هند عصام تكتب: رمسيس الثاني يستنسخ
تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT
ولأننا دائما أول شيء في كل شيء ، العالم أجمع يترقبنا ويترقب أثارنا وحضارتنا وحتي أجساد مومياوات ملوك مصر الفرعونية القديمة ، فليس من الغريب أن تقدم بعض الدول على استنساخ قطع أثرية مصرية تشبه أثارنا وتضعها فى متاحفهم ويفتخرون بها ، ولكن هذا بالطبع لا يتم إلا وفق شروط قانونية، ولكن من الغريب والمدهش هو ما أقدم عليه متحف في إيطاليا وذلك بعد ما تعامل مع مومياء الملك المقرب إليّ قلبي ، الملك رمسيس الثانى علي انها مجرد قطعة آثارية يمكن ان تستنسخ و ليس كملك من أعظم ملوك مصر الفرعونية القديمة حتي يقوم المتحف الايطالي باستنساخ مومياء الملك رمسيس الثاني وإتاحتها للعرض، وتمكين الزوار من مشاهدتها و لمسها ، فأجسادنا ليست قطع أثارية تشاهد وتلمس ولكنها أجساد ملوك أعظم حضارة في العالم .
ويقال ان متحف الشرق الأدنى ومصر والبحر الأبيض المتوسط بجامعة سابينزا فى روما، قد نشر مقالة علمية فى مجلة التراث الثقافى، وذلك لتوضح تفاصيل التجربة المثيرة للجدل، والتى اعتبرها معظم الأثريون "إهانة لأحد ملوك مصر القديمة".
ووفقاً لما جاء في المقالة العلمية، التي أكدت ان الباحثون قد استخدموا مواد عضوية ومتوافقة حيوياً، لإعادة إنتاج نسخة جديدة من مومياء الملك رمسيس الثاني ، وذلك من خلال ست خطوات قاموا بتوضيحها فى المقالة .
وكانت هذه الخطوات وهى أولا: تم استخدام الصور المتاحة لحالة جثة رمسيس الثاني المحنطة فى عام 1912، لبناء نسخة ثلاثية الأبعاد من أجزاء جسم المومياء باستخدام أحد البرامج مفتوحة المصدر (Cloud Compare)، وقالوا إن هذا البرنامج أتاح إعادة إنتاج الأشكال والنسب الصحيحة التى تميز أجزاء جسم المومياء الأصلية، وجاءت الخطوة الثانية وهي ان بعد الحصول على النموذج ثلاثى الأبعاد، تم استخدام تقنية متطورة من الطباعة ثلاثية الأبعاد، لطباعة أجزاء الجسم ثم التجميع اللاحق لها، وتم استخدام مادة "حمض البولى لاكتيك" فى الطباعة، وهو بلاستيك حيوى شائع جدًا يتم إنتاجه من الذرة، ثم تم تجميع جميع القطع بواسطة مسامير خشبية.. اما بالنسبة للخطوة الثالثة وهي ان يتم تغليف المنتج بطبقة سمكها 0.2-0.6 مم من الطين البنى المحمر البلاستيكى المنقى، والتى تم من خلالها تحديد التفاصيل الأكثر دقة يدوياً، وشمل ذلك التفاصيل التشريحية، خاصة وجه الفرعون ويديه وقدميه، حيث تم تشكيلها بعناية من الطين، مع التحكم بمساعدة الكمبيوتر فى مستويات السطح، وأصبحت هذه القاعدة الصلبة جاهزة فى النهاية لإيواء جلد المومياء الاصطناعى المصنوع من السليلوز النانوى.. اما بالنسبة للخطوة الرابعة وهي ان تتم تغطية قاعدة المومياء المطبوعة ثلاثية الأبعاد والمصنوعة من الطين بصفائح نانوية سليلوز ميكروبية، وهى مادة مصنعة حيويا من البكتيريا والخمائر، وتقدم هذه الطبقة من السليلوز النانوى بنية متشابكة ثلاثية الأبعاد مع مصفوفة مسامية فريدة من نوعها، وخصائص ميكانيكية جيدة .
وخامسا أجريت اختبارات التفاعل بين الجلد المجفف وملح النطرون وزيت الأرز وراتنجات شجرة الصنوبر وشجرة الأرز، وأظهرت أن هذه الأملاح والمراهم يمكن أن تحمى من الهجمات الحشرية والفطرية.. والخطوة السادسة ان تتم لف نسخة المومياء بشريط من الكتان ارتفاعه 0.4 متر وطوله حوالى 10 أمتار، وبأشرطة أصغر ارتفاعها 0.07 متر على الذراعين، وتم صنع تابوت بسيط مصنوع من الورق المقوى المطلى لاستضافة نسخة المومياء تحمل اسم ملك مصرى عظيم وهو رمسيس الثاني .
وأكد لورنزو نيجرو، مدير متحف الشرق الأدنى ومصر والبحر الأبيض المتوسط بجامعة سابينزا فى روما، أن نسخة المومياء تم إعدادها بمواد صديقة للبيئة، ولم يؤد لمس تلك النسخة من قبل العلماء وزوار المتحف إلى تغيرات ملحوظة فى مظهرها.
من جانب أخر جاءت بعض أراء علماء علم المصريات في مصر وهي عندما وصف الدكتور زاهى حواس، وزير الآثار الأسبق، وقال ان النسخة المنتجة او المستنسخة بأنها نسخة رديئة جداً ولا علاقة لها إطلاقاً بالملك رمسيس الثانى.
وقال حواس أيضا إنه كان يجب على المتحف الإيطالي الحصول على موافقة المجلس الأعلى للآثار، قبل الإقدام على هذه الخطوة الغير موفقة ووصفها تلك الخطوة بأنها خرق واضح لقانون الآثار المصرى .
وأضاف أنه تعجب أيضًا من وصف رمسيس الثانى فى المقالة العلمية بأنه "فرعون موسى" ،وهذه المعلومة غير صحيحة علي الإطلاق ولا يوجد عليها أى دليل علمى عليها وطالب بضرورة مخاطبة المتحف الإيطالى لرفع هذه النسخة من مومياء رمسيس الثانى.
كما رفض الدكتور منصور بريك، عالم الآثار المصرى، ما ذهب إليه حواس من التعامل مع المومياء كقطعة أثرية يمكن استنساخها بعد الحصول على الموافقة.
وقال بريك ملوكنا ليسوا قطعاً أثرية، حتى تستنسخ، فهؤلاء ملوك عظام فى تاريخ الشرق الأدنى القديم، ويجب احترامهم».
وأضاف: المومياء جسد بشرى محنط، والأقدام على استنساخها هى سابقة فريدة لم تحدث قبل ذلك، ويجب الضغط بكل السبل لوقف هذه المهزلة .
ومن جانب اخر قال الدكتور بسام الشماع، كاتب علم المصريات وعضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، ان المومياء جسد بشرى محنط، وليس حجرا أو تحوله إلى حجر كما يقول أثري موتور.
كما اكد قائلاً هؤلاء بني آدم، بشر، إنسان، يجب أن يكرم و يبجل و يحترم ، وان كل ما يحدث ما هو إلا مهزلة وإهانة لكرامة المصريين و يجب الرد و بشده .
و يجب أن تكشر مصر عن أنيابها و إلا تمادوا أكثر و أكثر.
كما قال إن حملة العودة للأبدية، أهداف الحملة التي أنادي بها منذ سنوات، والتي أطالب فيها بضرورة منع عرض المومياوات، باعتبارها أجسام بشرية ينطبق عليها حرمة الموتى.
وتساءل الشماع هل ستوافق إيطالياً مثلاً على عرض نسخة من جسد الملك يوليوس قيصر أو نيرون، ولماذا تهان أجساد ملوك مصر القديمة بهذا الشكل».
واختتم قائلاً: «هذا هراء يجب مخاطبة المتحف الإيطالي بوقفه فورا، وقطع العلاقات العلمية معهم إن لم يستجيبوا لذلك».
كما اكد علي ضرورة دفن جثامين المصريين في توابيتهم و في مقابرهم مثل ما أرادوا هم .
و قال الشماع إن هناك قرارًا تاريخيًّا رائعًا من متحف جامعة سيدني بأستراليا وهو منع عرض جثامين الموتى المسماة بالمومياوات بعد استبيانات و استطلاعات رأي من الناحية الأخلاقية.
واختتم الشماع قائلاً أتقدم بكل الشكر والتقدير والعرفان لإدارة المتحف بأستراليا لاتخاذ هذا القرار الرائع التاريخي وأتمنى من متحفنا في مصر وكل متاحفنا في العالم أن يتبعوا هذا الأسلوب وتكرم جثمان الموتى المومياوات.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
مونيكا ويليم تكتب: الهدنة الروسية الأوكرانية: هل تُمهد لتسوية شاملة أم تعيد ترتيب الأوراق؟
أصبحت العلاقات الدولية تشهد تسارعًا ملحوظًا في التغيرات وتشابكًا متزايدًا في الملفات، مما أدى إلى تعقيد المشهد الجيوسياسي العالمي. فلم تعد النزاعات تقتصر على أطرافها المباشرين، بل باتت تمتد تأثيراتها إلى قوى إقليمية ودولية، تتداخل مصالحها وتتفاوت مواقفها بين الدعم والممانعة، هذا التشابك جعل من الصعب تحقيق حسم سريع في الصراعات، إذ أصبحت الدول أكثر اعتمادًا على بعضها البعض، مما يفرض على الجميع حسابات دقيقة قبل اتخاذ أي موقف حاسم.
وتُعد الحرب الروسية الأوكرانية في هذا الإطار، مثالًا واضحًا على هذا الواقع الجديد، حيث لم تبقَي المواجهة محصورة بين طرفي الصراع، بل امتدت تداعياتها لتشمل قوى كبرى وفاعليين إقليمين، مما جعل موازين القوى أكثر تعقيدًا. وعليه، برزت جهود دبلوماسية، كالمباحثات التي استضافتها المملكة العربية السعودية، والتي تعكس رغبة بعض الأطراف في إيجاد حلول وسطية تُجنّب العالم مزيدًا من التصعيد، وذلك بالتزامن مع دراسة ترامب التراجع عن قراره بتجميد المساعدات العسكرية والتبادل الاستخباراتي مع أوكرانيا بشكل رسمي.
أثار هذا قرار العديد من التساؤلات حول دلالاته وتأثيراته المحتملة على مسار الحرب، لاسيما أن هذا التصعيد سوف يُعيد ترتيب ساحة المعركة مع روسيا، إما عن طريق وقف القتال، أو تغيير موازين القوى لصالح روسيا بمنحها ميزة حاسمة.
ارتكزت دلالة قرار الرئيس الأميركي كونه سيؤثر على تدفق الأسلحة والذخيرة بما في ذلك الصواريخ الباليستية أرض- أرض، والمدفعية الصاروخية بعيدة المدى، التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، إذ سيؤدي إلى وقف عمليات تسليم المعدات من مخزونات وزارة الدفاع (البنتاجون)، بالإضافة إلى المساعدات عبر مبادرة "المساعدة الأمنية لأوكرانيا"، التي توفر الأموال التي يمكن لكييف استخدامها لشراء معدات عسكرية جديدة من شركات الدفاع الأميركية بشكل مباشر.
وعلي الصعيد التكتيكي، تزامن هذا القرار مع استعادة روسيا ثلاث قري في كورسك من القوات الأوكرانية، على الرغم من تمسك أوكرانيا بالاحتفاظ بكورسك للمقايضة ضمن مفاوضات إنهاء الحرب، كما تستمر روسيا في غارات وهاجمتها، واستهدفت البنية الطاقة وذلك بالتزامن مع المساعي الأوكرانية لتحسين وضعها التفاوضي والاستقواء بأوروبا.
وبالنظر إلي أن المشهد الحالي يثير عدة تساؤلات، فلابد من قراءة دقيقة ومفصلة لكافة موازين القوي داخل الصراع الروسي الأوكراني والتي تتضمن أطراف مثل أوروبا والولايات المتحدة التي بدأ يحدث تغيير في شكل دعمها وموقفها السياسي، كما يمثل هذا الانسحاب اختبار حقيقي الي حلف الناتو في أول حرب يخوضها أكبر حلف عسكري.
ودفع هذا التصعيد الجانب الأوكراني لقبول الهدنة ووقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً وتوقيع صفقة المعادن الإطارية والتي سوف يتبعها عدد من الاتفاقيات الذي يمتد تأثيرها إلي نمو الناتج المحلي الإجمالي في أوكرانيا، والتي تنص على مناحي مختلفة بينها في نظري الحيز الأمني بارتباط المصالح الاقتصادية الأوكرانية بالمصالح الأمريكية.
وعلي الرغم من أن الموقف الأوكراني هش، بل ويفتقر إلى أي أوراق تفاوضية للمساومة، كما يفتقد إلى قوة ميدانية تمكّنه من فرض شروطه، وأثبات استعداده للسلام في مقابل حصوله على بعض الامتيازات، تتمثل في 3 مطالب وسيناريوهات الأول متعلق بانضمام أوكرانيا لحلف الناتو والتي تعتبر أعلي ضمانة أمنية لأوكرانيا تضمن معها عدم حدوث أي اعتداء مستقبلي من قبل روسيا تفعيلاً بالبند الخامس، وفي هذا الإطار يتعين استذكار بان أوكرانيا في عام 1994 تخلت عن ترسانتها النووية مقابل ضمانات أمريكية وروسية وبريطانية.
في حين أن السيناريو الثاني يختص بضمانات تكتيكية من قبل الولايات المتحدة لتعزيز موقف أوكرانيا التفاوضي، إما السيناريو الثالث فهو تعزيز قدرات الجيش الأوكراني لتدعيم قوته ولصد أي هجمات مستقبلية، ومما لا شك فيه أن تنفيذ أي من هذه سيناريوهات سوف ينشب صدام بين الولايات المتحدة وروسيا.
أما من جهة ترامب فهو سعي إلى إرغام زيلينسكي على تغيير موقفه حيال محادثات السلام؛ بما في ذلك الاستعداد لتقديم تنازلات على غرار التخلي عن أراضي لصالح روسيا وأيضا التحرك نحو أجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومن المرجح أن يصر الرئيس الأمريكي عن تنحي زيلينسكي عن منصبه وذلك بعد أن شهدت العلاقات بين الطرفين منعطفًا دراماتيكيًا علي خلفية اللقاء المحتدم بينهما. في ضوء أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى بشكل رئيس إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا بهدف تحييد روسيا عن أي تعاون محتمل مع الصين. فهو لا يرغب في أن تكون روسيا قوية بما يكفي لمنافسته، ولا ضعيفة إلى الحد الذي يدفعها لتعميق علاقاتها مع الصين.
فضلا عن أن الولايات المتحدة تعاني من أزمات داخلية متفاقمة تتمثل في أسعار النفط وأيضا حجم الديون الأمريكية تبلغ نحو 36 تريليون دولار.
وفي المقابل بدأت القارة الأوربية تدرس سبل تعويض أوكرانيا عن المساعدات الأمريكية، كما أعلنت فرنسا أنها سوف تستخدم فوائد الأصول روسيا المجمدة لتمويل 95 مليون يورو المساعدات العسكرية المقدمة إلي أوكرانيا.
ومع استقراء خريطة الاحتياجات الأوروبية في حال تم بانسحاب الولايات المتحدة من حلف الناتو الأول حول النظام الدفاعي في أوروبا، فوفقا لسيناريوهات عدة طرحتها فايننشال تايمز نوفمبر 2024 بالتوقع الخاص بانسحاب الولايات المتحدة من حلف الناتو .
فأوروبا سوف تنفق ما يعادل 4% من الناتج القومي لزيادة الإنفاق الدفاعي والموازنة العسكرية، كما أن انسحاب الولايات المتحدة من قواعدها داخل الدول الأوروبية يعني احتياج أوروبا لنحو 300 ألف جندي، و1400 دبابة و2000 عربة قتالية و700 مدفع وبالتالي سوف تحتاج أوروبا ما يقرب من 250 مليار يورو لتعزيز الاستثمار الدفاعي، وفي الوقت نفسه وفقا لتقديرات عدة، فهناك تأويلات حول عدم جاهزية أوروبا لهذا الانسحاب الكلي والمفاجئ.
أما ما يتعلق بسيناريوهات الموقف الروسي، فهناك عدة تساؤلات باتت تطفو علي السطح وذلك علي غرار، هل ستوافق روسيا علي الهدنة ووقف اطلاق النار لمدة 30 يوماً وما هي التحفظات المتوقعة؟
فعلياً، تعتبر روسيا هذه الهدنة هي محاولة لكسب الوقت من ناحية أوكرانيا لاستعادة قواها واستعادة ثقة الولايات المتحدة بعد أن جمدت الولايات المتحدة التعاون الاستخباراتي والدعم الأمريكي، ووفقا للتصريحات الروسية فأن أي اتفاق بين الولايات المتحدة وأوكرانيا لابد من يأخذ في الاعتبار التقدم العسكري الروسي وإبعاد الناتو عن الحدود الروسية، وفي نظري ثمّة أسبابٌ عديدةٌ تدفع روسيا إلى إنهاء الحرب، يأتي في مقدّمتها رغبتها في إنهائها من موقع قوّة، لا سيّما في ظلّ تحقيقها مكاسب عسكرية ملموسة على الأرض وأيضاً مواقفة الجانب الروسي علاوة علي ذلك تسعى روسيا إلى تجنّب المزيد من الخسائر الاقتصادية، التي قد تتفاقم مع استمرار النزاع، مما يجعل التوصّل إلى تسوية تعزّز مكاسبها الاستراتيجية. وأخيرا نتيجة تنامي السمة التفاوضية والملفات التوافقية بين الرئيس الأمريكي والرئيس الروسي والتي تنطلق من نسق عقائدي مفاداه ضرورة أنهاء التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا الذي نشب خلال الثلاث السنوات الماضية.
ختاما، التوصل إلى تسويات حاسمة يظل رهينًا بإرادة القوى الفاعلة ومدى استعدادها لتقديم تنازلات حقيقية تُنهي حالة الجمود والصراع المستمر.