وإعمار القطاع، بما في ذلك ترتيب مؤتمر دولي للمانحين.
بالنسبة لإدارة المعابر، بحسب المصادر، تتولى السلطة الفلسطينية، بالتنسيق مع مصر والاتحاد الأوروبي، الإشراف على معبر رفح (للأفراد والأغراض التجارية) وفق مرجعية آلية تشغيل المعبر المعلنة في العام 2005.
ويتم تشغيل المعبر تدريجياً بإدخال المساعدات، ونقل المصابين والمرضى ذوي الحالات الطارئة.
ويجري الاتفاق بشأن إدارة قطاع غزة، في اليوم التالي لانتهاء الحرب، من خلال لجنة كفاءات مستقلة تكون السلطة الوطنية مرجعيتها، وهو ما يتطلب مرسوماً رئاسياً لإنجازها، وتعمل مصر ودول عربية أخرى داعمة لتشكيلها.
المصدر : وكالة سوا